الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قُبلة يهوذا

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 2 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟؟"*..عندما قالها المسيح عليه السلام -حسب الرؤية المسيحية- لم يقلها و كأنه كان يجهلها بل لعله قالها و هو على يقين من وقوعها..فالمسيح كان يعلم مُسبقاً بخيانة يهوذا قبل وقوعها..كان يعلمها منذ عشائه الأخير معه و لكنه كان يمنحه الفرصة للتراجع عنها..و كان يعلم بها و هو يقتسم معه الخبز المُقدس كما كان يعلمها أيضاً عندما رأى الملح ينسكب أمامه هو وحده دون سواه.

لماذا لم يتراجع المسيح حينها؟؟..المسيح تصرف مثلنا تماماً عندما نكون في حالة من الاندماج العاطفي مع الآخرين..فمن منَّا يتراجع عندما يعلم باحتمالية خيانة من يحب تجاهه؟؟..و من منَّا يفكر في تلك الاحتمالية أصلاً؟؟..فأغلبنا يظل يراهن على تلك اللحظات المُقدسة بالنسبة إليه و التي تجمعه بذلك الشخص حتى آخر لحظة..يراهن عليها لتحميه من خيانته..و هكذا كما كان رهان المسيح على يهوذا و على حب يهوذا له رهاناً خاسراً نحن أيضاً نكرر ذواتنا مع من هم حولنا بذات الطريقة و لكن باختلاف أسلوب يهوذا معنا.

لعل لهذا السبب تُعتبر يهوذا من الشخصيات المثيرة بالنسبة إلى الثقافة الغربية..و لعله مثال حي على أنه بإمكانك أن تبيع من تعشق و لا بأس أيضاً من أن تقبض الثمن بالفضة و لا بأس أيضاً أن تخبره بخيانتك و أنت في ذات الوقت تخبره بمدى حبك له عن طريق قُبلة على خده كما فعل تماماً يهوذا بالمسيح عليه السلام.

نسبة لا بأس بها من المفكرين المسيحيين ترى أن شخصية يهوذا شخصية لا تستطيع أن تُدينها بشكل كامل رغم وضوح خيانتها..بل يمكنك أيضاً أن تقتنص حالة عدم الإدانة تلك و تعاطف أغلب الرسامين معها من لوحاتهم التي وضعوا فيها تصورهم لها..فأغلب اللوحات التي تصور يهوذا لا تظهر معالم وجهه بشكل شيطاني كما نعتقد أو نتصور..و لكنها تظهره في الأغلب بالمظهر البائس قدر الإمكان!!.

و حتى في فيلم آلام المسيح كانت شخصية يهوذا شخصية بائسة لا يمكنك إلا أن تشفق عليها من مواجهتها لمعضلة الدنانير الفضية بالإضافة إلى حيرته وشكه تجاه حقيقة ألوهية المسيح..و في الأغلب ستشفق على مصير يهوذا المأساوي الذي قاده في النهاية إلى الجنون بسبب الخوف و الندم و من ثم معاقبته لنفسه بالانتحار..بل و قد تتمنى لو مُنح فرصة ثانية لتصحيح خطأه.

حتى في الثقافة الإسلامية لا تجد كراهية أو حتى إدانة عميقة لتصرف يهوذا..ما تجده هو مجرد إدانة عابرة تتلخص بكلمة "خائن" و لكنك لن تجد على الأغلب من يصفه بأكثر من ذلك و لن تجد من يصفه بصفات شيطانية..بالرغم من أنه في الرواية الإسلامية للأحداث كان هو من صُلب عوضاً عن المسيح..و هذه فرصة لا تعوض لنا لنمارس هوايتنا في الشماتة تجاهه و لكننا لم نمارسها بالرغم من ذلك!!.

لعل سبب الإجماع على هذا التعاطف مع يهوذا يرجع إلى أننا بشكل أو بآخر في مراحل حياتنا نظل نتنقل بين المسيح و بينه..فأحياناً نحن المسيح بتسامحه مع من يغدر به و بقبوله لخيانة الآخرين له كواقع "مُبرر"..و أحياناً أخرى نحن يهوذا بإنسلاب إرادة مؤقت يؤدي إلى ارتكاب الخيانة تجاه أكثر الناس قُرباً إلى قلوبنا.

لعل لهذا السبب لم نمارس -كما لم يفعل غيرنا- طوال مئات السنين أي إدانة تجاه يهوذا لأننا لا نريد أن نكون قاسيين تجاهه كي لا يصبح الآخرون يوماً ما كذلك تجاهنا عندما نصبح مثله..و لا نريد أن ننزع قُدسية قبلة يهوذا وما تمثله بالنسبة لنا لأنها في نهاية الأمر دليل على أننا مجبرون على الخيانة و لكن ما دفعنا إليها هو الدنانير الفضية التي كانت أكبر منا و التي "قد" تكون قبلتنا أكبر منها لدى الآخر.

*إنجيل لوقا-الإصحاح 22-الآية 48.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت