الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتابالهيرمينوطيقيا ...

كامل حسن الدليمي

2014 / 2 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الهرمنيوطيقي بين الدلالة والمفهوم
قراءة في كتاب للدكتور عامر عبد زيد الوائلي
صدر للباحث الدكتور عامر عبد زيد الوائلي أستاذ الفلسفة في جامعة الكوفة كتابه الموسوم ( قراءات في الكتاب الهرمنيوطيقي) عن دار ابن النديم لنشر والتوزيع – ناشرون في لبنان .
ويعد هذا الكتاب من الإصدارات الحديثة التي اشتغلت على مفهوم (الهرمنيوطيقيا ) بوصفها تأويلا مبينة مراحل تطور هذا المفهوم ودلالته إذا ما عرفنا أنها( تعريف، وشرح ،وترجمة، وتأويل) كمقاربة لما تعنيه هذه المفردة المولدة من لغات إغريقية مكونة مصطلح ( الهيرمينوطيقية ).
وأنها قراءه استعارية للمتن أياً كان هذا المتن متجاوزة بذلك التحليل النحوي والبلاغي، أو هي الكشوفات الواعية لما وراء هدف المؤلف فإذن هي فن يبحث في استعمالات المعنى بموجب آليات ووسائل لغوية ومنطقية ورمزية تصويرية وفي النهاية هي كشف وملاحقة لحقيقة ما .
ومهما حاولنا إيضاح هذا المعنى فانه يظل رهن قدرة الباحث عن الكشف والإيضاح والبيان والتأويل لمنتج فكري معين والغوص بعيدا في أعماقه لتسليط الضوء على الحقيقة التي قد تبدوا سابحة في أجواء مضببه.
يقول الدكتور عبد زيد ( هي التأويل الذي اخذ بعدين هما تأويل قديم وآخر رمزي، وفيه نوعين هما التأويل الهرمسي الذي لا يلتزم بقواعد، والتأويل العقلاني الذي يقيد النص بمحددات أساسية عن الشروع بعملية التأويل مستشهدا بـ مقولة "امبرتوا ايكوا" الذي يضع خطا فاصلا بين التأويل الفلسفي في العصر اليوناني القديم والذي يزعم انه مبني على العقلانية والقوانين المنطقية الملزمة ،والآخر المنطلق من مبدأ عدم التناقض ) .
بذلك فان التأويل الهرمسي هو التعامل مع النص على أساس تغييب القواعد والأساليب أي انه ذو نهايات مفتوحة من غير قواعد وقوانين ،وهذا النوع من قد تأثر به "الجابري" من خلال الفصل بين البرهنة، والغنوصية، والعرفانية، وهي من الظواهر التي سادت في تفسيرات الباحثين في الأديان السماوية تحديدا كـ(اليهودية ،والمسيحية، والإسلام) مثلما عرفتها الديانات الوضعية كالمانوية والمندائية .
ويستغرق عبد زيد في شرح مضامين نوعي التأويل منطلقا من إخضاع النص الفلسفي لمنهج من مناهجه التي ذكرها في مستهل كتابه ثم يستعرض من خلال مقدمة طويلة دور الفلاسفة التأويليين في تنمية هذا النوع في نتاجهم الفلسفي،
وقد عرض في الفصل الأول مقارنة بين الأسطورة واللوغوس والغنوص القائم أصلا على التأويل الرمزي كنوع من التأويل
وبشكل عام فان التأويل رمزيا كان أم عصريا فانه يشتغل في منطقة خاصة به ولا يتماها النوع الأخر بينما المعاصر هو ما وصفه "غادامير" قائلا انه ذلك الذي يتشكل على أساس قاعدة قوامها قراءة النص وفهمه .
وأعطى الدكتور عبد زيد خلاصات مهمة من خلال أطروحاته في الفصل الأول لعل من ابرزها
1- الكشف عن الفروق الأساسية والثانوية بين التأويل القديم والمعاصر بما أن المعاصرة قد تعاملت مع المتلقي بان فتحت أمامه آفاق فوضاءات جديدة للتأويل من خلال عملية تتابعيه تبدأ من المنهج وتنتهي بالحقيقة ملتزمة بذلك مسلكا نحو
الكشف عن الحقيقة أو عن حقيقة محايثة للتجربة ومواكبه لعملية التصوير والممارسة .
اذن فالهيرمينيوطيقا هي التأويل والتأويل هو التأمل الفلسفي وفي النهاية هي تفكير فينيومينيولوجي حول نشاط معين .
بعدها يصل بنا هذا الاستنتاج إلى مهم هو أن ثمة فروق لا يمكن تجاوزها بين ما هو أفقي ( التراث والمعاصرة ) كون ان العلاقة القائمة بين هذا وذاك علاقة مرتبطة بقدرة المؤول على النفاذ من خلال هذه الارهاصات إلى المعنى العام .
عند ذاك تصبح هيرمينيوطيقا تقنية معينة تعتمد المعيارية،و ترفض الأحكام الاعتباطية، وتستخدم الدليل العلمي لعملية لا نظرية ،و يظهر نوع آخر من هيرمنيوطيقا فلسفية تعتمد النقد العلمي للمعياري من الهيرمونطيقيا التقنية وتنفتح على تفكير فلسفي ونقدي للظاهرة لا تقف مطلقا عند الاثار المكتوبة بل وتتقصى مستوى وجودنا في العالم .
وحقيقة فان هناك ثمة فرق واضح بين الماهيات الثابتة (الأصول) وبين ضرورة التجدد في البحث عن مخارج تأويلية جديدة تتحلل من طابع المعيارية والركون إلى النص المكتوب إلى ما بعد محتوى ومضامين هذا النص .
وقد وجدنا أن الفصل الأول من هذا الكتاب هو استعراض للتأويل الرمزي من حيث مدخلاته ومخرجاته مستعرضا آراء العلماء مثل "ايلوا سيس" حيث يمرّ على الاورفيه التي تتعامل مع البعد الرمزي والفيثاغورسية التي تعتمد التأويل العقلي ثم عرّج على المعرفة من داخل وخارج اليونان مفصلا بذلك المشتركات والاختلافات بين ماهو تأويل رمزي وماهو تأويل معاصر مستعرضا الحلقات التي شكلت سلسلة هذا التأويل مرورا الى بالتأويل السوفصطائي الذي شكلت منطقة اشتغاله منطقة هدم وإفساد أخلاقي كما يتصور ذلك "فراس السواح" في كتابه ( لغز عشتار) ويحلل كل هذه المفاهيم متعاملا مع معطياتها في اللغة والفكر والمنهج ثم يقوم باستعراض تاريخي علمي جميل للمدرسة الأثينية التي تقول بالتأويل العقلي المنطقي كمنهج لها معرجا على" أفلاطون" وآرائه "وارسطو" تلميذه وإشكالياته وما وضع في هذا المحور حتى يصل بنا إلى الفصل الثاني الذي يعالج من خلاله التأويلية والريبة عند "ماركس ونيتشه" الذان اعتمدا على حقيقة " كل شيء يتجلى أثناء القراءة أو أثناء لحظة القراءة" أو أثناء لحظة المواجهة أي أن لعبة السؤال والجواب هي تقنية عالية للتأويل.
أما الفصل الثالث فهو يطرح لنا مقاربات في تاريخ النظرية الهيرمنيوطيقيه مارا من خلال هذا الفصل على اراء البروتستانت الألمان الذين عملوا على رسم منهج جديد على فهم الكتاب المقدس مفسرين من خلاله النظرية التأويلية التاريخية والتي يقرؤها ضمن الحداثة التاريخية التي تبحث في إيجاد مبدأ وضعي صارم أو قانون شامل يتم من خلاله التأويل .
ثم يذهب بنا إلى آراء "شلاير ماخر" الذي نظر إلى النص باعتباره وسيطا فرديا موضوعيا ينتقل من خلال فكر المؤلف والقارئ أو المفسر.
وهذا الوسيط اللغوي هو لا يمثل الجانب المشترك وحسب بل هو أساس عام تتموضع من خلاله الحياة المنطقية.
ويستعرض تاريخ الهيرمينيوطيقيا الذي يتراجع كمشروع فكري مفسر لفكرة التأويل وآخرى يستنهض بناءا للمتغيرات الفكرية، وفي ذات الفصل يستعرض التاويلية الوجودية ويستشهد برموز قاموا بإحياء الفكر الهيرمينيوطيقيا مثل "هايدر وغادامير" وصولا إلى دراسة تحليلية لـ حقيقة جدل الواقعة والمعني و التأويلية عند "هابر ماس" فيضع ما يشبه ألخلاصه قبل نهاية فصله الثالث بالمرور على سلطة النص بين الكاتب والقارئ مبيننا تلك العلاقة القائمة على الفهم المشترك مستشهدا "بماركس ونيتشه وفرويد" الذين حاولوا ومن خلال أطروحاتهم إعادة قراءة الواقع لإنتاج حقائق جديدة لـ إعادة البعد الفردي الذي تمثل بسلطة الدولة وعموما فان استعراض هذه السلطات أزال كثيرا من الغبار الذي أوشك أن يغطي هذه المفاهيم ويجعل العلاقة القائمة بين المؤلف والقارئ علاقة عمودية رأسها المؤلف وقاعدتها القارئ .
وعلى أية حال فان استقراءً جديداً لعملية التأويل قدمه الدكتور عامر عبد زيد من خلال دراسة علمية قاربت بين منهجيّ التأويل المذكورين أعلاه مغيراً تلك العلاقة العمودية إلى علاقة أفقية توظف جهد المؤلف لإفادة المتلقي من حيث الوصول الى الحقيقة واستخلص في نهاية الأمر حقائق من أبرزها إن التأويل القديم يستند على الثبات والسرية وهيمنة اللغة السوفسطائية المليئة بالأسرار وهيمنة الطابع الديني المكرس أصلا للبحث عن معرفة الأسماء السرية للالهه وان طغيان الرمزية من خلال احتكار المعنى هو مؤشر سلبي على التأويل القديم إذا ما قورن بالمنهج المعاصر، إن كل ما جاءت به التأويلات القديمة يوضح لنا العلاقة بين الجسد والروح ويستنتج مما تقدم حقيقة أن التأويل المعاصر واتجاهاته المتعددة جاء لحاجة ماسه من خلال عجز القديم عن استكناه الحقائق .
إن ما طرحه عامر عبد زيد وهو "أستاذ فلسفه" شاهده ذلك الكم الكبير من الاسهامات الفكرية المعاصرة والتي تمزج بين الظاهرة وانعكاساتها بما يخدم واقع الحياة ويرقى بالانسان ، يضع القارئ أمام حقائق أبرزها:
1- إن التأويل القديم كان قد اعتمد أساليب غائرة في الطلسمة والتعويم واحتكار المعنى الحقيقي أو هو ما نستطيع إن نطلق علي( التغييب القصدي للقارئ ) فعندما يشعر بصعوبة إدراك أساليب هذا التأويل فانه بالتأكيد سيقف عاجزا أمام طرح تفسيراته وتساؤلاته عن المرموز وما تضمن من مسكوت عنه، وان هذا المنهج تعامل مع المتلقي بشكل عمودي نازل من المؤلف نحو قاعدة مشكلا زاوية قائمة.
2- المنهج المعاصر انطلق بشكل أفقي من المؤلف نحو المتلقي بزاوية مقدارها 45ْ مئوي قابلة للارتقاء أو الهبوط قليلا على أنها لا تساوي العلاقة العمودية ،وبذلك قد أسس لصفوف من القراء يتباين بعدا أو قربا من نقطة المركز " المؤلف". إذ لا يمكن بهذه العجالة قراءة تفصيلية لمتن فكري منظم وميسر للقاريء البسيط (قراءات في الخطاب الهرمنيوطيقي) لأنه اشتغل على مفاصل حساسة في فهم هذا الخطاب منطلقة من أساس معرفي ووعي أكاديمي علمي، اعتدنا أن نجده في مؤلفات عبد زيد ولا ندعي أن هذه القراءة قد مستكملة الجوانب إنما هي وجهة نظر في ما يستحق القراءة الجدية ومن كل الزوايا لإعمام الفائدة .ويكفينا أن حاولنا المرور على أحد أهم العناوين التي طرحت في هذا المضمار، متمنين للمؤلف المزيد من التألق والإبداع والعطاء لإثراء المكتبة العربية والعراقية ، داعين له بالتوفيق .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن