الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإقصاء لمعالجة -الإقصاء-؟

فاخر السلطان

2014 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نؤكد مجددا بأن ثقافة الإقصاء ليست صفة محتكرة للتيار الديني فقط، بل الكثير من العلمانيين يتصفون بذلك أيضا. فهناك دور إقصائي واضح وصريح من قبل العديد من العلمانيين ضد أنشطة التيار الديني بمبرر مواجهة الإقصاء. أي أنهم يتبنون الإقصاء من أجل معالجة الإقصاء، ومن أجل الدفاع عن الديموقراطية!. هل هناك تناقض أكثر من ذلك؟ مبرّر هؤلاء واضح: من يواجه المواقف الحكومية المناهضة للديموقراطية، هو أسوأ من الحكومة في مناهضة الديموقراطية بل وفي مناهضة مجمل الحريات الفردية. لكن، أين هي المسؤولية التي تُحمّلنا إيّاها الديموقراطية والمتمثلة في ضرورة احتواء جميع الأطراف، الحكومية والدينية والليبرالية والتقدمية والقومية والمذهبية، دون سعي طرف لإقصاء طرف أو أطراف أخرى؟
حينما نسمع عن مساع شعبية (لا حكومية) لإقصاء طرف سياسي ديني (كجمعية الإصلاح الاجتماعي) عن طريق اللجوء إلى القضاء، فنحن هنا أمام نقطتين لا صلة لهما بالثقافة الديموقراطية: الأولى، هي السعي إلى "إلغاء" خصم سياسي بدلا من "التعايش" معه و"التغلب" عليه عن طريق آليات الديموقراطية . الثانية، هي استغلال القضاء لمارسة هذا الإلغاء، في حين يُفترض أن يكون القضاء ملاذا ضد مختلف صور الإلغاء وبيتا للدفاع عن الحريات بمختلف صورها.
الكثير من الأطراف السياسية، الدينية والعلمانية، ملتئمة في صورة تحالفات متباينة فكريا لكنها متفقة على بعض الأولويات السياسية. نجد شواهد ذلك في العديد من الدول المجاورة الساعية معارضاتها وتحالفاتها إلى اختراق أفق الإنسداد المانع لحركة التغيير والإصلاح الديموقراطي، باعتبار أن ذلك هو الهدف الرئيسي الذي يتفق عليه الساعون للتغيير. وحينما ينفتح هذا الأفق، تنفتح معه صور مختلفة من الحلول ومن المشاريع التي تتنافس فيما بينها في إطار آليات الديموقراطية التي ظهرت بفعل عملية التغيير.
هذا المؤشر نشاهده بوضوح في المشهد السياسي الكويتي، الذي التأم فيه الديني والعلماني، سواء في الوقوف إلى جانب السياسات الحكومية، أو في تبني الحراك التغييري في سبيل الوصول إلى واقع ديموقراطي متقدّم. ويقف في مقدمة من يتبنى هذا الحراك، جمعية الإصلاح الاجتماعي. إذاً، هل مساعي إقصاء الجمعية يخدم حراك التغيير أم يخدم المواقف الحكومية في الإبقاء على الوضع السياسي كما هو ورفض أي تطوّر في آليات العمل الديموقراطي؟.
ما يتصف به بعض علمانيينا هو انفصالهم عن مبادئ الليبرالية، خاصة ما يتعلق بتعددية الحقوق. هُم علمانيو الرأي الواحد، ما جعلهم يعادون أي توجّه آخر يشتم منه رائحة دينية ويقصونه بكل سهولة ويسر، حتى لو كان هذا الآخر أكثر قدرة من الحكومة على تبني مواقف تعزز الديموقراطية وآلياتها. وما أدى بهم إلى تبني هذا الموقف هو الخوف على الحريات الفردية، فاختاروا الموقف السلطوي المدافع (راهنا) عن بعض تلك الحريات، وفضّلوه على الحراك التغييري.
هُم مارسوا الإقصاء في سبيل الدفاع عن الحريات، أي تبنوا موقفين متناقضين في نفس اللحظة دفاعا عن هذا المبدأ. لكنهم لم يلتفتوا إلى الموقف الحكومي المعارض لمختلف صور الحريات الأخرى من سياسية واقتصادية واجتماعية، وكأن الحريات الفردية هي الوحيدة التي يجب الحرص على حمايتها، وكأن هناك سؤالا يبقى مطروحا باستمرار من دون إجابة: إلى متى يجب أن يميّز المدافعون عن الحريات الفردية، بين مواقف حكومية تعادي مختلف صور الحريات، وبين مواقف لتيارات دينية تعادي أو تتجاهل الحريات الفردية لكنها تقف إلى جانب الحريات الأخرى؟ أيهما يخدم التغيير الديموقراطي على المدى البعيد، معاداة التيارات الدينية المنضوية في تحالف مع العلمانيين من أجل قيادة حراك تغييري ديموقراطي، أم دعمها ومواجهة كل من يقف ضد تطوّر آليات العمل الديموقراطي سواء كان حكوميا أو دينيا أو علمانيا؟
إن السعي لتطوير آليات الديموقراطية والمحاسبة والنقد هو الضمان الوحيد للدفاع عن مختلف صور الحريات سواء كانت فردية أو غيرها. في المقابل، فإن الفكر اﻹ-;-قصائي هو واحد سواء كان دينيا أو علمانيا. لذلك، أستغرب أن يعاب على الفكر الديني اقصائيته ويمارس العلماني الشيء نفسه. فالإقصاء هو حل مؤدلج وقع في فخه أعداء الأيديولوجيا دون أن يعلموا، هو مسعى مضلّل لتصوير جميع التيارات الدينية بأنها تقف على مسافة واحدة من مختلف صور الحريات. لكننا نعلم جميعا بأنه لا يمكن في هذا الإطار - مثلا - مقارنة تنظيم القاعدة ومن هو على شاكلته بتنظيم الاخوان المسلمين، فالأول له دستوره الخاص وأدبياته وآلياته الخاصة، فيما الثاني يخوض منافساته السياسة بصورة مدنية وفقا لما يمليه عليه الدستور المدني.
مثلما يحتاج الخطاب الديني إلى خطاب جديد متصالح مع الحداثة، لابد للخطاب العلماني أن يعيد النظر في بعض أدبياته المعادية للخطاب الديني وللتيار الديني، يحتاج إلى أن يعيد النظر في صورته الإلغائية، أي لابد أن يتبنى خطابا متصالحا مع الدين السياسي/الاجتماعي. وهذا التصالح ليس بمعنى خلط الأوراق، أو تداخل التشريعات، أو تنازل العلماني للديني خشية من عواقبه، بل يعني القدرة على التعايش بين الاثنين بحيث تتوضح حدود كل جهة، حتى لا تفقد العلمانية دورها المركزي في تنظيم الحياة، ولكي لا يفقد الدين بريقه الروحي وتأثيره الإيماني ويتحول إلى شأن وصائي استبدادي ينهل من التاريخ دون مراعاة لتطور الحاضر وتغيّره. وإذا ما أراد خطاب التيار الديني أن ينهل من الحاضر، فإن الحاضر هو الآن في عهدة المدرسة العلمانية بجميع تفرعاتها وتخصاصاتها، فإما أن يصبح الدين ذا فهم حديث ليكون صالحا للزمان ويصبح أحد العناصر المنتمية للمدرسة العلمانية، وإما أن يقبل بالرؤية العلمانية التي لا تسعى بتاتا لمعاداة الدين بل تسعى لتحريره من هيمنة العقلية التاريخية.

كاتب كويتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيف يستخدم الماسلمين الاسلام اسوا استخدام
علي العبيدي ( 2014 / 2 / 3 - 12:59 )
وهو حق للعلمانيين او اللبراليين او الدمقراطيين ان يقصوا تماما المتاسلمين من الحياة السياسيه لانه من غير العدل ان يستخدم اي طرف سياسي اسم الله او الدين في مواجهة الفكر التقدمي او العلماني
وسلاح المتاسلم الكاذب والمتلون والانتهازي دائما وابدا لايمكن رفع سلاح ضده لانه يصف سلاحه بالرباني وان الله قد انتخبه وجاء به لاصلاح الامه!!! كيف تواجه هكذا سلاح بحق الله وانت لاتملك سوى تقدميتك وانسانيتك وحبك للبشريه؟؟؟؟
المعركه السياسيه اذن غير متكافاه بتاتا بين المتاسلمين وغيرهم فليس هناك اسهل من اتهام العلماني والمثقف بالكفر والالحاد حينما تعي السبل جدال المتاسلمين او اذا ارادوا الهروب من مواجهة الحقائق

اخر الافلام

.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع