الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحظات مع البقرة

مزوار محمد سعيد

2014 / 2 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الصعب على الإنسان أن يجد نفسه بلا عنوان، بلا دافع يعيش منه و إليه، بلا فتات يقتات منه لحاضره، و بلا نقد أو مجاملة، ذلك صعب للغاية إن هو كان و لا زال مرتبطا بالعالَم الذي يرمي على البشر حمولاته المرهقة، بحيث يكون من الظلم أن يبكي الإنسان قدره للقَدَر.
على مرات يضيع الشاب بين أيام شبابه، يطوف بالبنزين الذي يحاول هو أيضا الهروب منه، بنزين من نوع غير معتاد، بنزين للحياة. و على المركبة تكون كلّ الأحلام المخيفة حاضرة، من مغلقات الحواجز و من نقائض التزويد، و حتى من طارئ يجرف معه دهرا من العمل، ذاك الشاب هو الذي يصنع الخوف، ثمّ يلجأ إلى الخوف من خوفه.
عندما يعقد أمل البشرية كله من أجل الوصول إلى غمده، فهو في حالة وجود بلا وجود، و عندما يسير مستقبل المستقبل على حافة الطرق السريعة فهناك من يحاول انتزاع الرحمة من فضاء الحدود، و عندما لا يجد الفرد الإنساني عائقا يحول بينه و بين المادة فإنّ هناك سببا كافيا لأن يشرب كل ما تشربه المحركات من وقود.
ليس عيبا أن يسعى الفرد وراء رزقه، و ليس معيبا أن يحارب الإنسان من أجل حقه في الحياة بالطريقة المتاحة، و لكن العيب و كلّ العيب أن يرى حقه ضائعا أو مضيّعا، فيودعه و هو يحمل الألم فقط لا غير.
على الناس الذين يحاولون إدراك الوجود إدراك تواجدهم في كل بداية، فحين ينتج الحِلم عن الواقع فلا مجال لزواج الوقاحة بالعلن، إنّ أفضل البشر هم هؤلاء الذين اختاروا وجودهم تحت سقف موجب، فلا حرج من الإيجاب في الوقت الذي يكون فيه الإيجاب حرجا.
الفشل الاجتماعي هو أخطر ما يمكن للفرد تصوّره، هو أسوء من الاستعمار نفسه، لأنّ الفاشل في هذا المجال تلاحقه لعنة المحيطين به أينما حلّ أو ارتحل، هذه من مصائب الأزل، و لا مجيب لشواهدها سوى بتكاثف كلي للجهد العام، دون نسيان الرؤوس الموجهة له طبعا، لأنّ الجهد بلا توجيه مثله كمثل الوقاية بلا تلقيح.

".... فلو أنّ النخبة درست هذا الفشل، لاستفادت منه أكثر مما يفيدها نصف نجاح خدّاع... لأنها تدرك من خلال تلك الدراسة حقيقة الأمر، أعني حقيقة الشروط الخاصة التي يجب أن تخضع لها جهدها كي تحقق به نجاحا كاملا...."
(مالك بن نبي، في مهب المعركة، ص114)

ليس من السهل إقناع الفرد بأنه على خطأ، خاصة إن كان الخطأ هو ذلك المفيد المؤقت، أو ذاك الذي يبدوا لأحدهم أنه خطأ هو ذاته الذي يبدوا للآخرين أنه هو الصواب عينه.
لقد كان للفرد الإنساني الفضل و كلّ الفضل حين غزا الفضاء، و طار بجانب السحب، كما أنه غاص إلى عمق الأعماق، لكنه من جهة أخرى فشل في اكتشاف عمقه و غزو فضائه الذي يسيطر عليه و على خياراته.
لمّا يمر الفاشل بفشله تقفز كل الذكريات الصلبة إلى ضميره، تعود العودة من لا شيء، و تصنع الأشياء جميعها ضبابا يكون بمثابة السواد و العناء في ليلة ظلماء، تلك الليلة التي زيّنها الفرد الضال بأنواع مختلفة من الأنوار، حتى بدا له أنّ الظلام هو النور، و أنّ النور هو الظلام.

".... إن هذه الانتهازية و هذه التورطات و هذه (الشطارة) في إخفاء الواقع باسم (الواقعية) كلها من معدن واحد، معدن (الأزمة الثقافية)، المعدن الذي تصاغ منه كل الفاجعات و كل النكسات و كل المحاولات الفاشلة، سواء في الميدان الصناعي أو الزراعي أو الأخلاقي أو السياسي أو العسكري.... "
(مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ص92)

أولى خطوات معالجة الفشل هي تلك المتمثلة فـي الاعتراف به، هي المرحلة الأولى من كسب النجاح، من مراجعة الخيارات قبل تعديلها، و بالتالي على الفرد الإنساني أن يحبّ نفسه إن ما أراد حبّ الآخرين.

السيّد: مــــزوار محمد سعيد

#الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال