الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة والدولة بين اللبس والالتباس

محمد بوجنال

2014 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السياسة وجود مطلق تتمظهر في أشكال تتميز بالتعدد والإيجابية دون استثناء بمعنى كون بمعنى أن الاختلاف يوجد فقط على مستوى الدرجة التي تحدد وفق الشروط الذاتية والموضوعية للمجتمع. لكنها،وهذا هو الأساس، تبقى "إمكانات" إيجابية تخضع من حيث الوجود-هنا لدرجة ومستوى وعي وجود المجتمع؛ وعليه فللسياسة إمكانات التحقق بالشكل الذي يخدم المجتمعات. أما الدولة باعتبارها الشكل السلبي للسياسة، فهي الجهاز الطبقي أو القبلي أو العائلي المعادي للوجود الإيجابي للسياسة أو قل للدقة أنها نفي للسياسة والإحلال محلها وهو السائد اليوم في ظل النظام الرأسمالي، كما الأمس في ظل أنماط إنتاج أخرى نفت بدورها السياسة لتحل محلها. تجاهل وجهل هذا الاختلاف، بوعي أو بغير وعي ، والحاصل انه بهما معا، أعطى الدولة الطبقية أو القبلية أو العائلية صبغة مشروعية الوجود الذي هو منطقيا نفي للسياسة باعتبارها الوجود الذي يرفض العلاقات الطبقية أو القبلية أو العائلية التي هي علاقات الفساد والسيطرة والاحتكار على مستوى مختلف المجالات؛ وقد وضح ذلك جيدا بعض المفكرين من أمثال مشيل فوكو وبورديو.
قلنا أن هذا الجهل والتجاهل، بفعل المنطق الداخلي لأنظمة الإنتاج الطبقية، قد عمل ويعمل بمختلف مؤسساته على نشر هذا اللبس والالتباس بين دلالة السياسة والدولة الطبقية ليصبح سائدا في الدساتير والقوانين والقيم وأدبيات الأغلبية الساحقة من المفكرين، مشروعية وجود الدولة باعتبارها مكون (بكسر الواو) – محدد ومشكل – باقي المجالات. هذا الجهل في التمييز بين السياسة والدولة الطبقية أو القبلية أو العائلية واضح لذى فئات عريضة من مفكري العالم العربي وهو جهل دافع ويدافع عن مشروعية وجود شكل الدولة السلبي للسياسة لتصبح هذه الأخيرة فرعا شكليا تابعا للأولى وهي تصورات، بجهلها الاختلاف ذاك، تكون قد دعمت وتدعم مشروعية التسلط والاحتكار والاستغلال في العالم العربي.لذا، نرى الكلام عن دولة الاستبداد بفكر يدافع حقيقة عن الاستبداد، وهناك الكلام عن الدولة المعتدلة بفكر يدافع حقيقة عن الاستبداد، وهناك الكلام عن الدولة اللبرالية بفكر يدافع حقيقة عن الاستبداد، وهناك الكلام عن دولة الخلافة الإسلامية بفكر يدافع حقيقة عن الاستبداد. وهكذا، فعدم الإدراك للفرق بين السياسة والدولة يعني، وباللزوم المنطقي، الدفاع عن مشروعية التسلط والاستبداد طالما أن هناك جهل بطبيعة دلالة وجود السياسة التي تتحدد في مبادئ العدالة والمساواة والحرية. أما المنطقي فهو القول أن الأشكال الإيجابية للسياسة تتمثل في ظهور الدولة كعلاقة أو قل الدولة المكونة (بفتح الواو) لا الدولة المكونة (بكسر الواو)؛ وهذا لا يحصل إلا لاعتبارها "العمل" كوجود أرقى وبالتالي اعتباره المعطى الذي يكون جوهر بناء الدستور الذي لا يمكن فهم أبوابه وفصوله وبنوده بغير استحضاره على اعتبار أن الدستور ذاك هو التنظيم المجتمعي بالكاد؛ وبلغة أكثر دقة فالمجتمع هو "العمل"؛ وبغيابه يفقد المجتمع أرضه وبحره ومصنعه ومتجره وإدارته ومؤسسته وإنسانيته الذي تمارسه الدولة كلما اتخذت الشكل السلبي للسياسة وهو السائد اليوم وبأشكال أكثر سوء في عالمنا العربي. فالدولة المكونة (بفتح الواو) بفعل" العمل " كمعطى تكون إحدى الأشكال الإيجابية للسياسة حيث تتخلص من التسلط الطبقي أو القبلي أو العائلي لتصبح الساهر، لا المحدد (بكسر الدال)، على السير السليم للعلاقات في أشكالها الإيجابية كلما كانت مكونا (بفتح الواو) وليست مكونا (بكسر الواو) أو قل كلما كانت شكلا إيجابيا للسياسة لا سلبيا لها. بالوضع هذا، يصبح للدولة الإيجابية الشكل فلسفتها المتمثلة في البناء السليم والعادل لعلاقات الإنتاج والتي مصدرها العلاقات التي هي هي المجتمع. بهذا يصبح" العمل" قوة مكونة (بكسر الواو) لا الدولة الطبقية أو القبلية أو العائلية ، مكونة (بكسر الواو) للأشكال التنظيمية لمختلف مجالات البنية المجتمعية التي من أهمها الاقتصاد وبالتالي التحكم في تنظيم السوق.
وعليه، فالدولة كشكل من الأشكال الإيجابية للسياسة، في نهجها ومنهجيتها هذه،لها القدرة على إيجاد حل للتناقض بين الرأسمال والقوى العاملة،حل يتمثل في التأسيس لعلاقات تعاونية بين مكونات المجتمع بمختلف تنظيماته التي يشترط في قيامها القطع مع التنظيمات مرحلة شكل الدولة السلبي للسياسة بمعنى أن التنظيمات الجديدة ستكون هي هي الفلاحون والعمال والتجار والموظفون وبالتالي لم يعد بالإمكان اعتبار الدولة إفرازا طبقيا أو قبليا أو عائليا بقدر ما أنها ستصبح الساهر على احترام سير العلاقات بين المكونات تلك التي تتحدد في الشغل، الأجر، المحاسبة ،المسؤولية، المتابعة، الحق في الأرض والبحر والمصنع والمتجر والإدارة والتدبير وصياغة البرنامج في تميزه (نوعية القطاع) وخصوصيته (نوعية المحيط) وبالتالي العيش الكريم والحق في الوجود والحرية وهو الوضع الذي لا يمكن فصله عن المعطى المكون (بكسر الواو) الذي هو " العمل" للنظام المكون (بفتح الواو) الذي هو الدولة في شكلها الإيجابي للسياسة.
هدا النموذج يعتبر بمثابة القدرة الإيجابية المفتوحة على الإمكانات في طرح وتحديد وتطوير العلاقات المجتمعية بشرط اعتبار "العمل" المعطى والمصدر الأساس كما تقتضي بذلك السياسة كوجود-هنا، معطى به، تحصل الدولة كشكل من الأشكال الإيجابية للسياسة التي لم تكن، كما قلنا، في طبيعتها، طبقية أو قبلية أو عائلية، بقدر ما أنها علاقات يرفض منطقها حصول الطبقية والقبلية والفساد واحتكار الثروات ونهب المال العام على المستويين الوطني والجهوي. ولذاك، فالدولة في شكلها الإيجابي ذاك للسياسة تصبح ، بفعل كونه علاقات أو قل مكانا يتميز "بالتبادل" بين مكونات المجتمع، القوة القادرة على تنظيم حصول التطور الاقتصادي وطنيا وجهويا وفق برنامج حيث ضبط الإنتاج والأجور وضمان تأمين الاشتغال ومختلف الحقوق. فهذه العلاقات على هذه الشاكلة هي قوة الدولة النقيضة للطبقية والفساد والشطط واحتكار الثروات وتسليع وسلعنة الإنسان؛ قوة هي هي العلاقات التي لها من القدرات الذاتية والموضوعية ما يمكنها عمليا من التأسيس للواقع الجماعي علما بأن هذا الواقع الجماعي الذي لا يمكنها أن تحيد عنه ما دامت المشاركة والمسؤولية والمتابعة والمحاسبة عمليات جماعية؛ فالممارسة الجماعية والتعاونية هي،فلسفيا ،أساس بناء وتطور الإنسانية. وهذا ، فكلمة "فلاح" تصبح تعني العلاقة التعايشية والقانونية والحقوقية بينه وبين باقي المكونات، فيصبح الإنتاج إيجابيا ومسؤولا واستجابة للحاجيات وتنمية للمردود الذي لم يعد إنتاجا مسروقا بقدر ما أنه أصبح إنتاجه الذي تتحدد الاستجابة منه وفق نظام التوزيع السليم؛ وإذا أخذنا كلمة"عامل" فإننا نجده بدوره عبارة عن علاقات متواجدة له حقوقه وواجباته؛ حقوقه المتمثلة في الاستفادة العادلة من إنتاجه الذي هو جهده كعامل منتج داخل المصنع الذي كان وما زال، في إطار الدولة في شكلها السلبي للسياسة، من احتكار وسرقة الرأسمالي؛ وفي ظل هذه العلاقات الإيجابية المنظمة لعملية الإنتاج تصبح الواجبات جزء لا يتجزأ من عملية الإنتاج تلك. وإذا أخذنا كلمة "موظف" فإننا نجدها بدورها، في إطار شكل الدولة الإيجابي للسياسة عبارة عن علاقات في "المكان" باعتباره رمز النظافة والاحترام والجدية المواطنية حيث فيه تطرح مختلف قضايا المواطن لتجد أمامها "الموظف" الحريص على الواجب واحترام المسؤولية؛ وهو الوضع الذي نجد نقيضه في إطار الدولة الطبقية أو القبلية أو العائلية حيث "يكون" "الموظف" شبكة علاقات الفساد والشطط في استعمال السلطة والاستهتار بالواجب والمسؤولية.
وهكذا، فالفلاح والعامل والتاجر والموظف أصبحوا ،في إطار شكل الدولة الإيجابي للسياسة، بمثابة علاقات إيجابية تسهر على تأمينها الدولة تلك التي لا يمكن أن تحصل إلا بناء، كما رأينا، على اعتبار "العمل" معطى يكون (بكسر الواو) ولا يكون (بفتح الواو). وفي هذا الإطار، ولرفع اللبس والالتباس أكثر بين السياسة والدولة الطبقية أو القبلية أو العائلية، لا بد من استكمال شروط نجاعة تلك العلاقات السليمة: الفلاح والعامل والتاجر والموظف لا يوجدون في الفراغ بقدر ما أن مختلف إنتاجاتهم تحصل في "المكان" الذي هو بدوره مجال لا يمكن فصله عن العلاقات السابقة الذكر؛ فالأرض "مكان"، والمصنع "مكان"، والمتجر"مكان"، والإدارة أو المؤسسة "مكان". والسائد، في إطار الدولة ذات الشكل السلبي للسياسة، أن" الأمكنة " تلك تكون خاضعة لنظام وقوانين احتكار ملكيتها وبالتالي احتكار تنظيمها وإنتاجيتها؛ إنه الوضع الفاسد الذي أفرز الفلاح الضعيف، والعامل الضعيف، والتاجر الضعيف، والموظف الضعيف وبالتالي الأرض الزراعية الضعيفة، والمصنع الضعيف،والمتجر الضعيف،والموظف الضعيف.والمنطقي أن هذه"الأمكنة"، في ظل الدولة ذات الشكل الإيجابي للسياسة، لكي تكون "أمكنة" إنتاجية، لا بد من اعتبارها كعلاقات، وهو وضعها الحقيقي، وبالتالي فالإنتاجية تقتضي،ضرورة، تخليصها من الفساد والاحتكار لتصبح "الأمكنة" تلك مجالا للإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري والإداري والتربوي والاجتماعي والثقافي والنقابي والتنظيمي وبالتالي التبادل الإيجابي والمنظم بفعل العلاقات التي سبق أن رأينا هويتها في ظل الدولة ذات الشكل الإيجابي للسياسة. ولذلك، ف"الأمكنة " تلك، كلا على حدة، هي "أمكنة " مركبة لها تميزها وخصوصيتها، "أمكنة " بفعلها تتمكن مكونات المجتمع من العيش، بل هي " أمكنة " أكثر اتساعا من ذلك كما سبق القول: اقتصادية وسياسية واجتماعية وتربوية وثقافية. لذا، ف " للمكان " أهمية كبرى حيث " تكون " فعالية " العمل " كمعطى وفق شكل الدولة الإيجابي للسياسة على المستويات السابقة الذكر وهو ما يعني حصول درجة أرقى من درجات الوعي المجسد في العلاقات كعدالة ومساواة وحقوق. لهذا السبب نقول أن " المكان " كشكل وتجهيز وتنظيم وتدبير يستحق الحرص على أن يكون " مكانا " بالفعل وباللزوم لأن الإنسان – الفلاح، العامل، التاجر، الموظف،التلميذ...الخ – لا يفكر إلا في ومن داخل " المكان " ذاك، بل حتى ذاته لا تكتسى قيمة الوجود والاعتبار، في نظره، إلا من خلاله وبواسطته؛ ومن هنا الأهمية التي لا يعيها إلا شكل الدولة الإيجابي للسياسة، فيكون بذلك " المكان " موضع فكر ودراسة على الدوام تترجمه البنية العلائقية السليمة.
وعموما كلما كانت العلاقة بين السياسة والدولة تتميز بالسلبية كلما كان هناك رفض "للعمل " كمعطى، فتكون العلاقات السائدة علاقات تسلط واحتكار واستبداد؛ وكلما تم تجاوز تلك المرحلة السلبية كلما أصبحنا أمام أحد أشكال الدولة الإيجابية للسياسة التي تصر، بناء على اعتبار " العمل " كمعطى، على تحديد وتنظيم الواقع في شكل علاقات تتوخى العدالة والمسؤولية والمحاسبة والحقوق.
هكذا، نسجل على مجمل الدراسات العربية بصدد العلاقة بين السياسة والدولة الطبقية أو القبلية أو العائلية كونها دراسات عاجزة، بفعل منطلقاتها ، عن التمييز بينهما وبالتالي فتمييزنا هذا جاء رغبة في تبديد الغموض ورفع اللبس والالتباس بينهما لنثبت أن الدول العربية، سواء قبل الحراك أو خلاله أو بعده على الأقل على المدى المتوسط، هي دول قبلية أو عشائرية أو عائلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 106-Al-Baqarah


.. 107-Al-Baqarah




.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال