الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجود والعدم ( Being and Nothingness ) ج1

سجاد الوزان

2014 / 2 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


النشوء من العدم :

إن فكرة النشوء من العدم أو علم الوجود من العدم، وهي ما يسمى حديثاً بأسم (( التدبير الذكي )) - intelligent desing -، وتأسس هذا النهج الجديد على فرضية محورية : ( مبناها مفهوم ما يسمى التعقيد الغير قابل للاختزال – irreducible complexity - ) .(1)
وجوهر هذه الحجة هو إن الطبيعة بها منظومات تستلزم كثيراً من الأجزاء المختلفة والتي لا تعمل إذا فقدت جزءا ومن ثم لم تكتمل جميع أجزائها معاً، ويشير أصحاب هذا الرأي إلى البكتيريا ذات السوط، وتجلط الدم، وإلى جهاز المناعة، ويرون فيها أمثلة للتعقيد غير قابلة للأختزال، وتمضي الحجة زاعمة أنه احتمال ضعيف جداً القول إن الانتخاب الطبيعي جمع كل أجزاء هذه المنظومات معا وفي وقت واحد، وإنما جمعها تدبير ذكي .(2)

طبعاً ومع كل الاحترام للفيزيائي جيمس تريفيل، فعندما يطرح هذه النظرية يعاملها وكأنها باطلة من أساسها، ينسى إن أولئك الذين آمنوا بها، هو ما أملاه عليه اختصاصهم، وأنا أتفق معهم كثيراً مع مسألة ذلك التعقيد، الذي حتى تصوره يكون صعباً للغاية، وقد يكون أصعب من مشكلة الفيزياء نفسها، ذلك إن أقل خلل في جهاز من أجهزة الجسم أو جهاز المناعة نفسه، يفرض خللاً في المنظومة جميعها، وقد تتوقف هذه المنظومة إذا ما جوبهت بالعلاج، لذا فالصراع بين علماء الفيزياء والكوسمولوجيا وعلماء البيولوجية أو الفسلجة هو صراع معلوماتي لا ينتهي، ولا بد من أن تتدخل الفلسفة في حل هذا النزاع الطويل والذي يجعل من العلوم مصدر للتناقض في تفسير الموجودات ونشأتها وأصلها .
إن المنهج الفلسفي لذاته عقيم ومجرد من أي استدلال تجريبي ملاحظاتي، ولكن إذا ما جعلنا موضوع الفلسفة هو التفكير بالعلوم ونتائجها فستكون المقوم الأصيل في أبراز قراءة موحدة للكون تستنتج معارفها ومواضيعها من العلوم، وبذلك سنحقق فلسفة واقعية علمية تجريبية وعقلية مجردة في آن واحد، بدلاً من أن تكون مجردة فقط، وبالتالي ستكون تلك القراءة للوجود قراءة موزونة فيها جانب من الصحة والدقة، تزداد احتمالية كون ذلك الموضوع صحيحاً ويجانب اليقين لآنيته .

إن التعريف الإيثمولوجي لمفهوم الوجود في المعجم الفلسفي الغربي نجده – الوجود – مشتق من اللاتينية Esse بمعنى Etre وضدها العدم أو اللاوجود، وفي المعجم الفلسفي العربي بمعنى ظهر للعيان، وقد بينا ذلك في بحثنا حول ( الكون بين أزلية التفكير وإشكالية الوجود )، وعموماً فقد ينقسم الوجود إلى وجود خارجي ووجود ذهني :

أولاً : الوجود الخارجي : هو كون الشيء ظاهراً ظهوراً عينياً لدى الأعيان كما هو الحال في وجود المادة في الخارج، فعند توفر مادة قابلة للاحتراق، وعامل مساعد على الاحتراق، فلا بد هنا من توفر وجود النار، لكون مكوناتها قد توفرت وتلازمت، وهذا هو وجود عيني خارجي للنار .

ثانياً : الوجود الذهني : هو كون الشيء حاصلٌ لدى الذهن، أي هو الوجود العقلي والمنطقي، فقد يكون الشيء موجوداً لدى الذهن وغير موجود في الخارج، كوجود صورة للنار في الذهن من غير أن يحترق صاحبها، أو وجود صورة السم من غير أن يتسمم صاحبها، فالنار والسم هي موجودات عقلية ذهنية ولكن قد لا تكون موجودة في الخارج .
لذا فإن عالم الذهن يقدم إدراكاً وتصوراً فقط لمفاهيم الوجود، وقد تكون هذه المفاهيم انتزاعية من الخارج، لذا فالوجود بالكون هو ما كان ثابتاً حاصلاً متحققاً عيناً .
لذا فالوجود الذهني هو فهمٌ لماهيات الخارج، من غير أن يثبت الذهن وجود أصالة لماهيات الموجودات الذهنية، لأنه لو كانت الأصالة لماهيات الموجودات وليس للموجود بعينة، لاستلزم وحدة الماهية، ولاستلزم وجود ما ينتج عن النار من عملية حرق في الذهن فيحترق الذهن أو في الخارج ليحترق الخارج، بل وستمتلك النار وعياً في الخارج، وذلك غير ممكن، لذا فالأصالة للوجود ومقدمٌ على الماهية، ولا وجود لأصالة الماهية .

ويرى القديس " أوغسطين " أن مشكلة الوجود ترتبط كسائر المشكلات عنده بالله، وتدور حول مشيئته في خلق هذا الوجود وكيفية العمل وصلته المستمرة به، وبالتالي لا وجود للوجود بدون الله، إلا أنها ليست منه، وعملية الخلق هي خلقٌ من العدم، وبمجرد الكلام تم ذلك وبفعلٍ حر ومن العدم، والمشيئة الإلهية هي الكفيلة بذلك، وبخلق الوجود والعالم خلق الزمان بفعل أزلي وبإرادة أزلية .(3)


وأما القديس " توماس الإكويني " فإننا نجده يربط بين الوجود والذات، ليكن الوجود عنده هو وجود الذات(4)، أو ما يعرف بالثابت الذات .


وأما " جان بول سارتر " الذي فهم الوجود على أساس إحالة كل ما هو موجود إلى مجرد إدراك له، إنها محاولة تهديم لكل ما هو مثالي في المعرفة، وقد حصر نظريته في الممكن العقلي، وبذلك فإن سارتر يشكل خطراً كبيراً على التيارات العقلية الأخرى، والتي كانت تعبر عن الوجود في إطار الآنية أو الكينونة بالنفس الناطقة العاقلة .(5)

وهذا قد يتناقض مع الفلسفة الوجودية التي هي عبارة عن التفرقة بين الذات العارفة المدركة، وموضوع المعرفة .
ويرى سارتر في كتابه ((الوجود والعدم)) إن ( الوجود سينكشف بطريقة مباشرة بالملل والغثيان ... )، ويضيف قائلاً : " إن الواقع الإنساني متألم في وجوده وهو يبرز إلى الوجود مؤرقاً دائماً بكيان الموجود دون استطاعته أن يكون كذلك لأنه في الحقيقة لا يستطيع أن يصل إلى الوجود في ذاته – Etre En Soi -، إلا إذا فقد نفسه كموجود لذاته – Etre Pour Soi -، وعلى هذا الأساس يمكن فهم الوجود عنده بمعنيين :
وجود حقيقي أو العالم هو : " الوجود في ذاته " .
وجود لذاته، وهو وجود كوعي أو كشعور أو كوجدان بما يتميز به الإنسان وحده .
ولكي نؤسس لهذا الوجود الأخير وجب علينا أن نفصله عن الموجود في ذاته (العالم) وإن تمت الازدواجية بين الموجود لذاته (الوعي = الأنا) فإنه سوف يتشكل لنا العدم ومن هنا إبطال للوجود بذاته وهو الوجود الحقيقي .
إن أي إنسان من حيث هو موجود، إنسان واعي يخطط دائماً لمشروع لكي يوجد على غير ما هو عليه الآن، ويحاول أن يحقق مشروعه في عالم (الموجود في ذاته)، ذلك لأن الوعي يرغب أن يصير شيئاً في ذاته رغم بقائه واعياً .(6)


ورغم أني لا أريد الخوض في مناقشة المذهب الوجودي، فقد نتفق معهم كثيراً، وقد نخالفهم ببعض الأفكار، فمثلاً سارتر الوجود الحقيقي عنده ((هو الوجود بذاته)) أي وجود ذات الوعي الوجداني والشعوري، والذي يفرض وجوداً ذاتياً للإنسان واعياً وعياً جوانياً فقط، دون أن يكون له وعي خارجي مساوي لانفعال وشعور الوعي الخارجي، أو وعيه بالخارج، فمثلما أن كل كائن مفكر ويدرك بأنه يدرك، كالإنسان يريد أن يشعر بأن له وعياً في ذاته ويمتلك الوعي ذاته بما (هو هو) وعي، ويريد أن يمتلك تصوراً واضحاً وجلياً، عن وعيه بالذات من خلال وعيه بالموجودات التي تحيط بعالمه الخارجي(البراني)، ليعيش وعياً تاماً أو كاملاً لوجوده كإنسان كامل، في الوعي بما هو وعيٌ للوجود بالذات، ووعيٌ للوجود بالخارج، ليتسنى له حصول التطابقية بين الصورة الذهنية، أو الوعي الداخلي الوجداني، مع الصورة الخارجية للوجود بالخارج، والتي هي لا تفارق الوجود الذهني، أو الوجود بالذات الواعية، وليكون عند ذلك الوعي كاملاً لا يفقد أي شيء من عناصر الإدراك والتأمل لبناء معرفة قطعية وتكاملية للوجود، لينتقل الإنسان إلى مرحلة أخرى من التفكير بما بعد الوجود أو وجوده هو .


المراجع :

(1): جيميس تريفيل، لماذا العلم (Why Science)، عالم المعرفة، ترجمة شوقي جلال، ص39 .
(2): مصدر سابق، ص 39
(3):د.علي زيعور، أوغسطينيوس، دار إقرء، بيروت، ص162
(4): إشكالية الوجود والتقنية عند مارتن هيدجر، إبراهيم احمد، منشورات الأختلاف، ص 31 .
(5): جورج طربيشي، معجم الفلاسفة، دار الطليعة، ص 641 – ص642 .
(6):Jaqueline Russ. Dictionnapre de philosophie : les philosophie. 1850 citation. P 125 .، نقلاً عن مصدر رقم (4)، ص36 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ