الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام والديمقراطية في مفترق الطرقات

محمد الحمّار

2014 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من العوامل التي خلقت التفرقة – أو كادت- في المجتمع العربي الإسلامي الواحد، على غرار مجتمع تونس، وضعُ الإسلام والديمقراطية وجها لوجه في نزاع متواصل.

كيف حصل ذلك وهل هنالك مقاربة لتقريب الصورة من المسلمين حتى يكونوا على بيّنة من حقيقة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية بمنآى عن السياسة الآنية – التي يبدو أنها محكومة بالرتابة والتكرار واللف والدوران – بسبب اعتماد المجتمع السياسي لصورة أكثر غموضا حتى من الصورة المتوفرة لدى العامة؟

إنّ مجتمعات مثل تونس ومصر، وبدرجة أخطر العراق وسوريا وليبيا - دون اعتبار أفغانستان والسودان وغيرهما- فرضت نخبها على شعوبها العيش بلا اجتهاد. وأعني نمطا من الاجتهاد يمكّنهم من أن يكونوا ديمقراطيين في نفس الآن الذي هم فيه مسلمون. و قد نتج عن هذا الوضع تضخيم للديمقراطية إلى أن تحوّلت بمرور الوقت إلى مدخل وحيد متبقٍّ للحداثة بعد انفلات الواقع المعاصر من حياة الإسلام ومن حياة المسلمين. وكانت النتيجة أن اخترعت الشعوب المخدوعة بواسطة نخبها آلية التخريب الذاتي التي اسمها الإسلام السياسي.

والآن وقد سجلنا انحسار الإسلام السياسي (من خلال التجربة في مصر وفي تونس على وجه الخصوص) أعتقد أنّ الوقت قد حان لتحرير الفكر الإسلامي من الحشر القسري في المجال السياسي الذي عانى منه طوال عقود، إذ إنّ الإسلام زادنا إثباتا أنه أكبر من أن يُسجن في حزبٍ سياسي. ولعلّها مناسبة – يوفرها لنا هذا التحرر- لمراجعة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية.

يلاحَظ في هذا الصدد أنّ محاولات التوفيق بين الإسلام والديمقراطية قد تحوّلت، في الفترة ما بين صعود الإسلام السياسي إلى غاية انحساره، من نعمة – مفترضة- إلى نقمة. أما السبب في ذلك فهو برأينا سوء تقدير العلاقة بينهما. ففي حقيقة الأمر، لا يصح الادعاء لا بأنّ الإسلام والديمقراطية متوافقان ولا بأنهما متناقضان قبل اكتشاف طبيعة هذه العلاقة أو بالأحرى قبل إنجاز تصوّر لهذه العلاقة. وقد بان بالكاشف أنّ التصرف خارج هذا السياق إنما هو ضربٌ من ضروب العبثية حيث إنّ الذي حصل على الميدان كان، من ناحية، الجزم بتوافق المنظومتين (بعض النخب المستنيرة ومراكز تهيئة الرأي العام سياسيا لقبول مبدأ التوافق)، ومن ناحية ثانية، الجزم بتعارضهما (الأطياف الأصولية والسلفية).

وكانت نتيجة الموقفين المتباينين إزاء الثنائي إسلام/ديمقراطية أنّ ما حدث هو مواجهة بين المنظومتين أكثر منه تشارك ووفاق. والأدهى والأمرّ هو أنّ المواجهة بين الدين الحنيف والديمقراطية اتسمت بالشراسة. ذلك لأنّها كانت غير متكافئة ومع هذا وضعت على قدم المساواة منظومتين، واحدة عملاقة و كاملة وشاملة وأخرى بشرية وقابلة للنقد والمجادلة. وهذا مما حكم على الجهود – الناعمة- الرامية إلى التوفيق بينهما، وعكس كل انتظار، بأن تفرز كل أصناف التباين والتعارض وحتى الإقصاء والتكفير.
فلنعد إلى العلاقة بين المنظومتين ولنحاول رسم صورة لما عسى أن تكون. ولنلتجئ إلى الواقع المادي فنستأنس به للتشبيه والمقارنة.

لنتصور محولا ("كُبرِي") لتسهيل تدفق السيارات من صنف المحوّلات العصرية التي توجد في المدن الكبرى. و لنتصور أنّ السلطة العمرانية في مدينةٍ معينة قررت - لسبب أو لآخر- بناء محوّل آخر في نفس المكان لكن دون أن يُهدم المحوّل الموجود، و تبعا لمثال هندسي مغاير تكون له مواصفات مختلفة و تصميم مختلف وحجم أصغر – للضرورة المعمارية.

أمامنا الآن مشهد سريالي لا محالة لكنه مفيد لنفهم إشكالية لا تقل عنها سريالية: التأليف(ولا نقول التوفيق) بين الشمولي والنسبي . ويثير المشهد مجموعة من التساؤلات: هل بالإمكان أن تتطابق كل مكونات المحوّل الجديد مع مكونات المحوّل القديم؟ هل ستكون المسالك والمعابر والأرصفة والسبل والمنعطفات المكوّنة للمحوّل الجديد نُسَخًا طبق الأصل للمسالك والمعابر والأرصفة والسبل والمنعطفات التي يشتمل عليها المحوّل القديم، ومنتصبة في نفس البقاع وماسحة لنفس المساحات، لكي لا يحدث صدام بين البناء القديم والبناء الجديد؟ بل هل بالإمكان تمثّل المحوّل الجديد - المشروط بعدم هدم القديم - من دون أن تلبَّى كل متطلبات الدمج بين المحوّلين ضمن المخططات والرسوم الهندسية المعدة لإنجاز المثال الهندسي؟

لكي نحصل على إجابات عن هذه التساؤلات يسجل الراصد لحركات وسكنات النخب المثقفة أنّ هذه الأخيرة لم تدرك أنّ للإسلام مدارُه وللديمقراطية مدارُها وبالتالي لم تتمثّل ماهية كِلا المدارين فكانت النتيجة أن وقعت في مطبّات عديدة أضرّت بالبنايتين – القديمة والجديدة – ووفرت ظروف التنابذ والتنافر بين مكونات البنايتين. ولم يتسنَّ للنخب أن تقوم، على عكس ذلك، بما يلزم لإيجاد مخارج ممكنة من هذه المتاهة، والتطرق إلى إمكانيات المزاوجة بين المثال الهندسي الجديد و المثال الهندسي المتعارف، كأن تحفر الطرقات الجانبية وتهيّأ الممرات الرابطة بينهما وتبلّط المسالك المحفرة التي من شأنها أن تصل كلاهما بالآخر. ما فعلته هذه النخب أنها عجزت عن تجنب الصدام بين البنايتين.

بكلام آخر، إنّ الخلط بين بناء إسلامي وبناء ديمقراطي كان من الصنف الموَلد للانقسام وللصدام بين طرف علماني تواق إلى الديمقراطية لكنه مستبعِد للإسلام من مشروعه الاجتماعي لا لشيء سوى لأنه لا يملك تصورا لِما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الدين الحنيف والديمقراطية، وبين طرف إسلامي تواق إلى التجذر الهوياتي لكنه لم يكن يملك القدرة التأصيلية الضرورية لترجمة رغبته في قيادة الشعوب المعنية نحو الرقي والازدهار إلى مشروع قابل للتنفيذ.

بالنهاية، ما اشترك فيه العلمانيون والإسلاميون السياسيون هو أنّ الطرفين الاثنين استنكفا من تقدير الحجم الحقيقي لكُلٍّ من الإسلام والديمقراطية ومن تقصي طبيعتهما و من رصد مسارهما ومن قياس المسافات بينهما، وبالتالي لم يفعلا أيّ شيء لتحديد علاقة ممكنة بينها وبين الإسلام. مع ذلك، أليست السياسة فنّ الممكن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم نفهم لماذا.
أحمد حسن البغدادي. ( 2014 / 2 / 7 - 12:24 )
تحية أستاذ محمد.
لم تقل لنا لماذا يفترق الإسلام والديمقراطية، وهو عنوان مقالك، الإسلام والديمقراطية، لم تقل لنا ماهي نقاط الإختلاف. من ناحية المبدأ ؟
نحن نعرف إن الديمقراطية تستند إلى نظام حكم علماني، ودستورها يستند إلى مبادئ حقوق الإنسان في حرية الرأي والفكر والعقيدة.
فهل إن الإسلام بقرآنه وحديثه وسيرته ( المعطرة ) يحترم أي من المبادئ الإنسانية أعلاه؟
لم تقل لنا أي شئ عن رأي الإسلام بالمرأة وحقوق غير المسلمين في الشرع الإسلامي.
يا أستاذ الموضوع ليس موضوع محولات كهرباء ولا المشكلة مشكلة باتري السيارة.
الموضوع هو إن الإسلام منظومه إرهابية لاتصلح لحكم البشر، بل لم يستطيع الإسلام أن يحكم عصره، فقتل نبيه مسموما ً وقتل جميع الخلفاء، وإلى اليوم لاتزال دماء البشرية تجري بسبب الفكر الإسلامي الإرهابي.

فالديمقراطية وحقوق الإنسان في وادي، والإسلام وسيفه في وادٍ آخر.

تحياتي...


2 - تعقيب
عبدالغني زيدان ( 2014 / 2 / 7 - 17:37 )
انا ارى ان مقالك هش والمنطق الذي من خلاله اقتحمت (كما صحفي حقق سبق صحفي مهم )الضعف هو انك تعرض هذا الموضوع من خلال نظرتك انت لا من منطق الوصول الى الحقيقة جميعكم هكذا يا من تلهثون خلف الغرب
الاجدى بك والمنطقية تقول هو ان الاسلام لو طبق في العالم الغربي لما وجد مثل هذه الثنائيات التي تجتهدون بها وتظهرونها على اساس ان الضعف بالاسلام
الاجدى هو بحث الانسان العربي في ضل الرؤى الغربية كالديمقراطية وليس الاسلام والديمقراطية فالديمقراطية هي ممارسة انسانية اوليست هكذا
فلو عملنا على طرح هذه الثنائية الانسان العربي والديمقراطية لوجدت ان العيب في الانسان العربي الذي لديه بالفطرة ممانعة كبيرة ضد ادوات الغرب والانسان الغربي ليسوا على نقيض تام ولكن في اليات الممارسة هناك متغيرات كثيرة لذلك فالانسان العربي منحاز الى المسار الاسلامي اكثر منه الى المسار الديمقراطي الغربي القضية في الانسان العربي ولكنكم حين تكتبون تنسون انكم عربا.


3 - ضد الاستبداد
محمد الحمّار ( 2014 / 2 / 7 - 19:49 )
تحياتي أستاذ أحمد حسن

أولا، أنت قلت إن الإسلام والديمقراطية، أنا لم أكتب ذلك. -في مفترق الطرقات- أردها استعارة لإبراز أنّ مسألة الإسلام/الديمقراطية هي الآن في وضع تحوّل يتسم بالغموض بخصوص أيّ اتجاه للسير يختار المجتمع العربي الإسلامي.
ثانيا، ليس الهدف من هذا المقال ذكر موقف الإسلام من القضايا التي تذكرها أنت. ثم لست ناطقا رسميا باسم الإسلام حتى أعطي موقف الإسلام من تلك القضايا. برأيي الموقف من القضايا المعاصرة هي مواقف إنسانية لا دينية. وكأني بك متعود على قراءة كتابات تفرض مواقف باسم الإسلام، بينما ليس ذلك توجهي. على العكس من ذلك، أنا أقاوم مثل ذلك المنج الاستبدادي.
ثالثا، من قال لك إني أطرح مسألة حكم الإسلام من عدمه حتى تقحم الحديث عن -الفكر الإسلامي الإرهابي- جزافا؟
فقط حاولت أن أبرز ضرورة إيجاد تصؤر للعلاقة بين المنظومتين. ولم أعرض نفسي بمثابة مؤلف لهاته العلاقة. الشعب بقيادة نخبه الفكرية هو الذي يفترض أن يغزل مثل ذلك التصوّر.


4 - ليس الضعف بالإسلام
محمد الحمّار ( 2014 / 2 / 7 - 19:57 )
تحياتي أستاذ عبد الغني زيدان

في الحقيقة الإسلام قوي ولكنك بالرغم من تظاهرك بالدفاع عنه إلا أنك لم تبرز قوته كما تتدعي


5 - أثبت الاسلاميون مبدئيا أنهم المؤمنون بالديمقراطية
عبد الله اغونان ( 2014 / 2 / 8 - 00:51 )

وستبدي لكم الايام مادمتم بهذا الحقد والجهل


6 - الإسلام والديمقراطية
أحمد حسن البغدادي. ( 2014 / 2 / 8 - 01:01 )
ألست أنت تقول في مقالك؛

( يلاحَظ في هذا الصدد أنّ محاولات التوفيق بين الإسلام والديمقراطية قد تحوّلت، من نعمة – مفترضة- إلى نقمة. أما السبب في ذلك فهو برأينا سوء تقدير العلاقة بينهما. ففي حقيقة الأمر، لا يصح الادعاء لا بأنّ الإسلام والديمقراطية متوافقان ولا بأنهما متناقضان ).

جواب.
نحن نثبت بأن الإسلام هو نقيض تام الديمقراطية، ومن القرآن والحديث وسيرة محمد.
وهذا هو المطلوب اليوم، إتخاذ موقف واضح وصريح لكي نبين بأي طريق يجب أن نسير، فلايصح أن نقول دولة ديمقراطية والشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وهذا هو موقفنا.

ماذا تريدنا أن نقول، حين تقول؛
(لا يصح الادعاء لا بأنّ الإسلام والديمقراطية متوافقان ولا بأنهما متناقضان ).

ماذا تريدنا أن نقول؟
هل نقول؛
إن الإسلام والديمقراطية لامتوافقان ولامتناقضان، بل زعلانيين من بعضهما.
أم نقول؛ خاطرهم ثقيل على بعض.
ماهذا التيهان ؟؟؟

لقد قال المحامي والصحفي السعودي، حمزة كاشغري، وبكل شجاعة، وفي السعودية، قال؛

( لاحرية ولاديمقراطية إلا ّ على جثة محمد ).

تحياتي...


7 - الإسلام والديمقراطية
أحمد حسن البغدادي. ( 2014 / 2 / 8 - 01:01 )
ألست أنت تقول في مقالك؛

( يلاحَظ في هذا الصدد أنّ محاولات التوفيق بين الإسلام والديمقراطية قد تحوّلت، من نعمة – مفترضة- إلى نقمة. أما السبب في ذلك فهو برأينا سوء تقدير العلاقة بينهما. ففي حقيقة الأمر، لا يصح الادعاء لا بأنّ الإسلام والديمقراطية متوافقان ولا بأنهما متناقضان ).

جواب.
نحن نثبت بأن الإسلام هو نقيض تام الديمقراطية، ومن القرآن والحديث وسيرة محمد.
وهذا هو المطلوب اليوم، إتخاذ موقف واضح وصريح لكي نبين بأي طريق يجب أن نسير، فلايصح أن نقول دولة ديمقراطية والشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وهذا هو موقفنا.

ماذا تريدنا أن نقول، حين تقول؛
(لا يصح الادعاء لا بأنّ الإسلام والديمقراطية متوافقان ولا بأنهما متناقضان ).

ماذا تريدنا أن نقول؟
هل نقول؛
إن الإسلام والديمقراطية لامتوافقان ولامتناقضان، بل زعلانيين من بعضهما.
أم نقول؛ خاطرهم ثقيل على بعض.
ماهذا التيهان ؟؟؟

لقد قال المحامي والصحفي السعودي، حمزة كاشغري، وبكل شجاعة، وفي السعودية، قال؛

( لاحرية ولاديمقراطية إلا ّ على جثة محمد ).

تحياتي...


8 - وقفتَ عند -ويل للمصلين-
محمد الحمّار ( 2014 / 2 / 8 - 12:22 )
أستاذ أحمد حسن البغدادي
أنت حرفت كلامي وانتقصت منه حيث أنا كتبت:-لا يصح الادعاء لا بأنّ الإسلام والديمقراطية متوافقان ولا بأنهما متناقضان قبل اكتشاف هذه العلاقة-

لماذا حذفت عبارة - قبل اكتشاف هذه العلاقة-؟-

. يا سيد: أعني أنه ل يجوز اتخاذ القرار بشأن توافق أو تعارض القيمتين بغباء ودون معرفة
يا سيد: أعني أنّ النخب السياسية التي توظف الديمقراطيو مثل تلك التي توظف الإسلام عي فقط تخبط خبط عشواء وكان عليها أن تدرس طبيعة العلاقة بينهما وتتصور هذه العلاقة بناءً على قواعد علمية.
أفهمت أم لم تفهم؟!!!!!




اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج