الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيود الثلاثة

محمد هشام فؤاد

2014 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وحده الإنسان السعيد هو من يستطيع أن يتحرر من قيود الأسرة والدين والمجتمع؛ فهو الإنسان الذي يلاقي الحياة بفطرته فيعرف قوانينها وطرق سيرها دون فروضٍ أو إملاءات الآخرين! ودون قيودٍ عرفية أو مجتمعية أو عقائدية!

فذاك الإنسان السعيد هو من استطاع التخلص من هؤلاء الذين يريدون أن يضعونه دوماً علي عتبة الطريق الذي يرونه دون أدني إرادةٍ منه أو اختيار؛ فالهم وأن يمتثل لما يقره المجتمع من عادات وتقاليد، ولا بد وأن تتطابق سلوكياته مع ما تقره له أسرته من خيطٍ ناظ لعلاقاته مع الآخرين .. وبالطبع من يمتثل لتقاليد الأسرة والمجتمع سيكون عليه لزاماً أن ينفذ ما يقره الدين أو المعتقد الذي جُبِل ونشأ عليه دون تفكيرٍ ونقدٍ وجدل يصل به إلي بر الإيمان بدلاً من بحر اليقينيات الذي يُلقي فيه الفرد دون تعلم وسائل السباحة في هذا البحر الذي لا ساحل له!

فيولد الفرد ويتعثر في أولي تلك العقبات وهي عقبة الأسرة التي ترسم للطفل -منذ نعومة أظافره- خريطة تحوي رموزاً وإشاراتٍ ليستَعِن بها في التعامل مع أفراد مجتمعه وأصدقائه في المدرسة وخارج المدرسة .. فيحددون له المواعيد التي يأتي ويذهب عن طريقها .. واختيار مواعيد الاستيقاظ والنوم .. ويحددون له أصدقائه .. وينتقون له مدرسته ومُدَرِسيه وحجرة الدرس التي يدرس بها .. ويصل التسلط والتطفل إلي درجة اختيار ثيابه ولون حذائه، فيولد الطفل اتكالياً اعتمادياً لا يعرف شيئاً عن العصامية والاعتماد علي النفس والإبداع والابتكار؛ فهو لا يعرف شيئاً اللهم إلا ما يراه أبواه!

ثُم يُفاجَأ الفرد بقيد أثقل من قيد الأسرة وهو قيد الدين والمعتقد، وكما نعلم أن الفرد يرث دين أبائه، ولا يمتلك بالطبع القدرة علي دراسة والتعرف علي كافة المعتقدات والأديان ليختار ما ترتاح إليه ذاته وما وقر في نفسه، فلا يدع محلاً لشكٍ في ديانته وعقيدته أو تشكيكٍ في الأديان والمعتقدات الأخري؛ فالمجتمع الإنساني عرف عائلاتٍ قليلة ينتمي أفرادُها لأديانٍ ولعقائد مختلفة، أو أن يلحد أحد أفراد الأسرة، أو يتمتع بحقه لأن يكون ربوبياً فلا يؤمن إلا بسلطة الخالق دون الاعتراف بوحيٍ أو تنزيلٍ أو دين! وتأتي الصعوبة الاخري داخل قيد الدين وهو ما يتعلمه الفرد علي أيدي مشايخه وقساوسته وأعلام معتقده الأشاوس ذوي الفُرُش الوثيرة الذي تُقَبَل أيديهم وتُفض ما تحويه رؤوسهم في رؤوس أتباعهم دون استقراءٍ أو تمحيصٍ أو محاولة للفهم والاستيعاب؛ فتصبح عقيدة الفرد يقينية أكثر منهما إدراكية؛ وتصبح محاولة الفهم أو استخدام المنطق في التطرق للآيات والأسفار والوصايا والعظات محاولةً لخرق ثوابت ويقينيات المجتمع، علي أن يكون المتمنطق هو المتزندق!

فبالطبع يتحول هؤلاء الأفراد إلي الانغلاقية والغلو والتعصب لعقائدهم، ولا يفوزون بشرف مقارنة أو سبر أغوار ما جاءت به كافة الأديان والمعتقدات، فعقيدتهم التي عرفوها ونشأوا عليها لا يعتورها أية أخطاء، وما جاء به مشايخهم ورهبانهم وحاخاماتهم وأعلامهم لا يقبل الجدال ولا النقاش حتي ولو لغرض الوصول إلي الحقيقة عن طريق التفكير الواعي النقدي بدلاً من الدونية والانتقائية في التعامل مع ذوي الديانات والملحدين!

ويأتي القيد الثالث ليحيق بحياة الفرد من شعر رأسه إلي أخمص قدميه وهو قيد الأعراف والعادات والتقاليد؛ ويكأن هذا القيد هو الحجر الثقيل الذي كان يُعَذِب سيزيف بطل الأسطورة اليونانية! أو تُصْبِح قوالب المجتمع الجافة كالماء الذي عذب البطل تنتالوس الذي وضعته الآلهة في نهر في جوٍ قائظٍ حار فيعاني العطش، حتي إذا بلغ الماء فِيه يهبط إلي أسفل ويرتفع الماء إلي أعلي إذا قام برفع رأسه! فسلطة المجتمع أو سلطة الراي العام تفوق كل سلطات القوة والقهر التي اتبعتها كافة الدول السلطوية الشمولية المستبدة كما كان يري المُفَكِر الإنجليزي جون ستيوارت ميل؛ فلا يُجْلَد الإنسان من قيدِ معتقدٍ أو قيود وأعراف أُسرة كما يُجلَد ويُنْحَل وبره من أعراف ومبادء المجتمع الذي يعرف هيراركية أو ديناميكية في تفكير الوعي الجمعي وتمتعه بالحرية والفردية في تقرير أموره ومناقشة قضاياه؛ فهي قواعدٌ عقيم! المفكر ابن خلدون يقول إن التمسك بالعادات والتقاليد لا يعني أن الأموات أحياء بل الأحياء أموات ..

فلا تعرف تلك المجتمعات البدائية التفكير المحسوبة علي القرن الواحد وعشرين في نفس الوقت أن لكل عصر ظروفه ولكل مرحلة متطلباتها ونظرياتها التي تتطلب بالطبع تغيير الأعراف التي قد نشأ عليها أباؤه وسابقوه .. فمثلاً عندما يريد الإنسان أن يتزوج يصطدم بالطبع بتقاليد جافة للزواج وطرق اختيار الزوجة أو طرق اختيار الزوج بالنسبة للمرأة .. وإذا أراد أن يتعلم شيئاً جديداً أو أن يمتهن مهنةً لا يعرفها مجتمعه يري أن مُكَبَلٌ بسلسة التقاليد والاعراف التي تفرض عليه أنواعاً أخري من التعليم والمهن التي تتفق وما يعرفه ذاك المجتمع!

فنري الفرد بالمُتَجَرِد والمُتَعَري من تلك القيود والسلطات الثلاث-الأسرة والدين والمجتمع- يعرف جيداً اين تكمُن مواطن السعادة؟! وستبحث عنه الراحة والاقتناع قبل أن يمضي حياته بحثاً عنها في كبدٍ ويأسٍ وقلق! وما ظهرت كافة التيارات الفكرية والسياسية إلا لتحرر الفرد من تلك القيود والنزوح به إلي سهول الثقة بالنفس والحرية والفردية والاطمئنان .. فمن هنا عرفنا الليبرالية، وعرفنا العلمانية، وظهرت الوجودية، وظهر أدب العبث، وظهرت الفنون التكعيبية السريالية، وظهر الأدباء الساخطون والصاخبون في بريطانييا وإنجلترا، وتعرفنا علي الخنافس والهيبز؛ وظهرت التيارات والتقليعات الموسيقية، وعرفتنا مدام كوكو شانيل بالجيب القصيرة وأبدع كريستيان ديور ما أبدعه! فقط ليتحرر الفرد ويعرف أنه خُلِق ليخلق! أي ليخلق الجو المناسب الذي يجب أن يَعِش فيه؛ أي لكي يحيا حياةً لا يقتنع بغيرها .. فلا يتمني أن يردها –هذه الحياة- إلي خالقها إن لم يعطه حق استعمالها كما يريد كما كان يقول الأديب توفيق الحكيم ..

فالسعيد هو من يكون كيميشيل بطل رواية "اللاأخلاقي للأديب الفرنسي أندرية جيد الذي كان ضد الانقياد للأخلاقيات الشائعة .. كان ضد كل انقياد من جانب الفرد للتيار العام، فهو ضد كل انقياد أعمي، وصدمنا ميشيل بجملته المشهورة أن الثقافة التي تتولد من الحياة تقتل الحياة! فلابد وأن نتخلص جميعاً من تلك القيود التي يرفع أصحابها شعار الفضيلة كمان كان يقول شاعر الهند طاغور .. وكانت فنانة الإغراء الأنجليزية المبدعة مارلين مونرو تقول: إذا اتبعت القواعد ما كنت لأغادر مكاني!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah