الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-العمل- شَرٌّ لا بدَّ منه!

جواد البشيتي

2014 / 2 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



ما أكثر ما قيل في "العمل"، والحضِّ عليه، والإشادة به، وتمجيده، والإعلاء من شأنه، وتِبْيان أهميته؛ فـ "العمل حَقٌّ"، و"العمل واجب"، و"العمل عِبادة"، و"العمل خَلَق الإنسان"، و"العمل أصل اللغة والحضارة".
رئيس سابق لشركة بريطانية لصناعة السيَّارات أوْضَح، على خير وجه، وبكلمات قليلة، مفهوم "العمل" لديه، ولدى أمثاله من سادة العمل، إذْ قال: "أنا، في منصبي (الإداري) هذا لا أعمل من أجل صناعة السيَّارات؛ وإنَّما من أجل صناعة النقود"!
في كلامه الجامع المانع هذا، نَقِف على الهدف النهائي لكلِّ ربِّ عمل، ألا وهو تحويل "المال" إلى "رأسمال"، بصرف النَّظر عن الوسيلة، أو عن السلعة التي يُنْتِج، أو الخدمة التي يُقدِّم.
أمَّا المرؤوسين في الشركات، من عمَّال وموظفين، فبعضهم (وهُمْ قِلَّة) يَزْعُمون أنَّهم "مُسْتَمْتِعون" بعملهم، وبعضهم (وهُمْ كُثرة) يَزْعُمون أنَّهم لا يَسْتَمْتِعون بالعمل؛ لكنَّهم يَسْتَمْتِعون، فحسب، بالمال الذي يَحْصَلون عليه من عملهم، وبعضهم (وهُمْ قِلَّة أيضاً) يَزْعُمون أنَّهم لا يَسْتَمْتِعون بالعمل، ولا بالمال؛ وإنَّما بما يَحْصَلون عليه من طريق إنفاق (لا اكتناز) المال.
وليس ثمَّة ما هو أسوأ من حال إنسان تَجْتَمِع فيها "عبودية العمل"، و"عبودية المال"، فتراه يُنْفِق عُمْره في اكتناز الذهب والفضة، لا أهمية لديه لإجابة أسئلة من قبيل "متى يعيش؟"، و"كيف يعيش؟".
نِعْمَة "العمل" لا يعرفها على خير وجه، ويستطيع، من ثمَّ، أنْ يُحَدِّثكَ عنها، ويشرحها لكَ، إلاَّ الذي حَرَمَهُ "الله" إيَّاها؛ فإنَّ فاقِد الشيء (والذي لا يعطيه، من ثمَّ) هو خير من يُحدِّثكَ عن أهمية هذا الشيء.
والعمل نِعْمَة؛ لكنْ بمعناها "النِّسْبي"؛ فـ "كأس العمل" بعضه ممتلئ، وبعضه فارِغ؛ وإنِّي لأعني بـ "الفارِغ (منه)" أوجهه السَّلبية، وما أكثرها؛ و"الإنسان الحُر"، الذي يَلِده "المجتمع الحُر"، إنَّما هو الإنسان الذي تحرَّر من "عبودية العمل ".
"مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل"؛ فهل وقَفْتُم على معاني هذا "المبدأ (أو الشعار)"، وعلى ما يكتنفه من إيجابيِّ المعنى وسلبيِّه؟
مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل؛ ومَنْ لا يأكل يموت جوعاً (ومرضاً، وتموت قَبْله كرامته الإنسانية). و"العمل" هو أنْ "تُعْطي" قَبْل أنْ تأخذ، وحتى تأخذ؛ فالعمل يشبه "الدَّيْن"، العامِل هو "الدائن"، ورَبُّ العمل هو "المدين"؛ وليس "الأجْر" الذي يتقاضاه العامِل على عمله إلاَّ دَيْنٍ له على رَبِّ العمل يُسدِّده هذا "المدين" في نهاية كل شهر (عَمَل). لكنَّ هذا "الدَّيْن" لا يشبهه "دَيْن"؛ فـ "المدين"، في "الدَّيْن العادي المألوف"، يَدْفَع "فائدة" أيضاً؛ أمَّا هذا "المَدين"، أيْ "رب العمل"، فلا يَدْفَع "فائدة"، ولا يَدْفَع "الدِّيْن كاملاً"؛ إنَّه يَدْفَع جزءاً فحسب من هذا "الدَّيْن"، مُسمِّياً هذه "المدفوع" أجراً عادلاً.
إنَّني مع ذاك المبدأ (مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل) إذا ما كان مبتغاه (في التطبيق) هو أنْ يُعاقِب المجتمع كل مَنْ لا يَعْمَل وهو قادِرٌ على العمل (وعلى عَمَلٍ متاح له).
لكنَّ هذا المُراد عقابه (عَمَلاً بذاك المبدأ) ليس مُمِكناً عقابه؛ لأنَّه غير محتاجٍ إلى العمل؛ فهو غنيٌّ بما يجعله مُسْتَغْنٍ عن العمل؛ إنَّه من "الذَّوات (أو من أبنائهم)"؛ فلا تتوعَّدوه بهذا العقاب حتى لا يسخر منكم، ويهزأ؛ وهو أقوى منكم حتى في "المنطق"؛ فإذا حاولتم إقناعه بأنَّ مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل، فهو سيأتيكم بدليل مُفْحَم على أنَّ مَنْ لا يَعْمَل (مِنَ الذَّوات، ومن "الطبقة" المفضَّلة على العالمين) يَمْلِك، وعلى أنَّ مَنْ يَعْمَل (من العمَّال) لا يَمْلِك. إنَّه يَمْلِك ما يُمكِّنه من أنْ يُرْغِم مَنْ لا يَمْلِك على العمل عنده، وما يُسْبِغ عليه نِعْمَة التحرُّر من عبودية العمل؛ أمَّا مأكله (وسائر أوجه عيشه الرغيد) فيحسده عليه "أهل الجنَّة".
"مَنْ لا يَعْمَل لا يأكل" إنَّما هو مبدأ للجريمة، يرتكبها "سادة العمل"، مع دولهم وحكوماتهم، في حقِّ مَنْ لا يَعْمَل؛ لكونه لا يَجِد عملاً (وهو القادر على العمل، المؤهل له).
إنَّهم يَنْظرون إلى كل مَنْ تضيق به سوق العمل (التي بضيقها إنَّما تعكس مصالحهم الفئوية والطبقية الضَّيِّقة) على أنَّه مِنَ "الفائض السُّكَّاني"، ويستحق "عقاب مالتوس"، عقاب "الموت جوعاً (ومرضاً)"، ودَوِس كرامته. وفي جزءٍ من هذه الفئة الاجتماعية الواسعة المتَّسِعة، يَسْتَثْمِرون جهوداً هي لجهة غاياتها وثمارها "شَرٌّ اجتماعي وأخلاقي.."؛ فَمِن هذه الفئة (التي لا هَمَّ لأفرادها إلاَّ أنْ يدرأوا عن أنفسهم خطر الموت جوعاً) يُجنِّدون أُناساً لأعمال تترفَّع الوحوش عنها، كمثل "البَلْطَجَة".
وطالما رَأَيْنا جيش العاطلين عن العمل (وهو في بلادنا جيشٌ، أفراده مهدَّدون بالموت جوعاً) يُمارِس ضَغْطاً في اتِّجاه خَفْض منسوب الآدامية في أجور ورواتب العمال والموظَّفين الصغار، و"سوقاً" تزدهر فيه "حِرْفة النَّخاس"؛ وثمَّة نَخَّاسون كُثْر يحتاجون إلى هذه "البضائع البشرية الرَّخيصة" في تأدية أعمال (ومهمَّات) قَذِرَة، لا يَقْبَل تأديتها إلاَّ إنسان أَفْقَدَه افتقاده العيش الكريم، المتأتي من عَمَلٍ تَعَذَّر عليه الحصول عليه، البقية الباقية من آدميته، فأصبح أداة طيِّعة في يد وليِّ نعمته الذي هو من "الذَّوات"، المُحْكمين قبضاتهم الاقتصادية والسياسية .. على المجتمع والشعب.
ولقد ابتلانا الله، نحن أهل الشرق، والشرق العربي على وجه الخصوص، بأسياد ورؤساء مؤسَّسات وأعمال لا يُميِّزون أبداً خِدْمَة العامل والموظَّف لهم (بصفتهم الوظيفية والمهنية) مِنْ جَعْلِه خادِماً (شخصياً) لهم، يؤدِّي أعمالاً لا تمتُّ بصلةٍ إلى عمله الحقيقي أو الرَّسمي؛ فإمَّا أنْ يستخذي ويَقْبَل (وهو ابن مجتمع تُهْضَم فيه الحقوق) وإمَّا أنْ يَجِد نفسه، مع عائلته، في الشارع، موسِّعاً جيش العاطلين عن العمل.
ثمَّ (وشَرُّ البلية ما يُضْحِك) يتساءلون في دهشة واستغراب (وكأنَّهم "الفضيلة" تشكو ضعفها إلى أفلاطون) قائلين: لِمَ كلُّ هذا العنف في سلوك شبابنا؟!
لقد زرعوا الشَّوْك متوهِّمين أنْ يحصدوا عنباً، وأنْ يجنوا ورداً!
في شبابنا مات كل ما يُحِبُّون؛ فهل نلومهم إذا ما كرهوا حتى أنفسهم؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العمل برنامج الحياة الدنيا
ابراهيم الثلجي ( 2014 / 2 / 10 - 22:19 )
العمل الخيار الايجابي للانسان ويختاره بنية الصلاح والاصلاح والرزق الحلال
وعكسه الجريمة السرقة والنهب والسلب والتطفل والنصب
فهو خيار ايجابي وممتع وغير ممل للمؤمن لان له فيه حياة قائمة على الاعداد والاختبار والاحسان والفوز واستيفاء ما نقص من اجر في الدنيا فكل مراحله حوافز والحوافز والابداع فيها من اسرار نجاح والفلاح بالعمل،الذي ينتهي بالحصاد
واما العبودية للافراد هي مصدر المشقة والكلل لانها لا فيها حصاد ولا استيفاء اجر ولا تاهيل وانما امتهان للانسانية وخسارة واضحة مهما كانت ملحقاتها من ضمانات تقاعدية والخ تاتي بالعادة بعد جهد جهيد
اما العمل مجردا فهو اساس بناء السلوك البشري وتبادل المنافع بعد صناعتها وهو اساس تفصيل اللغة والكلام والدلالة لفظا على المعاني وبسببه نبتسم ونجامل بعضنا باختصار هو الحياة الدنيا برمتها وسبقه التعليم والاعداد والتاهيل في الجنة الاولى ومحصلته النعيم او الجحيم احسنت او اسات
الاهم ان نعرف القبضة عند مين وليس العمل بذاته غاية

اخر الافلام

.. موقع إسرائيلي: حسن نصر الله غيّر مكان إقامته خوفا من تعرضه ل


.. وقفة لرواد مهرجان موسيقي بالدنمارك للمطالبة بوقف الإبادة بغز




.. برلمان فنلندا يقر اتفاقية للتعاون الدفاعي مع أمريكا


.. المدعي العام يطلب فتح تحقيق جنائي مع بن غفير بتهمة التحريض ع




.. في تصرف غريب.. هانتر بايدن يحضر اجتماعات والده مع المسؤولين