الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاد الأنوف الطويلة

شوكت جميل

2014 / 2 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا أرى بأساً في دس أنوفنا قليلاً ..فيما يعنينا،و من هنا كان المقال..
لا أحسب أن عصراً،أجترأ الناس فيه على بعضهم البعض،و أقحم الناس أنفسهم في شئون بعضهم البعض،و استباح الناس خصوصية بعضهم البعض كهذا العصر،فلم يعد الناس فيه يعفون حرمةً أو يستثنون إلّاً،و كما لقومٍ عادة لا يروقنا في الشيء سوى أسوأ ما فيه و أفسد ما فيه،إذ يرى ذوو الأنوف الطويلة:إنما هو زمن التواصل و الحرية،و علينا أن نأخذه بزبدته و زَبده،بخيره وشره.. و لا نملك إلا أن نقول: فلئن رافق الحرية في الغرب شيئاً يوازن ثقلها على الطرف الأخر،فاستقامت به أمورهم و صارت إلى النفع،شيئاً يسمونه الخصوصية(privacy)،و إنتهاكها(privacy violation)، في عداد الجرائم أو شيء كالجرائم،أما نحن فأمرنا غير ذلك،و آثرنا أن "نحجل"على ساقٍ واحدة،نسميها خطأً حرية، وإن شئت الصدق،فهو(زمن العرج والإختلال و السماجة ).

فما تكد تمر ساعة أو بعض ساعة هي عمر معرفتك بأحدهم في وسيلة إنتقال أو ما شاكل،حتى يحاول أن يستقصي أمورك ،كما لو كان سيكتب سيرتك الذاتية بعد رحيلك، فلا يقنع بمعرفة لقبك ومهنتك،و يلح في معرفة دينك و عقيدتك،فإن أنت أخبرته،تطرق السؤال إلى أسرتك،و إن كان لديك أطفال فكم عددهم و أي الأسماء أسميتهم،و عن قليل يسألك عن رقم حسابك!...لذا تجد الكثيرين منا اليوم يصطنعون لأنفسهم وجهاً خشبياً يحتمون خلفه،فيميلون إلى التحفظ و اقتضاب و بت الحديث مع الآخرين،فيكسبهم ذلك قشرةً من الجفاء و الغلظة الأنسانية، ما قصدوا إليها،و ما سلكوا تلك السيرة إلا لأن فتح الباب لأنف الفضوليين،يعني المزيد من البُغَضَاء و التنغيص في حياتهم التي لم تعد تتحمل المزيد من الإثنين.

و لو اقتصر دس الأنوف على هؤلاء الثقلاء الذين نصادفهم لماماً في حياتنا اليومية، لهان الأمر و لقبله المرء على مضضٍ،محتسباً إياه في غمار المنغصات التي نكابدها جميعاً،و نكره أنفسنا على تحملها،إلا أن الأمر الذي لا يطاق حقاً،هو طغمات الثقل الدائم المقيم،و التي تتخبطنا أينما ذهبنا، و التي لا مثيل لها_فيما أعرف_ في أي المجتمعات سوى مجتمعاتنا الناطقة بالضاد،و هم فئة من الناس أتخذت من الثقل و التنغيص و دس أنوفهم فيما يعنيهم و ما لا يعنيهم مهنتهم الأثيرة،وكأنهم تفرغوا لها أو كادوا...فمن هم؟

هم أناس تزخر بهم الطرق،و تكتظ بهم دور العبادة،و يطلّون علينا من الشاشات،آناء الليل و أطراف النهار،و تطفح بهم المواقع الإفتراضية،و هم بين طائفتين:الأولى:أناس بعثت بهم العناية الألهية رحمة بساكني الأرض،فيأتيهم خبر السماء و عندهم العلم اللدني...و الثانية:أناس لا يأتيهم خبر السماء،إنما نفذوا ببصيرتهم الخارقة الماحقة،و عقلهم الجبار القهار إلى جوهر الكون،و وعيه الكلي،و باتوا سونارات لكلى و قلوب البشر.و يتفق هؤلاء و أولئك في إيمان كل فرد منهم إيماناً لا يتزعزع بأنه صاحب الرسالة و المختار لهداية البشر الضالين.

فهو يجيبك_دونما سؤال منك_ بكل يسر و خفة عن الأسئلة التي كانت و ما برحت تدوخ الإنسان و جبابرة العقول:ما الإنسان؟و من أين جاء؟و إلى أين يذهب؟..ثم هو بعد ذلك يقدم لك الحقيقة المطلقة المنزهة عن كل شكٍ،و يرسم لك بالضبط كيف تعيش حياتك،و أي الأمور تفعل و أي الأمور لا تفعل،و إن فعلتها فبهذه الطريقة لا تلك الطريقة،و يبين لك ما يناسبك وما لا يناسبك،و ما يصلح لك و ما لا يصلح لك..و إيجازاً يضع لك "كتالوجك"أمام عينيك،و عليك أن تغتنم الفرصة،و تقنصه شاكراً، ضارعاً تركع،راكعاً تضرع،لتنفيذه في التو والحين......و قد يقع ذلك في نفسك موقع الدهش و الذهول،وتتساءل بأي إمارة يجترأ مثل هذا على ما لم يجرؤ عليه أعتى الفلاسفة و المفكرين؟ فتضعه مضطراً تحت مجهرك،و قد قدرت أن الرجل ربما أصاب شيئاً من العلم لم يدركه القوم،فإذا به ليس على شيءٍ من العلم و لو نذرٍ يسير!،فتقول ربما لخبرة الرجل و دربته و طول مراده في الحياة،فإذا به لم تصأصأ بعد عيناه !إذن فلربما كان رجلاً من أنجح الناس و أبرزهم؛ فتجده انه ليس على شيء من ذلك كله،تقول يكفي أنه من أسعد الناس..و لا حتى هذه أيضاً ،و أكبر الظن انك لو جربت أن تسقيه من دوائه،محاولاً أن تخطط له حياته لنفر منك أشد النفور و بادر بركلك،رافعاً لافتة الخصوصية و عدم دس الأنف في شئون الأخرين!

و ما خبرته في البعض _وليس جميعهم طبعاً_من هؤلاء،أن دس أنوفهم في أمور الناس ليس عن حالة فكرية أو عقيدة،بقدر ما هو حالة مزاجية تتلبسهم،أو بالأدق" دوافع نفسية تسوقهم"،فطغمة الناصحين الصالحين منهم،لطالما أخفت إحساساً عميقاً بالدونية،تجد راحتها في إحساس التفوق على من يمحضون له النصيحة، و هم يرفلون في زي كنفيشيوس المعلم الصالح، وأما طغمة الداعين للزهد(و كأن مجتمعاتنا قد بلغت من الرفاة غايتها!)و الذين يرمون الناس بالتكالب على المال ،فتجدهم أكثر الناس حرصاً و شحاً و تكالباً على الدنيا،أما الذين ينعون على الناس قسوتهم و يدعونهم إلى التسامح مع الناس و الصفح عن الإساءة،فقد خبرت واقعة لأحدهم إذ لم يكد يمسَّه بعض الناس مسَّاً خفيفاً حتى هر عليهم هرير الكلاب،فسقط فكي دهشةً و كنت قد أستمعت قبلاً إلى بعض أحاديثه،حتى ظننت أن مثله يبتسم في وجه قاتله!و لعل إتهامهم للناس بالقسوة ضرباً من الإسقاط النفسي.

هذا،ولأن المقال أوغل قليلاً في شئون الناس،و أوشكت أنفنا على الإستطالة،لذا نؤثر السلامة و كفى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : هل طويت صفحة الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. هل يستنسخ حزب الله تجربة الحوثي في البحر المتوسط؟ | #التاسعة




.. العد العكسي لسقوط خاركيف... هجوم روسي شرس يعلن بداية النهاية


.. أمير دولة الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور




.. الحرب في غزة تحول مهرجان موسيقي إلى ساحة سياسية | #منصات