الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية .. الحكومة .. الفساد

سلمان النقاش

2014 / 2 / 13
المجتمع المدني


ربما كانت قضية الفساد التي انشغل بها الرأي العام التركي في الآونة الاخيرة قد اربكت الخط السياسي الذي تتبعه الحكومة التركية بقيادة أروغان ..لكنها في الوقت ذاته تتضمن حقائق واقعية تجعل اتجاه الرأي العام لابد وان يكون متأثرا بها .. فالحكومة وفق المفهوم السياسي تعني السلطة المفوضة من قبل الحاكم الشرعي لإدارة الشأن العام المتعلق بمصالحه (اي مصلحة الحاكم) .. والحاكم هنا حسب هذا المفهوم يستمد شرعيته بمقتضى الفهم العام المترتب على الثقافة المنعكسة من هذه المصلحة .
وللديمقراطية قول في تحديدها وتعريفها للحاكم اذ تؤكد على انه الشعب كما يعبر عنه الاصل اللغوي اليوناني للكلمة (الديمو) تعني الشعب (قراط) تعني حكم .. وهو يعني ايضا مراعاة لمصالحه الذي ينشط ويقسم نفسه الى فئات ومجموعات تتداخل ادائيا لتضمن المصلحة العليا للجميع ، ولكن من خلال التنظيم وفرز الصلاحيات وتكوين مؤسسات الحكم بموجب اتفاق يشرعه الشعب نفسه (القانون او الدستور)،ولا يعني هذا ان الشعب يتخذ موقفا ورؤية موحدة في تحديد السلطة او الحكومة التي يفوضها ..لكنها افترضت خيار الاغلبية كتسليم يتفق عليه الجميع ، ولكي تكون هذه الاغلبية فعالة ومنتجة مدنيا عليها ان تفرض قيمها واقعيا من خلال تمثيلها النسبي في عملية الانتاج المادي والاقتصادي ، بمعنى ان حكم الاغلبية يستكمل قوته شكلا ومضمونا واذا اكتفى بالشكل ومثل اغلبية غير مؤهلة فانه يفتح المجال حتما لاقتصاد طفيلي وفاسد بلا شك .. وهذا هو بالضبط ما نتج عن حكومة اردوغان الذي استدعى الجذر التاريخي للحكم بخلطه مفاهيم الشرعية بالموروث السلطوي واسس تكوينها (السلطة) التي كانت في البدء ترتكز على ارادة الاله متمثلة بحاكم انسان او نخبة مميزة تسن ارادته .. (الحكم الثيوقراطي) .. لكن تنامي مصلحة الشعب نتيجة لتطور ضروراته المتجددة وازدياد قنوات الاتصال وتلاقح التجارب والخبرات تجعل التناقض يصل الى مديات تغلق امام السلطة ذاتها الابواب لديمومة نمط الاستمرار والتمسك بأدوات الحكم بسبب تخلخل الانماط الثقافية السائدة والتي تمثل اساسا لوجودها ..
وبعد تعثر محاولات انضمام تركيا الى السوق الاوربية المشتركة، والتناقض الحاد الذي احدثه النظام العلماني (القسري) المدعوم بقوة العسكر على الواقع الثقافي الاجتماعي التركي منذ ايام اتاتورك ، و الاخذ في الاعتبار الانجازات التي تحققت على جميع الاصعدة ومنها الواقع الاقتصادي ونشاط حركة السوق وتطور الرأسمال المحلي والانفتاح الواسع على حركة الرأسمال العالمي .. كل هذا ادى الى ان تدرك الحركات السياسية الطامحة الى السلطة استثمار شكل الديمقراطية وهذا التعثر والتناقض والعودة ثانية الى القاعدة الثقافية الاجتماعية للشعب والتطلع نحو صندوق الاقتراع وهي هنا تؤشر الى تراث اسلامي يؤكده التاريخ ويحكي عن نجاحات عظيمة كانت لتركيا ايام الامبراطورية العثمانية الذي امتد نفوذها الى مساحات شاسعة من اوربا واسيا وافريقيا والتي استندت على الخلافة الاسلامية كأساس شرعي للحكم ..
وفي تركيا لم تتوقف الدعوات للعودة الى هذا التراث على الرغم من محدودية تأثيرها على الشارع التركي بفعل التطور التاريخي لمراكز القوى العالمية بدءا بالكولنيالية ومرورا بفترة الحرب الباردة وما صاحبها من دعاية متبادلة بين التوجه الثقافي الليبرالي والثقافة القومية او الاشتراكية .. وكغيرها من دول العالم الثالث تأثرت الطبقة الوسطى التركية بهذه الاتجاهات بمستويات تأثر تعكس حالة استقطاب مراكز القوى المتكونة ، وتبعا لصفتها المتذبذبة (الطبقة الوسطى) ودرجة تعلمها ومواقعها في عملية الانتاج العام . فكانت الحركات اليسارية والقومية والبرجوازية والليبرالية والديمقراطية .. اما حركات التوجه الديني فأنها ابقت امكانيات تأثيراتها على الشارع مستندة ايضا على امكانيات الطبقة الوسطى وعلى انتماءاتها اذ تجتزئ منها السواد الاغلب من الشعب وهو هنا الطبقة الفقيرة والمعدمة والتي تتصف دائما بالتخلف التعليمي والفقر والقهر الاجتماعي وهي ايضا قاعدة مستوعبة لأفكارها التي تؤكد على الخلاص والامل بحياة اخرى مفترضة . ونلفت هنا ان هذه الشريحة تمثل مساحة ناخب عريضة جدا وفق النظام الديمقراطي الذي يتعكز على الانتخابات.
وعند نهاية حقبة الحرب الباردة وحدود تاثيراتها في مجتمعات العالم الثالث وانهيار المعسكر الاشتراكي الساند للحركات اليسارية التي كانت تدعو في أدبياها الى العدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروة .. وانفراد التوجه الراسمالي العالمي بالدعوة نحو الديمقراطية والليبرالية وحرية السوق .. ما اتاح المجال واسعا امام الحركات السياسية الدينية الى احتلال مواقع اليسار ضمن الدرجات الدنيا للطبقات الوسطى والفئة الفقيرة المعدمة (صغار الموظفين والعمال والعاطلين والطلبة ذوو الاصول الفقيرة ) ..
وفتح التغيير الدراماتيكي الذي حدث في ايران بابا واسعا امام نشاط هذه الحركات في تركيا بعد نجاحه ..وتمكنت من العودة وبشكل واضح الى الدخول في المعترك السياسي وكان نتيجة هذا بروز حزب العدالة والتنمية الذي اسسه اردوغان مع عبدالله غول عام 2001 حيث كان قد انضم قبل هذا الى حزب الخلاص بزعامة نجم الدين اربكان ذو التوجه الاسلامي .. وتميز جليا توجه اردوغان الديني حيث سجن في عام 1998 بتهمة التحريض حين تضمن خطاب له ابياتا شعرية (( مساجدنا ثكناتنا ... قبابنا خوذاتنا ... مآذننا حرابنا ... والمصلون جنودنا ... هذا الجيش المقدس يحرس ديننا)). ولكونه سياسيا بارعا حاول اردوغان ابعاد الصفة الدينية عن نشاطه السياسي وصلته باربكان فانه اعلن في بداية تاسيسه للحزب بانه سيحافظ على اسس النظام الجمهوري وسيتبع سياسة واضحة ونشطة من اجل الوصول الى الهدف الذي رسمه اتاتورك لاقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في اطار القيم الاسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركية ..
وتمكن في انتخابات عام 2002 هذا الحزب من الفوز باغلبية ساحقة ، وبسبب قضية سجنه لم يتمكن اردوغان من تزعم الحكومة حينها لكنه عاد وترأسها في عام 2003 بعد ان اسقطت عنه التهمة .. وسار هذا الرجل بمنهجه المتدين ودخل في سجالات وصراعات كبيرة مع التوجهات العلمانية للدولة التركية .. لكنه استمر في خطه .. حتى منح في عام 2010 جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الاسلام ..
وغير بوصلة مسيرته نحو العالم العربي والاسلامي وتمكن من تجديد ولايته .. لكن الامر لا يخلو من تغير في شبكة توزيع مراكز القوى في تركية وتغيرت فعلا الخارطة الاقتصادية وتوجهاتها ونوعيتها انطلاقا من محاولاته المستمرة لخلق جبهة لمواجهة النظام القديم اشتدت التناقضات وحدثت التصدعات حتى وصل الامر الى الاعلان عن فضيحة الفساد اخيرا التي تقدر قيمة المبالغ فيها الى اكثر من 100 مليار دولار التي استهدفت حلفاء رئيس الوزراء في اسوأ ازمة تمر بها حكومته .
وفي رده على هذه الازمة قال اردوغان (( انها مؤامرة من اجل الاستيلاء على سيادة الشعب وتحويلها الى القضاء )) فتوالت الاستقالات سواء من اعضاء حكومته او من اعضاء حزبه بسبب فضيحة الفساد ،وراح يهاجم الجهاز القضائي والامني ويعاقب ويقيل الشخصيات.. لكن امر الفساد واقع لاشك فيه ابدا وارتفعت المطالبات باسقاطه من خلال التظاهرات والاحتجاجات التي عمت مدن كثيرة في تركيا .. ويشير اخر استطلاع للرأي في تركيا الى تراجع شعبية اردوغان الى درجة اخذت تهدد مصيره السياسي.
واخيرا نقول ان اغلبية الصندوق لا تعني تماما نجاح الديمقراطية رغم انه يمثل عمادها ..فان اعتماد هذا الصندوق على عقيدة الناخبين المستلبين هي اعظم فرصة لدهاقنة الفساد ليصل حجمه الى مئة مليار دولار !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 3 وكالات في الأمم المتحدة تصدر تحذيرا من أزمة سوء تغذية تضرب


.. إسرائيل على صفيح ساخن.. مظاهرات واعتقالات




.. موجز أخبار السابعة مساءً- رئيس تشيلي: الوضع الإنساني في غزة


.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود




.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك