الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتاج الفكر في دماغ الأنسان

محمد الأحمد

2014 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



بتنا اليوم على اعتاب عصر فيه انقلابات شتى قد احدثتها المعلومة المتراكمة في عقل الانسان، والتي صارت لبناته تعادل كل تلك المسافات الهائلة من السنين الضوئية التي بين الأكوان لترسم مسيرة انسانية تكتشف وتزيد اكتشافاتها قوة لإنسانية الأنسان. جاء كتاب "رائف أمير اسماعيل" معاصراً حاملاً معهُ بصيرة الحاضر الكاشف، ومبتعداً عن الوهم والخديعة. انه كتاب يضع الخطوة العقلية في معقوليتها، ويطلق اسارها نحو جديد عاقل، مجادل بعلمه، متبصراً بنظرة جدية، لفهم آلية فكر انسان يطمح ان يكون ابن عصره، ومؤسساً الى عصور قادمة رؤية سليمة..
من بعد أن بَطُلَتْ المفاهيم القديمة، وباتت في يومنا هذا تحتاج الى اعادة نظر، في كل ناحية من نواحي كوننا هذا، ومجرتنا هذه حيث ما زالت الخطوة الصحيحة، تحتاج الى رؤية جلية، وفق قانون الحاضر الذي حضر بكل معانيه المقنعة، مزيحاً للوهم، والاقصاء. فالعقل البشري الذي شوشت عليه الاوهام اكثر من الحقائق، ومزقته، وزاحته عن مسيرته الحقة.. بات يحفر في معرفية جدية من اجل سبر اغوار هذا الكون العظيم، واعادة التفكير بمنطق جدلي، محاجج عن كل ابتعاد، وعن كل عزل.. بات محققاً ذاته الحقة أمام مقاربات العصر الجديد، العصر الذي وسعت فيه التكنولوجيا، وقطعت بتقدم انسانية الأنسان ملايين الأشواط، مقارنة منذ الثورة الصناعية وحتى اختراع الكومبيوتر، الذي تصاعد تداخله كمساعد متطور للإنسان في كل مرافقه وحاجاته متواصلا ليدخل الى صميم عقله ويرسم له امواج دماغه (Electroencephalography)، ويكتشف بواسطته تلك الشبكات المتداخلة التعقيد، والمتواشجة البناء بامتداد تلك الخلايا المعقدة التي صارت تتنام، ومشكلة حاضنة متطورة تستوعب كل ما في الاكوان والمجرات وما يحوطها من فضاء..
حيث جاء هذا الكتاب مشيراً باحتراف معرفي الى ان الخط المستقيم هو الاقرب الى هدفه، ومن بعد أن سادَرَتُنا وانهَكتنا الأوهام وغرَّرت بنا التعميات السقيمة. صار بين ايدنا هذا الكتاب لنعرف معنى واحداً، وهو اننا لم نكن في السابق على السكة التي تصلنا بالطريق الصائب، لأجل ان نعيد ترتيب الحروف لتكون تهجئتها سليمة، في "عصر المعلومات الفائقة الدقة" فتعطي معانٍ جادة، تأخذنا حيث كتابة فاعلة، معطاء..
من بعد ان غيّب العصر السابق كل فكرة زحفت من الوهم، و ارادت ان تزيح اختصارات الوصول، حيث تشكلت المعرفة على اساس تجذر فيه الاقناع، وصار كل ما يقال، وما قيل، هو محض كلام حتى يثبت رسوخه، انسان اليوم لا يقبل بكلام عابر، انسان عبر مفهوم ما كان يؤدلجه الحاكم المنتصر، وما كان يفرضه بقوة السيف الباطش، على من يتبعه، حيث يشير، لتكون حتى طرق تفكيرهم مثلما يطمح، محققا رغباته، وتاركاً اتباعه يتناوبون الاكاذيب المهربة من تحت عباءته الداكنة، لتعصف بمحكوميه رماد الأساطير القديمة. كل ذلك لأجل ان يبقى متسلطاً ابدياً متحكما في ثرواتهم الانسانية، ويسوطهم بأقسى ما يستطيع من سياط، ويقمعهم بكل ما يمكنه من قمع. حتى يحرمهم من التفكير المبدئي، الأولي، حاجباً بقواه كل مساراته عن انماط التفكير الأولية.. مستغلاً جميع الاوهام ليخصبها فيما يسمى حاضنة الاتجاه العاطفي، الوجداني، الهوائي، ويقصد به فهم أو تفسير الأمور أو اتخاذ القرارات، وفقا لما يفضله الفرد أو يرتاح إليه أو يرغبه أو يألفه.. فسعي الحاكم الى بغيته مبتعدا بهم عن التفكير المنطقي الذي يمثل التحسن الذي طرأ على طريقة التفكير الطبيعي من خلال المحاولة الجادة للسيطرة على تجاوزات التفكير الطبيعي أو الفطري. محرماً عليهم اعتماد التعليل والفهم لاستيعاب الجديد. بالقياس المنطقي، ودائما يشاكل ويماطل لإيجاد علل وعقبات تعسر الفهم لتستقر بشكلها الخاطئ.. مسلماً بان طرق التفكير الرياضية قد تشمل على استخدام المعادلات المنطقية، والاعتماد على القواعد والرموز والنظريات والبراهين، التي قد تؤطر أي منهج سليم يسهل مرور المعلومة، وخاصة المعلومة التي لا يريد.. كما جاهد متحكماً في الية الاقصاء الازلية مفترضا لها طرقاً ذكية، لتحجب قدرة الفرد على "إبداء الرأي المؤيد أو المعارض في المواقف المختلفة، مع إبداء الأسباب المقنعة لكل رأي". وإخضاع المعلومات الحقيقة، مخفية الرفوف العالية، بعيدة عن المقارنة كالأدلة والشواهد والقرائن.. كون التفكير العلمي محصلة العملية العقلية التي يتم بموجبها حل المشكلات أو اتخاذ القرارات بطريقة علمية من خلال التفكير المنظم المنهجي..
تفرد الكتاب في الفصل الأول والثاني برسم منظور ادراكي متنام، يجعل من القارئ يتذوق طرائق تفكير العقل في مديات الفلسفة، حيث امتدت الفصلان بتباين معلوماتية شيقة، استعرضت بنية المذهب العقلي والتجريبي في تلقي المعرفة، وحزنها ومن ثم تناميها، ثم بدأ من فلاسفة اليونان الاوائل الذين سجلوا اشهر معرفيتهم وتعريفاتهم لبنية العقل ومعنى التفكير الدقيق، المتصاعد مع شموخ حضارة الانسان وبروزه على البسيطة ككائن متطور، متقبل للتغير ومتفاعل مع المفهوم المعرفي، منذ "سقراط وافلاطون وارسطو".. حتى "برنو، وديكارت وبيكون وسبنوزا، ولوك، بيركلي، كانت، هيغل، سبنسر، برجسون".. على مدى التاريخ وعصوره التفكيرية، مستعرضاً افكارهم ومقارناً ما بين النظرة العقلية وتطورها التأريخاني.. حتى صار الفصل الثالث مرحلة اخرى ليؤسس عبرها المؤلف نظرته البينية منذ ظهور الانسان لأجل فهم ماهية انسانية الانسان، وفق نظرة حرة غير مقيدة يستعرض من خلالها بان الانسان، قد نشأ وفق كمّ معرفي تراكمي، بظهور الكتابة، وصار الفكرة تنبث من الفكرة التي سبقتها، وربما تسقل بذاتها لتاتي كجيل آخر من الافكار، وريادتها بعد ان بات العقل مفتاحاً لكل مستعص مغلق.. مفسراً بداية التكوين الجيولوجي للأرض وفق نظرة مبنية على حفريات عميقة في قشرتها، وكشفت عن اصل الفكرة التي كانت تستخدم الارض مركزاً كونياً لما حولها من اجرام سماوية، واوضحت بان افكار الانسان القديمة قابلة للهدم، وكلما هُدمت فكرة، لتحل محلها فكرة ارسخ، وازاحتها تتطلب عملاً عقلياً لتكون تلك الفكرة المعتمدة بناء لتأسيس فكرة اخرى..
فتناول في الفصلين الرابع والخامس "تاريخ ظهور المعرفية الدماغية حتى شبكته العصبية المتواترة بالشبكة المتصلة الحلقات، والموحدة الاستجابة لكل انعكاس هذا العالم". ثم تبعهما الفصل السادس المُمَهِدْ لسيرة العقل حاضن المعرفة في آلية مراحل التفكير البشري الشامل.. راسماً مخططاً دقيقاً وجلياً في تجلياته المعلوماتية، فصار الكتاب مفتاحاً تخيّليّا لكيفية مسيرة التقبل على خارطة الخلية العقلية المعرفية، ولأجل ان يتسنى للمؤلف المقاربة بين آلية الذكاء الصناعي المتشابه في اعجازه - اعجاز العقل المنتج له، والمروض له "لولا حنكة الأنسان لتمردت الآلة الصناعية على الانسان ولحجزته اسيراً لها بدلا من ان تكون مساعدة له".. كما اقرّ "فوكوياما" في كتابه التصدع العظيم. فـ"رائف أمير إسماعيل" وصلت به قناعاته الى ما وصل اليه، وتطابق معه "بان من الجائز ان تحكم الآلة الانسان يوماً، ليس بانه لا يتخلى عنها لتؤدي وظائفه نيابة عنه، وحسب: وانما لتستقل بعقلها وتحكمه بفعلها المستقل عنه".. كما لمح اليه في الفصل السابع "الذكاء الصناعي" موصولاً بالفصل الثامن الذي اختص شرحاً بـ"تأثير الجينات على العقل والتفكير".. المنعكس على كيفية استقبال الانسان للمفاهيم، وانعكاساتها على سيكولوجيته، وربما حتى على تمرده على قوالب فكرية معينة، ويكون مرآة الفكر الذي ينتبذ، ويقرّب منه، وفق ما يتعرض اليه، حيث كيميائية التلاقحات تنتج عطاءاً تواصليا من الذات الى العالم المحيط. وهذا ما افصح عنه جليا في فصله الثامن "الحقيقة المطلقة مفهوم غير موجود في العلوم الوضعية ".
بالتالي نكتشف بعد وصولنا الى الفصل التاسع "الاكثر تشويقاً" نجد باننا وصلنا أمام مفتاح الكتاب لتبرير غاياته الفكرية عندما يقف المؤلف بعد كل ذلك التمهيد ليكشف مفهومة لتلك الكيفية التي يقوم عليها الدماغ في استقبال الفكر وانعكاس ما يستقبله بعد تطويره الاستنتاجي. فـ"مرتكز واساس التعقيد العددي والسلوكي لوجودنا تكمن الوحدة الذاتية الكينونة؛ الا وهي الخلية ".. حيث هي "الوحدة الاساسية الجوهرية لتركيبتنا هي الخلية اليوكارتية، وهي بالغة الصغر يتعذر رؤيتها بالعين المجردة "، ومن بعد ان تطورت حواس الانسان الخمس، بواسطة الاجهزة كالعين و"التليسكوب"، مثلاً.
ولا يتركنا المؤلف إلا بتدرج العارف أبستمولوجياً في تبيين مظهره، وقصده ليقول قوله بان كينونة الانسان باتت على محك عاقل فهي المركز الرئيس للعالم وبالتالي انطلاقته بالرؤية الشاملة لكل الاكوان التي تجاور مجموعتنا الشمسية، ومحورها الشامل الفاعل..
أما بعد؛ فيمكننا الجزم والتهنئة بدخول هكذا كتاب جريء، الى مكتباتنا العقلية، وطوبى للمؤلف الرائع، والف تحية، واعجاب بإنجازه القويم.. التفكير الإبداعي هو إبداع حق عبر النظر للمألوف الحق بطريقة أو من زاوية غير مألوفة، هو إبداع قابل للتطبيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا