الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخانية والترجمة فى الحضارة الاسلامية والعربية

بهاء الدين ابوالحسن حسن

2014 / 2 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التاريخانية والترجمة فى الحضارة الاسلامية والعربية

د/ بهاء الدين ابوالحسن حسن
جامعة سوهاج – معار بسلطنة عمان

التاريخانية مبدأ معرفى وفلسفى ومنهجى يعنى فهم اللحظة الحاضرة بالنظر الى حركة التاريخ وما أحدثته من تغيرات فى عصر وجيل ماضى وعند وصفه قصد منه أن يكون أداة معرفية فاصلة فى الحكم على صحة الافكار وهو بتعبير آخر وصف لكل فكرة ماضية بأنها فكرة تاريخية: أى تجاوزها الزمن الحاضر ، وبالتالى فهى عرضة للمساءلة وعدم التسليم بصحتها بل هى أقرب للخطأ منها للصواب.
للتاريخ دور حضارى مهم فى رقى الأمم ، فهو يرصد التفاعل الحاصل بين جميع مكونات البيئة الانسانية فى سياقها الزمانى وللترجمة دور كبير فى التاريخ والتتدوين التاريخى لأهم الاختراعات والابتكارات فى الانسانية.
ومثالنا فى هذا المقال الترجمة والدور الذى لعبته بين الشرق (او الحضارة الاسلامية) والغرب (الحضارة الغربية) وعلاقتها بحقوق ملكية أهم الابتكارات والاختراعات.
وللأسف ضاع الكثير من فضل الحضارة الاسلامية على الانسانية وكانت الترجمة هى وسيلة نقل المعارف من الحضارة الاسلامية والعربية ، فلقد أخذ الغرب منجزات الحضارة الاسلامية والعربية فى فترة ازدهارها وهى ما بين 800 م الى 1100 م ، وكانت عاصمة العلم هى بغداد وكانت منفتحة جدا على جميع الثقافات والاديان وكان الجميع يشارك فى المسيرة العلمية ، وحدث تطور علمى فى مجالات عدة شملت الهندسة والأحياء والطب والرياضيات فالأرقام تطلق عليها الأرقام العربية وقام العرب بالاستفادة من اختراع الصفر ليقوموا باختراع علم الجبر والخوارزميات ولقد كان لدى العرب الاحقية فى تسمية مكتشفاتهم بأسماء عربية والتى هى عبارة عن مكتشفات عظيمة ندين لها حتى الآن.
خلال ثلاث قرون تمت أغلب الترجمات للكتب من اللغة العربية واضمحلت حركة الترجمة بعد ذلك ولقد سمى الغرب هذه الفترة العصور المظلمة Dark Ages أو العصور الوسطى وكان يجب أن تسمى العصور الذهبية للاكتشافات والاختراعات ، فمخترعات العصر الحديث مبنية على علم القدماء فى الحضارة الاسلامية والعربية فعلى سبيل المثال لا الحصر أفكار ابن الهيثم أدت الى صناعة الكاميرا عن طريق شرح كيف تعمل عيوننا فلقد اكتشف الطريقة لتكبير صورة الى سطح آخر من خلال ثقب فى غرفة مظلمة وتجارب عباس ابن فرناس الذى كان يحلم بالطيران قبل ألف سنة من الأخوان رايت ، وكذلك أبوالقاسم الزهراوى أبوالعمليات الجراحية واستخدامه أحشاء القط فى خياطة الجروح الداخلية وكذلك مريم الاسطرلابى التى صنعت الاسطرلاب ، جوهرياً يعتبر الإسطرلاب هاتفاً ذكياً بطرازٍ قديم، آلة الإسطرلاب المعقدة تُبنى عليه في وقتنا الحالي آلية عمل الـبوصلة والـأقمار الصناعية، ويشابه طريقة عمل الـ GPS الذي ظهر في عصرنا الحالي.
ويمكن تلخيص اشكالية التاريخانية فى الترجمة فى النقاط التالية:

1- لم يهتم العرب بتوثيق ما قد ترجمه الغرب من اللغة العربية
تقصد هذه الدراسة الى تبيان مسيرة الحضارة العربية الاسلامية وراء الحقيقة والمعرفة فمنذ نشأتها أخذ الحكماء والعلماء المسلمون فى اعمال الفكر ولقد نزع الفكر الاسلامى الى اعتبار أن العقل بأدواته ومقولاته هو مصدر رئيسى للمعرفة ومن ثم قام الفكر الاسلامى المعرفى وما إن سطع نور الاسلام الذى يدعو الى المشاهدة والتأمل والتفكر والتدبر والتقصى والتحليل ويحض على طلب العلم وأخذ المعرفة وتوخى الحقيقة ويشجع على سبر الأغوار وارتياد الآفاق والنظر فى ملكوت السموات والأرض ، وما إن دوت صيحة الحضارة الاسلامية حتى تحرر الفكر من سلطان التجرد والتجريد واتجه الى يقين الشهود والتجريب ليتحول ركب الحضارة الانسانية بسبب الحضارة العربية الاسلامية وبعد أن أوضحنا نشأة المنهج العلمى التجريبى فى صدر الحضارة العربية الاسلامية نسوق بعض الامثلة من قياسات علماء العرب والمسلمين فى الثقل النوعى مثل الميزان الطبيعى لأبى بكر الرازى والآلة المخروطة لأبى الريحان البيرونى وموازين الارض والماء والساعات والاسطرلاب بكافة انواعه ،
ولم تكن الحضارة الاوربية أول من وقف على النهج التجريبى فى العالم ، وإنما كانت قد سبقتها اليه الحضارة العربية الاسلامية التى وضعت أسس البحث العلمى قبل أن تعرفها أوروبا بمئات السنين ، ومع ذلك يتجاهل أهل الغرب – عن قصد أو عن جهل – نسبة المنهج العلمى لعلماء العرب والمسلمين ، وينسبون هذا المنهج لبعض من روادهم مثل ليوناردو دافنشى Leonardo da Vinci و كذلك فرانسيس بيكون Francis Bacon وقد أكد على أهمية التجربة فى كتابة The Advancement of Learning وكذلك رينيه ديكارت Rene Descartes ومثال آخر فى علوم اللغة فالعالم يدين لتشومسكى بنظرية النحو التوليدى وعندما سأله أحد الحضور فى ملتقى بالجامعة الامريكية بالقاهرة عن أصل نظريته أقر أنه قد درس" نحو سيبويه في مقرر متقدم في اللغة العربية في مدرسة للدراسات العليا بجامعة بنسلفانيا مع الدكتور فرانز روزنثال، الذي انتقل إلى جامعة ييل وربما يكون تشومسكي قد تأثر بعلماء العربية ولا سيما بربط اللغة بالجانب العقلي، فإن من أبرز علماء العربية الذين ربطوا اللغة بالجانب العقلي ابن جني وعبد القاهر الجرجاني والزمخشري، لكن أبرزهم والذي اهتم بظاهرة " القدرة اللغوية وأنها ملكة عقلية لا دراسة الأداء اللغوي هو عبد القاهر الجرجاني في نظرية النظم المتمثلة في العلاقات المعنوية بين الأصناف النحوية، ولكن فيما يبدو أن مشكلة نسب المعرفة الى حضارة دونما أخرى سببها التوثيق أو السبق الى تدوين النظريات المعرفية فى التاريخ وهناك ما يسمى حق التسمية The right of naming أو فيما يسمى اليوم الملكية الفكرية ، وأعتقد أن العرب قصروا فى هذا الحق فنسب الغرب لنفسه الكثير من النظريات المعرفية ولقد ارتكبت جرائم الملكية الفكرية هذه فى غياب لفكرة التوثيق عند العرب أو ربما لأن الغرب هو من ابتكر الطباعة الحديثة ولكن هذا التقصير نتج عنه وصف لجل نظريات المعرفة بأنها تاريخيا غربية المنشأ وبالتالى فهى ليست عرضة للمساءلة.

2- لم يتفق العرب على توحيد المصطلحات المترجمة والمعربة عن اللغات الأجنبية
الترجمة تختلف عن التعريب فالترجمة نقل نص من لغة لاخرى أما اذا اخضع المترجم اللفظ الأجنبى لأوزان عربية فيكون قد عربه والتعريب يتيح الفرصة للثقافة العربية لكى تتحاور مع ثقافة جديدة ، أن تتلاقح معها ، لتنمو وتزدهر وتصبح أكثر قدرة على الاسهام فى الثقافة العالمية وفى النهضة العلمية العالمية فالتعريب هو أن نجعل الثقافة العربية المعاصرة على المستوى المعروف عالميا و أن نمضى بها قدما بحيث نساهم فى تقدم المعرفة الانسانية والتعريب لا يتعارض مع التدخيل (اى تدخيل الفاظ اجنبية دون أن تمسها بأدنى تغيير) ففى مرحلة البناء الحضارى والاتصال بالثقافات التى كانت سائدة حول العرب دخلت الفاظ عديدة اللغة العربية فأفادتها وأغنتها ففى الجاهلية اخذ العرب عن الفارسية والهندية واليونانية والسريانية والعبرية الفاظا كثيرة ، وهناك العديد من الامثلة منها كلمات سندس و نرجس و قرنفل و شطرنج و فردوس و قسطاس و كنيسة و ناقوس الشيطان و جهنم وفى العصر الحديث دخلت كلمات مثل اسبرين و انزيم و بلهارسيا و بنك و جلسرين ، ولست هنا بصدد الحديث عن اساليب الترجمة وعن ترتيب اولويته أو السؤال: أنترجم اللفظ الاجنبى أم ندخله أم نعربه؟ فقد لاحظ مجمع اللغة العربية فى القاهرة ايثار الجماهير للفظ الدخيل فأجاز استخدامه ولكن حديثى عن اتفاق العلماء على توحيد المصطلح المترجم او المعرب فالترجمة العلمية تعانى من فوضى للمصطلحات فى كافة البلاد العربية ، اذا علمنا أن كل بلد من هذه البلاد يجتهد علماؤه بوضع ترجمات معينة ومختلفة لنفس المسميات ، ولعل أهم أسباب هذه الاختلافات تعدد الثقافات التى اكتسبت فى عصور الاستعمار الاوروبى ، فمثلا تأثر أهل مصر والعراق و الأردن بالثقافة الانجليزية ، بينما تأثر أهل سوريا ولبنان وتونس و الجزائر بالثقافة الفرنسية فأثر ذلك فى ترجماتهم للكلمات والمصطلحات. ومثال على ذلك كلمة "Pendulum" ترجمها العراق بـ"رقاص" ، وترجمتها سوريا بـ"نواس" ، وترجمها الأردن "حظار" وعربتها مصر بـ"بندول"

3- لم يهتم العرب بتعريب العلوم ، أدى عدم تعريب العلوم الى اغفال دور الحضارة الاسلامية فى الانسانية بين أهل العربية
ثبت علميا أن هناك علاقة وثيقة الصلة بين اللغة والتفكير وأن الانسان يبتكر ويبدع عندما يفكر بلغة قومه فالباحث العلمى لا تخرج ملكاته إلا بلغته القومية ، ولتشخيص الحالة العربية ولماذا يتم تفضيل المصطلح الدخيل على التعريب لأن التدخيل أيسر الوسائل الوسائل لمواجهة سيل بل وطوفان الثورة المعرفية وتدفق المعلومات فحياة العولمة الآن تواجهنا يوميا بالكثير من الالفاظ التى يتعين علينا أن نستعمها وذلك جنبا الى جنب مع اهمال الوعى القومى واللغوى ومع قلة الامكانيات فى الدول العربية للنهوض بحركة التعريب مع ضعف وسائل النشر والتوزيع و التوثيق

4- التوطين والتغريب Domestication and Foreignization بين الشرق والغرب ،
فالغرب اعتاد على استخدام استراتيجية التغريب فى تعامله مع العالم العربى فمعظم المصطلحات السياسية القادمة من الغرب والتى لم تحظ بالقبول فى العالم العربى نقلت عن طريق التغريب ، على الرغم من أن الغرب استخدم استراتيجية التوطين فى سياق الاستشراق وسياق ما بعد الاستعمار.
فكلمة "الحرية" لها معانى جميلة فى اللغة العربية أما كلمة "ليبرالية" لها معانى سلبية فى العالم العربى على الرغم من أن الاصل اللغوى واحد وهو مصطلح أجنبي معرب مأخوذ من (Liberalism) في الإنجليزية، و (Liberalisme) في الفرنسية ، وهي تعني " التحررية "، ويعود اشتقاقها إلى (Liberty) في الإنجليزية أو (Liberate في الفرنسية، ومعناها الحرية.
ولفظ "ليبرالية" يتعارض مع الفكر الاسلامى لأنه مصطلح عريض وغامض ويشمل الكثير من الأفكار التى تتعارض مع الفكر الاسلامى لأن معناه تبدل بصورة ملحوظة بمرور السنين وقد خرجت أفكار مضادة للحرية من رحم الليبرالية ، ولكن السؤال: لماذا لم يتم توطين المصطلح الغربى فى العالم العربى؟ أقصد لماذا لم يتم استخدام لفظ يراعى قيم وأخلاقيات المجتمع العربى المسلم؟ فالبعض منا يتعصب ضد ألفاظ مهما كان مضمونها بحجة أنه لفظ أجنبى ولكن دعونا نفكر كيف يتعامل الغرب مع الأفكار المختلفة عنه ، العربية مثلا! هل يقوم بتوطينها أم يقوم بتغريبها؟
الثابت فى معظم الدراسات أن الغرب فضل استراتيجية التوطين على التغريب لأنه أدرك أن ذلك فى سبيل مصلحته وكان لديه رغبة فى نهضة علمية
الترجمة كان لها دور فى صناعة الامم وقد كان تأخر العالم العربى ضريبة لاهماله الترجمة فهو بحاجة شديدة الى مراجعة كل مفاهيم الترجمة عبر التاريخ والى انعاش دورها الثقافى أولا ثم الحضارى والإنسانى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة