الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كذب من قال (الدين لله والوطن للجميع)؟

وليد الحلبي

2014 / 2 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رغم أنني لا أملك حساباً على تويتر، غير أن صحبي يتهمومنني بأنني (أغرد) خارج السرب، وذلك بسبب المواضيع التي أتطرق إليها عندما يلح علي قلمي أن أكتب، ورغم أنني لا أنجو في معظم الأحيان من نقد يتراوح بين العتب، واللوم حد التعنيف، إلا أن طبيعتي التي تدفعني إلى ارتياد مواضيع يتحرج من التطرق إليها غيري، هذه الطبيعة هي المسؤولة حتماً عن حرماني من ثقة بعض من أحب وأحترم، وأجزم صادقاً أنني في هذه (الشطحات) التي أتهم بارتكابها، لا أقصد أن (أخالف فأعرف)، إذ من السهل أن يعرف المرء دون أن يخالف، غير أن ارتياد جملة من الآراء والمواقف، والتي أصبحت بمرور الأيام مقدسات لا يجب الاقتراب منها، يحمل في طياته – وهذا من طبيعة الأمور – خطر سوء الفهم أو تقصد إساءته، وفي الحالتين احتمال تعرض من يجرؤ على إخضاع هذه الآراء للنقاش والمجادلة إلى التشكيك في نواياه الطيبة حداً هو وسط ما بين الجهل والتخوين.
(شطحة) اليوم تتعلق بمناقشة ازدواجية المعايير عند الغالبية العظمى الشعب العربي، وهي كثيرة لا تكاد تحصى، أخص منها بالذكر العلاقة بين الغالبية المسلمة والأقلية المسيحية، فعند مناقشة هذه العلاقة، تبادر الأغلبية إلى التشدق بوجود المساواة والمحبة بين أبناء الوطن الواحد الذين يجمعهم أصل عرقي مشترك ولغة واحدة وتاريخ واحد، لا فرق بين مسيحي ومسلم، فالجميع إخوة. هذا الكلام نظرياً موجود وصحيح، أما على أرض الواقع، فالتمييز لصالح الأكثرية على حساب الأقلية أوضح من أن ينكره حتى فاقد البصر، وبمجرد الخوض في هذا الحديث، يتنطح البعض لكي يذكرنا بمسيرة الشيخ فارس الخوري وكيف أنه، مع أنه مسيحي بروتستانتي لبناني المولد، فقد وصل إلى مناصب رفيعة في الدولة السورية أثناء الانتداب الفرنسي وعقب الاستقلال، ومنها رئاسة المجلس النيابي ورئاسة الوزراء عدة مرات، وكذلك تمثيل سوريا في الأمم المتحدة، وكأنه لم يوجد في تاريخ سوريا مسيحي واحد يستحق المساواة سوى مسيحي واحد هو المرحوم الشيخ فارس الخوري، إذ أليس من الغريب ألا يتسلم أحد المسيحيين السوريين غيره وبعده مثل هذه المناصب؟.
ولو عدنا بإنصاف إلى تاريخ العرب المسيحيين في الجزيرة العربية، لوجدنا أن قبائل عربية كثيرة، منها إياد وتميم وحنيفة، كانت تدين بالمسيحية قبل ظهور الدعوة الإسلامية في مكة، ويدل تاريخ قريش على قيام علاقات وثيقة بينها وبين مسيحيي الجزيرة العربية، حتى أن بعض هؤلاء المسيحيين العرب تسلم مناصب دينية رفيعة في مكة، ومنهم زيد بن عدوان التميمي، الذي ولته قريش شؤون (الإفاضة ) إلى منى بعد نحر الهدي الذي كان يهدى في الجاهلية إلى الأصنام الموجودة حول الكعبة، وقصة الملك اليهودي ذو نواس، الذي حفر الخندق وألقى فيه بالمسيحيين في نجران، ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة البروج (قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)، فانظر إلى وما صف الله تعالى به مسيحيي نجران بأنهم (المؤمنين) وأن ذو نواس، ملك نجران اليهودي، انتقم منهم لأنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، وقصة مسيحيي نجران عندما وفدوا على مسجد الرسول ص في المدينة وحان وقت صلاتهم، طلب منهم ص أن ينتحوا في جانب من مسجده ليقيموا صلاتهم، وعندما هرب المسلمون الأوائل من بني جلدتهم من قريش، طلب منهم نبيهم ص أن يلجأوا في الهجرتين الأولى والثانية إلى نجاشي الحبشة المسيحي لأنه (ملك لا يظلم عنده أحد). هذا في الجزيرة العربية، أما في بلاد الشام، فلا شك أن أجدادنا العرب الأوائل هناك، والذين كانوا إما يهوداً أو وثنيين، دخل قسم كبير منهم في المسيحية، وكان اشتراكهم مع الرومان في الدين سبباً للتقريب بين الجانبين، لكن عندما وفد أبناء عمومتهم العرب المسلمون من الجزيرة العربية، لم يجد الجانبان صعوبة في الاندماج والتفاهم، خاصة وأن المسلمين الأوائل كانوا يتبعون وصية خليفتهم الأول أبي بكر الصديق بعدم التعرض للمرأة والطفل والشيخ والمتعبد في صومعته، وعندما قام الأمويون بتعريب الدواوين، كان المسيحيون العرب في بلاد الشام هم ساعدهم الأيمن في ذلك، وبالتالي فإن لمسيحيي بلاد الشام، في العروبة والمواطنة، أسبقية على العرب الذين جاؤوا مع الفتح الإسلامي.
هذا العرض السريع لسيرة مسيحيي المشرق أكثر من كافية للتدليل على أن حقهم في الوطن والمواطنة لا ينازع، وكل من ينازعهم فيه إما جاهل لم يقرأ التاريخ، أو أحمق متعصب.
ربما جرني إلى هذا الموضوع استشراف ما ينبغي أن تكون عليه سوريا بعد انتصار شعبها على التسلط والدكتاتورية التي دامت نصف قرن من الزمان، ذاق خلالها المسلمون والمسيحيون مرارة العيش تحت سلطة نظام أحمق، وربما كان من أبسط حقوق المسيحيين السوريين، والذي لا جدال فيه ولا منة، هو أن تفتح أمامهم الطريق واسعة لتسلم أي منصب حكومي حسب الكفاءة والمقدرة، من رئاسة الدولة إلى رئاسة الوزراء، نزولاً إلى وزارة الدفاع وقيادة الجيش ورئاسة الأركان. هو حمق ما بعده حمق أن يعطى المسيحيون حقوقهم بالعبارات الرنانة فقط، بينما يحظر عليهم الوصول إلى أي منصب رفيع في الدولة، وإذا كان المرحوم الشيخ فارس الخوري قد أخذ حقه كاملاً كمواطن سوري، فإن هناك في مسيحيي الشام عشرات الآلاف أمثال فارس الخوري، وتمنياتي على من سيتولى حكم سوريا مستقبلاً أن يفتح المجال أمام جميع السوريين للترشح لجميع المناصب بغض النظر عن الدين، بل بحسب الكفاءة، وكفانا تشدقاً بالشعار القائل (الدين لله والوطن للجميع)، هذا الشعار الذي فقد معناه على أرض الواقع. كما أنه ليس في منع المسيحيين من الترشح لرئاسة الدولة السورية انتقاص من حقهم فقط، بل هو انتقاص كذلك من حق الذين يؤيدون هذا الحق، والذين يرغبون في انتخاب رئيس مسيحي لسوريا، وأنا منهم، فهل هناك أفضل من جورج صبرا أو ميشيل كيلو أو غيرهما من أسماء الإخوة المسيحيين الوطنيين السوريين، وهم كثر، لتسلم هذا المنصب الرفيع، وهل بهذا تعود سوريا إلى احترامها بين الأمم، فعندما وصل فارس الخوري إلى رئاسة الحكومة السورية، كتبت الصحف عن ذلك يومئذ:( وإن مجيئه إلى رئاسة الوزراء، وهو مسيحي بروتستانتي، يشكل سابقة في تاريخ سوريا الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رئيس غير مسلم، مما يدل على ما بلغته سوريا من النضج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس الدولة "المقصود شكري القوتلي" من حكمة وجدارة).
فهل ستخيب سوريا ظننا، فتثبت أنها كانت منذ سبعين سنة أكثر نضجاً وقومية ووعياً مما هي عليه الآن؟.
21 فبراير 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah