الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الحضارة

محمد قرقوري

2014 / 2 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عرف المجتمع البشري منذ الأزل طفرات متلاحقة اقترنت بتطوّر موجة الوعي الإنساني عبر العصور فمن حياة بدائية قوامها الإنعزال و الكفاح لكسب رهان البقاء إلى مؤسسات مجتمعيّة نظّمت علاقة الإنسان ببني جنسه و محيطه و مهّدت لقيام ما يسمّى بالحضارة التي مثّلت قمة الرقي الإنساني و تفرّده عن سائر عناصر الطبيعة بيد أن حركة التاريخ بما هي جملة التفاعلات البشرية مع الزمان و المكان و إن تميّزت بالزخم الهائل للحضارات البشرية المتعاقبة فهي تفترض من منطلق جدلي نظرة أخرى لمفهوم الحضارة ليست كتجسيد للتفوق الإنساني بل كانهيار للمنظومة المعرفية و قمة العجز البشري أمام قوانين الطبيعة . مثلت الحاجة لتنظيمات اجتماعية ضرورة ملحّة للإنسان فهو المدني بطبعه كما يرى ابن خلدون بحاجة لقطيعة مع عصور الإدراك الحسي فرضها تطور الوعي و المعرفة البشرية
و لئن اختلفت التنظيمات الإجتماعية التي نادى بها المنظّرون و تنوعت على مر الأزمان فإن الرابط المشترك بينها جميعا هو وحدة صراع المتناقضات في جوهرها في إطار جدلي مصلحيّ أفضت إلى التطور التاريخي للبشرية عبر ظهور وانقراض الطبقات
خلقت هذه الدييناميكية في حركة التاريخ أشكالا من الوجود البشري الواعي سميّت بالحضارات و عدّ وجودها من المسلّمات الأخلاقية لضمان استمرار الجنس البشري و تحقيق السطوة على قوانين الطبيعة و بغضّ النظر عن وجاهة هذه الغاية فإن هذا الوجود لا يعدو أن يكون سوى مهددا بالتقويض بسبب التباس المفاهيم و تغلغل المغالطات في منظومة القيم فالحضارة ليست سوى وهم بشري كبير و مطيّة لشرعنة شهوات الإنسان و نزعته التسلطية و جنوحه للسيطرة و الهياكل المجتمعيّة البشرية جميعها تحمل بذور فناءها لصالح هياكل هي المنتصرة في حلبة الصراع الإجتماعي و سرعان ما ستفنى هي الأخرى و تبقى البشرية رهان صراع أزلي بين الطبقات يحدّد ماهيّة البنى الفوقية لأي مجتمع فهل حمل مفهوم الحضارة غير البؤس للبشرية ؟ و هل نظّر سوى لتجسيد مدلول السيطرة و التحكم في وسائل الإنتاج و الرفاه ؟ ما بال الذين يعدّونه انتصارا ساحقا للبشرية إذن ؟ إن الوهم الذي تعيشه الإنسانية منذ اعلان القطيعة مع عصور الإدراك الحسي مسيطر على نزعة التفكير البشري فما يعدّ انهيارا لأسلوب الحياة البدائي ليس في الواقع سوى امتدادا للسجيّة الطبيعية للإنسان و إطارا لشرعنة و تنزيل الغرائز الحيوانية في إطار بشري حداثي بلغ ذروته مع ظهور العولمة كسبيل لتوحيد الحضارة البشرية و فرض الرأسمالية كأسلوب حياة اقتصادية عالمي وهي التي تجسّد الجشع و يمكن تناولها كقوة من قوى الطبيعة في حد ذاتها
إن الحضارة لا تعدو أن تكون محض مرحلة انتقالية فرضها عدم اكتمال نضج الوعي البشري و سرعان ما ستنهار مؤسسات القمع الإجتماعي لصالح وجود كلي مطلق انتفت فيه الحاجة المادية للصراع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور