الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاورة الربضي

نعيم إيليا

2014 / 2 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- أبالحري أن نميل إلى قضايا الوجود المترفة، وفي العراق وسوريا إلهان يصطرعان على العرش اصطراع الضواري، أم حريّ بنا أن ندع عنا قضايا الوجود، ونهب أنفسنا وأقلامنا جميعاً لهذا الصراع مؤايدة، أو معارضة، أو نقمة وتنديداً، أو استعباراً على خرائب الغرثى وأشلاء القتلى؟
تساءل الربضي وقد لاح في وجهه سأم مجهد أغبر.
فأجبت:
- سؤال قابل أن يجاب عنه بلا أو بنعم أو بما بينهما، ولكنْ، كيفما تكن الإجابة عنه، فإنّها لن تقنعني بالانحياز عن قضايا الوجود. فإن تكن قضية الصراع الذي ذكرتَه وتداعياته المفجعة خبزاً – ولست هنا أشبه الصراع وفواجعه بالخبز؛ فهذا تشبيه زري قبيح منهوك كبيت من الرجز، وإنما أشبِّه به القضية صورةً - فما بالخبز وحده يحيا الإنسان، وإن تكن موضوعاً فما كان لموضوع واحد وحيد أن يستأثر بعنايتنا كلها، ويملك علينا قلوبنا وأوهامنا دون سواه، ويلجم أقلامنا عن حاجاتنا الأخرى، وإن تكن القضية واجباً، فما كان لواجب أن يعدم لنا حقاً،.
- وما حقك...؟
سألني سامي لبيب، ثم انحرف بعنقه إلى الوراء حتى صار وجهه إلى السقف، ومجّ إثر ذلك سحابة دكناء من غليونه الغليظ المسودّ نحو الثريّا (النجفة) المتدلية فوق رؤوسنا بأبهة وفخامة مثل عنقود مرصع من عريشها ذي الزرقة الكاشفة المريحة، من غير أن يتمكن في هذه المرة أيضاً من أن يضبط انفعاله. فرشفت ثمالة كأسي بتأنٍ وهدوء مغضياً عما ازدحم في نبر سؤاله من استفزاز وتحد، ثم أجبت بصوت حرصت على رزانة نبره، ووقار نغمته:
- حقي، حقنا. وحقنا هو حق عقولنا في أن تلتحم بالحوار الأبيض مع عقول تضادُّها، فلا ترتدَّ عنها حتى ينجلي نقعُ الالتحام بأنوار الحقيقة.
- الحقيقة؟ همم.. وما هذه الحقيقة التي لا تفتأ تملأ بها فمك بين كل عبارة وعبارة؟
- إنها حقيقة النظام من حيث هو مبدأ متحكِّم بكل ظواهر الكون.
- النظام!؟ هههه.. يا رجلُ! أبعد كل هذه البراهين التي جئتك بها على سيطرة العشوائية على الكون ما ظهر منه واستتر، تحدِّث بجرأة – ولا أقول بوقاحة تأدباً - عن النظام؟ ما رأسك يا أخي، أمن حطب الزان!؟
- لا، لا.. ( ارتفعت بيننا على حين بغتة ذراع حازم الملقب بعاشق الحرية - وكان إلى جانبنا يتابع النقاش الساخن باهتمام صامت – ارتفعت بحركة تصويرية اعتراضية بدت كأنها محاولة لفثء نزاع قد أوشك أن يحتدم بيننا) لا، أرجوكم! اسمحوا لي أنتم الثلاثة، اسمحوا لي "أن أعطي شيئاً ربما يساهم في حل عقدة المشكلة، وأرجوكم ثانية ألا تعتبروا ما أعطيه لكم تدخلاً في مجرى النقاش.. لا أود أن أتدخل وإنما هي كلمة على الهامش لا أكثر ولا أقل. أنتم الثلاثة - وأقولها بصراحة - لم تحددوا منهج مناقشتكم، فلم نعلم أهو المنهج الفلسفي الخالص، أم هو المنهج العلمي المجرد الذي لا توجد فيه ذرة من فلسفة أو رأي شخصي؟ شيء آخر أود أن أضيفه؛ أود أن أقول إن نعيم إيليا يخلط التعريفات العلمية للعشوائية بأنواعها مع الفرضية الفلسفية الشهيرة (الحتمية) هذه الحتمية التي (علمياً) قد تقودنا لاحقاً إلى نظام صارم، أو قد لا تعطينا شيئاً (أعني ما جاء باليمين راح بالشمال) ولا بد لي هنا من ذكر أنواع العشوائية وفق علوم الطبيعة؛ كي يكون نعيم على بينة منها واطلاع عليها؛ فيتفادى الخلط، وهاكموها على أنواعها:
وهي الفوضى الكاملة. chaos
entropy وهي عشوائية تحمل فى طياتها اللا ترتيب disorder
Random وهي عشوائية أيضاً،و تحمل فى طياتها احتمالات probabilities
ولا بد لي أيضاً من أن أعطي رأياً في القانون الطبيعي الذي تداولتم ذكره في مناقشتكم: فإن هذا القانون شيء أو حدث يتكرر وفق نهج معين، بخلاف العشوائية بأنواعها تلك حيث تكون فرص التكرار فيها أضعف بكثير من الفرص المتوفرة للقانون.. وأخيراً – وعذراً إن كنت أطلت! - لا بد لي من التعريج على نظرية التطور التي أدرجتموها مثالاً في محاورتكم؛ لأقول فيها إنها لا تجري إلا بفضل عوامل طبيعية لا شأن للوعي بها البتة"، ولأسألكم في النهاية: أتريدون أن ترسموا لوحة للكون كل منكم على حدة من وجهة نظره الفلسفية، أم تريدون أن تبحثوا بحثاً علمياً جاداً باحتساب مبدأ الاحتمالات المتكررة؟".
وكنت أعجل من الربضي إلى الرد على كلام العاشق حازم، قلت:
- اعتراضك يا حازم شغب منقوض من وجوه: فأما أولاً، فإن المنهج هنا ليس يسهم في حلّ عقدة المشكلة كما أمَّلتَ وتوقعت؛ لأن عقدة المشكلة لم تنشأ أصلاً عن المنهج ليكون المنهج حلاً لها، وإنما نشأت عن النتيجة التي هي النظام أو الفوضى؛ فنحن هنا فريقان، فريق يأخذ بالنظام، وفريق يأخذ بالفوضى أو العشوائية، كما تدعونها، وربما كان الفريقان، وقد امتلك كل منهما واحدة من هاتين النتيجتين، سلكا معاً إلى امتلاكها منهجاً واحداً؛ منهج التأمل، أو منهج التجريب – ولا أستبعد أن يتناوبا معاً المنهجين كليهما فهما يجربان ويتأملان، وقد من التجريب والتأمل نشأت الفلسفة التجريبية وفلسفة العلوم - وبهذا يسقط الادعاء بأثر المنهج على المشكلة.
فأما ثانياً، فما أهمية أن تنهج المشكلة هذه طريق التأمل الفلسفي الخالص، أو أن تنهج طريق التجريب العلمي، ما دامت الحقيقة في النهاية هي الغاية، فأي المنهجين أدركها فله فضل إدراكها، وما دام النهجان أو الطريقان، على ما ذكرتُ قبل قليل، لا يوجبان نتيجة محددة؟ فلا النهج العلمي يوجب العشوائية لا محالة، ولا هو يوجب النظام لا محالة، وكذا النهج التأملي فلا هو يوجب النظام بالضرورة، ولا هو يوجب العشوائية بالضرورة. فإن أنت أدركت العشوائية مثلاً - سواء أكنت نهجت إليها منهج الفلسفة التأملية، أو نهجت إليها منهج علوم الطبيعة - فلا محيص لك عندئذ من أن تبيت وأنت على خلاف في هذه النتيجة مع من أدرك النظام نتيجةً بعد أن سار إليه في منهج التأمل؛ أو سار إليه في منهج التجريب على السواء؛ وبهذا يفقد المنهج بالإضافة إلى هذه القضية أهميته.
فأما ثالثاً، فإن الحتمية ملازمة للنظام ملازمة الصورة للمادة.. إنها طبيعة النظام، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تنفك عنه؛ وهذا يبطل قولك بأن الحتمية (فرضية) ويلزمك بقبول الحتمية على أنها حقيقة لا مراء فيها ولا ظن. فإنا إذ رأينا أن الكون مقوّم بالنظام، فإنا ما رأيناه كذلك إلا لأن كل ما يحدث فيه، إنما يحدث بالضرورة، والضرورة هي الحتمية، فإن أنت تدبرت نواميس الكون، فلن تجدها تتردد بين أمرين كالحدوث واللا حدوث، وكالانطباق و اللا انطباق، وكالتغير واللا تغير؛ فالنار تحرق، ليس من نار لا تحرق، فإن توهمنا ناراً تحرق مرة ولا تحرق مرة فهي ليست النار. وللماء العذب نظام أن يستنبت الزرع في أرض صالحة أو يهلكه، ومحال أن يوجد ماء عذب لا يستنبت زرعاً في هذه الأرض أو لا يهلكه. وللإنسان نظام أن يحيا وأن يموت، ومحال أن يكون إنسان لا يحيا ولا يموت، أو يحيا ولا يموت. وللنجاح في دروس الفيزياء نظام يعتمد على الدرجات، ومحال أن ينجح الطالب، إذا لم يستوف الدرجات المتواطأ عليها للنجاح، وقل مثل هذا في سائر ما حوى الكون من موجودات وظواهر.
فأما رابعاً، فلا أدلّ من تقسيم العشوائية عند من قسمها إلى ثلاثة الأقسام التي ذكرتها، على بطلان الاعتقاد بالعشوائية وفساده بما يوافق رأينا؛ وذلك لأن العشوائية، إن كانت، فلا بد أن تكون مفهوماً مطلقاً أو خاصة مطلقة من خصائص المطلق (الوجود)، فكيف لها أن تنقسم؟ إن ما كان مطلقاً لا يقبل القسمة الخارجية بوجهٍ من الوجوه؛ إن الوجود واحد مطلق، وليس يأتي من الوجود الواحد المطلق بوجهٍ، وجود ثان. وقل مثل هذا في صفات أو خصائص الوجود المطلقة، وهي: الأزلية، الأبدية، الانتظام (القوانين والنواميس) فهي لأنها مطلقة، لا يجوز أن تنقسم واحدة منها إلى صفة ثانية تكون نقيضاً لها. هذا محال، كما هو محال انقسام الوجود إلى وجود ثان ! محال أن تنقسم الأبدية مثلاً إلى اللا أبدية؛ فيصبح الوجود أبدياً ولا أبدياً، محال أن تنقسم الأزلية إلى الحدوث؛ فيصبح الوجود أزلياً محدثاً، محال أن ينقسم النظام إلى عشوائية؛ فيصبح الوجود منتظماً عشوائياً... فلما استحال تقسيم صفات الوجود المطلقة منطقياً، فقد استحال أيضاً تقسيم العشوائية، وهي مطلقة، إلى النظام.
فإن زعمت أن الوجود حركة عشوائية هوجاء لخليط من العناصر تلتقي مصادفة من غير تقدير فتمتزج فينشأ عن امتزاجها مواد جديدة لها نظام وترتيب؛ فقد جعلت بزعمك هذا العشوائيةَ نظاماً؛ لأنّ ما يتحرك، لا يتحرك إلا بحسب مبدأ الحركة وهو مبدأ صارم، ولأن ما يلتقي فيمتزج فينشأ عنه شيء منظم، فإنه لا يلتقي فيمتزج فينشأ منه شيء إلا بنظامٍ لا محيد عنه البتة. فإن التقاء الهيدروجين بالأوكسجين وامتزاج أحدهما بالآخر بمقدار ثابت فنشوء الماء عنهما، فإنما يحدث ذلك بصورة منظمة حتمية ثابتة، ولا يحدث أبداً ألا ينشأ الماء من امتزاج الغازين بالمقدار والظروف الموجبة لنشوئهما. ولو كان الأمر للعشوائية لجاز أن ينشأ الماء في هذه الحالة أو ألا ينشأ. ولو كان الأمر للعشوائية، فلمَ إذا التقى الحديد بالزئبق، استحال أن ينشأ عن لقائهما ماء؟ أوليس لأجل أن نشوء الماء لا يكون إلا بأشراط ومقادير وحالات؟ وبعدُ، فما هذه الأشراط والمقادير والحالات إن لم تكن نظاماً!؟
ولعلك تعترض فتقول: إنما أردتُ إلى أن عملية الالتقاء ذاتها هي التي تتم بعشوائية، لا ما ينتج عنها. واعتراضك هذا مردود عليه بأن عملية التقاء العناصر، ما هي إلا الحركة، والحركة هي حركة الأجسام في الكون، وهي حركة منتظمة يؤيد العلم والمنطق حقيقة انتظامها، فالضوء له نظام حركة، والغبار الكوني له نظام حركة، والأجرام السماوية لها نظام حركة وهي جميعاً مؤتلفة في حركة عامة. والتقاء مادة بمادة هو حركة حتمية فمن طبيعة وتكوين الأشياء المادية أن تلتقي فتتنافر أو تمتزج أو... ولو لم تكن الأشياء تلتقي بنظام الالتقاء العام الحتمي، لالتقت الأشياء، ولما التقت الأشياء وهذا خلف. فإن الشيء لا مناص له من أن يلتقي بشيء آخر في هذا الكون اللانهائي، وليس له أبداً ألا يلتقي بشيء آخر. وبالجملة فإن عملية الالتقاء ذاتها، قانون حتمي.
ثم ما معنى قولك إن العشوائية "تحمل في طياتها اللا ترتيب"؟ وما معنى قولك إن العشوائية "تحمل في طياتها احتمالات"؟ ألا ترى الهفْتَ فيما تقول!؟ ألا ترى أنه إن كانت العشوائية تحمل في طياتها اللا ترتيب، فهي إذاً الفوضى العشوائية؟ فكأنك بهذا فسرت الماء بالماء، والمجهول بالمجهول. ثم ألا ترى أنه إن كانت العشوائية تحمل في طياتها احتمالات، فهي إذاً النظام؛ لأن النظام وحده هو الذي "يحمل في طياته" مبدأ الاحتمال. والاحتمال هو كمُّ الممكن الجائز وامتثال الممكن الجائز للنظام، لا يحتاج في إثباته إلى كبير عناء. فإن الممكن هو الوجود بالقوة، وما كان موجوداً بالقوة، فقد يحدث بالفعل أو لا يحدث بالفعل؛ فالبذرة قد تنبت بالفعل، وقد لا تنبت، وهي لا تنبت ما لم تتوفر لها عوامل النبوت. ولقد وهم بعضهم فظن أنّ الاحتمال لكونه نقيض اليقين، وجب أن يكون دليلاً على العشوائية. والحق أن اللايقين ليس فصلاً في هذا الباب، ولا شأن لا من قريب ولا من بعيد بفكرة العشوائية، ولو جعلته دليلاً عليها، لأحدثتَ تناقضاً شكلياً في منطقك لا يسوغ تبريره؛ لأن اللايقين بذاته لن يكون إلا مبدأ صارماً – إن صدقت نظرية اللايقين - والمبدأ نظام، والنظام نقيض العشوائية.
فأما خامساً، فإن حدَّك للقانون بقولك: " إن هذا القانون شيء أو حدث يتكرر وفق نهج معين، بخلاف العشوائية بأنواعها حيث تكون فرص التكرار فيها أضعف بكثير من الفرص المتحققة للقانون" لم يسلم من الاعتلال والنقص؛ وذلك لأن القانون هو المبدأ الذي له قوة غير مرئية تحدث الوقائع والأحداث والظواهر بصورة حتمية، لا مفر لها البتة من أن تكون إلا على هذه الصورة، كقانون طفو الأجسام على سبيل المثال، وليس كما تراه حدثاً أو واقعة؛ فظاهرة طفو المركب على سطح الماء حدثٌ، هذا صحيح! ولكنَّ هذا الحدث بعينه ليس قانوناً، وإنما هو حدث قد وقع بفضل مبدأ أو قانون طفو الأجسام المعروف. قد يحدث أن يطفو غيرُ المركب على سطح الماء بفضل هذا المبدأ، وقد يحدث أن يطفو غيرُ غيرِ المركب على سطح الماء بفضله، وقد يحدث أن يطفو غيرُ غيرِ غيرِ هذا المركب... بفضله أيضاً، فالأحداث تتكرر ولكن القانون الذي يحكمها واحد هو هو لا يتغير. أضف إلى هذا أنك بحديثك عن (فرص) التكرار للقانون والعشوائية، قد أقررت بالعشوائية والنظام من حيث وجوديهما الواقعيين معاً! وهذا الإقرار منك بثنائية العشوائية والنظام على الحقيقة، إقرار باطل؛ فإن الكون لكونه مطلقاً لا نسبياً إما أن يكون عشوائياً، وإما أن يكون منظماً، ومحال أن يكون في واقعه عشوائياً ومنظماً معاً، كما هو محال أن يكون الوجود واللا وجود في الواقع مجتمعين معاً: فإما الوجود وإما اللا وجود؛ إلا إذا قدَّرت أن العشوائية واللا وجود، فكرتان ذهنيتان: فالأولى تقابل النظام، والثانية تقابل الوجود مقابلة الأضداد - كما هو الحال في مباحث الجدل عند المناطقة الجدليين - من غير أن يكون لهما بالذات وجود في غير الذهن والوهم.
فأما سادساً، فإن التعريج على نظرية التطور، على النحو الذي جاء في قولك: " لا بد لي من التعريج على نظرية التطور التي أدرجتموها مثالاً في محاورتكم؛ لأقول فيها إنها لا تجري إلا بفضل عوامل طبيعية لا شأن للوعي بها البتة" أشبه بعروج أظلع عن الطريق القويم إلى منحدر بعيد الهويّ. وما ذلك إلا لأنك لم تتبين حقيقة أن الوعي هو الذي يحرك عمليات التطور.. أتعترض؟حسناً! أليس الذي يتطور هو الحياة؟ أوليست الحياة وعياً؟ فكيف إذن لا يكون لوعيها شأن بتطورها!؟ أوكان يمكن للإنسان إذ كان وحيد الخلية في غمر، أن يغدو إنساناً لولا أنه وعى وعيه ذاك البدئيّ الضئيلا الضئيلا؟ فإن كنت الآن في شك من ذلك، فحري بك أن تقول لنا: لماذا لا تتطور الجمادات كما تتطور الأحياء؟ أما إن كنت تقصد من ذلك وعياً خارجياً يوجه حركة التطور، فإن قصدك موئله الأساطير والماورائيات، وليس موئله مجلسنا وما نحن فيه.
وبالجملة فإنك بهذا قد جنفت على مادة الحوار بيننا مرتين: مرة عندما حشرت الوعي حشراً في موضوع لا يستلزمه؛ إذ أن القول بالعشوائية ليس مما يصلح أن يكون برهاناً على وجود الوعي (قد يكون الوعي وتكون العشوائية أو لا تكون، ما المانع؟) وليس مما يصلح برهاناً على عدم وجوده (قد لا يكون الوعي، وتكون العشوائية أو لا تكون، ما المانع؟) كما أنه ليس مما يصلح لأن يكون دحضاً لمعتقدات أهل الإيمان – إن كنت ترمي إلى هذا، وما إخالك إلا أنك إلى هذا ترمي كما يرمي سامي لبيب -؛ لأن أهل الإيمان مقرّون بأن العالم كان عشوائياً في عماء، ثم تدخلت إرادة الله فجعلته على نظام.
ومرّة إذ حشرت نظرية التطور فيه على أنها برهان على صدق رأيكم في العشوائية، والحق أن نظرية التطور برهان على صحة الرأي القائل بالنظام خلافاً لرأيكم، فالكائن إذ يتطور، فإنما يتطور بقواه الذاتية ووفق قوانين الطبيعة، وهو أمر لم تنكره.
أطبق مروان سعيد انجيل يوحنا بين يديه، وقال:
- من المعروف أن الكرة الأرضية كانت كتلة ملتهبة... تكونت الأرض من حجارة تجمعت بشكل تصادمي منها ما كان صغيراً، ومنها ما كان كبيراً. ويقول العلماء إن اصطدامها بالأرض كان بشدة معينة فلم تكن شديدة كل الشدة؛ إذ لو كانت كذلك لتراجعت وتفرقت، ولم تكن خفيفة؛ إذ لو كانت كذلك، ما التصقت ببعضها. وقد أنتج هذا التصادم حرارة تصهر الحديد والمعادن الأخرى ببعضها. ومن المعروف أنه لايمكن لعنصر حي أن يوجد في درجة حرارة انصهار المعادن.
فمن أين أتت الحياة؟ وهل الخلية وجدت عشوائياً وبها هذا النظام؟ وكيف كان لها القدرة الذاتية على التفاعل والاتحاد بالعناصر وتقبلها لها وتطورها اتوماتيكيا؟ وما مدى قدرة هذه العجيبة التي تسمى الخلية التي تحملت أشد درجات الحرارة انخفاضاً وارتفاعاً، وكم هي احتمالات إيجاد ظرف قابل للحياة معادل 10 اس 300 من ماء وهواء وضغط جوي وغلاف جوي وبعد عن الشمس وبعد عن القمر وحرارة ووووو وكل ذلك بنظام لو زاد فيه الاكسجين مثلاً أو قل، ما تحقق الظرف الطبيعي الملائم لنشوء الحياة...
فأجهم وجه سامي لبيب كأنه الجو ملبداً بالغيوم، وبادره بغلظة:
- أرى أن تعتنى بما بين يديك من أساطير الأولين، فهذا خير لك وآمن من أن تقحم عقلك في ما لا يسره من أقاويل أهل الرأي، وعد إلى إنجيلك فعسى ربك أن يلهمك الجواب عن سؤالي الكظ: لماذا يتركنا ربك تعصف بنا الحيرة من غير أن يتعطف علينا برحمته فيكشطها عنا، ما دام موجوداً كما تزعم؟ ثم من أنت وما كتبك ومن أنبياؤك لينيبكم عنه في التبليغ؟ أتراه عاجزاً، أم عاجزاً، أم عاجزاً أن يقوم عنكم بالتبليغ...؟ حكمة؟ وأي حكمة في قدرة معطلة!؟ جهل بالغيب وبالمقاصد الخفية؟ هه! فلم لم يغيِّب عنكم الجحيم وأواره، لماذا لا تجهلونه كما تجهلون حكمته ومقاصده؟ أيكون الكشف عن الجحيم بتفاصيله، أيسر عنده من الكشف عن ذاته!؟
ثم التفت نحوي، وما زال الحنق عنه، وقال:
- اسمع! نحن نأتى من تلقيح حيوان منوى واحد من ملايين الحيوانات المنوية لبويضة، وهذا نظام كوضع عام، ولكنه عشوائية لكون الحيوان المنوي الذي أتينا منه واحد محدد من ملايين.
وكذلك هو الأمر عند تحديد نوعية الجنين، فهذا نظام.. ولكن أنت تعلم قصة الاكس والواى، فقل لنا أين النظام فى هذه القصة إن لم تكن هذه القصة عشوائية؟
وإليك مثالاً ثالثاً: أنا أذهب لعملى بتوقيت محدد منتظم، ولكن فى مسيرة نظامى هذا هناك آلاف السيناريوهات التى يمكن أن تحدث بصورة عشوائية: كأن أسقط وأنا نازل على السلم، أو تدهسنى سيارة وأنا أعبر الشارع.. فماذا تسمى هذا؟
فأجبت:
- قبل الرد على سؤالك: " ماذا تسمي هذا؟" ألفت انتباهك إلى أنك تعترف الآن بوجود النظام، وكنت قبل اليوم تنكر أن يكون النظام إلا فكرة جائلة في ذهن الإنسان، وهذا حسن إلى حدٍّ!
فأما الجمع بين النظام والعشوائية في وجود واحد، فمحال وخلف كما أثبتُّ ذلك في الرد على حازم، وقد أكرر القول في هذا ثانية لمزيد من الإيضاح ولإزالة الشبهة والخلاف، فأقول: لما اقتضى أن تكون العشوائية (على رأيكم الذاهب إلى أن للعشوائية وجوداً غالباً) صفة للمطلق الذي هو الوجود، اقتضى أن تكون العشوائية مطلقة مثله؛ لأن صفات المطلق- كما تعلم – يجب أن تكون مطلقة، فلما كانت العشوائية صفة للوجود مطلقة، امتنع أن يكون لها نقيض في الوجود، كما امتنع أن يكون للأزلية نقيض في الوجود، وكما امتنع أن يكون للأبدية نقيض في الوجود.. إذ لا يُتصور الحدوث إلى جانب الأزلية، ولا تتصور النهاية إلى جانب الأبدية.
وفي الرد على سؤالك " ماذا تسمي هذا؟" أقول: أسميه النظام ولا أسميه العشوائية. فكل ما يحدث مما ذكرتَ، إنما يحدث بنظام دقيق وفق قوانين محددة لا تخيب. وإنه لبيّن واضح قانون التلقيح الذي لا يسمح لغير حيوان منوي واحد أن يسبق ويخترق جدار البويضة. وواضح أن الجنين في الرحم يحدد جنسه قانونُ توزيع (الكروموسومات) الذكرية والأنثوية بين المرأة والرجل، وواضح بيّنٌ أنه لا يتم تحديد الجنس بطريقة اعتباطية عشوائية كما تظن، فهناك عوامل عديدة مؤثرة في عملية التحديد، أدرك العلم بعضاً منها، وما يزال بعض آخر منها مجهولاً. والقانون العام الذي يتحكم في عملية تحديد الجنس واحد معروف لا يتغير: فإما الذكر، وإما الأنثى، وإما الخنثى – إن جاز ألا نعد حالة الخنثى حالة تشوه خلقي - ولو كان تحديد الجنس متروكاً للعشوائية، فلماذا هذا النظام الدقيق في توزيع الكروموزومات بين الذكر والأنثى؟ ولماذا هذا النظام الدقيق في حركة الحيوانات المنوية وحالة البويضة؟ ولماذا تأثير الغذاء على المني والبويضة والجنين قبل أن يتعين جنسه؟
فأما اعتقادك بأن سقوطك وأنت تنزل السلم، إنما هو محض صدفة وعشوائية؛ فذلك لجهلك أسباب سقوطك. فإن لسقوطك أسباباً لولا تضافرها عليك ما سقطت. وكل ما له سبب، فليس يقال عنه إنه قد جرى بمصادفة وعشوائية؛ إذ أن العشوائية أو المصادفة لا تقترن بوجه من الوجوه بالأسباب والعلل. وكذا شأن الدهس، فلولا الغفلة ما كان.
فأما قولك إن الإنسان يخرج من البيت، فيتفق له أن يعود أو لا يعود، أو يقتل أو لا يقتل، أو يلتقي بصديق له أو لا يلتقي، أو تسقط فوق رأسه قرميدة فيموت أو لا يموت، أو يصيب ظهرَه حذاء امرأة غاضبة فيسخط أو يبتسم، وما إلى هذا من الاحتمالات التي لا يحصرها العد، وتساؤلك بعد ذلك: لماذا وقع لي هذا الأمر ولم يقع لي ذاك؟ فإن جوابه يسير: فإنك لما خرجت، أصبحت بخروجك نهباً لكل هذه الاحتمالات؛ أي أصبحت ولا بدّ - وأنت خارج من المنزل - أن يحدث لك حادث ما من تلك الحوادث وغيرها، هذا قانون لا يستثني أحداً. ولكي تعلم لماذا وقع لك هذا الحدث، ولم يقع لك ذاك، عليك أن تنظر إلى الأسباب التي تقاطعت مع أسبابك وحتمت وقوع الحدث الذي وقع دون غيره من الأحداث؛ وحتمت أن تكون أنت طرفاً في هذا الحدث. فالمرأة الغاضبة لم ترم حذاءها بالمصادفة دون سبب، وإنما رمت به زوجها إثر عراك بينهما، فتنحى عنه زوجها فمرق من النافذة المفتوحة بلا اعتراض في عين اللحظة التي صرت فيها على مرمى الحذاء..
قالت فؤادة العراقية مقاطعة وقد أضاءت سناً وعبيرا:
- هبنا اقتنعنا بأن النظام يسود الكون، فما يجدينا أن نعلم بأن النظام يسود الكون؟ ولست أعني بقولي هذا، أن ندع الحديث عن الوجود وشواغله بذريعة أن في شرقنا يتعالى الصراخ وتنتهك حقوق المرأة، وإنما أعني: ما هي الفوائد التي يمكن أن نجنيها من كون الوجود منتظماً أو عشوائياً؟
ومرّ بنا في هذه اللحظة عبد الرضا حمد جاسم متعجلاً، فحيانا بكياسة، ثم قال:
- قد سمعت نتفاً من حديثكم - ولا تظنوا أنني سمعته بمحض المصادفة، كلا! إذ قد وجب أن أسلك الطريق الذي يمر بكم إلى حاجتي مرغماً – واعذروني أن أقول وأنا مسرع: لا توجد عشوائية، ولا طفرة، ولا صدفة في هذا الكون.. وأكرر التحية.
ورفع ذراعه بتحيته المكررة إلى صدغه ومضى.
_____________________________
للاستئناس والمراجعة: نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 02:21

سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4326 - 2014 / 1 / 5 - 17:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى الأستاذ نعيم إيليا
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 23 - 14:50 )
شكرا ً أستاذ نعيم لتخصيصك الوقت و الجهد و لاهتمامك َ بموضوع مقالي الأصلي و تفضلك بإغناء الحوار.

أرى أنه يجب أن نتفق على معنى كلمات -عشوائية- و -نظام- حتى نستطيع تعريف الكون، المعاني التي أتبعها هي:

- العشوائية ليست هي النظام و النظام ليس هو القوانين

- العشوائية و النظام يخضعان للقوانين الكونية و نتائجهما استحقاقات هذه القوانين

- النظام عندي يتطلب وجود ترتيب معين يجب أن تتخذه الأحداث من أجل نتائج محددة

- العشوائية هي الإحتمالات المتحققة ضمن القوانين لكن دون وجود ترتيب سابق أو خطة مقصودة أو حصر للنتيجة

- النظام ينتج عن العشوائية و يمكن أن ينتج من النظام الجديد عشوائية(التطور مثالاً)

- العشوائية هي الاساس و ليس النظام لأن شكل الكون الحالي من صدوره عن النقطة المفردة لم تحكمه خطة(القانون ليس نظاما ً لكن آلية)

مصدر اختلافنا كما رأيتُه وقتها و الآن، أنك ترى النظام و القوانين وجهين لعملة واحدة، بينما أرى أنا أن القانون هو آلية عمل للعشوائية و للنظام، و أحصر الكلمتين الأخيرتين في الترتيب المعروف و الخطة المرسومة، و بذلك حين تغيب الخطة يغيب عندي النظام.

هذا مبدأي.

شكرا ً لك مجدداً.


2 - أعيش في قلب الشمس
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 23 - 19:35 )
تحياتي أستاذ نضال الربضي
الكون له نظام، لا يعني شيئاً آخر غير أن قوانين عامة تسيّره. أما قولك القانون ليس نظاماً ولكنه آلية، فيقتضي منك أن تفسر معنى الآلية والفرق بينها وبين القانون..
عند الفلاسفة التجريبيين أن الكون آلة وكذلك عند العلماء، ومرادهم أنه منظم بدقة تنظيم الآلة.
النظام والقانون عندهم شيء واحد، وهذا الشيء الواحد هو نقيض العشوائية.
فإذا جاز أن يكون القانون آلية عمل للعشوائية كما ترى، فقد جاز أيضاً أن أقول إن الترتيب آلية الفوضى التي تشيع في غرفتي.
ولو كانت العشوائية أساس الكون، لتعين منطقياً أن تكون صفة مطلقة للكون، والصفة المطلقة لا تنتج نقيضها (هنا جوهر القضية وهنا مظنة الخلاف) فإن أنت أثبت أن الصفة المطلقة تنتج نقيضها، فقد حققت رأيك، وقد أرغمتني على التراجع عن آرائي.
وما دمت تقول بأن النظام ينتج العشوائية، فأنت مكلف بإيراد مثال توضيحي عن عملية الانتاج هذه.
أستطيع أن أقول إنني أعيش في قلب الشمس، ولن يكون قولي باطلاً، إن أنا جئت بالبرهان الصادق عليه.


3 - تحيه و تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 2 / 23 - 21:17 )
ألف تحيّه للمفكر | نعيم إيليا .
الصدفه و العشوائيه من أهم مراجع الإلحاد , كما أن أزليّة الماده -فيما يعتقده الماديين- من أهم مراجع الإلحاد .
الصدفه و العشوائيه يقضي عليها (الثابت الكوني) , أما أزليّة الماده فيقضي عليها (عمر الكون الذي ظهر مع -الإنفجار الكبير-) , العلم (الفيزياء) تعترف أن الكون مُنظم بدقه عجيبه , كما تعترف بأن للكون بدايه , ماذا تبقى للملحد؟ .
و مع كل هذا نقول : في عام 1927 وضع (هايزنبرج) مبدأ (عدم اليقين) أو مبدأ (الريبة) , وهو مبدأ فيزيائي من المباديء التي تحكم الكون , هذا المبدأ يرى : ((أننا ممنوعون من معرفة الحقيقة الكلية , وليس لنا أن نختار إلا نصف الحقيقة أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون عنها)) , لذلك , الإنسان ممنوع من معرفة الحقيقه الكامله , و ليس له سوى نصف الحقيقه , نحن -كبشر- في علمنا لم نصل إلا إلى جزء يسير من نصف هذه الحقيقه , حتى نحوز على هذا النصف لا بد لنا من الإنتظار ملايين السنين .
بإختصار :
الثابت الكوني + السببيه + مبدأ عدم اليقين + إستحالة تجاوز جدار بلانك + مبدأ الهولوجرام = نهاية الإلحاد إلى الأبد .

تحياتي المخلصه


4 - إلى الأستاذ نعيم إيليا - 1
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 24 - 06:17 )
تحية طيبة في بداية نهار جديد أستاذ إيليا،

عندما أفكر في موضوع ما فأنا أستفيد من كل ما كُتب فيه و أُبقي نفسي مفتوحا ً على المعرفة لكن لا يعني هذا قبولي بكل ما يطرحه غيره، و لا أجد أي مشكلة أو حرج في مخالفة ما أعتقد أنه لا يُعطي صورة كاملة أو خاطئ أو يمكن الإتيان بأفضل منه، و لذلك لا مشكلة عندي في عدم تبني ما طرحتـَه مشكورا ً عن الفلاسفة التجريدين.

سيدي الكريم، القانون هو وصف كيف تعمل الأشياء طبقا ً لخواصها أو لنقل وصف آلية عملها، بمعنى و كمثال: الحديد من خواصه إذا سخن أن يتمدد، هناك قانون فيزيائي يحكم هذا الموضوع، و القانون هنا يفسر آلية عمل الحديد مع درجات حرارة النار، يصف سلوك الحديد مع النار.

إذا أردت أن تتوسع فتصف النظام داخل القانون فهذا ليس موضوع مقالي و لم يكن أبدا ً، أنا لم أطرح موضوع النظام داخل القوانين الفيزيائية أو البيولوجية، موضوعي هو عن الكون، عن الطبيعة، عن الكائنات، عن شكل الكون هل كان مرسوما ً مُحددا ً مقصودا ً أن يكون كما هو الآن بهذا الشكل، بهذا الترتيب؟

يتبع في الجزء الثاني


5 - إلى الأستاذ نعيم إيليا - 2
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 24 - 06:26 )
تابع من الجزء الأول

مقالي ينظر إلى الكون فيجد قوانين تعمل في مواد و عناصر فينتج عن عمل القوانين فيها -موجودات- منها ما هو غير حي (بالتعريف البيولوجي) مثل النجوم و الكواكب و المجرات، و منها ما هو حي بيولوجيا ً كالإنسان و النبات و الحيوان.

حين أضطلع على ما كُتب في التطور و الأحافير و نشأة الأرض أجد أن الظروف قد أثرت في الخلايا البدائية فأنتجت مجالات حقيقات النوى و البكتيريا و غيرها، و من حقيقات النوى ظهرت ممالك الحيوان و النبات، ثم في مملكة الحيوانات ظهرت شعبة الحبليات، و من داخل تلك الشعبة برز صف الثديات ثم رتبة الأوليات، و منها عائلة الهومينيداي، قبيلة الهومونيني، جنس الهومو، و في أنواع كثيرة منها الإرجاستر و الإريكتس و النيندرتال و حتى الكرومانيون المعروف الآن باسم سابينز أي العاقل أي نحن، و هذا يعكس ردود أفعال و استجابات بيولوجية مختلفة للظروف الأرضية و تحقق للاحتمالات في غير ترتيب مقصود، في غير هدف لكن ضمن قوانين الطبيعة.

تابع في التعليق الثالث


6 - إلى الأستاذ نعيم إيليا - 3
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 24 - 06:37 )
تابع من الجزء الثاني

تأمل أخي الكريم المجرات و ملياراتها و قلي ما هي الخطة التي تراها؟ ما هو الترتيب المقصود لشكلها الحالي و توزيعها و عدم خدمتها لأي غرض سوى أنها موجودة بفعل إمكانيات وجودها استجابة للقوانين؟

هذه هي العشوائية سيدي، هي القوانين التي تعمل لتتحقق إمكانيات ممكنة، لكن دون أن يكون هناك خطة، دون أن يكون هناك ترتيب، دون أن يكون هناك مقصد نهائي، يعني أيضا ً لو عاد البيج بانج ليحدث مرة أخرى (على فرض) فإن نتائجه ستكون كون آخر غير كوننا الحالي، حتى لو كانت القوانين التي يعمل بها الكون ثابتة.

من هنا النظام و العشوائية حسب تعريفي.

أتمنى أن أكون قد أوضحت الأمور أكثر.

شكرا ً لك.


7 - أزلية المادة.. اللا يقين
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 24 - 09:05 )
ألف تحية لك مني أيضاً عزيزي الأستاذ عبد الله خلف، مع الشكر على المداخلة
بالنسبة لأزلية المادة فحتى الفلاسفة الإلهيون أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد مقرّون بأزلية المادة ولكن على نحو خاص من التصور لديهم قد أعرض له يوماً.
أما نظرية اللايقين، فإن ثبتت صحتها، فلن تكون دليلاً على عشوائية الكون، بل على العكس من ذلك تماماً، فإنها ستكون مصداقاً على نظام الكون؛ لأنها بثباتها وصدقها ستكون قانوناً عاماً يحمل الكون على أن يخضع لحكمه لا لحكم قانون اليقين، ولا لحكم قانون نسبي يتأرجح ما بين اليقين واللايقين.


8 - لا عزيزي، لم تتوضح الأمور مع الأسف!
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 24 - 09:39 )
عزيزي الأستاذ نضال الربضي شكراً لك
كانت الأمور ستتوضح، لو كنت أثبت أن صفة وجودية مطلقة يمكن أن تنقسم إلى ما يضادها، أي إلى نقيضها؛ إذن لكنت آمنت بأن العشوائية هي الأساس وأن النظام أو القانون وليدها النقيض كما الوجود والعدم.
ولو كنت جئتني بمثال يوضح كيف ينتج النظام العشوائية، لكفاني وأغناني.
قد تبين لي أنك والذين صوتوا لك مؤيدين، تربطون بين العشوائية وبين الغاية على الوجه التالي: ما دام الوجود لا غاية من وجوده؛ فهو إذاً عشوائي.
وهذا منطق غير مقبول؛ فالشيء لا ينتفي نظامه بانتفاء الغاية منه: فالساعة بالإضافة إلى القطة لا غاية لها، بيد أن الساعة مع ذلك آلة دقيقة الصنع تجري وفق نظام محكم.
المطر بالنسبة للحجر لا غاية منه، ولكن المطر يخضع لنظام ثابت في نشوئه وتساقطه.
المسافة ما بين الأرض والمريخ، لا غاية منها بالإضافة إلينا، ولكنها ثابتة مقيسة ولأنها كذلك استطاع العلماء أن يرسلوا إلى المريخ بنجاح مسابرهم بتوقيت يتفق تمام الاتفاق مع بعد المسافة الثابتة.
وأكثر ما يدهشني إتيانك بنظرية التطور دليلاً على العشوائية! وهي في الواقع نظرية تؤكد دقة قوانين الطبيعة وحركتها البيولوجية المنتظمة.


9 - إلى الأستاذ نعيم إيليا
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 24 - 12:53 )
أستاذي الكريم،

مفتاح الحل هو أني أميز بين القانون و النظام. فنشوء المطر أي تبخره و صعوده نحو طبقات الجو ثم تكاثفه و سقوطه هذا عندي اسمه: قوانين. و قد أجبتك في تعليقي الأول حين قلت لك أنني لا أتناول النظام داخل القانون.

أنا أتناول غايات الأحداث و هل هي مقصودة و هل يجب أن تكون قد حدثت كما حدثت، بمعنى أخر هل هناك خطة؟ (الخطة يعني نظام ثابت سيكرر نفسه لو الظروف تكررت).

التطور أكبر مثال على العشوائية، فالأوليات فيها الإنسان و القرد، و سلفنا المشترك مع الأورنجتان انفصل قبل حوالي 12 مليون عام، لاحظ أن هذا السلف المشترك أنتج أجناسا ً مختلفة في كل منها أنواع مختلفة، بدون خطة، فقط استجابات لاحتمالات ممكنة، هذه هي العشوائية. و طبعا ً العشوائية ضمن قوانين البيولوجيا و الفيزياء و الكيمياء، و أنا شددت على هذا منذ البداية.

أما ولادة الشئ من نقيضه كما طلبت َ مثالاً على العشوائية من النظام فعد لمثالي التطوري و لاحظ أن السلف الذي ثبت سلفا ً لأجيال طويلة ربما ملاين السنين (أي كان نظاما ً) قد تغير و أنتج أسلافا ً جدد بعد ملاين السنين لأنواع جديدة في فعل عشوائي.

تحياتي لك.


10 - نظام الصدف العشوائي
مالوم ابو رغيف ( 2014 / 2 / 24 - 15:09 )
الزميل العزيز نعيم ايليا المحترم
اسلوب جميل في طرح الموضوع
اننا بتسميتها قوانين ذلك كي نعرفها ونسهل فهمها لكنها ليست سوى خصائص الظاهره المادية، فالقانون ليس الا خصائص الظاهرة الخارجية والداخلية
ان شكل العلاقة بين المحيط بما فيه وشكل علاقة الخصائص الداخية هو ما يعرف بالنظام. اي ان النظام هو خصائص الظاهرة في علاقاتها الداخلية والخارجية، وبكلمة اخرة ان النظام هو تلك التي نسميها قوانين التي تفرض نوعا معينا من العلاقات.ـ
انا اعتقد ايضا بعدم وجود صدفة عشواية، اذ ان اي صدفة محكومة بقانون خصائصها، ولا توجد عشوائية الا وكان لها تحقق شكل نظام صدفها الذي نطلق عليه (الاحتمالات)ـ
اي ان العشوئيات هي بدورها مرتبطة بقوانين الاحتمالات التي تفرضها خصائص الصدف
فالرصاصة الطائشة مثلا قد تقتل احدهم دون ان يكون مطلقها عامدا الى قتل ذاك الاحد
ان طيش الرصاصة هو العشوائية لغياب الهدف
واصابة الرجل هي الصدفة المحكمة بقانون تواجد الرجل في منطقة حظه العاثر وبعشوائية الطيش
ولو ان رجلا اخر غير ذالك العاثر قد توجد لكان احتمال قتله بنفس احتمال صاحبنا
لنه يدخل ضمن نظاق النظام الصدف العشوائي
تحياتي للجميع



11 - ستلقى.. ولن تلقى جواباً
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 24 - 20:15 )
((أنا أتناول غايات الأحداث و هل هي مقصودة))
غاية الأحداث؟
أتريد أن الأحداث لا غاية من حدوثها؟
ولكنّ الأحداث يا عزيزي، لا تحدث إلا لغاية. خذ مثل المرأة الغاضبة التي ضربت زوجها بالحذاء، أليس هذا حدثاً؟ فإذا سألناك الآن: لماذا ضربت الزوجة زوجها، فبماذا تجيب؟
أتجيب بأنها أحبت مداعبته؟ أم تجيب بأنها فعلت ذلك لا لغاية ولا لمقصد؟
وبماذا تجيب لو سألناك: لماذا التطور؟ ما هي الغاية منه؟
ألن تجيب: إن الكائنات الحية تسعى إلى المحافظة على وجودها بتطوير قدراتها ومؤهلاتها، وإن هذا السعي (الغاية) هو في جبلّة الكائنات الحية ولولاه لانقرضت؟
فأما إذا بحثت عن الغاية من وجود الوجود أو من وجود الله، فلن تلقى جواباً.

في قولك: ((أما ولادة الشئ من نقيضه كما طلبت َ مثالاً على العشوائية من النظام فعد لمثالي التطوري و لاحظ أن السلف الذي ثبت سلفا ً لأجيال طويلة ربما ملاين السنين (أي كان نظاما ً) قد تغير و أنتج أسلافا ً جدد بعد ملاين السنين لأنواع جديدة في فعل عشوائي))
تفترض أن السلف كان على نظام، وأن الخلف أمسى بلا نظام. أهذه نظرية جديدة!؟
اعذرني أستاذي لم أسمع بها من قبل.
مع شكري لك.


12 - فلنسأل هيغل ...
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 24 - 20:31 )
الصديق العزيز مالوم أبو رغيف
أشكر تفضلك علينا بهذا الشرح الواضح العقلاني المتزن!
ويطيب لي أن أشرح باقتضاب على فكرتك: ((العشوئيات هي بدورها مرتبطة بقوانين الاحتمالات التي تفرضها خصائص الصدف)).. فلو تخيلنا العشوائية سيدة الكون، فماذا تكون العشوائية في هذه الحالة؟ ألن تكون صفة مطلقة للكون؟ ألن تكون نافية لكل شكل من أشكال النظام؟
وإذا نفت كل شكل من أشكال النظام، أفلن تتحول إلى نظام؟
بلى!
كيف؟
فلنسأل هيغل...
شكراً لك يا عزيزي.


13 - الطبيعة لا نظام لها ولا عقل ولكنها تتبع لقوانين
فؤاده العراقيه ( 2014 / 2 / 24 - 21:12 )
ممتع هو اسلوبك وجديد فيه الطرح لموضوع فلسفي جعلت منه أن يكون سلسا وكأنه حوار حقيقي بين مجموعة رائعة من كتاب الحوار المتمدن وأتذكر كانت لك مقالا ايضا بهذا الأسلوب أظن كان اسمه في ضيافة يعقوب
الموضوع ممتع ومفيد وليس كما تصورتني سأسأل عن فائدته التي سنجنيها فيما لو عرفنا كون الكون يسير حول نظام ثابت ام عشوائيا بل بالعكس هههههه
وسأسألك هنا:هل تستطيع ان تعلم بما سيحل بك اليوم بعد خروجك او حتى بقائك في البيت ؟ الصدفة واحتمالات الكثيرة تجعلك لا تستطيع تخمين ما سيحصل
وقوع الأحداث التي لا نستطيع تخمينها هي التي تتحكم بحياتنا ولا يمكننا ان نتنبأ بأحداث يومنا او مستقبلنا سوى من تلك المرتبطة بقرارنا أما غيرها فلا يمكننا
هل لو رجع الزمان بنا لأن نعيشه مرة أخرى فهل سنمر في نفس تلك الأحداث التي مررنا بها ؟ بالتأكيد سوف لن تتكرر مرة ثانية وستتأثر بالمحيط بها فا لأنها ستكون تحت تأثير المحيط بها
الطبيعة لا نظام لها ولا عقل يا عزيزي
هناك اعداد ضخمة من الانظمة العشوائية المتداخلة مع بعضها البعض لتنتج منها نظام معين وهذا يتفرع منه عدة انظمة وهكذا الى ما لا نهاية
الف تحية لك وللأعزاء الحضور


14 - الزميل نعيم إيليا ـ بين الصدفة والعشوائية ..
ماجد جمال الدين ( 2014 / 2 / 24 - 22:34 )
بصراحة، قرأت مقالك المطول والمسهب قراءة عمودية ( كما عبّر أحد الأصدقاء ) لأنه واضح من المقال أن مشكلتك تكمن في عدم الفهم والخلط الدائم في الأمثلة بين مصطلحي الصدفة والعشوائية ، بحيث أنك دوما تجاورهما معاً كما يفعل المسلمون في الله ورسوله ... وكأنهما شيئ واحد .. أو لهما معنى مترادف أو متجانس ,, بالحقيقة هما ـ مصطلحي الصدفة والعشوائية ـ مختلفين تماما في المعنى إن لم أقل متناقضين ..

لضيق مساحة التعليق كان بودي أن أحيلك لموضوع قديم كتبه ألأخ تامر الزين في منتدى الملحدين وعلقت أنا فيه .. ولكن للأسف أنا منذ بضعة أشهر أعيش في روسيا وهنا المنتدى محجوب لا أدري لماذا . ( سأرجع للعراق بعد أيام ) .

بالمختصر الشديد .. العشوائية هي عدم وجود أي نظام ، ولكن منها تتخلق الأنظمة !

أما ما نعبر عنه بكلمة الصدفة فهي تفترض أساسا وجود نظام ما نقيس عليه ،( حتى لو كان قواعد وهمية في أذهاننا ) ونعتبر الخروج عن تلك القواعد مجرد صدفة ..

كوننا عشوائي وليس مجموع صدف !

تحياتي


15 - الاستاذ نعيم ايليا الرائع
مروان سعيد ( 2014 / 2 / 24 - 22:40 )
تحية لك وللجميع
جميلة حبكتك وصالونك وكانت احلى جلسة ولكن الاستاذ سامي لبيب قد عمانا بدخنة غليونه
وان عاشق الحرية كان دائم الاستعجال والمشاغل سلامي لهم وللاستاذ نضال الربضي
وانك كنت رائع بحوارك الاخير بموضوع الاستاذ نضال الربضي وقد اتيت اليه متاخرا
اما من ناحية العشوائية والنظام ومن لحظة الانفجار الكبير الى الان هو بنظام ولو كان شدة الانفجار اكبر او اصغر بقليل لما وجدت هذا التطور الاوتوماتيكي اي حتى الشدة مدروسة بقوانين
وان ماضي الارض كانت ملطشة للمزنبات والاجرام السماوية اي قبل وجود الحياة ولماذا توقفت من ملايين السنين
وما هذا النظام في الغلاف الجوي الذي يحمي الارض مثل رحم الام من الحجارة الصغيرة والاشعاعات المضرة كله تكون بالصدفة وبالعشوائية
اما بعض تصرفات البشر والاحياء ممكن ان ينتج منها عشوائيات وصدف
وسلام خاص للاستاذة فؤادة العراقية والاستاذ مالوم ابو رغيف
وتحيتي للجميع


16 - شكرا للزميل نعيم ايليا
مالوم ابو رغيف ( 2014 / 2 / 24 - 23:07 )
الاخ العزيز نعيم ايليا
شكرا لك على صياغة الفكرة.. كنت اكتب وانا مشغول، فقد كان بجواري من يحدثني فافقد التركيز على الاحرف وعلى تسلسل الترابط فكثرت الاخطاء الاملائية وكذلك تشابكت الافكار وربما اصبحت صعبة التمييز
ما افرحني هو انك التقطت الفكرة تماما بمثل ما اردت قوله
شكرا لك مرة اخرى وتحياتي للجميع


17 - المستحيل مبدأ أيضاً
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 24 - 23:14 )
حللتِ أهلاً ووطئت سهلاً
أجمل وأرق تحية للعزيزة فؤادة
جوابي على سؤالك : لا، لا يا معلمتي، لا أعلم ما سيقع لي وأنا خارج من البيت، ولكني أعلم أن أحداثاً ستقع لي.. لا بد من وقوع أحداث ، ووقوع أحداث أو حدث في هذا الظرف مبدأ حتمي. أما ما الحدث الذي سيقع لي على وجه التعيين؟ فلا قدرة لي على التنبؤ به؛ لأنه من الغيب، والإنسان لا يعلم الغيب، ولكن عدم معرفة الغيب مبدأ أيضاً.
فأما الرجوع إلى الماضي فمستحيل. بيد أن المستحيل مبدأ أيضاً!
هناك فيزيائيون يتخيلون إمكان حدوث ذلك - وقد تحدث عن ذلك الأستاذ جمشيد ابراهيم حديثاً جميلاً - فإذا صدقت أخيلتهم تحول الرجوع إلى الماضي إلى حقيقة مطردة في حياة البشر.
أما إذا كانت الطبيعة بلا نظام، فإن كونها بلا نظام هو نظام لها.
ولك مكافأة على قولك ((هناك أعداد ضخمة من الأنظمة العشوائية)) أغنية ( أهل الجمال يا ربي خليهم) تقبليها مشكورة!


18 - إلى الأستاذ نعيم إيليا - 1
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 25 - 06:34 )
تحية طيبة لك أستاذ نعيم و لجميع المعلقين و المعلقات الأفاضل،

إن غريزة البقاء و قوانين الانتخاب و التطور تعملان معا ً في الكائن حتى يبقى و يظل و ينقل جيناته لخطه الجيني الوراثي، هذا لا جدل عليه و هو يدخل في باب الاستجابة للقوانين و الأنظمة التي في القوانين و قد شرحت لك منذ البداية أنني لا أتحدث عن النظام داخل القانون، لكنك تنسى هذه الجزئية لا أعلم لماذا.

دعني أُعيد صياغة ردودي فربما أهتدي لعبارات تستثير فيك المعنى الذي أقصده.

- إن -حُرية- استجابة المادة للقوانين حسب الممكنات التي تنبع من خصائص كل مادة، تعني وجود عدة نتائج ممكنة.

- هذه -الحُرية- بكل ممكناتها تتجلى في التنوع، فبينما السلف المشترك للإنسان و القرود العليا لم يكن إنسانا ً و لا قردا ً لكن خطوطه التطورية أنتجت عدة أنواع من الإنسان القديم بقي منها نوعنا و عدة قرود موجودة، من سلف واحد، و هذه هي حرية العشوائية ضمن القانون.

لو كان هناك مُراقب ينظر إلى التطور عبر ملاين السنين هل كان سيعلم أن هذا السلف سيُنتج هذه الأنواع؟ هل لو عدنا في الماضي و أعدنا الشريط هل ستنتج نفس هذه الأنواع؟ الجواب لا.

يتبع في الجزء 2


19 - إلى الأستاذ نعيم إيليا - 2
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 25 - 06:41 )
تابع من جزء 1

عودة للسلف المشترك، هذا السلف كان يعمل بخصائص معينة ضمن نظام يبدو أنه ثابت أو بالأحرى ثبت لفترة، فهو نظام في تلك الفترة التي قد تطول أو تقصر، ثم لطفرة جينية (و هذا علم مُثبت) و استجابة للحاجة للتغير للبقاء و الاستمرارية (قانون الإنتخاب الطبيعي) حدث تغير في هذا الكائن و تطور (كما تخبرنا الأحافير)، فخرج كائن أو الصحيح أن نقول خرجت كائنات و أجناس و أنواع جديدة من نفس السلف، فكانت العشوائية من قلب النظام.


لماذا نقول أن العشوائية هي الأساس؟ لأن ما نعلمه من شكل الكون و المجرات و تصرفات النجوم و المُذنبات و قوانين التطور يُخبرنا أن العالم رهن ٌ لهذه الاحتمالات التي لا يمكن التنبؤ بها أو حصرها و التي تُفيد دراستها أنها جاءت لأنها مُمكنة الحدوث ضمن القانون، و ليس بخطة مرسومة تعمل بها بذات الترتيب و ذات الاستجابة و لا يمكن أن تعمل بدونها.


لاحظ سيدي الكريم هذا الموزايك الطبيعي الخلّاب، في البداية عشوائية تلد نظام ثم يلد بعدها النظام عشوائية و هكذا.

تحياتي لك و للجميع.


20 - الأستاذ العزيز ماجد جمال الدين، عليك بالديالكتيك!
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 25 - 07:43 )
(( مشكلتك تكمن في عدم الفهم والخلط الدائم في الأمثلة بين مصطلحي الصدفة والعشوائية ))
ما بين المصادفة والعشوائية اصطلاحاً، شبيهٌ بما بين العبث واللا معنى.
المصادفة حدث لا قصد فيه. والعشوائية حدث لا قصد فيه. قال زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
أي يقع ذلك منها على غير قصد واتفاق. وما وقع على غير قصد واتفاق فهو العشوائي وهو المصادفة.

(العشوائية هي عدم وجود أي نظام ، ولكن منها تتخلق الأنظمة)
و:
(أما الصدفة فهي تفترض أساسا وجود نظام)
طيب عزيزي الأستاذ، كيف يمكنني الآن أن أفرق بين المفهومين؟
في الأول عشوائية خلقت نظاماً (ثنائية)، في الثاني صدفة مع نظام (ثنائية). إذاً فكلاهما يقتضي نظاماً؛ أي كل منهما نقيض النظام. فأين الفرق؟
ثم إن الصدفة إذا افترضت النظام أساساً، أفلا تفترض العشوائية النظامَ أساساً؟
فما معنى العشوائية من دون افتراض النظام في الأساس؟ أثمة عشوائية في الأساس من دون مفهوم النظام؟ أثمة وجود في الأساس من دون مفهوم العدم؟
وأخيراً، ما الذي دفع العشوائية إلى أن تخلق النظام، ما دمت تعتقد بأنها كانت في البدء مثل الله، ثم خلقت النظام كما خلق الله الكون


21 - بطاقة شكر
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 25 - 07:48 )
شكراً لك أستاذ مروان سعيد على التقييم والتعليق الجميل !


22 - لم أنس يا عزيزي
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 25 - 08:24 )
((شرحت لك منذ البداية أنني لا أتحدث عن النظام داخل القانون، لكنك تنسى هذه الجزئية لا أعلم لماذا))
أعلم يا عزيزي أنك تتحدث عن النظام داخل القانون، ولكنني لا أعلم لماذا تتحدث عن النظام داخل القانون؟
((فكانت العشوائية من قلب النظام))
كلام جميل! ولكنْ، ما كون العشوائية من قلب النظام؟ ما هذا الكون؟ أليس - إن صدق - مبدأ ونظاماً؟
((جاءت لأنها مُمكنة الحدوث ضمن القانون))
وممكن الحدوث هذا، ما هو؟ أهو مبدأ ثابت، أم حدث عارض غير قابل للتكرار؟
كل ما في الوجود هو ممكن الحدوث (وجود بالقوة) ولو لم يكن ممكن الحدوث، ما حدث. هذا قانون عام من قوانين الوجود.
((في البداية عشوائية تلد نظام ثم يلد بعدها النظام عشوائية))
لا يا سيدي، في البداية كان النظام. هات دليلاً ينقض رأيي.
الحق يا عزيزي، أن فكرتك هنا منطقية ولكن شكلاً. كما هو منطقي شكلاً القول: الوجود العدم، العدم الوجود.
بيد أن العدم ليس حقيقة واقعية - ليس عدم - إنه مفهوم مقابل ذهنياً للوجود.
وكذا العشوائية، فإنها مفهوم بمنزلة مفهوم العدم من الوجود.


23 - إلى الأستاذ نعيم إيليا
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 26 - 06:44 )
تحية طيبة أستاذ إيليا،

للإجابة على سؤال: -وممكن الحدوث هذا، ما هو؟ أهو مبدأ ثابت، أم حدث عارض غير قابل للتكرار؟-

أقول: ممكن الحدوث لا يُشترط تكراره حين تتكرر نفس الظروف على نفس الكائن، فالكائن يستجيب حسب خواصه و إمكانياته، و هناك أكثر من طريقة استجابة لنفس المُثير، و بالتالي تختلف النتيجة، و من هنا تأتي العشوائية.

كمثال: تجربة إكثار مستعمرات البكتيريا، يأتي علماء بنوع بكتييريا معين و يجعلونها في مستعمرات، و يراقبون أجيالها، و لأن أجيالها قصيرة العمر يمكن قياس النتائج بسهولة، وجد العلماء أن بعض المستعمرات طورت طفرات مكنتها من استيعاب و معالجة عناصر غذائية لم تكن قادرة على معالجتها في بداية التجربة، و حدث هذا في الجيل رقم 25 ألف، و ثبتت الصفة في الجيل رقم 40 ألف.

هذه الصفة وُجدت فقط في بعض المستعمرات، بينما المستعمرات الأخرى من نفس نوع البكتيريا و التي تعرضت لنفس الظروف لم تُنتج هذه الصفة و كانت أجيالها مختلفة، مما يدل بقطعية الاستجابة المتنوعة لنفس الظرف حسب القوانين، و الذي نسميه هنا -عشوائية-.

هذا مثال بسيط من الطبيعية.

تحياتي لك.


24 - الممكن والواجب
نعيم إيليا ( 2014 / 2 / 26 - 10:07 )
شكراً لك عزيزي على متابعة الحوار وعلى الإضافة المفيدة
ما معنى جعلت البكتيريا في مستعمرات؟ أيعني هذا أن البكتيريا تم وضعها في مكانين مستقل أحدهما عن الآخر، أم أن جميع البكتيريا، التي تغيرت صفاتها الجينية وتلك التي لم تتغير صفاتها، وضعت في مكان واحد أو مستعمرة واحدة؟

ثانياً: ممكن الحدوث، يعني أن الشيء يمكن أن يحدث أو أن لا يحدث. فالبذرة تحتوي بداخلها نبتة، والنبتة يمكن أن تظهر إلى الوجود وقد لا تظهر في ظروف. وليس من بذرة يمكنها أن تنفلت من هذا القانون.
فإذا طبقنا هذا القانون على مستعمرات البكتيريا، فما النتيجة التي سنحصل عليها؟
لا بد أن نحصل على النتيجة التالية: البكتيريا يمكن أن تكتسب صفات جديدة، ويمكن ألا تكتسب صفات جديدة. هكذا الأمر على الدوام
وبهذه النتيجة يصبح قولك: (ممكن الحدوث لا يُشترط تكراره) لا جدوى منه؛.
لأن ممكن الحدوث محال ألا يكون ممكن الحدوث دون انقطاع. فإن لم يكن كذلك فهو ليس ممكن الحدوث.
هل أقول إن اكتساب البكتيريا وعدم اكتسابها لصفات جديدة ممكن لا واجب في الحالين؟ إذا فقد حكمت بأن الاكتساب، سلباً أو إيجاباً، ممكن. فإذا نفيت أن يكون الممكن هنا ممكناً فقد أوجبته وهذا خلف


25 - إلى الأستاذ نعيم إيليا
نضال الربضي ( 2014 / 2 / 27 - 09:37 )
تحية طيبة أستاذ نعيم،

بالنسبة لمثال البذرة، فإن القانون الطبيعي يفرض عليها أن تنمو في حال كانت سليمة التركيب و الظروف ملائمة للنمو، و هو مثال جيد على نظام عامل، لكنه مثال فردي ينطبق على البذرة و لا ينطبق على أمور أخرى فلا يصح تعميمه.

للإجابة على سؤالك: -فإذا طبقنا هذا القانون على مستعمرات البكتيريا، فما النتيجة التي سنحصل عليها؟-

أقول: بالفعل لقد تم تطبيق نفس الظروف في نفس المختبر على نفس نوع البكتيريا و كانت النتيجة حدوث الطفرة في بعض المستعمرات في الجيل 25 ألف و ثباتها في الجيل 40 ألف، و لم تحدث في الأخرى، و هذا بالضبط ما أعنيه بالعشوائية يا سيدي الكريم، لاحظ أن الظروف واحدة و النتيجة مختلفة، و يبقى السبب هو وجود إمكانية لحدوث الطفرة، و وجود إمكانية لعدم حدوثها، فحدثت في البعض و لم تحدث في بعض ٍ آخر،و من هنا غياب النظام (و ليس غياب القوانين، تذكر أنني أفرق بينهما).

في ضوء السابق أرجو أن تعود لقولي ممكن الحدوث لا يُشترط تكراره لتلاحظ سلامته.

أما ممكن الحدوث -فمُمكن باستمرار- غير مُلزم، أي لا يُشترط حدوثه، فهو مُمكن لا حادث إلزاما ً، و البكتيريا تؤكد :-)))

تحياتي لك.

اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار