الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعدي يوسف رجلٌ مُتْعِب

أسعد البصري

2014 / 2 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



بتاريخ 21 فبراير الجاري كتب الأستاذ رشيد الخيون مقالا بعنوان ( السيستاني ... بين آخر شيوعي وآخر إخواني ) نشره في ( المجلة ) السعودية و في جريدة المدى العراقية . هاجم فيه الشاعر سعدي يوسف على خلفية شتمه للحاخام الشيعي السيد علي السيستاني بقصيدته الشهيرة " الفلوجة تنهض " ... وقال الأستاذ رشيد الخيون في ذلك المقال " أما الشِّيوعي الأخير فيؤمن أن هناك مؤامرة ذهبت بحلمه الأممي، ومَن يقترب مِن هذا الرَّجل لا يجد لديه حلمًا سوى نفسه. يوهمك أنه المقاوم الوحيد والبطل الأممي، شتم حزبه السابق وما زال يشتم، لكن هذا الحزب ليس فيه جرأة ليكف عن تعظيم مَن ليس بعظيم، أو تكبير مَن ليس بكبير، حتى صار ظاهرة لغو لا أكثر . " والكل يعلم بأن صاحب ديوان " الشيوعي الأخير " هو سعدي يوسف .

الأستاذ الخيون يدعو أهل السنة والجماعة في العراق خلال هذا المقال إلى نبذ الطائفية ، و العيش بسلام في دولة شيعية طائفية تقودها أحزاب دينية شيعية مرتبطة بإيران و تبث الثقافة الصفوية من إعلامها و فضائياتها الحكومية الرسمية .

تهجير للسنة من بغداد لا مشكلة يجب أن ننتظر بعد مئة سنة حتى نحصل على وثائق دقيقة يقتنع بها الأستاذ رشيد الخيون لنبدأ بمعاينة الموضوع . إرسال مجاهدين عراقيين إلى سوريا للدفاع عن بشار الأسد ؟ . لا مشكلة ننتظر خمسين عاما حتى تكتمل التحقيقات العالمية والإحصائيات المتخصصة حتى نفهم بالضبط ما هو الموضوع بالأرقام . تحالف شيعي أمريكي في العراق لا مشكلة ننتظر مئة و خمسين سنة حتى تفتح وكالة المخابرات الأمريكية ملفاتها بعد سنوات طويلة ثم ننظر بالقضية .... أهم شيء الدقة العلمية .

مقال الأستاذ الخيون ارتكز على نفي سكرتير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد أنه اتصل بالسيستاني ، أو اتفق معه على عدم الإفتاء ضد احتلال العراق ، أو انه قدم له رشوة قيمتها مئتا مليون دولار . لم يتطرق الأستاذ رشيد الخيون إلى مذكرات الحاكم العسكري بول بريمر الصادرة سنة 2005 م حيث ذكر في صفحة 165 بما لا يقبل الشك وجود تفاهم و تنسيق و رسائل متبادلة بينه وبين المرجع السيستاني . هذه أمور لا تتحمل التشكيك فالشيعة أرادوا تصحيح موقفهم السابق في ثورة العشرين 1920 م ضد الإنگليز و الإتفاق مع الأمريكان على تأسيس دولة شيعية طائفية بالتفاهم مع الإحتلال .

لماذا لم تنتظروا الوثائق الدقيقة بحق صدام حسين ؟ على الأقل الرجل لم يكن عنده سلاح دمار شامل مثل بشار الأسد الذي ضرب بالغازات السامة شعبه ثلاث مرات . عندما كان صدام حسين يحكم لم ير الشيعة أي حل آخر سوى القضاء عليه مهما كان الثمن ، بينما في حالة بشار الأسد صاروا دعاة عقلانية و صلح و حلول سلمية .

سعدي يوسف شاعر له تاريخ طويل ، مضروب عليه حصار و عزلة قوية واضحة . هنا الخيون يستغل أن سعدي يوسف شتم الإمارات في ساعة غضب وتم سحب جائزة سلطان العويس منه ، كما تم حذف اسمه من الفائزين بالجائزة . هناك حظر على اسمه ، أرجو مخلصا من الإخوة الكرام في الإمارات رفع الحظر ، و تفهم روحية الشاعر ، فهو بكل تأكيد لم يقصد ما قال بحقكم .

سعدي المولود في أبي الخصيب سنة 1934م محافظة البصرة يحق له في لحظة مرح شعري أن يقرر دخول السيستاني إلى جهنم في بيان أدبي ، ما هي المشكلة ؟ . السيستاني مواطن إيراني مواليد 1930م من سيستان بلوشستان دخل العراق عمره 21عاما سنة 1951م لدراسة علوم الدين في حوزة النجف . السيستاني ليس متفضلا على العراق بل منفذ لمشروع قومي إيراني .

سعدي كتب ثمانين سفرا أدبيا إنسانيا فكم قصيدة كتب السيستاني ؟ ومَن هو المقدس برأيك يا أستاذ رشيد ؟ و مَن هو المتطاول ؟ .

إن الدفاع عن سعدي يوسف كان يمكن أن يكون أسهل لو أنه لم يتورط بكل هذه المشاكل مع الإمارات و سلطنة عُمان والسعودية إضافة إلى مشاكله مع إيران والشيعة والسيستاني ... هذا دون أن نتطرق إلى موقفه الغريب من الأزمة في سوريا الذي أغضب الشعب السوري .

والذي جعل الأمر مرهقا حقاً تلك القصيدة الأخيرة عن السيدة عائشة أم المؤمنين والنبي العظيم محمد التي أفرح بها الكثير من الكتاب الشيعة . بعد بيانه الشعري عن السيستاني وقع سعدي بفخ كراهية متزايدة من المثقفين الشيعة فأراد دفع تهمة الطائفية عن نفسه فكتب قصيدة ( مرفوضة ) غير موفقة فيها إساءة لنبينا العظيم . لم يدفع بها كراهية الشيعة بل وقع في كراهية العرب و المسلمين السنة أيضا . إنها محنة المثقف السني في العراق الصفوي . مؤخراً أصدر الشاعر حسين القاصد بيانا دعا فيه إلى طرد الشعراء السنة أمثال محمود الدليمي و عمر عناز و اسماعيل حقي و علي الأنباري من اتحاد الأدباء وأطلق عليهم صفة " شعراء داعش " لأنهم ضد حملة السيد المالكي العسكرية على الأنبار . من جهة أخرى كتب الشاعر اليساري ابراهيم البهرزي مقالا حزينا يشكو اتهامه بالطائفية رغم أنه شيوعي منذ خمسين عاما . من الواضح أن الجماعة لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ، أو نبتلي أنفسنا بالكفر والجنون كما فعل سعدي .

إن كاتبا محترفا كرشيد خيون بعلاقاته الطيبة مع الخليج و وارتباطاته مع الإسلام الشيعي دخل بدهاء بين شتيمة سعدي للإمارات وبين شتيمة سعدي للسيستاني فأصابه بأذى .

أحمد شوقي مدح النبي ونال بذلك بعض الحب الذي يحتاجه الشاعر من الناس ، والجواهري مدح الحُسين و نال تعاطف الشيعة الضروري لحياته بينما سعدي يوسف يقول " يا سيوف خذيني " بحماقة . أنا مهما كان مجرد محب له لا أستطيع القيام بمعجزات ، رشيد الخيون كاتب ماكر وليس سهلا ... فقط أتألّم و أغضب لأجله .

مهما كانت مواهبنا يا سعدي فنحن لا نستطيع مواجهة التاريخ ، والكيمياء ، و طبيعة الأشياء . هناك كتاب يجمعون الدعم المتعاظم خلفهم بدهاء و حكمة معاوية و يحافظون على شعرته . يحصدون المال من النجف والجنادرية والإمارات و قم . لا أعرف لماذا تذكرت سيدنا علي بن أبي طالب الذي تخلى عنه أخوه عقيل بن أبي طالب و ذهب إلى خصمه في الشام ، كما تخلى عنه ابن عمه عبد الله بن عباس ( حبر الأمة ) حيث حمل بيت مال المسلمين معه إلى مكة بعد أن ولاه على البصرة وقال لعلي بأن يديه ملطخة بدماء المسلمين ، وقد انقلب عليه فقهاؤه فأصبحوا خوارج حاربوه بالسيف .

الباحث الخيون ينشر ضدك عند خصمك بجريدة المدى ، و عند الخليج لأنك شتمتهم بلا سبب بعد أن أكرموا مثواك و منحوك جائزة . هناك كتاب شيعة مقربون من المنابر الخليجية يضربونك دفاعا عن ملياردير مقدس كالسيستاني و لا يمكننا فعل شيء لأنك تشتم السنة كما تشتم الشيعة . هذا تهور وليس سياسة . رأسك يا شاعر العراق يتحول اليوم إلى ثلاثة آلاف دولار بجيب باحث ممتاز و كاتب محترف فوالله إن الرجل قد صوب فأصاب .

شاعر كبير سيرته الذاتية مأساوية حقاً ، فقد كان يوما من الأيام شاعر الحزب الشيوعي الأول ، لطالما وزعوا دواوينه على منتسبي الحزب مع كتب لينين . لكن موقفه من احتلال العراق عزله عن الحزب ، فاكتشف بأنه مجرد سني عربي عراقي وحيد . العزلة جعلته يشتم بعنف كما حدث للملك لير حين فقد مملكته التي وهبها لبناته و غدرن به ثم طردنه من القصر في العاصفة . اكتشف سعدي بأنه لم يعد ملكا ، لا وطن ولا حزب . أنا أفهمه لكنه شتم كثيرا ، أكثر من اللازم ، كان يحاول الإنتحار ربما . اليوم جاء كاتب محترف مثل الأستاذ رشيد الخيون ليكشف ذلك بقسوة . هذه حكاية حزينة ... حزينة جدا . سعدي شاعر لا يستطيع أن يعيش بلا حب ، هذه هي المشكلة .

من بين جميع الذين شتمهم سعدي يوسف أعجبني الروائي اللبناني المعروف الياس خوري والشاعر العراقي زعيم نصار . حين سألته صحفية عن شتيمة سعدي له قال إلياس بأنه تلميذ سعدي منذ صباه رغم أنه روائي و كاتب شهير مواليد 1948 م . كذلك الشاعر زعيم نصار حين قال عنه سعدي بأنه أحد أيتام المالكي قال بأنه يشعر باليُتم حقاً لأنه لا يرى سعدي الأب الشعري العراقي الجميل في شوارع بغداد . هذان هما الأمل وليس الكتبة الذين أطلقهم الصفويون لتنهش لحمه في الصحافة . غير أن الباحث رشيد الخيون أحزنني كثيرا بهجومه العنيف لأن الأستاذ رشيد كاتب و باحث من الوزن الثقيل وليس صحفيا صغيرا . حزنت لأنني شعرت بأن سعدي سيحزن .

الشيعة يقولون سعدي شتم السيستاني ، والسنة يقولون سعدي ربما أساء إلى النبي الكريم و زوجته ..... لا أعرف لماذا تجعل الأمر صعبا على محبيك و سهلا على أعدائك .

أنت رجلٌ مُتْعِب يا سعدي بمعنى الكلمة ..... و ربما لن نستطيع معك صبرا

" يقولون لِيْ ما أنت في كلّ بلدةٍ
وما تبتغي ؟ ما أبتغي جلَّ أَنْ يُسْمى "
أبو الطيب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولكن لكون الحقيقة قبيحة
طلال الربيعي ( 2014 / 2 / 23 - 19:57 )
الاستاذ العزيز اسعد البصري
لربما يعبر سعدي يوسف عن الحقيقة بلا مواربة, ولكن لكون الحقيقة قبيحة لا يعجب البعض كلام او شعر سعدي, ولكن هذا لا يدلل على التعب وانما على شباب وحيوية متجددة. لقد كانت خسارة الحزب الشيوعي لسعدي وليس العكس.
مع وافر تحياتي


2 - مقطع شعري ل سعدي يوسف
أسعد البصري ( 2014 / 2 / 24 - 00:06 )
مَن كان يعرفُ أنّ عُمقَ البحرِ مرساتي التي انجرفَتْ ؟

أُفيقُ مُـدَوّخاً

لا تلكما العينانِ ثابتتانِ

لا الخُطُـواتُ تعرفُ أين تمضي ...

والسماءُ كثيفةٌ ،

مطرٌ

رصاصٌ باردٌ ،

شفتانِ يابستانِ .

أحياناً ، أفكِرُ أنّ أغنيتي الأثيرةَ :

أن أموتَ ...

كما يموتُ الطحلبُ البحريُّ ،

أخضرَ ...

هل تظنّينَ الحياةَ كريمةً ؟

أعني :

أحقٌّ أن تُعاشَ ؟

لقد تعبْتُ ...

فأصدِقيني القولَ ، يا ميسون

أسْدي لي النصيحةَ :

هل أظلُّ مُرَنَّــحاً بين ارتساماتِ النبوّةِ والجنون ؟
سعدي يوسف


3 - الفلوجة تنهض / قصيدة سعدي الشهيرة
أسعد البصري ( 2014 / 2 / 24 - 00:16 )
الفلّوجةُ تنهضُ
سعدي يوسف
الأميريكيّون
والبيشمركه المرتزقون
وعصاباتُ إياد علاّوي
هم مَنْ سـمّى الفلّوجةَ ، هيروشيما ...
هم مَن سمّمَ أرحامَ بناتِ الفلّوجةِ
باليورانيومِ
وبالفوسفورِ الأبيضِ ...
هم مَن جاؤوا ، الآنَ ، لينتقموا من إسمِ الفلّوجةِ .

جاؤوا باسمِ السيستانيّ :
أوّلِ مَن أفتى ، في الإسلامِ ، بِـنُصرةِ محتلٍّ كافرْ
السيستانيُّ الكافرْ
أوّلُ مَن أفتى في الإسلامِ ، بنُصرةِ جيشٍ كافرْ
السيستانيُّ الفاجرْ
مأواهُ جهنّمُ
بِئس مقّرٍّ ...
لكنّ الفلّوجةَ تنهضُ
إنّ عراقاً عربيّاً ينهضُ ...
إني أنهضُ !

لندن 29.01.2013


4 - وجهة نظر المفكر رشيد الخيون بالسيستاني
أسعد البصري ( 2014 / 2 / 24 - 00:24 )
شتان بين عمامة آية الله علي السيستاني وهي تلوح بغصن الزيتون، والمبادرة السلمية لحماية النجف وضريحها العلوي من حمام دم، وبين عمائم تحمل مدفع الهاون، وتعلق على أكتافها أشرطة الرصاص المدمر.
وعمامة السيستاني بهذه الحكمة حملت في طياتها تاريخ النجف الثري بالزمن والفقه، فهي واحة من العلم والأدب، واقترنت عمائمها في ذاكرتنا بالسلام والتراضي الاجتماعي، وقول كلمة الحق نصيحة أو زجراً. هكذا هي العمائم .


5 - الشاعرالأستاذ غريب كندا الشهد والثلج سلمت لا تحتجب
فكتوريوس ( 2014 / 2 / 24 - 16:40 )
صدر للشاعر المترجم الرحال بدل رفو المزوري انتلوجيا بعنوان (الشهد والثلج) عن دار الثقافة والنشر الكردية في بغداد. 120 ص قطع متوسط يقول في إهدائه (من ديوث المثنى):

لا تحزن ولا تيأس يا شاعراً
قدره الترحال والرقص على رمال غربة البحار!.

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah