الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعطني معاشي ....فأنا مدين..ولم اعد وطنيا

عمر الداوودي

2014 / 2 / 23
القضية الكردية


في بداية تسعينات القرن الماضي -الذي كان قرن الوطنيات بلا منازع اومنازعة من اية قرون خلت-سحبت حكومة بغداد انذاك جميع دوائر الدولة الرسمية من اقليم كردستان فخلقت فراغا اداريا مخيفا،، ظن الكثيرون بأن تلك الخطوة ستشعل الشارع ستشعل الازمات ستشعل نار الفتن بين الاحزاب،، كان الحال غريبا، كان البيت الكردي الكبير شبيها ببيت صغير لكردي عاد للتو ابنه الذي كان غائبا عنه لسنوات وكان ثمن العودة افراغ البيت من كل اثاث او مستلزم يومي ضروري،،، كان دخل الفرد في اليوم لا يتجاوز الخمسة دنانير من الطبعة السويسرية او الدينار الاصلي الغير المطبوع في مطابع الحرية في بغداد،، بينما ارتفع سعر الدولار الواحد الى تسعين دينارا من الطبعة السويسرية او الدينار الاصلي الذي كان تعامل الكرد بها حصرا دون العملات المزيفة دليل نقاء واصالة الكرد المعروفة،، دولار بتسعين دينارا ؟!..ودخلك خمسة دنانير؟!...وسعر الكيلو غرام الواحد من الطحين الممسوخ عشرة دنانير؟!..هذا يعني انك قادر على شراء نصف كغم من الطحين في اليوم!!..حدثت مجاعة حقيقية،، بيعت حتى اعمدة الكهرباء ناهيك عن اسلاكها،، باتت البيوت مظلمة والشوارع ليلا اشبه بالمقابر وحالت المدن الجميلة الى ما تشبه قرى وحطام مدن اصابتها زلازل او نكبة حقيقية!!..بيعت ما في البيوت،، الغسالة غير ضرورية،، الثلاجة غير ضرورية،،، التلفاز غير ضروري،، الطباخ الغازي غير ضروري،، الفرش والسجاجيد غير ضرورية،،،، اعرف بيوتا بات اهلها يفترشون الارض،، وفي النهاية باعوا حتى البيت وسكنوا المدارس المهجورة!!..كيف تعيش؟!..كيف سيعيش اطفالك؟!..كانت صراعا من اجل البقاء،، حتى الطبقة المتوسطة من المدرسين والمعلمين والموظفين الى زراعة الاراضي وتحولت مواسم الحصاد الى حفلات حقيقية،،، شاهدنا فيها المعلم يحصد بيديه بالمنجل!!!..ويا ويل من اقترض عشرة الاف دينار وجعلها بذورا في الارض التي زرعها وبخلت عليه السماء بالمطر؟!..التجأ اخرون الى تربية الابقار والمواشي وباتت العنزة اعز من الولد!!..وبدأت رحلة جلب الحمير من كردستان ايران او تركيا او في مناطق العراق الوسطى والجنوبية،، وباتت الحمير ابا حقيقيا لعوائل كثيرة!!..كان من يملك حمارين كمن يملك شركة نقل حقيقية!!..جالس في بيته ويؤجرها للحرث او للمهربين وتأتيه الاجرة عشري الى ثلاثين دينارا في اليوم او في الليلة،، وفي حال نفوق الحمار كان صاحبه يبكيه بحرقة شديدة وكأنه فقد فلذة كبده!!!..جارنا الموظف كان راتبه يتأخر لشهرين او لثلاثة اشهر احيانا،، مات ابنه الصغير الذي كان وجهه حتى بعد موته يشع نورا وجمالا،،، عزة نفسه الابية جعلته يبكيه بشدة وهو يقول والعبرة تقتله لقد كان مريضا،، وفي تلك اللحظة صرخت زوجته لماذا لا تقول الحقيقة ؟!!..لقد مات جوعا،،!!...انها الحقيقة،،، مات جوعا،،، لم يأكل منذ ثلاثة ايام ونحن لم نأكل منذ اسبوع!!!..غذاءنا وعشائنا الخباز وشوربة الخباز!!!..لقد اهترئت مصارينه!!!..في تلك الايام الموغلة في القسوة كانت بضاعة الاحزاب لدينا ايضا بضاعة رائجة السوق،،، انتمى الكثيرون للاحزاب ونشبت بين الاحزاب الاقتتال الذي سمي باقتتال الاخوة والحقيقة انا اصدق بأنها كانت اقتتالالاخوة لاني رأيت بعيني اخا قتل اخاه لاجل خمسمائة دينار!!!..كان المذياع او راديو الترانسسترالصغير هو مصدر الاخبار الوحيد في اغلب البيوت!!..كانت اناشيد الاحزاب تطرش الاذان كانت شعارات الاحزاب الوطنية تملأ الارجاء ،،، قتل الالاف في تلك الحروب السخيفة وكان سبب الموت الحقيقي هو الفقر والعوز،،، كانوا جميعا بطريقة او باخرى شهداء من اجل الرغيف،، هذه هي الحقيقة ولكن عدا تلك الحقيقة هناك تسميات اخرى متجلببة بجلباب الوطنية،، رغم كل ماحدث علمتنا تلك الايام ان نعيش بعز وبكرامة وبعدم السماح لقاتل اطفالنا وابائنا وامهاتنا بالعودة الى كردستان مجددا،،، اعظم عظيمة يسجل للحزبين الرئيسيين كان عدم تهاونهما مع الحكومة العراقية انذاك،،، اذا كان هناك خط عريض لا يمكن المساومة عليه او فيه،، كان الاقليم في نهاية عقد التسعينات وفي مطلع الالفية الجديدة اشبه ما يكون بسفينة وصلت من رحلتها الطويلة التي قطعت فيها ملايين الاميال واوشكت على الغرق عشرات المرات وفقدت من الموجودين على متنها الاف المسافرين في رحلة مخيفة بسفينة قديمة وسط امواج المحيط ووسط جبال الجليد ووسط العواصف المرعبة،، وصلت لساحل الامان وهي مصابة بالاف الجروح والاصابات البالغة ولكن المهم هو انها وصلت وبقي من بقي على سطحها،،، ثم حدث احتلال العراق من الامريكان وكالعادة سعد وفرح الكثيرون من الكرد السذج، بهذا التغيير،،، من حقك ان تفرح بزوال وانتهاء عدوك ولكن عليك معرفة البديل اولا...البديل نظام ديمقراطي حقيقي!!!..هكذا قيل لنا !!...اين كركوك؟!..اين قدس كردستان الذي تغنيتم به ليل نهار؟!!..اطمأن لقد حفظناحقوقنا واختزلناها في مادة تحمل الرقم 140 في الدستور العراقي الجديد!!!..هكذا قيل لنا،، واليوم وبعد عقد كامل لك ان ترى وتحكم بعينيك وعقلك،،، نظام ديمقراطي في بغداد،،، على العين والرأس،، ولكن الا ترى بأن هذا مجرد اقوال وترهات الاخبار ؟!ربما كان النظام الجديد حسن النية وطيبا ووديعا وغير معاد للكرد ولو بالكلام ولكنه يواجه اعداء قدماء له ومعركتهم معركة وصراع من اجل البقاء ،، النية الحسنة ودعاء الامهات والصلاة في الجوامع والطقوس الدينية غير كافية للمحافظة على الدول..الا ترى حال الناس في ظل هذه (الديمقراطية)؟!..ما وجه الاختلاف بين الماضي والحاضر؟!..اين وصلت اخبار المادة 140 الغريبة الاطوار؟!...اين كركوك؟!..انها تذبح من الوريد الى الوريد يوميا،،، لقد فقدتموها،،،لا ادري ماذا اقول لك؟!..في الاعلام تصرح بأنه عدوك وفي الحقيقة اوصلته انت الى الحكم!!..ايهما نصدق؟!..الحكام الجدد للعراق قدموا لنا الدين بينما الناس بحاجة الى مال يقضون به حوائجهم ويدفعون ما ترتب عليهم من دين،،، الديمقراطية عمرها لم تكن مخبئة في عباءة او عمامة ولا في رباط عنق او بيجامة!!..الديمقراطية افعال وواقع يشعرك بأمان وسعادة او على الاقل بالرضا،، لا ادري سر كل هذا الغموض؟!...ما الذي يجعلكم تعتقدون بقدرة الناس على الصعود في سفينتنا في رحلة طويلة اخرى غير محسوبة النتائج،،، معارك حكومة المركز اليوم تجري بعضها قرب كردستان واهل الاقليم ضربوافي المقتل،،، اغلبهم يعيشون على رواتبهم الشهرية وحكومة المركز لا ترسل الرواتب!!!...يا للهول؟!..عشرين عاما !!..عقدين!!..لم تستطيعوا خلالها تأمين الامن القومي لنا؟!..البوسنة والهرسك لا تملك نفطا وهي صغيرة جدا جاءت بعدنا ووصلت قبلنا!!!..ونحن لا زلنا ننظر لايادي لئيمة كي لا تقطع عنا الراتب في بغداد!!..كيف استطعت ان تدفع رواتب الاف الموظفين لعشرين عاما بين راتب كبير وبين راتب قليل واليوم لا تستطيع؟!...هل في الامر مساومة جديدة؟!..لم يعد باستطاعتنا الصعود على السفينة مجددا؟!...ان كان الامر مناطا بتأسيس دولة فكردستان اليوم دولة حقيقة فعلية ولا تحتاج سوى اعلانا واعترافا بين الامم...هل الامر مناط باعلانها دولة؟!..سيضحي الناس برواتبهم لاشهر وربما سنوات ان كانت النية كذلك...اما ان كان الموضوع لا علاقة لها بالسياسة اصلا؟!...ومرتبط بطرق تسويق النفط في الاسواق؟!...فادفع لي راتبي فأنا لم اعد وطنيا !!..لقد مللت وسأمت من الاسطوانات الوطنية،،، انت مولع بالوطنية وانا مولع باطفالي،،، انت لديك الكثير وانا لا املك سوى راتبي،،، هيا اعطني راتبي فأنا مدين،،، واحتفظ بوطنيتك لنفسك وتأكد بأني لا زلت احترمك واحترم وطنيتك بغض النظر عن سعر برميل النفط في الاسوق !!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقرير: شبكات إجرامية تجبر -معتقلين- على الاحتيال عبر الإنترن


.. عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة: إما عقد صفقة تبادل مع حما




.. للحد من الهجرة.. مساعدات أوروبية بقيمة مليار يورو للبنان


.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_




.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف