الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مصر: هل يمكن تفادي الكارثة قبل وقوعها؟

وليد الحلبي

2014 / 2 / 24
المجتمع المدني


عندما أوصى الرسول ص المسلمين أن (تكاثروا فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة) كان يفترض بأن هؤلاء المسلمين سوف يُحكمون من قبل حكام يخشون الله في الرعية، ويمتثلون للحديث الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ولا ينسون وصية الخليفة الأول أبي بكر الصديق (إذا أصبت فأعينوني، وإن أخطأت فقوموني)، وسيسيرون سيرة الخطاب عندما كان يطوف ليلاً متخفياً يتفقد بنفسه أحوال الرعية. هذا ما كان الرسول الكريم يتوقعه من حكام المسلمين عندما أمر عامتهم بالتكاثر كي يباهي بهم الأمم يوم القيامة، غير أن فساد أنظمة الحكم في جل البلاد العربية والإسلامية جعل من الزيادة السكانية لدى العرب والمسلمين عبئاً تنوء بحمله الجبال، وتسقط تحت وطأته الحكومات والدول، فتفشت الأمية، وانتشر المرض، وضعفت الأمة، وتكالب عليها أعداؤها، فعلت الأصوات منادية بتحديد النسل، وتداعى علماء الاجتماع لإقناع الناس بالتوقف عن الإنجاب، غير أن العامة استمروا متمسكين بالحديث الشريف الذي يحض المسلمين على التكاثر، حتى ولو رأوا أطفالهم يموتون من الجوع.
الذي استدعى هذه المقدمة ذلك الرقم المريع الذي أعلنته السلطات المصرية مؤخراً عن عدد السكان في مصر، والذي بلغ يوم السبت الماضي 94 مليون نسمة، بينما كان عددهم في العام 1800 لا يتجاوز 2.5 مليون نسمة، وفي العام 1882، العام الذي احتلت فيه بريطانيا مصر، كان عددهم 6.5 مليون نسمة. ولعقد مقارنة توضح الأمر أكثر، نقفز في الزمن إلى العام 1958، عام الوحدة بين مصر وسوريا، لنذكر أن سكان مصر بلغ عددهم آنذاك 20 مليون نسمة، بينما كان عدد سكان سوريا 5 ملايين نسمة، أي أنه في خلال حوالي الخمسين سنة الأخيرة زاد عدد الشعبين بنسبة خمسة أضعاف، ولو قارنا نسبة الأرض المزروعة أو القابلة للاستصلاح في كلي البلدين، لوجدناها في سوريا، التي تبلغ مساحتها حوالي 184 الف كم مربع، أكبر بكثير من تلك الموجودة في مصر التي تبلغ مساحتها مليون كم مربع، إذ أن مساحة وادي النيل والدلتا لا تزيد عن نسبة 4% من مساحة مصر الكلية، أي حوال 33 ألف كم مربع يعيش فيها الآن ما يزيد على 93.8 مليون نسمة ، بكثافة تقل قليلاً عن 3 آلاف نسمة في كل كم مربع، بينما تبلغ مساحة سيناء حوالي 60 الف كم مربع ، أي حوالي 6% من مساحة مصر، (أي ثلث مساحة سوريا)، ولا يزيد عدد سكانها على 160 ألف نسمة، أي بكثافة تبلغ حوالي 3 أشخاص فقط في الكم المربع، وبحسب توقعات الزيادة في عدد السكان، والذي تبلغ نسبته في مصر 2% سنوياً، فإن عدد السكان سوف يبلغ حوالي 150 مليون نسمة بحلول العام 2050 (ولو أخذنا حجم الزيادة خلال الخمسين سنة الماضية والذي بلغ حوالي 500% كمعيار، فهل نتصور أن عدد سكان مصر سيكون بعد خمسين سنة حوالي 450 مليون نسمة. إنه رقم مريع بالفعل)، وهذا يعني باختصار أن مصر مقبلة على كارثة اقتصادية اجتماعية إنسانية مدمرة خلال النصف القرن القادم من الزمن، ومنذ أربعين سنة حذر مسؤولون مصريون كبار من خطر الانفجار السكاني، ونقل عن عبد العزيز حجازي، الذي تولى رئاسة الوزراء في مصر بين عامي 74-75 ، قوله أن (الزيادة السكانية في مصر هي الصخرة التي تتحطم عليها كل مشاريع التنمية في البلاد).
ولأن الجغرافيا تعمل عملها بحرية مطلقة تحسدها عليها شعوب العالم الثالث المضطهدة، فقد أحاطت هذه الجغرافيا مصر من جنوبها وغربها بصحارٍ وجبال جرداء قاسية، ومن شمالها بالبحر الأبيض المتوسط، بينما تركت لها بوابتها البرية الوحيدة في جهة الشرق: شبه جزيرة سيناء. ولكي تعوضَ الجغرافيا مصرَ عن هذه القسوة، منحتها نهرَ النيل الذي كان وما يزال شريان الحياة الوحيد للمصريين، والذي على ضفتيه بنوا حضارتهم العظيمة. ولأن سيناء هي البوابة البرية الوحيدة لمصر من جهة الشرق، فقد كانت المعبر الذي مر من خلاله كل من أراد غزو البلاد من تلك الجهة، ومن خلال نفس البوابة عبرت جيوش الفرعون المصري شرقاً لكي تقاتل جيوش إمبراطوريات بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، لذا كانت سيناء على الدوام مفتاح الأمان أحياناً ومصدر الخطر أحياناً أخرى، للدولة المصرية، طبعاً إضافة إلى بوابتها البحرية على المتوسط.
بالعودة إلى موضوع الانفجار السكاني وضيق المساحة الصالحة للزراعة، فقد انصب اهتمام الدولة المصرية منذ فجر تاريخها على الاستفادة القصوى من مياه النيل، ومن أجل ذلك شقَّت له قبل دخول مياهه إلى البحر المتوسط أفرعاً سبعة لكي تروي جميع مناطق الدلتا (لم يبق منها الآن سوى الفرعين الرئيسيين: دمياط ورشيد)، وعندما بنت الثورة المصرية السد العالي في أسوان، كانت النية متجهة – بالإضافة إلى إنتاج الكهرباء - إلى زيادة رقعة المساحة المزروعة، ليس في الوادي والدلتا فحسب، بل في سيناء أيضاً عن طريق جر مياه النيل إليها، ولكن قبل أن يكتمل بناء السد العالي عام 1970، اكتملت حلقة التآمر العربية-الأمريكية- الإسرائيلية على مصر، فكانت حرب 1967 والتي انتهت باحتلال الجولان والضفة الغربية وسيناء، ومع اكتمال بناء السد العالي، انتقل عبد الناصر إلى رحمة الله، لكي يأتي السادات من بعده فيغير مسيرة مصر القومية 180 درجة. ورغم ادعاءات النصر الكاذبة في حرب أكتوبر 1973، فقد خسرت مصر السيطرة الفعلية على شبه جزيرة سيناء بموجب اتفاقية كامب ديفيد (1979). أما أهمية سيناء لمصر، فمنذ فترة مبكرة لفت الباحثون والمفكرون العرب والمصريون الأنظار إلى ضرورة إعمار سيناء للتخفيف من الضغط السكاني على الوادي والدلتا، وكان في مقدمة هؤلاء العلماء الجغرافي المصري العالمي جمال حمدان (1928-1993) الذي أفرد في موسوعته الشهيرة المعنونة (شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان) فصلاً مطولاً عن شبه جزيرة سيناء، شارحاً الإمكانات الهائلة التي تزخر بها من مياه جوفيه وبترول وغاز ومعادن مثل الحديد والزنك والرصاص والنحاس والمنجنيز والفوسفات والكوبالت والفحم الحجري والرخام ومئات المعادن غيرها، وكان هذا الجغرافي العبقري متفائلاً بعد حرب أكتوبر – ربما مأخوذاً بادعاءات النصر الفارغة التي كان يروجها إعلام نظام السادات - بحتمية إعمار سيناء واستغلال ثرواتها الهائلة، لكن السياسة المصرية في عهد حسني مبارك - كنز إسرائيل الاستراتيجي -، والذي امتد ثلاثين عاماً، أفشلت جميع المحاولات والخطط التي وضعها مسؤولون مصريون كبار، ومنهم رئيس الوزراء كمال الجنزوري، لإعمار سيناء واستغلال ثرواتها الهائلة، فبقيت مصر عاجزة عن التحكم بواحد من أهم أقاليمها وأغناها، وبدل أن تصبح سيناء طوق نجاة لمصر، أصبحت خنجراً مغروساً في خاصرتها بسبب ظهور عصابات تهريب المخدرات والأسلحة، والتي تحولت إلى بؤر للإرهاب بسبب فقدان سيطرة الدولة على أمن شبه الجزيرة.
ولو عدنا إلى الكارثة التي تنتظرها مصر خلال العقود الخمسة القادمة، لوجدنا أن المخرج الوحيد منها هو إطلاق إعمار سيناء بكل ما أوتيت البلاد من قوة، فمن المعروف أن التجمعات البشرية على شكل مدن ومحطات حضرية تنشأ على أطراف المصادر الطبيعية كالمناجم وحقول البترول والغاز، وأمثلة نشوء مدن مأهولة بكافة مرافقها في صحراء الربع الخالي وصحاري المغرب العربي وغيرها من الأقاليم القاسية مناخياً، أمثلة تكاد لا تحصى، وسيناء التي يزخر باطن أرضها بما قيمته التريليونات من الدولارات جديرة بأن تلفت إليها انتباه الدولة المصرية بدل انقسام فسطاط عمرو بن العاص إلى فسطاطين، وبدل المراوحة بين الدين والدنيا بمزاودات سياسية تافهة مصدرها الطمع في السلطة والثروة، فبينما فقراء مصر يزدادون عدداً وفقراً، فإن باطن أرضهم يحسدهم عليه أغنى أغنياء العالم، أولئك الذين يعرفون ما في باطن تلك الأرض من ثروات. وربما سيكون للزيادة الهائلة في عدد السكان مع عدم اتخاذ قرار يدفع الشباب المصري باتجاه سيناء لإعمارها، عدد من النتائج المأساوية، كارتفاع نسبة الجريمة، والفساد الإداري، والاضطراب الاجتماعي، وانتشار ظاهرة الإرهاب والبلطجة، والتفسخ الأسري، وحدوث المجاعات، وانتشار الأمراض والأوبئة التي تهدد أرواح الملايين من المصريين. زيادة عدد السكان في الدول الواعية المحترمة يعني ازدياد الانتاجية والدخل، وارتفاع نسبة الرفاهية في المجتمع، أما لدى الأنظمة الفاسدة المتخلفة، فتعني الإمعان في البؤس والشقاء.
إلى جانب فوائده الاقتصادية، يبدو إعمار سيناء، من الناحية الأمنية والاستراتيجية ، درعاً يحمي مصر من الشرق، فهي البوابة التي يطرقها كل غازٍ يطمع في احتلال مصر وتهديد أمنها القومي، فبناء عشر مدن في سيناء حول مراكز المناجم يقطنها خمسة ملايين مصري، واستصلاح مساحة من الأراضي الزراعية لخمسة ملايين آخرين، عن طريق توسيع ترعة السلام الحالية التي تحمل مياه النيل إلى سيناء، وحفر الآبار الجوفية وغيرها من مشاريع التطوير، ستكون جميعها الصخرة البشرية والاقتصادية التي ستتحطم عليها أحلام إسرائيل في العودة إلى تهديد مصر من الشرق، ولو جرؤتُ على اقتراح الحلول الكفيلة بدرء الكارثة قبل وقوعها، لبادرت إلى القول بأنه على الدولة المصرية أن تصل إلى حالة من القوة تؤهلها لكسر تابو الحدود العربية، وبما أن غربها وجنوبها يتشكل من صحارٍ طبيعتها أقسى من طبيعة سيناء، ربما سيكون عليها، في حال اشتداد حبل الأزمة السكانية حول عنقها، اجتياح الأراضي الفلسطينية (إسرائيل) وما وراءها لو استطاعت، من أجل إيجاد مجال حيوي يستوعب الزيادة الهائلة المتوقعة في السكان، هذا ما لم تتكون لدى الأنظمة العربية الحاكمة في المنطقة الإرادة الحرة لتحقيق وحدة عربية طوعية ينتقل فيها الفرد العربي من أرض عربية إلى أخرى دون حواجز وعراقيل (نذكر أنه كان في العراق قبل الغزوة العربية – الأمريكية له عام 2003 ما يقرب من خمسة ملايين مصري، كانوا يعيلون ما لا يقل عن عشرين مليوناً من أفراد أسرهم في الوطن)، وإذ يبدو اقتراح استخدام القوة هذا ضرباً من الخيال والوهم، إلا أن التاريخ يثبت أنه كان، في بعض الحالات، الحل الوحيد لاستيعاب زيادة سكانية وصلت حداً يقرب من الجنون.
على مصر أن تتوسع شرقاً نحو شبه جزيرة سيناء وحتى ما وراءها، وإلا انفجرت قنبلتها السكانية، فدمرت البلاد والعباد.
23 فبراير 2014











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل بيني غانتس لإتمام صفقة تبادل ا


.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة




.. الصحفيون الفلسطينيون في غزة يحصلون على جائزة اليونسكو العالم


.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا




.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا