الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدخل نفسي وانثربولوجي لأسطورة الشيطان

محمد لفته محل

2014 / 2 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعتبر الشيطان أسطورة محورية في الأديان الإبراهيمية الثلاثة، انه نقيض الله والإنسان فهو محور الشر والعصيان في الحياة، والذي تحدى الله وعصاه عندما رفض السجود لآدم كما تقول الأسطورة، وبدونه يفقد العالم قيمته لأنه محرك الصراع بين الخير والشر من منظور الدين، ولولا كلمة (لا) التي قالها للرب لما وُجد العالم، لان هذه الكلمة هي سبب التحدي بين الله والشيطان حول سيطرته على البشر للخير أو للشر، وصورت الشيطان في الأسطورة وفي أذهان الناس انه مخلوق من نار له قرون كبيرة ومخالب مدببة وجناحان وذنب طويل وشعر كثيف لونه غالبا ما يكون اسود، له القدرة مثل بقية الأشباح على التخفي وتغيير شكله والتأثير بقرارات الإنسان الخاطئة بالوسوسة والإغراء وهو يدخل في تفكير الناس وحياتهم اليومية، فما أن يرتكب شخصا خطأ أو يغضب أو ينسى حتى يقول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أو يستقبح فعلا أو قولا أو مشهدا قائلا (لعنة الله على الشيطان) وأي خطأ يحدث في المجتمع ُتحمّل مسؤوليته للشيطان، إن ما يهمنا من هذه الأسطورة ليس البحث الفلسفي أو العقائدي وإنما نشأتها من منظور العلوم الإنسانية كعلم النفس والانتروبولوجيا، فالسؤال من أين نشأت أسطورة الشيطان؟ إذ لابد أن تكون لها مصادر طبيعية ولها وظيفة نفسية واجتماعية ويتبين هذا مبدئيا من شكل الشيطان الحيواني، فالبيئة الطبيعية التي كان يعيش فيها الإنسان هي الغابة والكهوف وهذه البيئة لابد أن تكون هي المصدر الطبيعي لهذه الأسطورة، وهنا نعود بنشأة الأسطورة إلى ما قبل ظهور الأديان الإبراهيمية أي الأزمنة البدائية، إن الأوصاف التي ذكرتها بالمقدمة للشيطان تشكل المادة الخام لدراسة نشأة أسطورته وتطورها. فهي تعتبر حقائق نفسية بمنظور علم النفس كامنة باللاشعور ووقائع اجتماعية معنوية في علم الاجتماع يعتقد بها المجتمع رغم أنها أوهام بالواقع الموضوعي، وأبدأ بالشكل فمن الملاحظ إن شكل الشيطان مزيج من عدة حيوانات، فلا يمكن أن تجتمع القرون مع الأجنحة مع الذنب مع المخالب والأنياب الطويلة مع الشعر الأسود الكثيف في حيوان واحد، وعليه يجب معرفة هذه الحيوانات الممزوجة بفصلها عن بعضها، وإذا ركزنا أكثر على هذه الأجزاء من الحيوانات كل على حدة قبل جمعها في مخلوق واحد، نجد إن القرنان هي دائما هلالية تشبه قرنان ثور الجاموس وهذا الحيوان كان يعيش مع الإنسان وكان هدفا لصيده ومرسوما على جدران كهوفه دائما؟ أما الأنياب والمخالب الطويلة المدببة فهي تشبه أنياب الدب ومخالبه ولونه وشعره الكثيف الأسود والدب كان يعيش إلى جانب الإنسان في الكهوف والغابات كما هو معروف تاريخيا، أما الذنب الطويل ذو النهاية المدببة فهو يذكرنا فورا بذنب العقرب المدبب السام وهي تعيش بالغابات أيضا ولا شك أنها كانت موضع حذر الإنسان من لسعاتها، أما الأجنحة فهي دائما جلدية بلا ريش تشبه أجنحة الخفاش، وهذا الحيوان يسكن في جدران الكهوف ويظهر بالليل وكان يفاجئ الإنسان ويرعبه حين يدخل احد الكهوف، وقد يكون شكله الممزوج من عدت حيوانات هو الذي أوحى لشكل الشيطان الممزوج؟ النتيجة هي إن الحيوانات التي تتركب منها صورة الشيطان هي الثور والدب والعقرب والخفاش، فالقرون والرأس للثور، أما الأنياب والاضافر والشعر الأسود للدب، في حين أن الذنب الطويل ذو النهاية المدببة هو للعقرب والأجنحة لطائر ألخفاش، وهذه الحيوانات الخطرة كانت تعيش بقرب الإنسان في الكهوف والجبال والغابات وهي جميعها شكلت صورة الشيطان الخام فيما بعد بذاكرته السلالية كما يسميها (سيغموند فرويد)، هذا من حيث الصورة أما من حيث قصة تحدي الله ومخالفة أوامره فهي في حقيقتها قصة رمزية تعني تحدي الرغبة والشهوة لمثاليات الإنسان وأخلاقه وعقله، فالشهوة والرغبة تضغط على الإنسان لإشباعها دون توقف حتى إذا ما أشبعها عادت من جديد تطلب الإشباع وهكذا تستمر بالتكرار مسببة له الألم والتوتر، ولان الرغبة دائما ُتشّبه بالنار، والشعر الوجداني دائما يستخدم وصف النار في وصف الرغبات (نار الحب، نار الشوق، احترق شوقا أو هياما أو يتوهج حنيني)، وفي حياتنا اليومية نستخدم كلمات (هائج، تهيج، بيه نار، اشتعل) لوصف الكبت والرغبة الجنسية والعاطفية تجاه الحبيب وهي الكلمات ذاتها تستخدم في وصف النار المستعرة (التوهج والاشتعال)، و(بوذا) وصف الرغبة بالنار التي كلما أطعمتها حطبا توهجت وطلبت المزيد، لهذا ُوِصف الشيطان بمخلوق من نار، فالنار معادل للرغبة، والشيطان ما هو إلا رغبات الإنسان الداخلية مسقطة للخارج بشكل عدو خارجي خطر، أما لماذا أصبح خطر الرغبة من خطر داخلي إلى خطر خارجي يجيب عنه التحليل النفسي إن الأنا يتعامل مع المنبهات الخارجية الخطرة بالهرب أو تجنبها، لكن إذا كان المنبه داخلي فلا حيلة له من الهروب منه، عندها يعامله كمنبه خارجي ليكون أسهل تجنبه، فالوسوسة هي المنبهات الداخلية المكبوتة، يتم التعامل معها كمنبهات خارجية تحت مسمى الشيطان وفق آلية الإسقاط النفسي، أما لماذا كانت النار صورة الرغبة ذلك لأنها كانت مصدر خوف للإنسان في الأزمنة البدائية كبقية الحيوانات حين تحترق الأشجار والغابات أثناء درجات الحرارة العالية أو أثناء الصواعق وتتوهج النار بالظلام، فالخوف من الرغبات المحظورة والمكبوتة اخذ شكل النار التي كان يخافها الإنسان، وتغير شكل الشيطان هو تغير الرغبات حسب تغير المثيرات والمنبهات، ومن هنا أصبح الشيطان كيان خارجي مستقل بعدما انبثق من داخل الإنسان من رغباته وشهواته المكبوتة والمحظورة وأخذ شكل النار والحيوانات الخطرة التي عايشها الإنسان في حياته البدائية التي كان يخافها، والصراع بين الله والشيطان ما هو إلا الصراع بين مثاليات الإنسان الأخلاقية وبين رغباته المحظورة والمكبوتة وبلغة التحليل النفسي الصراع بين أل(هذا) والانا والانا الأعلى. هذه صورة الشيطان الخام لكن التطور الحضاري للبشر من الكهوف إلى المدن وظهور نظام الطبقات، أسقط نظامه الاجتماعي على أسطورة الشيطان فأصبح من جنسين ذكر وأنثى، وأصبح للشيطان مراتب عاليا ودنيا، وصار له أديان وعشائر وأوطان! وعندما أصبح الإنسان متحكما بالنار والحيوانات الخطرة صار الإنسان يتحكم بالشيطان ويتقي شره كالنار بالإيمان والتقوى، ويؤذيه بالتعاويذ والتسبيح والآيات المقدسة، وصار بعض البشر لهم القدرة على التحكم بالشيطان لتلبية مطالب كالسحرة والمنجمين، وأصبحت أشكال الشياطين قريبة من البشر مختلطة بأشكال حيوانية أيضا، وراحت بعض الناس تشبه بعضهم بالشيطان حين تريد أن تشتم أو تستقبح إنسان آخر تصفه (وجهك وجه الشيطان)، أو تصف تفكيره كتفكير الشيطان، وأصبح الشيطان يقترن بالمرأة! وذلك لان المرأة تحرك فينا أقوى الرغبات والشهوات الجنسية المحظورة لهذا وصفت المرأة بالشيطان، وصار الشيطان يأتي بأحلام الناس بأشكال بشرية، وبعض الشياطين تتزوج من البشر، وحصل تطور مهم هو دخول السياسة على مفهوم الشيطان إذ توسع مفهومه من وسوسة الرغبات والمحظورات الداخلية إلى وسوسة كل من يعارض النظام الحاكم أو يشكل خطر عليه، فيصف المعارضين بالعصاة والشياطين، وراحت العقائد الدينية تستخدمه سلاح بوجه أي معارضة أو أسئلة محرجة لها تهدد تماسكها، فيوصف المختلفون والفلاسفة الأحرار بالكفرة والشياطين وأعداء الله، لذلك المعركة مع الشيطان لا تحسم لأحد لان رغبات الإنسان لا تتوقف ما دام حيا، ومن الطبيعي إن الإنسان كلما تقدم بالعمر يتدين أكثر لان رغباته ضعفت بتقدم العمر، أما وصف الشيطان بملهم الشعر والفن، فهو لان الفنانين غالبا ما يكونوا يشبعون رغباتهم وشهواتهم أو يصعدونها بالتسامي للأعمال الخلاقة فتكون مصدر الهام لهم في حالة الإشباع أو التصعيد ومن هنا جاءت تسمية شيطان الشعر أو الفن أي إن الرغبة مشبعة أو مُصعّدة ملهم الشعر والفن.
هذا المدخل النظري لا يمكن أن يعطي للموضوع حقه ما لم يوثق بأدلة انثروبولوجية ليكون أكثر موضوعية وعلمية، للتعمق فيه أكثر وتصويب الأخطاء التي قد ارتكبتها في فرضياتي وهي محاولة في هذا المجال لا أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا