الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مدنية اسلامية

عبد العزيز شوحة

2014 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحو مدنية إسلامية
الأستاذ: عبد العزيز شوحة. 20-02-2014

الذي يتتبع تطور الأحداث في العالم العربي والإسلامي وماحدث في مصر على الخصوص وانقسام المجتمع المصري إلى معسكرين إسلامي وعلماني والإطاحة بالإسلاميين من الحكم، يدرك أن مسالة تحديد النموذج الاجتماعي الذي يحدد طبيعة المجتمع وهويته وطريقة أسلوب حياته والعناصر التي بجب أن يعتمد عليها سواء أكانت مادية أو معنوية أمسى أمرا ضروريا كما تحدث عنه مالك بن نبي رحمه الله في كتابه" مشكلة الافروأسوية "وهو يوجه النقد لسيد قطب رحمه الله مع الإشادة به كمفكر كبير يصور لفكرة حاسمة على صعيد الحضارة الإسلامية بما وهبه الله من قوة روحية كبرى من اجل إعادة تفعيل النص القرآني في الفرد والمجتمع وفي التاريخ ،وسيكون لفكره حسب مالك بن نبي صدى عميق ليس في مصر فحسب بل في عالم الإسلام عامة وعالم العرب خصوصا .
لقد اغتبط مالك بن نبي بما فعله سيد قطب رحمه الله حينما أعلن عن إصدار كتاب بعنوان "نحو مجتمع إسلامي متحضر" ثم عدل العنوان وحذف كلمة "متحضر" من عنوان الكتاب معتبرا أن كل مجتمع إسلامي هو بالضرورة متحضر، بينما يرى مالك بن نبي أن هذا خطا منهجي كان ينبغي عدم الوقوع فيه من قبل مفكر إسلامي كبير كسيد قطب، باعتبار أن ميلاد مجتمع الإسلامي هو بادرة حضارة وأننا نحن الذين نواجه مشكلة حضارية بان نبحث عن شروط الحضارة ونضع منهجا لاكتسابها . وفي كتابه "وجهة العالم الإسلامي" أشاد مالك بن نبي بما قام به حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حينما جدد روح القران في ضمير المسلم وبعث توتره الروحي والأخلاقي ففتح بذلك أغنى حقل من حقول النهضة، إذ بذلك يوفر شرط الحضارة الأول وهو: الإرادة الحضارية le vouloir d une civilisation وانه يتحتم على الأجيال الآتية توفير الشرط الثاني le pouvoir d une civilisation بتجاور الفوضى الفكرية التي تطبع حركة التجديد الإسلامي التي ورثت رسالة مدرسة الإصلاح الكبرى بقيادة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وابن باديس وغيرها.. ومنها حركة الإخوان المسلمين .
وانه لكي ننجح في تجديد الإسلام يجب أن نبني مناهج العلم والحضارة الحديثة أو حسب تعبير بن نبي الفكر الفني الصناعي الذي أصبح عاملا يعجل بحركة التاريخ وبذلك سيتولى الفن وفق ذلك المفهوم قيادة حركتنا الحديثة نحو النهضة .
إن الإخوان المسلمين والتنظيم الخاص الذي فرخ في سجن باستيل مصر الرهيب لم يستمع في يوم من الأيام إلى نصيحة مالك بن نبي بل اتخذ منه عدوا كما روجه كتاب غازي توبة عن الفكر الإسلامي المعاصر الذي روج له بعض الإخوان المسلمين في الجزائر والذي اتهم مالك بن نبي بأنه تأثر بالحضارة الغربية المادية واتبع مناهج المستشرقين وامتد صراع الأفكار هذا إلى الجزائر عبر تيار الإخوان المسلمين لتصفية الصحوة الإسلامية التي اتخذت من أفكار مالك بن نبي وتلامذته عدوا ظلت تطارده في المساجد الجامعية فأصابتها بالشلل، لتوفر بذلك المناخ المناسب الملائم لاستيلاء التيار السلفي الحشوي على مقاليد الأمور، وتحتكر الواجهة السياسية متمثلة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ وتعصف بجهود سنين من العمل الإسلامي الحضاري المضني ،وتورث الجزائر كلها أعباء وعبثية الفكر الحشوي وتقصي تلك الحركة التي أطلقت فيما بعد على نفسها حركة البناء الحضاري من الواجهة السياسية لتخلو لهم الساحة السياسية بغية الوصول إلى سدة الحكم لإشباع نهمهم إلى السلطة والمصالح الدنيوية المغلفة بعباءة الإسلام حسب تعبير الشيخ الغزالي. وهم يدفعون ألان ثمن تخلي المجتمع الجزائري عنهم كما يدفع أتباع حركة الأخوان الثمن غاليا حين لم يستمعوا إلى نصائح العقلاء والخبراء في ميادين الصراع الفكري .ولست حاقدا على احد وإنما أردت كشف الحقيقة للأجيال بكشف جميع الأوراق لتحديد المسؤوليات عمن دفع بالحراك الإسلامي إلى الجنون والانتحار والى الشلل التام وحوله إلى مستحاثات بدائية يروي عنها التاريخ الاريكلوجي قصة قوم لم يجددوا أنفسهم فتجاوزتهم الأحداث ليقبرهم التاريخ في متحفه الأبدي ،أو دفعهم إلى الانتحار أو الاهتلاك عبر سراديب الظلام في متاهة لا يعلم إلا الله نهايتها. ولست متشائما إلى ذلك الحد بل أتوجع من الآلام التي جرعها لنا دعاة الفكر الحشوي والتنظيم الخاص للإخوان المسلمين الذي ورط الجزائر ومصر وسوريا وبلاد العالم الإسلامي ولا يزال مستمرا في غيه وجنونه، وأتصور أن الحالة المصرية تتطلب إعادة تقويم أدبيات الفكر الإسلامي المعاصر ، والبحث الجدي عن مدى صلاحية بعض الأفكار للحياة والبحث عن طريق للمدنية الإسلامية معاصرة لا تكفر بالله ولا تتنكر لعبادته ولكنها تترك المسائل الدينية المحضة إلى اختيار الإنسان واعتقد أن هذا هو منطق القران
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ{106} وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ{107} وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{108} الانعام .

{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ{99} وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ{100} قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ{101} فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ{103}يونس.
{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ{21} لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ{22} الغاشية.
ومع استلهام الحضاري للإسلام يجب استلهام الفكر الفني التكلونجي الجديد ووضع أدبيات الفكر النهضوي الإسلامي تحت مجهره، لان الحضارة هي نتاج كل الثقافات الإنسانية بل إن المنصفين من الغرب لا ينكرون استفادتهم الكبرى من التجربة الإسلامية الرائدة.
إن أسلوب الحوار بين الإسلامي والعلماني والوطني وحتى الملحد يجب أن يكون هو السائد من اجل الاستفادة من الأصوليين في ربط الحاضر بالماضي الإنساني والتركيز على الأفكار والتجارب النيرة الناجحة وعدم إعدام أي تجربة إنسانية ماضية لعلاج مشكلات الإنسان والحضارة والمنهج والتاريخ .
كما يجب أن يكون ذلك منطلقا لتقديم بديل حضاري إسلامي كما تحدث الدكتور مراد هوفمان في كتاب "الإسلام كبديل" ليس للمسلمين فحسب بل للإنسانية برمتها . لعل الله ينقذها من وحشية التطور التكلونجي الذي صار خطرا على يهدد الإنسانية كما صرح البابا الفاتيكان .وتلك اكبر إضافة يمكن أن يسديها المسلمون إلى الحضارة الغربية الحديثة . كما يجب على المسلمين أن يأخذوا بالتطور الايجابي لحضارة العصر بمنطق الإنصاف بل لابد من سعيهم الحثيث إلى اكتساب التكنولوجيا الحديثة ، والاستعداد للإدارة الالكترونية التي ستأخذ مكانها عوضا عن الإدارة السياسية .كما يجب على المجتمع الحديث في الشرق والغرب أن يبعد كل الأفكار الدوغمائية دينية كانت أو مادية فالأولى تقتل باسم الدين والثانية تغتال إنسانية الإنسان .
إن كل من النظامين الدوغمائيين الديني أو التكلونجي المادي نظام فاشل يغتال إنسانية الإنسان وفق منطق جدلية الصراع بين الدين واللادين أو بين الفيزيقا والميتافيزيقا .وانه يجب على المسلمين تطوير نظرتهم إلى الديانات والعقائد الأخرى حتى ولو كانت من غير الرسالات الثلاثة الإسلامية واليهودية والمسيحية كالبوذية والهندوسية والزرداشتيه ..فان أصولها في اعتقادي سماوي نالتها يد التحريف والتزييف باعتبارها الإرث الذي يشهد أن الله لم يخلف وعده بل بعث في كل امة نذيرا.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ .. }غافر78
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ.. } المائدة48
إن جميع مرجعيات هذه الديانات تؤكد على ضرورة مراعاة القيم الروحية والفضائل الأخلاقية للإنسان لبناء مجتمع كوني موحد حضاريا وتكلنوجيا بايدولوجيات متنوعة . كما يجب أن نأخذ من الأنظمة المادية الغربية جانبها النافع ونواجه جانبها الضار ، وليست التكلنوجيا الشيطانية التي تروج لها بعض أفلام الخيال العلمي ، أو أسلحة الدمار الشامل التي لو خرجت من أيدي العقلاء لدمرت كل مظاهر الحياة على الأرض .أن المولود الحضاري العالمي الذي أشيد به والذي اعتقد أن الأستاذ ميتشو كاكو في كتابه "رؤى مستقبلية وفيزياء المستحيل" ليتطابق مع أحاديث الساعة والنهاية التي تحدث عنها محمد –ص- .والمطلوب من علماء وادي الشيطان أو السيلكون في أمريكا أن يحذروا من خروج هذه التكلنوجيا من سيطرة محبي الإنسانية إلى الدجالين وما أكثرهم فيدحروا بها حضارة الإنسان. ومن هنا تبدوا وجاهة إحدى المقالات التي نشرتها في موقع أمريكي بعنوان" القرن الواحد والعشرون والمال الكوني للحضارة الإنسانية" كما تبدوا أهمية وايجابية الحوار بين القوى العظمى وإيران من اجل سلام شامل للإنسانية لا يهمل حتى حقوق الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني .
إن إقرار رئيس أقوى دولة في العالم باراك اوباما بحق الشعب الإيراني بامتلاك التكلونوجيا النووية السلمية التي هي وقود المستقبل أمر جد ايجابي لسلامة العالم من الدمار.
كما أن دعوة اكبر عالم لساني معاصر نعوم تشو مسكي إلى حل الصراع في سوريا سلميا وضرورة منع الحرب الأهلية والدفاع عن حقوق العرب والفلسطينيين ،وانتقاده اللاذع للسياسات الأمريكية والإسرائيلية يصدق ظني أن من اليهود منصفون ودعاة سلام وحضارة.
{وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }الأعراف159
{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الأعراف168
وإذ ننصح إيران بالمضي مع الغرب في هذا المسار كما ننصح القوى العظمى بتقديم الضمانات الأمنية لإيران وتقديم تحفظاتها من اجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل. وهذا يعني أن على أمريكا أن تضغط على إسرائيل لي تكف على حصار الشعب الفلسطيني وان توقف بناء المستوطنات وتفرج عن جميع المعتقلين ،كما ننصح إخواننا في حزب الله وفلسطين بان يتخذوا من النضال السلمي طريقا إلى استرداد الحقوق المغصوبة فانه سلاح الأقوياء ويتجنبوا استخدام العنف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا فانه سلاح الجبناء ،وليس سلاح الأبطال. كما نناشد القوى العظمى بدفع وإرغام الإخوة الأعداء في سوريا ومصر والعراق إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات والمصالحة دون شروط مسبقة .إن العالم في حاجة إلى مواجهة مشكلات التنمية والفقر والمرض بدل التفكير في صناعة أسلحة الدمار الشامل كما تحدث الرئيس الإصلاحي احمد روحاني .
أن تيار العنف في عالم الإسلام والعرب على الخصوص إنما تغدي من الظلم الذي سلطه بعض الحكام على شعوبهم وبتأييد من القوى الغربية في العقود الأخيرة من القرن العشرين ،وكأنه ردة فعل طبيعي لذلك غذها تيار الجنون والمجون الذي يقوم به تيار الحشوية والطائفية والعنصرية .كما ننصح السلطة في مصر إلى ضرورة التخطيط لمصالحة وطنية كالتي حدثت في الجزائر ودعوة الإخوان المسلمين إلى التعقل ونبذ العنف والبحث عن طريق حضاري ممكن للخروج من دوامة العنف التي شهدت منها بلادي الجزائر ما شهدت من ويلات .
إن البشرية إذا أرادت أن تتعايش بسلام وان تتوحد مع حفاظ كل امة على خصوصيتها الدينية والثقافية والحضاري يجب أن ننهي عملية الصراع المزعوم بين العلم والدين ،وان تعلن نهاية الفكر اللاهوتي الفاشي المتزمت سواء كان لاهوتا دينيا أو لاهوتا إلحاديا كما رأى حاج حمد في "العالمية الإسلامية الثانية" .
وان كان نيتشه قد أعلن في كتابه هكذا تكلم زارادشت موت الإله زارا كما صورته الكنيسة المسيحية المتحالفة مع الإقطاع فاني أعلن موت الدين الإسلامي كما صورته أفكار الحشوية والطائفية والدجالين والمشعوذين في عالمنا المعاصر" وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكوين- بمواجهة اتهام -الإلحاد والفوضى- في مصر.. فما هو مركز


.. الباحثة في الحضارة الإسلامية سعاد التميمي: بعض النصوص الفقهي




.. الرجال هم من صنع الحروب


.. مختلف عليه| النسويّة الإسلامية والمسيحية




.. كلمة أخيرة - أسامة الجندي وكيل وزارة الأوقاف: نعيش عصرا ذهبي