الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام ؛ عقلاني أم معقول ؟!

إبراهيم خالد الفيومي

2014 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفرق بين قولنا أن الإسلام عقلاني أو أن الإسلام معقول ، كون العبارة الأولى تعني أن العقل هو منشئ للأحكام وعليه فلا ضرورة للاعتماد على النقل ولا الاتكاء أو الرجوع إليه مطلقاً ، وأما الثانية فتعني أن الأحكام الإسلامية تعرض على العقل فيحكم عليها بالإمكان ، أي أنه لا يجد فيها مخالفات منطقية تدعو لأن يحكم على الأمر بالاستحالة .

وبعد تفريقنا هذا ننتقل إلى بحث مكانة العقل في الإسلام ، وحتى لا نطيل الكلام فإن العقل في الإسلام هو أول الأدلة ، وهذه العبارة لم يختص بها المعتزلة كما هو شائع بل هي من المقررات عند عموم المذاهب الإسلامية – ما خلا الحشوية - فإن مبحث الإلهيات أو التوحيد هو أول مباحث علم الكلام في جميع المذاهب ، وأول الأبواب هو إثبات وجود الخالق واجب الوجود ، والدليل المعتمد في هذا المبحث هو العقل إذ أنه عمدة البراهين الدالة على وجود الله . وبذلك يظهر أن الإسلام لم يلغي العقل بل اعتمده في أول المباحث وأهمها وهو مبحث إثبات وجود الخالق ، ويمتد العقل ليثبت صفات الخالق ولكن هنا يتكئ العقل على أمر آخر وهو النص ، ويكون دور العقل رد المحال في حق الخالق ، فعلى سبيل المثال ، قد توهم بعض النصوص أن الخالق يشابه خلقه ، أو أنه في مكان أو زمان ، فيتدخل العقل حتى يحكم باستحالة مثل هذه الادعاءات .ويقوم بتأويلها بما يناسب المقام .

مما سبق يتضح بشكل لا يدع مكاناً للشك أن الإسلام معتمد بشكل كبير على العقل ، وكما قيل "العقل رسولُ كلِّ إنسان" إذ أنه لولاه لما أمكن الوصول إلى وجوب وجود الإله الخالق الموجد ، وإذا ما نظرنا في كتاب الله وجدنا عشرات الآيات تحض على استخدام العقل وتحكيمه ، وتعاتب الكفار أنهم غفلوا عن الأسئلة التي تطرحها عليهم عقولهم ، وفي ذلك قال الله {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} ، فعن مجاهد في تفسيرها أنه قال : (الصم البكم الذين لا يعقلون"، قال: الذين لا يتّبعون الحق) ، وعن الطبري أنه قال : (إنّ شر ما دبَّ على الأرض من خلق الله عند الله، الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه، فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكُصون عنه إن نطقوا به) .

الآن نأتي لنناقش أصحابنا المطالبين بإلغاء النصوص إلغاء تاماً والاعتماد على العقل وحده ، وأول سؤال يعرض عليهم ، أن العقل إذا كان كافياً وحده ليكون رسولاً فما الضرورة من إرسال الرسالات والرسل ، علماً أنها (أي إرسال الرسل) في مقام الواجب على الله تعالى ، وهو يدخل ضمن باب العدل الذي يعده المعتزلة ضمن الأصول الخمسة عندهم ، وكون خطابي هذا موجه في المقام الأول للمسلمين ، فإن ذلك يلزم من ادعى ذلك منهم كون الرسالات عبثية وهذا محال في حق الله ، أو أن يكون الأنبياء كذبة وهذا كفر بما جاءوا به ، وإذا ما رجعنا لآيات الكتاب وجدنا أن السمع والعقل هما أدوات التكليف ، فلا يجب الإيمان على المجنون الذي فقد عقله والقاعدة الأصولية المعروفة تقول : (إذا سلب ما أوهب ، أسقط ما أوجب ) ، وفي نفس المقام فلا يجب الإيمان على من لم يصله نبي أو رسول ، وفي ذلك يقول الله { وَ مَا كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتى نَبْعَث رَسولاً } وحتى لا يشاغب علينا أحدهم فيقول أن الرسول هو العقل ، نورد الآية التي جمعت الشرطين وهي قول الله تعالى { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } وقد قال الزمخشري شيخ المعتزلة في ذلك السياق (قَالُواْ بلى : اعتراف منهم بعدل الله ، وإقرار بأن الله عز وعلا أزاح عللهم ببعثه الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه ... وقيل : إنما جمع بين السمع والعقل؛ لأنّ مدار التكليف على أدلة السمع والعقل . ) فلا أدري من أين جاء من ينسبون أنفسهم إلى المعتزلة ببدعة الاكتفاء بالعقل فقط ! وهو ما اشتهر قديماً على لسان فرق بادت وانقرضت ! ولا أظن المعتزلة منهم !

نرجع الآن لننظر هل يوقف العقل أحكاماً فالإجابة على ذلك في القاعدة الأصولية :(الضرورات تبيح المحظورات ) والقاعدة الأخرى القائلة :(لا ضرر ولا ضرار ) وغيرها من القواعد التي تضع مصلحة الإنسان في المكان الأول ، وبذلك نرى ان القاعدة التي وضعناها في بداية المقال في تعريف كون الإسلام معقولاً ، وهي أن الأحكام تعرض على العقل ، نجد أن تطبيق بعض الأحكام قد يعرض الإنسان للوقوع بالضرر وعليه فالحكم عليها التحريم من منطلق عقلي-شرعي .

وننظر الآن هل ينشئ العقل أحكاماً ، والإجابة على ذلك جاءت في حديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . إذن العقل يقف مفتقراً للنص في مجال إنشاء الأحكام الشرعية ، ويمتد ذلك في مجال تعليل الأحكام الشرعية ، فكثير من الأحكام نعرف عللها كتحريم الزنا والخمر والسرقة وإلى ما هنالك ، لكن نقف عاجزين أمام قضايا أخرى كعدد الصلوات وعدد ركعاتها ووقت الصيام وما يشابه هذه القضايا .

إذن العقل لا يمكنه بحال أن يحكم بوجوب شيء دون نص منفرداً ، خصوصاً في القضايا التعبدية ، أما في القضايا العامة فإن ذلك يكون مندرجاً تحت قواعد كلية كحفظ النفس والعرض والمال وغيرها ، ويقف عاجزاً أمام التعليل التام لكافة التكليفات ، وقبل ذلك كله وأهم منه ، فهو يقف عاجزاً كل العجز عن معرفة عين الإله الخالق الموجد الذي يجب على المخلوق أن يتوجه له بالعبادة ، ولا أعرف هل يمكن لأصحابنا أن يعبدوا خالقاً مجهولاً دلته عليه عقولهم ، وهو يخالفون أمره باتباع ما أرسل لهم من البينات والهدى ؟!

وأزيد على ذلك أن القاضي عبد الجبار في أوائل صفحات كتابه شرح الأصول الخمسة ،حين تكلم عن الواجب وأقسامه ضرب الأمثلة تارة من الواجب العقلي وتارة من الواجب الشرعي ، ومن المعروف بالبداهة أن العقل لا يستقل بالحكم على أمر ما بالوجوب الشرعي !فكيف يمكن لهؤلاء أن يوفقوا بين كون هذه الأمور واجبة ، وفي ذات الوقت غير مذكورة بالنص ؟!


ختاماً ولا أريد أن أطيل أكثر ، ولا أجد أن هذا الموضوع يستحق كثيراً من البحث ، إلا أن آفة التقليد والتطبيل للمقابل وإتباع الأفكار والآراء الشاذة في محاولة صياغة الإسلام بقالب حضاري دون بحث أو تمحيص تفعل مثل ذلك بل وأكثر منه ، والله تعالى المستعان ، وأسأله التوفيق والسداد والرشاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 1 - 21:44 )
• الإسلام هو دين العقل , فالقرآن الكريم خاطب العقل كثيراً .
• هل العقل يدرك كل شيء؟... :
في عام 1927 وضع (هايزنبرج) مبدأ (عدم اليقين) أو مبدأ (الريبة) , وهو مبدأ فيزيائي من المباديء التي تحكم الكون , ينُص هذا المبدأ على (أننا ممنوعون من معرفة الحقيقة الكلية , وليس لنا أن نختار إلا نصف الحقيقة أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون عنها) .
يعتبر مبدأ (عدم اليقين) لـ(هايزنبرج) قانون صارم من قوانين الطبيعة ولا يرتبط بأي شكل ببعض القصور الموجود في أجهزتنا , وهو مبدأ يُعلمنا أنه ليس في وسع الانسان إلا المعرفة الجزئية أما المعرفة الكُلية فهذه حكمة لم يُسمح لنا بالاطلاع عليها .
ويعتبر هذا المبدأ من أعظم المبادئ أثراً في تاريخ العلم الحديث حيث أنه يضح حداً لقدرة الإنسان على قياس الأشياء.


يتبع


2 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 1 - 21:44 )
• تواصل الاله مع البشر, و صحة الرسالات أمر واقع و حقيقه مؤكده, و من الأدله :
- دليل الحكمة: اذا بني انسان منزلا لغير هدف او غاية عدد ناه ابلها غبيا، فهل يعقل ان يخلق الاله الانسان العاقل لغير سبب او غاية.
- دليل الفطرة:اثبت علم النفس ان في النفس الانسانية شوق لمعرفة مصدرها والغاية من وجودها، كما ترفض فطريا الفناء بالموت، كذلك زود الله الانسان بالعقل القادر على طرح هذه التساؤلات. أليس من المستنكر ان يدع الاله مخلوقه الانسان دون عون او هداية؟.
- الدليل الأخلاقي : طرحه الفيلسوف الالماني الكبير ايمانويل كانت فقال: ان ظمأ الطفل للماء هو اقوي دليل علي وجود الماء، وبالمثل فان شوقنا لوجود العدل هو دليلنا علي وجود العادل. ويعني الفيلسوف الكبير بذلك ان النفس الانسانية لا تقبل ان ينجو الظالم بظلمه ، لذلك تقبل ببداهة شديدة فكرة وجود البعث والحساب. الا يحتم ذلك وجود الديانات آلتي تخبرنا كيف نسلك لنضمن النجاة؟!.
- دليل الكتب السماوية: فإذا ثبت لك بالدراسة العميقة الأمينة صدق ما ورد في احد الكتب السماوية، فذلك دليل مباشر علي تواصل الاله مع الانسان.
هذه الأدلة الاربعة تؤكد علي تواصل الإله مع البشر .

اخر الافلام

.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم


.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا




.. 251-Al-Baqarah


.. 252-Al-Baqarah




.. 253-Al-Baqarah