الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجود الله أعرف من كل معروف!

يحيى محمد

2014 / 3 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



قد لا يعرف الكثير ان مسألة وجود الله تخضع لنفس دواعي المنطق العلمي المستند إلى إعتبارات نظرية الإحتمال أو ما على شاكلتها من معايير، فكلاهما يقوم على أساس الدليل الإستقرائي.
وبالتالي فنحن بين أمرين: إما ان نقبل تطبيق المبدأ الإستقرائي على أمثال هذه المسألة ومختلف القضايا العلمية غير المباشرة معاً، أو نمنع تطبيقه على الجميع، وليس بين الأمرين ثالث يتسق إعتباره. وهي نتيجة سبق ان توصل إليها المفكر الصدر، إذ إعتبر الإنسان الوضعي مضطراً لأن يتبنى موقفاً بين أمرين: فهو إما ان يرفض العلم وقضية وجود الله معاً، أو يتقبلهما سوية، إذ الاخذ بأحدهما دون الآخر يعد تناقضاً؛ مادام انهما يرتكزان على محور الدليل الإستقرائي1. ويكفينا شاهد على ذلك ما وُصفت به بعض المبادئ العلمية من صفات ‹‹ميتافيزيقية›› بحيث فُسرت بشكل يتسق تماماً مع ما كان يُنظر إلى القضايا الميتافيزيقية ومنها المسألة الإلهية. فمثلاً يقول فيلسوف العلم المعاصر فيليب فرانك: ‹‹من الواضح على وجه التأكيد أن مبدأي الثبات والنسبية اللذين يؤلفان العمود الفقري لنظرية النسبية لاينشتاين لا يمكن إستنباطهما من الحقائق المكتسبة من خبرتنا، أو حتى من التجارب التي يعدها ويجريها علماء الفيزياء. ومع ذلك، إذا وصفنا هذه المبادئ بأنها عقائد فإن علينا أيضاً ان نصف مبدأ القصور الذاتي بأنه (عقيدة). فعندما قدم غاليلو ونيوتن هذا المبدأ كان أيضاً مخالفاً جداً لخبرة الفطرة السليمة ولم يكن ليقبل إلا لأن الإستنتاجات المستخلصة منه كانت متفقة مع المشاهدات الواقعية››2 .
ويزداد الأمر اتساقاً عند لحاظ ما ابداه بعض المؤلفين من أن التفسيرات الشمولية هي تفسيرات غير ذات معنى بإعتبارها تتضمن نصوصاً لا يمكن تدقيقها بالمشاهدة والخبرة التجريبية3.
وهنا نصل إلى ان مثل هذه التفسيرات تصطف مع الكشف الخاص عن المسألة الإلهية، فهل نرفضهما معاً، الأمر الذي يوصد الباب أمام التقدم العلمي؟ أو نعتبر كلا المجموعتين مبررتين بمصدر واحد مشترك؟ فما سبق ان وُصفت به بعض المبادئ العلمية هو أمر يتفق تماماً مع لحاظ المسألة الإلهية، بإعتبارها ليست مكتسبة من الخبرة مباشرة ولا قابلة لتحضيرها تجريبياً، لكن ما يترتب عليها يتفق مع المشاهدات الواقعية. فأهم ما يستنتج من الإعتقاد بها هو شمولية النظام وغائيته. فإذا كنا نعتبرها مستخلصة من لحاظ عدد من النظم الكونية، فإن ما يستنتج منها هو تعميم النظام في الكون والإعتقاد بالفعل القصدي والغائية الوظيفية. ولا يعني ذلك ان المسألة الإلهية تصبح مسألة علمية كالمسائل العلمية الأخرى، إنما يعني ان إستنتاجها لا يختلف عن إستنتاج النظريات العلمية من حيث النظر إلى وحدة الأساس، بل تفوق غيرها بكسبها ما لا يحصى من القرائن الدالة عليها من دون منافس، طالما لا توجد ظواهر مضادة تعمل على تكذيبها. كما تتصف الأطراف فيها بأنها مغلقة وضيقة للغاية، خلافاً للنظريات العلمية المفتوحة. فأي نظرية علمية تُتخذ للتفسير يمكن استبدالها بأخرى تفوقها، وهكذا من غير حدود. فهناك إختلاف في القيمة المعرفية التي تترتب على الفارق الذي حددناه حول القضية العلمية والمسألة الإلهية. فالنظام العلمي المفتوح لا يبعث على القطع في القضايا غير المدركة مباشرة، وهو خلاف النظام المغلق لوجود الحصر، خصوصاً عند لحاظنا بأن تاريخ العلم – كما في الفيزياء - يشهد بأنه تاريخ لإبطال النظريات. وهو ما لا ينطبق على المسألة الإلهية بإعتبارها تتضمن طرفين فحسب؛ أحدهما لصالح هذه القضية، والآخر لصالح المصادفات العشوائية المحضة، وبالتالي إذا كانت القرائن متجهة نحو إثبات القضية فذلك يعني دحضاً للطرف الآخر، إذ ليس هناك طرف ثالث منافس في هذه المعادلة.
بل حتى لو إفترضنا ان إمكانات الصدفة متوفرة للتحقق فان التفسير يتردد بينها وبين الفعل القصدي بالتساوي، فلو كانت لدينا قطعة نقد متكافئة الوجهين، ورميناها عشر مرات، فان ظهور أحد الوجهين في جميع هذه الرميات هو مستبعد للغاية، فقيمته الإحتمالية تساوي (1-1024) أو (2-10). بمعنى أننا لأجل توقع ظهور أحد الوجهين عشر مرات؛ علينا ان نقوم برمي قطعة النقد (1024 في 10) مرة، فسلاسل الرميات تساوي (1024)، وكل واحدة منها تتضمن عشر رميات. فضمن مجاميع هذه السلاسل من المتوقع ان تظهر واحدة منها تفي بالغرض المذكور.
وعليه إذا كان الإحتمال الأول ضعيفاً ضمن سلسلة الرمي العشر، فانه سيكون على عكس ذلك متوقعاً في حالة السلاسل الكثيرة السابقة. ولو إفترضنا أننا أُخبرنا بتحقق ظهور الوجه عشر مرات كما في الحالة الأخيرة، فذلك يعني وجود تفسيرين مقبولين لهذا التحقق، فهو إما ان يحدث بفعل التوقعات الإحتمالية للرميات العشوائية الكثيرة، أو يحدث بفعل الممارسة القصدية. فلو أننا لم نعرف أي شيء عن ظروف الرمي؛ لكان لا يمتنع ان نقول بأن هناك فاعلاً قد تعمد إظهار الوجه المعني في كل رمية قصداً، مثلما يحصل في حالة خفة اليد والسحر والشعوذة. فهذا التفسير يكافئ التفسير الآخر وفق الحسابات الإحتمالية لكثرة الرمي العشوائي. لكن رغم ذلك يُفضل التعويل على التفسير الإحتمالي للبساطة الاإقتصادية فحسب، فمن الناحية المنطقية ان التفسيرين متكافئان من دون ترجيح إحتمالي.
والشيء ذاته يقال عندما نفترض وجود عدد كبير جداً أو غير متناه من الأكوان. فهذا العدد الكبير قد يزودنا بواحد أو اكثر من الأكوان المنظمة والصالحة للحياة عشوائياً. رغم ان هذا الحال يتقبل التفسيرين السابقين معاً: الصدفة المتوقعة والفعل القصدي، فهما تفسيران متكافئان، وإن كان يُفضل الأخذ بالأول لإعتبارات البساطة الاإقتصادية كما ذكرنا4.
لكن المشكلة تكمن في ان إفتراض وجود عدد كبير أو غير متناه للأكوان يتحلل إلى إفتراضات محتملة وكثيرة جداً، وكلما زادت هذه الأطراف المحتملة كلما ضعفت قيمة إحتمال اي عدد نختاره. فنحن لا نعرف لحد الآن سوى كون واحد فقط هو كوننا الذي نحيا فيه، وان فكرة تعدد الأكوان هي فكرة مفترضة، لذا فهي محتملة بدرجة النصف من الناحية الذاتية وفقاً لمبدأ عدم التمييز. ومن حيث التفصيل قد يكون هناك كون واحد اضافي أو اثنان أو ثلاثة أو مائة أو مليون.. الخ. وكل عدد من هذه الأعداد هو طرف محتمل ضئيل للغاية، ومجموع إحتمالاتها كلها يعادل درجة النصف، رغم ان توقعات الحدوث المنظم للكون عشوائياً لا تكون إلا في حالة إفتراض الأكوان اللامتناهية أو الكثيرة للغاية وفقاً للحسابات الرياضية، وهو إحتمال ضئيل جداً يقارب النفي أو الصفر.
وهنا يتبين خطأ إفتراض فكرة الأكوان اللامتناهية كما يعول عليها الفيزيائيون المعاصرون من أمثال دعاة نظرية الاوتار الفائقة. فبحسب بعض العلماء ان عدد الأكوان الممكنة حسب الأشكال الهندسية منخفضة الطاقة يُقدّر بعدد ضخم لا يمكن تصوره، وهو أكثر من (10 500)، في حين ان عدد ذرات الكون كله لا يزيد على (10 60)5، وان عدد فوتونات الكون كله يقدر بـ (10 87).
وبذلك فان فرضية الأكوان الكثيرة لا يمكنها منافسة فكرة الفعل القصدي.
ويمكن القول إنه لا توجد قضية خارجية يمكن أن تحظى بتأييد معرفي مثلما هو الحال مع هذه المسألة، فحتى القضايا الحسية رغم أننا نتعامل معها بحسب القطع واليقين، لكنها من حيث التحليل لا تصل إلى درجة ما تختزنه تلك المسألة، لكثرة ما تحظى به من قرائن لا تقبل الحصر والحدود. بل كثيراً ما يحصل لنا الخطأ في التقديرات الحسية المباشرة لقلة القرائن.. فمثلاً نحن نرى الشمس ونتصور بأن رؤيتنا لها لحظية، مع أن العلم يحيل علينا الرؤية المباشرة، فما نراه هو أثرها المتمثل بالضوء المتخلف عنها بعد ثمان دقائق، والأمر يصدق حتى على رؤيتنا للأشياء القريبة عنا؛ حتى لو كان قربها يبلغ أقل بمليارات المرات من السنتمتر الواحد.. فدليل الرؤية اللحظية هو دليل حسي مباشر يتفق عليه جميع الناس، في حين أن الدليل الثاني هو دليل غير مباشر رغم أن قيمته المعرفية أعظم من الأول الحسي. وكذا نقول فيما يخص التفرقة بين المسألة الإلهية والقضايا الحسية المباشرة، كالذي سبق عرضه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ