الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل القانون من الانسان ام من الطبيعة؟ 1

طريف سردست

2014 / 3 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


" ماهو الطائر؟ أنه ماكينة تعمل حسب قوانين الرياضيات"- ليونارد دا فنتشي.

ماهو القانون؟ هل هو قانوننا ام قانون الطبيعة؟ إذا استعرضنا تاريخ تطور العلم نجد اننا، في الواقع، نستعرض تاريخ تطور " القانون"، فكيف للقانون ان يتطور إذا كان هو قانون الطبيعة؟

من بطاليموس الى نيوتن
في الماضي أطلق على الفلسفة " أم العلوم" على الاغلب بسبب انه، في العصر الاغريقي، كانت جميع العلوم في الفلسفة. علم الطبيعة الغير حية، عندما تكون منفصلة عن الفلسفة العامة، تسمى الفلسفة الطبيعية وتتضمن علوم مثل الفيزياء والميكانيك والعلوم التطبيقية. بمعنى اخر كانت الفلسفة علما واحدا، وهذا نراه معكوسا في كلمة " الفلسفة " نفسها، التي تتألف من قسمين: حب الحكمة. اكبر ايجابيات الفلسفة هي في تزويدنا بالقدرة على التحليل وتقديم الحجة بناء على قواعد المنطق، التي وضعناها نحن، بناء على تجربتنا. الحجج الغير منطقية كان من السهل ردها. والمنطق نحتاجه في كل شئ. من المنطق تبزغ لنا الامكانية ومايجب ان نعتبره السلوك المنطقي. لذلك يمكن اعتبار المنطق الاداة التي تخدمنا ولكنها لاتشير الى نفسها ابدا.

الرياضيات هو علم الحساب. انه يساعد على التعبير النظري والدقيق عن القيم والمقادير. انه العلم الذي استخدم في القضايا اليومية والعملية. والرياضيات بقيت علم اليوميات العملية للحساب في الاسواق، ولم تصعد في الاهمية الا بفضل علم الفلك. كل عالم فلك يجب ان يكون عالما بالحساب. غير ان علم الفلك مبني على الملاحظة، وفي البداية كانت الملاحظة بالعين المجردة. وهذه البداية بدأت بمنظومة بطاليموس، حيث الارض كانت المركز الذي تدور حوله قبة السماء، بما فيها من أنوار أطلق عليها تعبير شمس وقمر وكواكب إضافة الى النجوم، الاضواء التي تزين قبة السماء الزرقاء. وهي نفس الرؤية التي انعكست في القرآن ايضا ( راجع الحاشية الاولى).

غير ان المزيد من الملاحظات الادق، لحركة الكواكب، أدت في النهاية الى نشوء اول أزمة في علم الفلك. لقد ظهر ان حركة الكواكب غريبة. ان الكواكب، فجأة، وبدون اي سبب معقول، يتوقفون في وسط مسارهم ثم يبدؤن بالعودة الى الوراء. ولربما هذه الملاحظة هي التي شكلت الاساس لفكرة طلوع الشمس من مغربها ( راجع الحاشية الثانية).
من اجل انقاذ الرياضيات [القانون] اقترحوا اعتبار أن فضاء مسارات الكواكب يقوم بحركة دائرية حول محور دورانه الفضائي. وعلى الرغم من ان هذا التفسير قد حسن [قدرتنا المنطقية] على توقع مواقع الكواكب، الا انه انتهك الصورة الدينية التي تقول ان الارض هي مركز العالم، وان الكون برمته مُسخر لنا. وعلى العموم ادى ذلك الى ارتفاع رصيد رياضيات الفلك. ومع اكتشاف ان الحركة الدائرية تعطي المزيد من الدقة لمواقع الكواكب فقدت الارض مركزيتها المقدسة . لاحقا اصبحت الشمس هي المركز والكواكب تدور حولها بمسارات دائرية.
نيوتن كان ليس فقط عالم فلك وانما ايضا رياضي فذ. القدرة على [التفكير] بطريقة منطقية مخالفة للمنطق السائد، مانسميه اليوم بالتفكير الخلاق، وامتلاك خيال خصب يخرج عن الخيال الموروث، هو العامل الذي فسر صورة العالم. لقد كان نيوتن فيلسوف طبيعي.
مع تطابق [التفكير الرياضي] على ظواهر الطبيعة فقد التفسير الديني الساذج مكانته وازدادت مكانة الرياضيات في علم الفلك لتفسير الالية الفلكية الاكثر تعقيدا من التصورات الدينية الموروثة عن اساطير الاولين.

من الذي خلق نظرية الجاذبية، نيوتن كفيلسوف طبيعي أم نيوتن كعالم رياضيات؟
بمعنى اخر هل ان المنطق العقلي هو الذي أكتشف الجاذبية أم ان الرياضيات هي التي فعلت؟
فكرة وجود الجاذبية كان بالامكان انبعاثها من مجرد ملاحظة سقوط تفاحة. إذا رسمنا دائرة تمثل الكرة الارضية ودوائر تمثل التفاح الساقط ثم أدرنا الرسومات، بحيث تصبح دوائر التفاح في الاسفل، يمكن أن نتصور ان التفاحات لا تسقط وانما تنجذب الى الاعلى، الى الكرة الارضية. على اساس القانون الثالث لنيوتن - لكل قوة فعل رد فعل مساوية لها في المقدار- نستطيع ان نحزر ان ليس التفاحة وحدها التي تنجذب الى الارض وانما ايضا الارض تنجذب نحو التفاحة. بمعنى اخر، يمكن ان نقول أن كل الاجسام تنجذب نحو بعضها البعض، وبذلك نحصل على قانون جاذبية الاجسام الكونية. اليوم نبدو اذكياء للغاية بهذا العرض، ولكن، في الواقع، احتاجت البشرية الى عشرات الاف السنين، ولربما ملايين السنين، للوصول الى هذا الاستنتاج. مثلا في اطار احداثيات فكرية اخرى يمكن ان نفسر سقوط التفاحة بمشيئة الله وقضائه وقدره ونتابع اعمالنا بهدوء.

قانون الجاذبية الكونية: "جميع الاجسام تنجذب لبعضها البعض" - يبدو غير رياضي على الاطلاق. هذه المقولة صادرة عن الفلاسفة والفيزيائيين والفلسفة الطبيعية، ولكن لم يرافقه برهان رياضي، أنه مجرد حدس. في الواقع يستحيل تقديم برهان على هذا " القانون". نيوتن نفسه واجه معارضة وجرى تصديقها نهائيا فقط بعد أكثر من مئة عام، عندما تمكن Henry Cavendish من البرهنة التجريبية ان كرتين معدنيتين تتجاذبان الى بعضهما البعض، وتمكن من قياس قوة الجاذبية. ان الجسم آ ينجذب الى الجسم ب لايعني بالضرورة ان الجسم ج ايضا سينجذب الى كل من هذين الجسمين. غير ان علوم الانسان تقوم على التعميم. يكفي ان نرى ان مجرى نهرين يتجهان من الاعلى الى الاسفل لنقول بثقة ان جميع الانهار تجري من الاعلى الى الاسفل. لهذا السبب يستمر علماء الفلك بالقول، انه وعلى اساس ملاحظاتهم من هذا البعد، قانون الجاذبية الكونية " لازال" صحيحا. بمعنى اخر لم يجري البرهنة عليه.

ولكن، هل يحتمل أن علم الرياضيات انتج " صيغ رياضية" لقانون الجاذبية الكونية؟
نعم، ولكنها تتكلم فقط عن جسمين.
الجاذبية بالمعنى العام قام بدراستها ايضا غاليليه، تجريبيا، كفيزيائي، وتوصل الى ان جميع الاجسام تسقط على الارض بتسارع واحد. ومن حيث انه برهن على ذلك تجربيبا، ومن حيث ان القانون الاول لنيوتن ق = و ت، حيث ق هي القوة المؤثرة على الجسم، و هي وزن الجسم ، ت هي التسارع، فيكون حتى غاليليه في وضع يسمح له بالقول ان الاجسام الساقطة على الارض تنجذب بقوة تتناسب مع وزنها و. وعلى نفس النمط يمكن لنا ان نقول ان الارض تنجذب الى الجسم بسرعة تتناسب مع وزنها و. ومن قانون نيوتن الثالث نعلم ان هذه القوى تساوي بعضها البعض، وبناء على ذلك قوى التجاذب بين جسمين تتناسب مع وزن الجسمين. وهكذا نحن لم نجري اي حساب ومع ذلك على ابواب الحصول على معادلة الجاذبية بين جسمين. يبقى ان علينا البرهنة ان هذه القوى تتناسب عكسا مع مربع المسافة ، ولكن حتى في زمن نيوتن كان معلوما أن الجاذبية بين جسمان كونيان يتناسبان عكسا مع مربع المسافة. بمعنى اخر لايوجد اي عامل من عوامل معادلة الجاذبية ، بالمعنى الشائع لها، لم يكن نتاج استخدام الرياضيات. ولكن المهم هنا - ضرورة استخدام قانون تناسب تسارع القوى، والتي يمكن اعتمادها فقط بالتجربة. مجرد العلم بالمعادلة الرياضية للجاذبية وحدها أمر لايكفي.
ولكن لماذا جرى مدح نيوتن ، في زمنه، كرياضي تحديدا؟
ذلك لانه تمكن من البرهنة على ان معادلة الجاذبية الرياضية قادرة على تفسير الكثير من الظواهر التي كانت غير مفهومة في وقتها، مثل المد والجزر. في ذلك لعبت الرياضيات دورا هاما، ولكنه دورا مساعدا وليس رئيسيا، وبالتحديد في مسألة الحساب وليس الفكرة بذاتها.
في الواقع أن مسألة المد والجزر دوخت الانسان منذ القدم، وعوضا عن التفكير والبحث الجاد نجد ان الغالبية ابدعت الاساطير للرد على المعضلة والتخلص من الحيرة، منها قصة لطيفة تنسب الى علي بن ابي طالب (راجع الحاشية الثالثة).

يتبع: هل يمكن التنبأ بالظواهر الطبيعية رياضيا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 4 - 13:38 )
- العقل البشري -خصوصاً عقل الملحد- لا يدرك كل شيء , في عام 1927 وضع (هايزنبرج) مبدأ (عدم اليقين) أو مبدأ (الريبة) , وهو مبدأ فيزيائي من المباديء التي تحكم الكون , هذا المبدأ يرى : ((أننا ممنوعون من معرفة الحقيقة الكلية , وليس لنا أن نختار إلا نصف الحقيقة أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون عنها)) , لذلك , الإنسان ممنوع من معرفة الحقيقه الكامله , و ليس له سوى نصف الحقيقه , نحن -كبشر- في علمنا لم نصل إلا إلى جزء يسير من نصف هذه الحقيقه , حتى نحوز على هذا النصف لا بد لنا من الإنتظار ملايين السنين .


يتبع


2 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 4 - 13:38 )
- الإنسان هو محور الكون :
• هل ثمة شيء يستوعب هذه العلاقات بين الاحجام إلا الانسان؟ .
• هل ثمة شيء يدرك الفوارق الا الانسان؟ .
• هل ثمة شيء يدرك القوانين وضخامة الأفلاك وعظمة الخلق وروعة الإعداد بعناية إلا الإنسان؟ .
• هل ثمة شيء يدرك أن الوردة حمراء وبديعة التنسيق والجمال غير الانسان؟ .
• هل ثمة شيء يدرك مدارات الأفلاك وعظمة الخلق وروعة المنظومة الفيزيائية التي تحكم الكون غير الانسان؟ .
• هل ثمة شيء يدرك مخاطر الانفجارات النجمية في مجرة أندروميدا مثلا إلا الإنسان؟ .
• هل ثمة شيء يهتم بأحداث الفضاء ومدارات الأفلاك غير الإنسان؟ .
إذن , لا يختلف العلماء على أن الإنسان مركز الكون إدراكيا وسيكولوجيا و حديثا (فيزيائيا) و منذ الأزل (دينيا) , إذن زعم الإنسان مركزية الكون ليس إلا إقرارا علميا .


يتبع

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م