الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يمسي اليسار يميناً

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 3 / 5
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


لأن الأرض دائرة بيضاوية لا خطاً مستقيماً في المطلق، لذا تكون النقطة الأبعد مسافة من أخرى هي بالضرورة الأقرب إليها من الناحية المقابلة. فرغم المسافات الشاسعة التي كانت تفصل بين قطبي الحرب الباردة العظميين خلال النصف الثاني من القرن الماضي، في الحقيقة كان لا يفصل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في الناحية المقابلة سوى حداً بحرياً افتراضياً عبر المحيط الهادي قد لا يتعدى عرضه في أوسع نقاطه بضعة كيلومترات فقط.

لا شك أن المسافات شاسعة بين اليساريين السياسيين وخصومهم جهة اليمين، وكلما زادت الهوة بين الطرفين ازدادت العداوة اشتعالاً بالضرورة. حتى اليوم لا تزال أصداء الحروب الساخنة والباردة بين المعسكرين تدوي شرراً من حين لآخر في أكثر من مكان، مثل كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا، أو في تنافس اقتصادي مستعر بين الصين وأمريكا، أو صراع مكتوم حالياً على مناطق النفوذ بين روسيا الاتحادية والغرب. في كل ذلك، قد لعب ولا يزال اليساريون دوراً بارزاً.

في الأصل، قد نشأ اليسار كرد فعل ’متوتر‘، وغالباً ’متطرف‘، ضد الثورة الصناعية في الغرب، وما استتبعها من سعي محموم ونهم وراء المواد الخام وفتح الأسواق العالمية وتحرير تجارة البضائع وحركة رؤوس الأموال والشركات المتعددة الجنسيات المتولدة عن هذه الصناعة العملاقة، الذي قاد بدوره تدريجياً إلى تطور ’حركة استعمارية‘ غربية غطت أغلب بلدان العالم النامي هدفها الرئيسي تأمين تدفق هذه المصالح الجديدة. اليسار قد نشأ ووقف بقوة ضد هذا المد الاستعماري الغربي، الذي رأى فيه ’استغلالاً‘ بشعاً لحقوق الشعوب الضعيفة و’نهباً‘ لثرواتها الطبيعية، من قبل ’رأسمالية‘ غربية متوحشة.

ومن المفارقة اللافتة أن الفكر اليساري- وإن لم ينشأ هناك- قد انتشر بين المجتمعات ذات الأكثريات الريفية، المعاقل التقليدية للنزعات اليمينية والمحافظة، ولم يحظى بانتشار واسع داخل البلدان حيث مستويات التمدن والتعليم والوعي بحقوق الفرد الأعلى. وكان لهذه الأرضية التقليدية المحافظة التي تفجر منها المد الثوري اليساري وأفرخ دولاً شيوعية تنتهج النظرية اليسارية المضادة للبرجوازية والرأسمالية الطبقية والإمبريالية الغربية أثراً باقياً على طبيعة اليسار نفسه، سواء من حيث الفكر أو الممارسة التطبيقية.

ففي حين قد قام اليسار في الأساس على نقض الاستغلال الطبقي وتحقيق المساواة التامة بين الأفراد وتحرير الشعوب المغلوبة، غير أنه بعد أن تمكن من الوصول إلى سدة الحكم الفعلي تحول إلى نظم سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تفوق أضعافاً مضاعفة نظيراتها الرأسمالية في الاستبداد والقمع والظلم والبطش والتنكيل والاستغلال، سواء ضد مواطنيها أنفسهم أو ضد دولاً جارة أو نائية. اليسار، في الممارسة، حقق من ’الظلم‘ أبشعه، ولم يأتي من ’العدل‘ المنشود شيئاً يذكر.

على سبيل المثال، كان موقف اليسار من ’الدين‘ و’الملكية الخاصة‘ كاشفاً. ففي تطرف لا تفسره سوى قاعدته الريفية العريضة البدائية الغرائز، حيث تغلب بالفطرة الانفعالات الحادة المتقلبة والممارسات العنيفة على رفاهية التأمل الهادئ والتفكير والتخطيط المدروس، لم ترضى الأنظمة الشيوعية الحاكمة بأقل من القضاء على الدين كلياً واستئصال غريزة التملك الخاص من ذاكرة شعوبها، إلى الأبد.

لأنهم في الأصل- ربما بدافع مثاليتهم الريفية العاطفية- متطرفون، لهذا لم تكن المسافة بعيدة كما قد يتخيل بين اليساريين المتطرفين من الداعين إلى المساواة والعدالة المطلقة من جهة، وبين المتطرفين الدينيين أو اليمينيين أو الرأسماليين الداعين إلى الضد من ذلك من الجهة المقابلة. على هذا، قد لا أرى حداً أعرض من خط وهمي رفيع يفصل بين ’المتطرفين اليساريين‘ المنادين بالمساواة التامة بين كل البشر، وبين ’المتطرفين الدينيين‘ الداعين إلى الضد، إلى إخضاع أغلب البشر لفتاوى نخبة صغيرة من فقهاء الدين، وإسلام الجميع في النهاية في طاعة عمياء وعبودية ذليلة لإله واحد أحد. وفي الحالتين، لم يعدم المتطرفون على كلا الجانبين من الوسائل والسبل البشعة لإنفاذ إرادته المتطرفة على الطرف الآخر.

لأن العلاقة بين الأطراف المتنافسة والمتصارعة لا تسير في خط مستقيم بلا نهاية كما قد يظن المتطرفون منهم، فكلما بعدت المسافة واتسعت الهوة بين طرفين من جهة كلما زاد اقترابهما أكثر من بعضهما البعض على الجهة المقابلة- عند نقطة التقاء ’متطرفة‘.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة