الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انفصال

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 3 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل أحببت من قبل؟؟..نعم؟؟..يا لك من محظوظٍ تعس..لا أبداً..ليس هنالك تعارضٌ إطلاقاً بين هاتين الصفتين..فأنا أؤمن -و هذه إحدى الثوابت القليلة لدي- أن الحب دائماً يعقبه ندم..فهو اللذة التي تتذوقها و ما أن تنتهي منها حتى يصيبك بالحسرة و الندم سواءاً على فقدانك لتلك اللذة أو لاكتشافك متأخراً أنك كنت تتوهم اللذة فيه..و لكن لندع تلك الأمور التشاؤمية جانباً و لنتحدث عن أمورٍ أكثر بهجة..و لا أجد أمراً أكثر بهجةً للحديث عنه في جعبتي سوى الحديث عن الانفصال.

الانفصال من أصعب مراحل أي علاقة..طبعاً ليس بصعوبة مرحلة ما بعد الانفصال..و التي تشعر فيها أنك تتحرك فقط بقوة الدفع الذاتي و أن صدرك يعلو و يهبط فقط لأنه لا يعرف كيف يتوقف عن فعلها..لن أتحدث عن قلبك الذي ينبض و لكنك تشعر بأنه بطيءٌ جداً ثقيلٌ جداً..لن أتحدث عن رغبتك بأن يصغي لك هذا القلب لمرةٍ واحدة فيتوقف..لن أتحدث عن الخواء الذي تشعر به و عن كلمة "فارغ" التي تصف بها نفسك كلما حاولت أن تُلَّخص ما تشعر به..لن أتحدث عن رغبتك بالبكاء و خوفك -في ذات الوقت- من أن تفعل لأنك لو فعلتها فهذا يعني أنك بدأت تدرك أنكما انتهيتما كنحن و أصبحتما أنا و أنت..لن أتحدث عن أياً من تلك الأمور فكلها تعتبر أموراً هامشيةً جداً مقارنةً بوقع الانفصال علينا.

الانفصال أنواع..فهناك الانفصال الذي تقوم به فتاتك عندما تشعر بأن فكرة الارتباط بك فكرةٌ مستبعدةٌ جداً بسبب ظروفك المادية..هنا تقوم هي بالتصرف بطريقةٍ عمليةٍ جداً تفتقر أنت إليها..فتنفصل عنك لتلحق به هو أي الآخر..فعصفورٌ في اليد خيرٌ من عشرة من أمثالك بجوارها..هنا تكتشف أن وقع الانفصال كان مهيناً جداً ليس لأنه حدث و لكن لأن أسباب حدوثه بُنيت على أمورٍ لم تتوقع أن يؤمن بها من كان يذيبك عشقاً بعدة همسات لا تمت للواقع بصلة.

و هناك الانفصال الذي هو ليس بالانفصال تماماً..أي أن أحد الطرفين قرر إنهاء العلاقة بينه و بين الطرف الآخر و لكنه لا يحبذ فكرة أن يخسر تعلقه به و تمجيده لشخصه..هنا يقوم بالانفصال عنه و لكن لا بأس من ترك الباب شبه مفتوح لإعطائه أملاً زائفاً بإحتمالية معاودة العلاقة..فيحصل الطرف الأول على إشباعٍ لرغبته النرجسية و في المقابل يظل الطرف الآخر يحمل بداخله أملاً بأن يُفتح الباب له من جديد يوماً ما.

هناك أيضاً الانفصال الذي يتم دون معرفة أحد طرفيَّ العلاقة به..أي أن أحدهما قرر بعد التشاور مع ذاته فقط أن هذه العلاقة يجب أن لا تستمر و لكنه لم يكلف نفسه عناء إبلاغ الطرف الآخر بذلك القرار..فيبتعد عنه بممارسة التجاهل أو التهرب من اللحظات المشتركة التي كانا يتقاتلان سابقاً لخلقها..تاركاً الآخر في حيرةٍ من أمره..و لعل أكثر تساؤل يراود الطرف الآخر حينها هو "لماذا أصبح الوقت ضيقاً لهذه الدرجة بعد أن كان لا نهائياً في السابق!!".

هناك الانفصال الذي يعقب قبلة و هو أسوء أنواع الانفصال..فهو يمنحك اللذة لآخر مرة فقط ليخبرك بعدها أنها ستكون آخر مرة تحصل فيها عليها..فيُقبلك بكل شغف بل و تتذوق دموعه و هو يفعلها بكل تلك الرغبة و الحب و الشغف فقط ليبتعد عنك بعدها..حينها ستشعر بأن الانفصال لا يناسب تلك القبلة..تلك القبلة يجب أن تكون بداية لذةٍ مستمرة لا بدايةً لعذابٍ لا ينتهي قريباً على الأقل.

هناك الانفصال الذي يتم بلا تقديم أية أسباب..و كأنك كنت تستحق في بداية العلاقة أن يتم تقديم قائمة بالأسباب التي تُحرض الآخر على حبك و لكنك الآن لا تستحق ذلك العناء بعد أن تم استنفاذك بطريقةٍ أو بأخرى..فتشعر حينها بحالةٍ من التوهان لأنك تبدأ بوضع قائمة الأسباب بنفسك..و يا لها من قائمةٍ ستكون طويلة..ليس لأنك شخص سيء و لكن لأنك ستحاول أن تدين نفسك قبل أن تنتهي من تلك المرحلة لتبدأ بمرحلة إدانة الآخر.

هناك أيضاً الانفصال الذي يتم بعد خيانةٍ جسدية..و هنا ستشعر بالمرارة الممزوجة بالاشمئزاز..فيكفي أن تتخيل أن ذلك الجسد و الذي كان من المفترض أن يكون لك وحدك و قد تمت مشاركته من قبل شخصٍ آخر لتشعر بتلك المشاعر..فهناك شخصٌ آخر مر بشفتيه و بيديه على ذات أماكن صلاتكما المشتركة التي كانت أو التي كانت ستكون..و لكن الآن لم يعد لقدسية تلك التفاصيل الجسدية أي معنى.

هناك الانفصال الذي يتم و أنت في أسوء حالاتك النفسية فيكون هو الرصاصة التي لا تمت للرحمة بصلة..فيظل ذلك الشخص معك و أنت في أوج قوتك..و لكن عندما يتخلى الجميع عنك تظل أنت متمسكاً بإيمانك الأحمق أنك ما زلت تملك ذلك الشخص الذي لن يتخلى عنك كما فعل الآخرون..فقط ليأتيك الانفصال ليخبرك أن هناك لا أحد و أن الجميع هم الآخرون.

و هناك الانفصال الذي يتم بعد أن يعتصرك أحدهم و حجته في هذا الانفصال أنه لا يستطيع أن يعتصرك أكثر فضميره أصبح يؤنبه فجأة و من دون صدماتٍ إنعاشية..فبعد أن تم إستنفاذك عاطفياً و جسدياً يتم إلقاءك لأن لا مزيد يخرج من ذلك الجسد..فتشعر حينها بأنك جاف و لم يبقى منك أي قطرة تمنحها حتى لنفسك لتصمد أمام الموت جفافاً.

الانفصال من أصعب مراحل أي علاقة و تأثيره قد يبدو -لك حينها- أنه أبدي..و لكنه من الأمور التي لا نكتشف جمالها إلا بعد فترة..بعد أن تنتهي مرحلة "الكرامة التي تنزف سُماً في دمك" و مرحلة "لا أستطيع الحياة من دونك" و المرحلة الأكثر سوءاً و هي مرحلة "أريد قبلةً واحدة فقط لأشعر أني ما زلت حياً" لتتجاوز كل ذلك لمرحلة "هل كان هناك أمر واحد حقيقي في تلك العلاقة" و مرحلة "لقد كنت أحمق".

كل هذه المراحل سيتم تجاوزها بكل ما تحمله حتى من ثقلٍ جسدي أكثر منه عاطفي..و لكن الأمر الذي لن نتمكن دوماً من تجاوزه هو مرحلة "لماذا؟؟"..قيل لنا قديماً أن "لو" تفتح أبواباً عديدة يستطيع من خلالها أن يزورك الشيطان زيارةً لن تتمكن بعدها من طرده من منزل أفكارك بسهولة..و لكن الحقيقة هي أن "لماذا؟؟" تفتح أبواباً أكثر ألماً و أكثر خطورة.

الانفصال أمرٌ صعب لأنه في الأغلب يكون بلا أسبابٍ مقنعةٍ لأحد الطرفين..و هنا يكون مصدر الألم..فأن يكون الانفصال بلا مبررٍ مقنع أو حتى بلا مبررات هو ما يهيننا أكثر و يضفي على نهاية أي علاقة ابتذالاً و بشاعة لا يوصفان..و لكن لو تمكنت من تجاوز "لماذا؟؟" ستتمكن حينها من تجاوز كل ما قد يخلفه الانفصال بداخلك..الألم الحيرة المهانة و حتى التساؤلات العديدة التي تبدأ بلماذا و لكنها لا تنتهي بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: الرئيس يجري تعديلا وزاريا مفاجئا ويقيل وزيري الداخلية


.. ما إجمالي حجم خسائر إسرائيل منذ بداية الحرب على قطاع غزة؟




.. بعد فشله بتحرير المحتجزين.. هل يصر نتيناهو على استمرار الحرب


.. وائل الدحدوح من منتدى الجزيرة: إسرائيل ليست واحة للديمقراطية




.. وول ستريت جورنال: أسبوع مليء بالضربات تلقتها مكانة إسرائيل ا