الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لما ضحكت موناليزا

نضال الربضي

2014 / 3 / 6
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


لما ضحكت موناليزا

شجعني الصديق الحبيب جريس البقاعين – و هو من أوائل من كتبوا على هذا الموقع – لحضور الأمسيات السينمائية التي يقيمها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي مساء الثلاثاء من كل أسبوع، و لقد سهل لي الحُضور ظرفا قرب المسافة و مُناسبة التوقيت (6:30 مساء ً).

يختار المنتدى أفلاما ً ذات رسالة، تلمس النفس و تستحضر المكنون الإنساني المُشتاق إلى تأكيد نفسه، و جاء فلم هذا الأسبوع عربيا ً بعنوان "لما ضحكت موناليزا"، و هو الفلم الذي استغرق تصويره من المخرج "فادي حداد" أسبوعين، و جاء مُخالفا ً للصورة النمطية التي ننظر فيها إلى مجتمعنا، مُسلطا ً الضوء على جوانب خفية في شخصياتنا لها وجوه ظاهرة لا توحي بالصِّلة ِ بينهما.

"موناليزا" تلك الفتاة الأردنية من أصول غرب النهر"من قضا نابلس"، تعيش مع أختها الخياطة التي تُعاني رُهاب الخروج من المنزل و لم تُخطي عتبته منذ 20 عاما ً، و تتوظف عن طريق ديوان الخدمة المدني، و تنتقل لبيئة عمل بسيطة في أرشيف، مع "نايفة" الأردنية من أصول شرق النهر.

نايفة "الكِشرة" التي تتسم بحدتها في الكلام، و تطرفها في النظرة نحو الآخر، الأردنيِ من أصل غربي النهر، و العاملِ المصري موظف الكافيتيريا، هي في الحقيقة هشة جدا ً من الداخل تبحث عن الحب، و تفشل في تحقيقه و تبادله ِمع زوجها، الذي ينتهي بالزواج من أخرى "مودرن"، أنثى تُرضي رغبته في الأنوثة، أنوثة الهدوء و الرقة و الجمال، بعكس "رجولة" نايفة في عنادها و تسلطها و حدة لسانها و ثقل لهجتها.

أما "موناليزا" فهي رقيقة كوردة، لكنها صلبة جدا ً من الداخل، تتلعثم عند الحديث مع الناس بتأثير عزلتها مع أختها، و تجد نفسها تحت عيون "حمدي"، الشاب المصري، موظف الكافيتيريا ابن عائلة الصعيد الذي تغرب من أجل "لقمة العيش". حمدي صنف ٌ نادر من المغتربين، يمتلك عزة نفس و كبرياء يؤكدهما حضور عفوي كوميدي هادئ لكنه صاخب ٌ في هدوئه.

"موناليزا" مشتقاة للحياة، للناس، للحب، عطشانة كأرض ٍ لم تروها السماء ُ من قبل، و لقد أعجبني جدا ً التوظيف الذكي من المخرج لفنجان القهوة و تمثيله للحياة، فـ َ "موناليزا" لم تشرب القهوة في حياتها قط، شفتاها لم تلمسا الفنجان، و لسانها لا يعرف طعم السائل ِ الأسود الصاخب العابق بالرائحة ِ المستثيرة للحواس، تلك الرائحة التي لم تجد إلى كيان ِ "موناليزا" طريقا ً من قبل. و حين تُمسك "موناليزا" بفنجان القهوة في العمل لأول مرة، و تشم ُّ الرائحة العابقة بعنفوان البُن، ثم تقترب ُ من الفنجان بشفتيها "تتذوق" "الحياة" لأول مرة، تكتشف الطعم المميز لوجودها الذي اختبأ خلف وجهها الخالي من مساحيق التجميل، ذي اللون الواحد.

و عندما تضع ُ على شفتيها الأحمر (أو الزهري) لأول مرة، و تدهن جفنيها أيضا ً، تأخذ ُ الحياة ُ طيف الألوان ِ إليها، في القهوة، و ال Make Up و في حمدي الذي يُحبها، و يأخذها معه في عالمه، فهو أيضا ً وحيد، لكنه وحيد اغتراب ٍ في بلد ٍ آخر، و هي وحيدة مُغتربة عن الوجود في بلدها، هي "موناليزا" التي لم تضحك قط، لا تبتسم، تتلكم بكلمات مُقتضبة ترد بها على الناس، لكنها حين ينظر إليها حمدي و يقول لها "بحبك" تضحك من كل قلبها، تصعد الضحكة تباعا ً من ذلك المكنون الداخلي إلى الخارج، على دفعات، تنفرج الشفتان، و تنفرجان أكثر و تكبر المساحة، و يحضُر صوت ُ الضُحكة ِ الخافت، مُقدمَة ُ صوت، و تتشنج ُ عضلات الجسم و هو ينكمش، ثم ينفرج مع خروج ِ الصوت، و اكتمال ِ الضحكة، و ارتماء رأسها على كتف حمدي، هو الذي يُحبها، الذي جعلها تضحك.

لا أقصد أن أروي قصة الفلم، فسأتوقف هنا، و عليكم أن تُكملوه أنتم لتشاهدوا عفاف، و سهيل و رُدينة، و تُحلقوا في سماء هذه الكوميديا الاجتماعية، التي تحوي في داخلها كل عناصر الفعل التراجيدي، الحب، و الخوف، و التردد، و البراء، و الُعنصرية، و الهزيمة و الانتصار، كلها في قلب "موناليزا".

"لما ضحكت موناليزا"، ضحكت معها الدُنيا و توقف الوقت حتى يشهد أنَّه ُ الآن وُلد، و أن جريانَه بعد هذه الشهادة أصبح له معنى، أن الإنسان، كل إنسان، هو في جوهره "موناليزا"، تلك الفتاة ُ التي لا شئ يُشبهُها لكنه تُشبه ُ كل َّ شئ.

أتمنى لكم يوما ً كضُحكة ِ "موناليزا"، حقيقيا ً خلَّابا ً مليئا ً بالحياة و الحب.

معا ً نحو الحب، نحو الإنسان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ نضال الربضي المحترم
امال طعمه ( 2014 / 3 / 6 - 08:59 )
صباح الخير
حلو انك ذكرت هذا الفيلم ولا ادري كيف سنشاهده . هل يستمر عرضه؟
واحببت تشبيهك الذي ذكرت عن فنجان القهوة لأول مرة


2 - إلى الأستاذة آمال طعمة،
نضال الربضي ( 2014 / 3 / 6 - 11:16 )
تحية طيبة أستاذة آمال،

اعتقد أنه يمكن طلب الفلم من منتدى عبد الحميد شومان الثقافي - الدوار الأول، عمارة المكتبة نفسها. هو فلم ٌ يستحق المشاهدة مدته ساعة و نصف.

أردت أن أرسم الخطوط العامة و لذلك لم أُكمل السرد حتى لا أُفسد المُتابعة لمن أرد أن يرى الفلم.

نعم مشهد فنجان القهوة و إن كان يبدو -عادياً- لكنه في الحقيقة محوري في الفلم، مهم جدا ً، فهناك القهوة هي الحياة و امتلاؤها و كل ما فيها من نكهة و طعم و نشوة و تذوق، و بدونها الحياة مُملة، رتيبة، فارغة من مضمونها، ليس فيها سوى وجود سكوني شبحي هو وجود اللا-موت لموناليزا الخائفة المُقيدة التي لا تحيا إلا كظل شبح.

و إن أردت ِ إسقاط مشهد القهوة على القهوة حقيقة ً لا استعارة ً فهذا أيضا ً صحيح، على الأقل بالنسبة ِ لي :-))


أهلا ً بك ِ دوما ً.


3 - إلى الأستاذة آمال طعمة
نضال الربضي ( 2014 / 3 / 6 - 19:53 )
لقد بحثت عن الفلم على اليوتيوب و هذا هو الرابط:

http://www.youtube.com/watch?v=S--UqQXtRco

مشاهدة ممتعة :-))


4 - الاستاذ نضال الربضي المحترم
امال طعمه ( 2014 / 3 / 10 - 07:22 )
شكرا لك لم يخطر ببالي ان الفيلم ممكن ان يكون قد حمل مسبقا على اليوتيوب ويا استاذ احيي فيك اهتمامك هذا ومن قبل لمسته في مسألة الصورة
شاهدت الفيلم واستوقفتني بعض المشاهد
سألت نفسي ما الهدف ان تكون عائلة بطلة الفيلم من قضاء نابلس ولماذا نايفة تكون من شرقي النهر مثلا و...؟؟هل هناك هدف فني مثلا من وراء تلك التقسيمة ليس اني لا احب انتقاد الشخصية الاردنية من شرقي النهر ولكن هو تساؤل؟؟
مشهد البطلة مع حمدي عامل الكافيتيريا في الشارع وكلامها له: هل تعرف شعور ان تكون غريبا في وطنك ؟
على فكرة في بعض الاحيان ينتابني هذا الشعور حين افاجئ بعادات واشياء جديدة واماكن لم اعهدها من قبل ولكن هل قصدت هي معنى اخر؟
زوج نايفة تزوج من سيدة اصغر سنا وليست فقط ستايل ومودرن؟؟
وحتى ردينة التي تنتظر زوجها الميت عساه يعود؟ربما لها دلائل اخرى؟
لا اعرف بالضبط اعجبني الفيلم على كل ،ومن اليوتيوب عرفت فيلما اردنيا اخر وهو كابتن ابو رائد لم اشاهده كاملا واعتقد انه جيد

اخر الافلام

.. ‏لوحة -لبياتريتشا-


.. من خلال رسوماتهن فنانات تشكيليات تدون التاريخ




.. المغرب قرويات تواجهن تحديات تحول دون انخراطهن في التنمية


.. ظل أعرج قصة تجسد واقع نساء تعشن داخل مجتمع ذكوري




.. منها الوصم المجتمعي معاناة النساء بعد الطلاق