الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوق: كوموروس الصوت القاني

مزوار محمد سعيد

2014 / 3 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



أنا في هذا المقام لا يحق لي أن أنتقد صاحبة المقال الذي هو بعنوان: قراءة تمهيدية لمشروع (محمد العابد الجابري) في نقد العقل العربي الوارد في العدد الأوّل من مجلة "النقد الثقافي" و الصادرة عن دار الكنوز تلمسان في صفحة رقم: 99، و ذلك من باب عدم تساوي المركز المعرفي، و لا حتى المركز الأكاديمي بيننا، و مع ذلك: إنّ عقلي يملك كامل الحق، كما للكاتبة الجزائرية (اسمحوا لي بأن ألقبها بهذا المصطلح) كامل الاحترام و بالغ التثمين، لما لعقلي من حرية تفوق الحدود بالنسبة لي كإنسان في الحد الأدنى، و لما للكاتبة للجزائرية من جرأة في طرح موضوع كهذا، لكن كلماتي كلها، و دون استثناء، ستكون حول المقال المذكور، على الطريقة التحليلية الأميركية، آخذا بالاعتبار بأنّ لا صوت يعلوا فوق الحقيقة المشتركة و المتنوعة، تلك التي تعبّر عن نفسها، و صدق الضمير الذي يبقى ينبض بالحياة، حتى و هو في قبره يلتحف و يوسد حبيبات الطين الأولى، الرجال لا يُعرفون بالشعوذة الكلامية، و إنما يُعرفون بالحق: حق المعرفة، حق الاختيار و حق الاعتبار بالمقدار.

تقول الكاتبة الجزائرية في مقالها (ص:103):
"... لكن المتعمق بشكل نقدي موضوعي فيها (قراءة العربي الليبرالي) سيكتشف أنها لم تستمد المنهج فقط من الغرب، و لم تستثمر حتى ذلك المنهج استثمارا موضوعيا خالصا، بل إنها مزجت المنهج الغربي بالرؤية الغربية ذاتها في فهمها للتراث، فكل ادعاءاتها غير حقيقية، لأنها مؤسسة على فهم التراث فهما غير صحيح ..."

يجب أن أشير هنا إلى أنّ هذه الأفكار وردت منسوبة إلى محمد العابد الجابري من جهة، لكن لم تكن هناك إشارة إلى إحالة تؤكد مصدرها المضبوط أكاديميا من جهة ثانية، و مع ذلك يمكنني اعتبارها تعليقات تُنسب إلى الكاتبة الجزائرية، فهذه الأفكار ربما تأتي كتعقيب على الليبرالية "العربية"، في ظل الفكر الذي جاء به الجابري.

1. لماذا لم يتمكن العربي من تحقيق النهضة؟ (ص: 99)
و أنا أضيف: أية نهضة؟ و أيّ عربي؟ و هل تصب كلمة "التحقيق" في ربط التراث أو الأعمال النظرية (التجريدية) بالواقع المعاش؟
سأبدأ من كلمة "نهضة"، هي ذات منشئ غربي، جسدتها أوربا خلال تاريخها الفكري و الفلسفي، حيث شملت حقبة تاريخية تميزت بالانتقال من العباءة الدينية إلى العباءة الليبرالية، و من انغلاق التفكير إلى راهنية التفكير و حريته، مما جعل الفرد الأوربي ينتقل من الإيمان إلى العقل. إذ أنّ هذا المصطلح لم يدخل القاموس العربي سوى مع حملة نابليون على مصر، حينها أدرك العرب بأنهم متخلفون، و بالتالي طرحوا هذه الإشكالية التي لا حل لها كما يبدوا، و هذا ما جعل التيار الإصلاحي عند المسلمين، أو التيار القومي "القومجي" عند العرب يعرفان طريقهما إلى النور، و كأنّ أوربا "الليبرالية" و لو بطريقة غير مباشرة، هي التي حملت مشروع "النهضة" إلى من تسميهم الكاتبة الجزائرية بـ: العرب.
أما بالنسبة لمصطلح "العربي"، فهنا يبقى الإشكال مطروحا، إذ أن هناك العربي باللسان، و هناك العربي بالأصل و النسب، و هناك المتبني للمشروع السياسي المسمى بـ: "القومية العربية"، دون أن أنسى أنّ الكاتبة من الجزائر، هذه البلاد التي هي أمازيغية قبل أن تكون بلادا عربية، و لو سار أحدنا في سوق جزائرية، و هو ينصت إلى كلمات و أحاديث الجزائريين، فهل يتمكن من الإجابة عن سؤال: هل الجزائريون عرب؟؟ و أيّ عرب؟
لو افترضنا أن إنسانا بمجرد ولادته، قد تمّ رميه في إحدى الجزر النائية و المهجورة، و مع مرور الزمن تمكن من التكيف مع محيطه الجديد، فصبر و قاوم الطبيعة بما هو متاح لديه، فإنه حتما سيكتسب خبرة من تجاربه، و ستصنع هذه التجارب تراثه، و بعدما يصبح شيخا هرما، فإن تراثه هذا سيصبح حملا ثقيلا، فكيف سيتواصل مع هذا الحمل الذي أصبح عاملا متعبا، لا يجيد سوى إرهاق صاحبه؟ هل سيتحقق منه، أم أنه سيحققه على شكل وقائع؟ ربما لن يعيش بالقدر الكافي، حتى يتمكن من مشاهدة تأثيرها على حياته.

2. المتعمق بشكل نقدي موضوعي (ص: 103)
النقد، النقد ثم النقد، ذاك المصطلح الذي يتصدع العقل بسبب سماعه، خاصة و أنه في غالب الأحيان، هو يأخذ الصيغة المخيفة كـ: "الإنتقاد" أو "النقض"، و من خلال تعرضي لمواضيع كثيرة تجعلني أطرح الآتي: ماذا تعني هذه الكلمة (النقد)؟
كما أنّ كلمة "موضوعي" هي أيضا تساق في محال تشبه تلك التي كان يستعملها خطاب القرون الوسطى، خاصة في التراث المسيحي (الكنيسة دائما موضوعية)، و في هذه النقطة بالذات، يمكنني القول بأنّ الذاتية غزت حتى العلوم "الدقيقة"، و الهروب من الأيديولوجية، هو يقود إما إلى الضياع أو إلى أيديولوجية أخرى، و بالتالي: ما محل "الموضوعية" في كل هذا من الإعراب؟

3. إدعاءاتها غير حقيقية، لأنها مؤسسة على فهم التراث فهما غير صحيح (ص: 103)
هنا يبدوا أنّ الكاتبة الجزائرية وقعت في دوغمائية إقرارية، حيث أن حكما كهذا هو بلا أساس واضح، و يمكنني القول بأن الحقيقة غير واضحة، تلك التي يتحدث عنها هذا الحكم.
كما أنّ ثنائية (صحيح/خاطئ) يبدوا أنها قد تجاوزها العقل البشري عموما، حيث أنّ الإقصاء و التهميش لأفكار بذريعة خطئها قد أصبح من الماضي، لكن هذا لا ينفي اختلاف أنماط التفكير، و إنما يصبّ في إطار ثنائية معاصرة تُدعى بـ: (مقبول/غير مقبول)، بحيث أنّ المقبول لا يكون صحيحا بالضرورة، و غير المقبول لا يكون خاطئا بطريقة آلية، حتى يجد الأفراد المنطلقين من هذه الثنائية يـُسرا واضحا في اندماجهم ضمن جماعة متنوعة، و كل فرد منها له خصائصه.

4. ما أرغب في قوله:
فكرة "النهضة" هي التي جعلت الشرق "العرب" ينظر إلى الغرب نظرة عدائية، و بالمقابل جعلت الغرب ينظر إلى الشرق نظرة احتقار من زاوية التقدم/التخلف.
بما أنّ فكرة "الموضوعية" هي التي مكنت المفكر الجزائري من اعتبار نفسه إلـه موضوعيا، فإنّ أفكاره الإلهية ستكون بلا شك مقدسة، و هذا ما يبرر الصراعات الفكرية ما بين أبناء البلد الواحد، تلك التي تتحوّل في أكثر من موضع إلى العنف، و هذا ما يفسر المذاهب و الطوائف أو الأحزاب و الميلشيات، كما يفسر القبائل و العروش أو غيرها....
فكرة النقد تلعب دور الجاني في ثوب الضحية، هي كلمة مفتوحة، و متحركة الدلالة، خاصة و أنها قادرة على تدمير الأفكار الفاعلة أو القوية، و بناء الأفكار المسمومة في أي بناء فكري، لكن اقتران هذه الكلمة "نقد" بتوجه معيّن مثل: "النقد الكانطي"، فإنه يرسم لها معناها، و منه يسهل التحكم في هذه العملية التفكيرية الخطرة، حالها كحال كلمة "التحليل".
حتى أنا في تحليلي هذا أسقط في الأيديولوجية الأميركية، و بالتالي يبقى المنهج الغربي لا يزال مؤثرا على الفكر و التفكير، خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، هذا لا ينقص من أي عمل أكاديمي فكري أي مقدار، فأنا انتمي إلى الحضارة الإنسانية قبل أن أنتمي إلى البحر المتوسط أو الجزائر.
فيما يخص قضية كيفية تعامل السلفية مع التراث، فإنني أتفق مع الكاتبة الجزائرية تماما في هذه النقطة، بينما أختلف معها في النقاط التي أشرتُ إليها سابقا (الموضوعية، النقد، النهضة، العرب)، و أجد نفسي مدفوعا لأقول: لكل بلد خصائصه، و هي المستمدة من عقول و حياة أفراده اليومية، لأنّ اليومي بالنسبة للفرد الإنساني هو الذي يصنع توجهاته الفكرية، في حين أنّ الأفكار المعلبة و الجاهزة، حتى و لو عُدّلت تبقى غير مطابقة لا للأهداف، و لا للأحكام، و لا لحجم الإمكانات الكامنة، لأنّ التفكير هو خاصية الإنسان دون غيره من البشر.
اعذريني سيّدتي (الكاتبة الجزائرية)، لكن الجزائر ليست بحاجة إلى نهضة، إنما هي بحاجة إلى "الاهتمام"، اهتمام بالإنسان، في جزئياته، تلك التي تظهر في مأكله و مشربه و مسكنه و حاجاته الأساسية، حينها يصبح الحديث عن الثقافة، الفلسفة و العلوم على الطريقة الجزائرية ذا معنى.
بعيدا عن قداسة الأفكار الإلهية التي صنعها البشر، و بعيدا عن نقد يأخذ صيغة الحية التي تلدغ مربيها، و بعيدا عن العروبة التي تظلل مشاعر الجزائري، و هي التي يحركها حُلم تحول منذ زمن إلى كابوس، و بعيدا عن التهميش بحجة عداء الغرب.
بعيدا عن كل هذا عليّ تقبّل الفرد الجزائري كما هو، و محاولة فهمه هي الحلقة المكسورة في سلسلة الفلسفة المتوسطية، حقا إنه فرد بحاجة إلى الاهتمام، لا إلى الوصاية.
في الأخير! ما لاحظته هو أنه في زمن تضيع فيه الأنثى الجزائرية في متاهة السكوت، ها هي إحدى نساء الجزائر تنتفض بصوتها القاني لتعبّر عن محمد العابد الجابري بالقالب الفلسفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل