الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغيد والوردة

محمد بكراوي

2014 / 3 / 7
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


حكى حكيم مرة على مسمع الصغار : أنه في قرية مثل مدشرهم، كانت تسكن غيد حسناء، جميلة القوام هيفاء، تبتسم على استحياء، تتحرك فوق الأرض بلطافة ونباهة من غير استرخاء. لا تطيل الكلام ولا الإلحاح، مما يثير الشعور بالاستبطاء. غير عجولة في أمرها، دأبها يسر الناضر، ويوحي بأنها تلتمس من الأبد الرقيب لحظة لتنجز مع المارة لقاء. تعين قدر ما تستطيع فعله القريب والبعيد من ميز لأنها لا تعرف عداء. كأنها مرصودة لقضاء حوائج الناس من غير غي ولا وقوع تحت رحمة الرغبة؛ لا تريد جزاء ولا شكرا ولا تقديرا كماء النهر ينساب من يدها الكريمة الجميل الذي تراه واجبا لا غير. تعرف في كل الأمور بخفة. لها عادة عبر السنين تزيدها زينة و بهاء كلما حل فصل الربيع؛ ذلك أنها تنطلق توزع وردة على كل من العابرين. فمن يلقيها على الأرض، تقول له:" تشمت بنفسك، انتبه ثغر يبتسم لك، قد يكون لأمك أو لساحرة تنثر العجائب وتقهر بك الغبن والمستحيل." فإن لم يعرها اهتماما ـ وهذا كثير الحدوث ـ لا تعود أدراجها، ولا تبين على حنق رغم ما تعانيه من غيظ. تجمع ورودها ولو داستها الأموات من غير شفقة؛ ثم تنتظر كأنها تترقب هلالا أو طالع سعد، فلما يبدو أحدهم على مرمى البصر، تنشرح. وتتصنع الخطى نحوه، و عندما تلاقيه تقوم بفعلتها المعلومة. فمن تقبل منها الوردة ليحملها الى أم أو عزيزة، تقول له:" لتكن حياتك كلها حب، لا أثر لسم الحقد عليك ." وبما انه قد حل فصل الغرس، فإن لم يتبق لها ورد، تقدم للمار قضيبين من غرس الوردة طريين. وهذا قد يكون من طينة الأول أو يخاف الشوك يلقيهما أرضا؛ فتجمعهما من جديد، وهي تقول:" انظر الى الورد ولا تهتم بالأفاعي، انظر الى المستقبل ودع الأيام الخوالي، فلقد ولى زمن النفث والعقد." بعد هذا تتقدم بحيوية و جرأة، وتغرس القضبين حيثما أمكن وكل مرة ترسم بالأغراس أشكالا من وحي الطبيعة والارادة منا الدائرة والقلب والمربع تقريبا ولا أحد يستطيع قراءة الطلسم أو يؤوله.. وعندما تهتز الأرض وتخضر، تبرعم الورود وتكثر. وبتوالي الأيام أصبحت تقام لها المواسم . وما بقي شيء يثير الغيد إلا انشاء طقوس للورد وربطها بالقلاع لما في ذلك من تاريخ الأذى والاستعباد عوض التهليل والانشاد.
الإيجابية روح الحياة وهي أقوى من همجيات الأموات، لأنها تحكي بالفعل والقوة والابتسامة، وتنشد الصفاء، والحب والخلود.
فسأل أحد الطفال ببراءة:" من تكون هذه الغيد ؟ أ هي ساكنة الغابة؟ أ ساحرة؟"
أجابه الحكيم الصغير : إنها المرأة المطلة دائما من الريف العميق، حمالة الحطب، مطية الصبية، مرتادة الحقول والقمم والأودية، إمامة المدرسة، قبلة العاشقين، سيدة النواعم والكواعب. إنها قبلة الشوق والرغبة، الأم والأخت، والزوجة العشيقة مرقد هموم الضعيف الولهان ومصدر الحنان والمحبة: المرأة.
شكرا للحياة الحسناء وكل مارس والمرأة ملفوفة بالسعادة ، محاطة بالعافية والهناء والعزة والكرامة . أنت أستاذة العالم في: المشي واللغة، البناء والحضارة، الثورة والنبوة أنت مرجع الأشاوس والأنبياء، في الصبر الى حد التفاني في الجرأة. نعم تستحقين التقدير والتقديس والاعتراف بالامتنان. مكناس 05ـ03ـ2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمرها 75 ألف عام


.. روسيا تعلن اعتقال جندي أميركي دخل إليها من كوريا الجنوبية بت




.. شرطة نيويورك تنقذ امرأة قبل سقوطها من برج مكون من 54 طابقاً


.. كاتبة العرض المسرحي أحلام الديراني




.. الباحثات في تونس ضعف الدعم وهجرة مقلقة