الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقيدة والرأي

يحيى محمد

2014 / 3 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الامور البديهية علاقة الارتباط بين العقل والنفس لدى الانسان، فاحدهما يؤثر في الاخر. واذا كانت وظيفة العقل هي الادراك المعرفي، فان من اهم وظائف النفس: الميول المزاجية والرغبات العاطفية. وعندما تختلط الامور العقلية بالنفسية تصبح الوظيفة لديهما متحدة، فاما ان تخضع الميول والرغبات الى العقل والمعرفة، او العكس، وهو الغالب لدى الناس. وبسبب الميول النفسية قد تتحول المعرفة الى عقائد جامدة فتصبح حجاباً للعلم. فالمعرفة التي يُدافع عنها ويُدفع عنها الشبهات ولا تخضع للشك ولا البحث والتحقيق هي تلك التي تتصف بالعقيدة، خلافاً لغيرها التي تقبل الشك والبحث والتحقيق، فهي تنطوي تحت جناح الرأي ولا تدخل ضمن نطاق الاولى.
وحيث ان للانسان خلفياته وقبليات المعرفية، فهي ان لم تكن موضوعية او بديهية فإنها قد تترشح لتصبح عقائد يتناغم معها الفرد بعواطفه واحاسيسه الوجدانية، فتمنع من نفاذ العلم والمعرفة الصحيحة. وكثيراً ما يتولد هذا الحال في المراحل الاولى للبلوغ العقلي للفرد، اذ يتربى على نمط محدد من المعارف، كالنمط المذهبي، بفعل ما تمارسه الاسرة والخطيب - وحتى الكتاب المنمط - من تأثير في ذهن الفرد وميوله النفسية، فتتولد على اثر ذلك عقائد وموانع قوية يصعب اختراقها، رغم ان اصلها قد يكون في غاية الضحالة لغياب الدقة وكثرة التدليس؛ كتلك التي يمارسها الخطباء والكتّاب المنمطون عادة. وبذلك يعظم الاثر النفسي في التشكل العقائدي مقارنة بالاثر المعرفي، رغم امتزاجهما معاً، وهو ما يجعل العقيدة كنتاج سايكولوجي محدداً للذهن وادواته المنهجية، خاصة وان العواطف النفسية في الصغر تسيطر على الفرد اكثر مما تسيطر عليه الميول العقلية والمنطقية. وهو ما يجعل الادراكات المشحونة بالاثر النفسي مترسبة فتكون مرجعاً للرفض والقبول واداة للتنقية او (الفلترة)، اذ يخضع كل معطى ادراكي لاحق او جديد الى فحص هذه الاداة، بوعي وبغير وعي، فتتقبل المعطيات التي تتفق معها، وترفض ما سواها، او تعمل على تأويلها. فهي مسلمات او عقائد يصعب تجاوزها او هدمها، كما انها تشكل قبليات ذاتية في الفهم الديني، سواء كان هذا الفهم منضبطاً او غير منضبط.

وينطبق الحال المذكور حتى على العلم. فقد بات من المعلوم ان الاخير يتأثر بالنواحي النفسية والعلاقات الاجتماعية او البيئية، وان هناك صعوبة للتخلي عن الخطأ المعتاد ولو كانت ابسط الحقائق معلومة ضد هذا الخطأ، كالذي يشير اليه البعض1. كما وان تصورات العلماء إزاء العالم الخارجي متباينة، ولا وجود لموضوعية مطلقة، فقد يكون الاختيار وسط النظريات المتنافسة قائماً بعض الشيء على الرغبات الذاتية، حتى أن فيلسوف العلم فيرابند يبالغ في ذلك فيقول: >ما يبقى بعد اقصاء امكانية المقارنة منطقياً بين النظريات.. هو الاحكام الجمالية، احكام الذوق، الاحكام المسبقة الميتافيزيقية، والرغبات الدينية. وباختصار إن ما يبقى بعد ذلك هو رغباتنا الذاتيةهرطقة تقريباً، وبالقطع عمل غير وطنياذا بدأ الانسان باليقين فانه ينتهي قطعاً بالشك، اما اذا اكتفى بان يبدأ بالشك فانه ينتهي قطعاً باليقين<8.
وعلى العموم قد تكون القضايا المنكشفة حجاباً للعلم ان لم تكون من البديهات، فقد تتحول الى عقيدة يصعب زوالها طالما تنفذ من دون وجود ما يعارضها ولا التشكيك فيها. ولاجل تحويلها الى رأي او ازالتها لا بد من الاستعانة بجهاز الكشف القبلي ذي الخاصية الصورية المنضبطة، ومن ثم النظر الى كافة ما يرد من اراء وعقائد بنظرة الشك والتحقيق.
فمع أنه من الناحية المبدئية او المنطقية، ينبغي ان تتأسس العقيدة على الفكر، ويتحول الفكر الى عقيدة، لكن ما نشاهده واقعاً عكس ذلك في الغالب. اذ تكون العقيدة نتاج تجربة عملية او نفسية يتأسس عليها الفكر فتكون حجاباً للعلم والحقيقة، او تمنع بذلك ما يسمى الفطرة الثانية، ولا يستثنى من هذا الأمر ما يُعرف بالعلماء لدى مختلف الإختصاصات، وعلى رأسهم – بالطبع – علماء الدين.
فمثلاً ينقسم الفكر الديني الى مجرد رأي وعقيدة، وتتألف هذه الأخيرة من جماع الرأي وما يرتبط به من إحساس وجداني وعاطفي قوي، وهو ما يشكّل أساس التجربة الدينية، فتكون العقيدة ليست مجرد رأي ولا أنها تجربة فحسب، بل مزيج مركب من الأمرين معاً. وقد تكون التجربة الدينية ابداعية كما هو الحال مع تجارب الأنبياء والأولياء، لكن الغالب فيها هو الإتباع؛ كالذي يتمثل بتجارب الناس. واذا كانت التجربة من الصنف الأول لا تقوم على الرأي، بل تقع في موازاة له، فإن الثانية ترتبط بالرأي ارتباطاً صميماً، لكن المشكلة أنها غالباً ما تكون أساس الفكر لا العكس، لذلك ينشأ التعصب والدوغمائية وغياب الأساس الفكري المتين، اذ لا يصبح للفكر وظيفة سوى تبرير التجربة الدينية المسلم بها سلفاً، وهو ما يقع ضمن منطق الدفاع عن النزعات الذاتية او القبليات غير المنضبطة.
وعليه يصبح من الواجب منطقياً تصحيح الصورة والقيام بقلبها رأساً على عقب، أي تفريغ العقيدة من محتواها النفسي وتحويلها الى مجرد رأي. والغرض من ذلك ليس نسف العقائد باطلاق، لكن تناقض هذه العقائد وتضاربها يفرض علينا العمل على تقليصها الى أقصى حد ممكن، ولا يتم ذلك الا بممارسة النقد الذاتي، وانتهاج منهج الشك، مع تفعيل دور القبليات الكاشفة في البحث العلمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدمة في طهران.. لماذا يصعب الوصول لطائرة رئيسي؟


.. نديم قطيش: حادث مروحية رئيس إيران خطر جديد على المنطقة




.. البحث مستمر على طائرة رئيسي.. 65 طاقم إنقاذ وكلاب خاصة| #عاج


.. تحديد موقع تحطم طائرة رئيسي -بدقة-.. واجتماع طارئ للمسؤولين




.. مسيرة تركية من طراز- أكنجي- تشارك في عمليات البحث عن مروحية