الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساسكولوجيا الحرف- 14

سامي فريدي

2014 / 3 / 10
المجتمع المدني


سامي فريدي
ساسكولوجيا الحرف- 14
القومية والأمل..
يفتخر الأميركي بأميركيته.. ويفتخر الانجليزي بانجليزيته، والسكتلندي باسكتلنديته والايرلندي بايرلنديته والألماني بألمانيته والروسي بروسيته والصيني بصينيته.. وكذلك كلّ الأمم والشعوب المتميزة بالتفوق والنجاح والمساهمة الفاعلة في حركة العصر..
ثمة علاقة ضمنية مباشرة بين الفخر القومي والاعتداد بالذات والأمل بالمستقبل وحبّ الحياة..
الأساس في كلّ ذلك هو الشعور بمعنى الحياة..
مهما كان مستوى الانسان وثقافته، فأن منطلقه الاساس في العمل والسلوك هو شعوره بوجود معنى لحياته وهدف لوجوده على الأرض. هذا المعنى والهدف لا ينفصل عن انتمائه الجغرافي الوطني والقومي والاجتماعي. اما الخلل في علاقته بالوطن والقومية والمجتمع، فينعكس على اضطراب في وعيه لمعنى وجوده وأهمية حياته وثقته بالمستقبل، فيتسرب اليأس والعدمية إلى ذاته، ويغلب التشاؤم على مجمل تصرفاته ودوافعه، وبالتدريج يجد نفسه خارج حركة الحياة وهامش المجتمع.
الوطن والقومية والشعب ليست مفاهيم سياسية، ولا يجوز خلطها أو الحكم عليها من زاوية ضيقة واحدة، هي الخيانة والوطنية والأكثر وطنية. هذه المزاودات منذ ظهورها شكلت اسفينا لتدمير القاعدة الاجتماعية ومبادئ الحياة.
ويشكل الشرق الأوسط ممثلا في جغرافيته البشرية، المنطقة الأكثر هشاشة وتخلخلا بين بلدان العالم. منطقة اختبار السياسات الغربية وطروحاتها المختلفة واجراء تجارب اجتماعية وسياسية على مجتمعاتها، على غرار فئران المختبرات [ُ,ثورات الريع العربي مثلا].
ومنذ القرن السلبع عشر يصدر الغرب منتجاته الفكرية والسياسية إلى جانب المنتجات الاقتصادية والعسكرية الى منطقة الشرق الأوسط، الذي يستقبلها باعتبارها مادة الحضارة والترقي ومضاهاة الغرب المنتج لها لاحقا. وبعد ثلاثة قرون على حركة التفاعل السلبي والتلاقح الحضاري والغزو الثقافي والاقتصادي، فأنه لا يكاد يوجد حرف أو مادة في الحياة اليومية للفرد أو المجتمع أو الدولة في الشرق الأوسط، ليست من قائمة الواردات وسياسة الاستشراق كما يسميها البعض.
الواقع انه لا يوجد بلد أو مجتمع أسير لمنتجات الغرب مثل الشرق الأوسط. يحاول البعض التمثيل ببلدان أسيوية معينة لتبرير وضعه، أو الدفاع عن الصورة العربية، ولكن المقارنة بالأسوأ هو بحد ذاته طامة. فالعراق اليوم يقارن بالصومال، بعدما كان يقارن بنماذج اقتصادية ناجحة ومعروفة دوليا، مثل اليابان أو تايلند.
الاستيراد والتلاقح في الاقتصاد أو الفكر ليس مثلبة بحد ذاته، بشرط امتلاك قاعدة رصينة من الحصانة الذاتية والاعتداد بالذات [القومية والوطنية والفردية] لتحقيق حالة توازن نفسي ومادي أمام الغزو. لكن المجتمع العربي ليس مجتمعا ماديا، ولم يعرف مرحلة الانتاج المادي خلال تاريخه، ولذلك اقتصرت قاعدته على جملة معتقدات ومفاهيم تختلط فيها الخرافة بالواقع، ويختلط فيها الدين بالتقاليد، ولا يكاد يتميز منها اقتصاد عن السياسة عن الاجتماع عن التربية عن الطب عن غيره. فالتميز والاستقلال القطاعي المادي والثقافي يترتب على التطور المادي، وبالنتيجة يمكن فرز المفاهيم والمصطلحات وفروع العلم والحياة. فلا غرابة ان تجد طروحات سهلة ومجانية تعتبر الدين هو كل شيء، مصدر في الحياة والتشريع.. والشريعة أساس الحياة. هذا الطرح بحد ذاته تبرير ونتيجة لانعدام مستلزمات البني المادية التحتية التي تشكل قاعدة سليمة وحصينة للحياة.
الغرب لا يعاني معاناة العرب وسكان الشرق الأوسط عموما. الأفكار والمخاوف الشرق أوسطية لا مكان لها في المجتمع الأوربي الذي يعج بالمهاجرين والوافدين من الشرق والجنوب. لأن الثقافة الاوربية والحضارة الغربية ليست هشة، وانما هي العكس تماما. والاوربي يعتز بأوربيته كمركز للثقافة العالمية منذ عهد الاغريق، كما يفتخر بانتمائه القومي والوطني لأنه منتج المدنية الحضارية وأصول المجتمع المدني والدساتير المعاصرة. وأكثر منه، هو الان منتج حضارة المستقبل [ما بعد الحداثة] عبر انتاج ثورة الاتصالات والتقنيات الحديثة المستمرة مظاهرها ومنتجاتها نحو المستقبل.
الانتاج الحضاري للغرب هو نتيجة اعتداد الأوربي بأصوله الحضارية التاريخية، واستمراره الابداعي والحضاري هو امتداد لامتداد ايمانه بالتفوق والأمل في حيازة المستقبل.
ماذا لدينا نحن العرب في مقابل ذلك.. الاستيراد والمزيد من الاستيراد، والتقليد والمزيد من التقليد، القرصنة والمزيد من القرصنة.. وما يزال اهتمام الفرد والجماعة ينصب على الآخر/ الخارج، ويهرب من الاهتمام داخل الذات. الاهتمام بالموضوع (الدين أو السياسة مثلا) هو نتيجة للهروب من الاهتمام بالذات ومواجهة الذات وتحليل مكوناتها وتعريتها ودراسة جدواها الفكرية والاقتصادية.
فالقول بأن الشخصية الشرق - أوسطية هشة، دالة على الفراغ الداخلي وانعدام الجوهر. وانعدام الجوهر أو الهشلشة مصطلحا هو سبب كراهية الفرد لنفسه [كلّ يحمل في الداخل ضدّه/ مظفر النواب]. ويمكن لكل فرد أن يتذكر كيف يشتم ذاته عندما ينفعل، وكيف يشتم أهله وأصله وبلده حين يتمكن منه الاحباط، وسكان الشرق الأوسط هم الأكثر كفرا وتعديا على الخالق من بين سكان الأرض. لكن الصدق والصراحة ومكاشفة الذات والنقد الذاتي نقاط لا وجود لها ولا أساس في ثقافة الشرق الأوسط الذي يعتاش على المجاملة والستر والتقية [الكذب بكل وجوهه].
ذمة عوامل متعددة، تاريخية ومعاصرة، أسست لمظاهر ومشاعر كراهية الذات والقومية والوطن وعدم الاعتداد بها والافتخار بوجودها.
هناك على العموم شعور بالدونية أزاء الآخر، هذا الشعور الذي يتم ترجمته إلى خوف من الاخر (من الجديد والغريب)، وكراهية وحسد وغيرة وعدوانية. ومعالجة ذلك تتم بتقوية الذات من الداخل وتمفصلها الايجابي مع القاعدة المادية الاجتماعية للفرد.
ومن مظاهرها كذلك ما يتعلق بعلم نفس الاستهلاك. اي انعدام ثقة المستهلك بالمنتج الوطني، واتجاهه للاعجاب بالمنتج الأجنبي. والبلدان العربية عموما مستهلكة بالدرجة الأولى، ولا تحتسب في مجال الانتاج.
أكثر من هذا، تشهد بلداننا تراجعا في مجال العمالة الوطنية وتزايد الاعتماد على العمالة الدخيلة. وهذه آفة مضاعفة. كلّ أهل البلد يريدون ان يعيشوا كالأمراء والملاكين. فتضطر البلاد لاستيراد العمالة. هذا يعكس حالة الاستنكاف من العمل اليدوي والحرفي. هذه الحالة تمثل أكبر آفة نفسية اجتماعية اقتصادية تحتل حياة العرب، وإذا لم تجد حلا قريبا، تقرأ على العرب السلام.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي


.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري




.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين


.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل




.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ