الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليب النساء لمن ؟ محاولة في تفكيك المنظومة الذكورية

جمال علي الحلاق

2005 / 7 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


عمان - 2005
الى بلاد ابنتي وهيّ تتّقن أولى حركات الباليه
تمهيد

في المجتمع الذكوري ( والحديث لا يخص الرجل تحديدا ، بل يشمل أيضا المرأة التي تؤمن به وتدافع عنه ) يتمّ اختزال الكثير من مفردات الحياة ، حتى بإمكان أيّ فرد ساذج أن يعطيك تصوّرا كاملا عن صورة الحياة ومناخها العام .

ربّما لأنّ اختزال التفاصيل يمنح الحياة ذاتها شيئا من السطحية ، هكذا تبدو الحياة بلا عمق ، وبلا ملامح أيضا ، بناء هرميا ينزل من الأصلاب ، لكي تتوارثه الأجيال ، كما لو أنّه دُسّ في النطف ، قاعدة تضيق لتنتهي بنقطة واحدة هي ( العرف أو الغيب ) .

الغيب ، نتاج ذكوري أزاح العلّة الى ( الما وراء ) تجنّبا للخوض في أيّ حلّ اجتماعي يزعزع وجود الطبقات المتطفّلة على جسد المجتمع - يمكنني قراءة مفهوم ( الما وراء ) بدلالة الرجوع المتعالي - فأصبح ما هو موجود نتيجة لسبب غير موجود ، وبالتالي تمّ إغلاق نوافذ الالتفاف على الأسباب الخالقة للمآزق الإنسانية ، وأصبح كلّ إشكال حياتي أمرا إلهيا لا يمكن الخوض في نقضه .

أقول : الغيب هو الغدّة النخامية للمنظومة الذكورية ، لكنّها هنا غدّة خارج الجسد ، وتتحكّم به ، كما لو أنّه دمية متحرّكة !

هكذا ، ببرشوت هبط ( القانون الغيبي ) ليحكم العالم البشري ، ومن هناك ، من زمن الخرافة تحديدا ، تقسّم العالم البشري الى ( ملوك ، وكهنة ، وفقراء ) ، ولا يجوز ، أو حرام ، أو لا يحق لأيّ كان أن يعترض ، مهما بلغت تجربته الحياتية من الوضوح ، لأنّ الاعتراض - في النهاية - ينبع من الشارع الحي للحياة اليومية ، ولا حقّ لليوم الزائل في أن يعترض على الزمان الأبدي ، أو لا يجوز الاعتراض على ما سنّه الغيب !!!

أنا أتحدّث عن ( الغيب ) فقط ، لأنّ الأعراف تمكّنت أيضا أن ترتدي حلّتها الغيبية ، حتى أنّ مفهوم ( العشيرة ) لا يختلف تماما عن مفهوم ( الجماعة ) ، رغم أنّ الناس غالبا ما يسيرون على العرف متجاوزين القانون الجديد سواء أكان مؤثثا ومحميّا بمفهوم ( الغيب ) أم لا ، كاستمرار زواج ( الشغار ) رغم التحريم ، ويجبرون البنات - حياء - على التنازل عن حقهنّ في الميراث للبنين .

هكذا ، تكرّر الحياة رتابتها في نسق أقرب الى الحياة البدائية الأولى ، ولا فرق بين الإقامة في بنايات بمصاعد ، وبين الإقامة في كهوف وغيران ، فالرتابة هيّ هيّ ، حين تنغلق الأفكار على نفسها ، ولا تمنح السؤال إمكانية التنفّس .

أستطيع القول أنّ الرتابة اليومية إرث حيواني ، لأنّها أقرب الى الحياة الطبيعية التي تدفعها الغرائز الى الدوران في فلك التكرار ، والرتابة ابنة التكرار ، التكرار العقيم ، الذي لا يعمّق التجربة ، على العكس تماما يساهم في تسطيحها .

إنّ المستفيد الأوّل والأساس في مجتمع الذكورة هم كهنة البناء نفسه ( رجالا ونساء ) ، الذين يتدرّجون هرميا أيضا ، ابتداء من مقنّن البناء ، الى قارئ فنجانه ، أو برجه ، وأنّ الضحايا هم عائلة الفقراء - على طول التأريخ -التي التصق بجلدها الملوك والكهنة كالقراد .

إنّ تسطّح الحياة اليومية يخدم العقول السطحية ، التي لا تمتلك جرأة الخوض والرؤية في ما هو أبعد من مدى الأنف ، لذا تبدو المحاولة في خلق ما هو أبعد من مدى الأنف قلقا مفزعا للمؤسسة الغيبية .

والقلق بوابة إرباك المنظومة المعرفية كلّها ، إنّه الجرثومة التي تتركّز في سؤال يتدبّب .

لا أنكر دور البعد الاقتصادي في تأثيث الرؤية الذكورية ، فالمصالح الشخصية تدعم إرساء الطبقية ، وتساهم في بناء البيوتات المهيمنة ، والعائلتية ، التي تبدأ بتوارث امتيازات محاطة بهالة غيبية ( ما ورائية ) تحصل على مباركات كهنة المنابر الضيّقي الرؤية والرؤيا ، والتي تصب في نفس المجرى .

ينبغي الانتباه أيضا ، أنّ أكثر الأفكار الوضعية لا تختلف تماما عن ما تمّ إنزاله بالبرشوت ، ولذلك نرى التحالفات قائمة بين المتناقضات ، لأنّها في الأساس قائمة أيضا على أسس لا علاقة لها بالواقع اليومي للحياة الحية ، ولهذا نرى العرف أقرب الى التماهي بالغيبي .


ينبغي تحرير الرجل
-----------------------------------------

إنّ الخروج على العالم الذكوري يحتاج الى جرأة عالية جدا من الرجل كي يساهم في تحرير نفسه أولا ، فنحن بحاجة الى تحرير الرجل أيضا من هذا التوارث الجيني ( تكرارية السلوك والممارسة الذكورية ) ، أي أنّنا بحاجة الى بث وعي جديد بين الرجال ، أسوة بما يحدث حول تثقيف النساء باتجاه المطالبة بالحقوق .

إنّ تحرير المرأة وبقاء الرجل عبدا لأفكاره سيجعل العالم بشكل عام ، والمرأة بشكل خاص في مأزق اجتماعي لا يقل خطورة عن بقاء المرأة داخل المنظومة الذكورية ، سيتجلّى ذلك في ارتفاع نسبة جرائم غسل العار ، أو حتى جرائم قتل النساء أنفسهن خوفا من العار ، أو تعرض النساء للنبذ الاجتماعي كأوطأ مستوى للعنف .

وليكن واضحا أنّ التغيير يبدأ من التفاصيل الحياتية الصغيرة التي يتأسّس عليها موقف الزوج إزاء زوجته ، وابنته ، وأخته ، وأمه .

قد تبدو بعض التفاصيل تافهة في العين ، لكنّها كفيلة بكسر الصورة النمطية للمرأة والرجل داخل الذهنية الذكورية ، وكفيلة أيضا بجعل كفّة ميزان التغيّر هي الأثقل ، حمل صحون الطعام مثلا ، أو غسلها ، تنظيف البيت ، أسرة النوم ، ووو ، لقد كان الرجل - دائما - خارج البيت ، وقد حان الوقت لعودته الى العائلة .

وكما أنّ لكلّ فرد خصوصيته فإنّ لكلّ عائلة خصوصيتها .

ينبغي التركيز على أنّ الخصوصية هي النافذة التي تقود الى التغيير ، أي أنّ الحس الجمعي ، أو الرقابة الجمعية هيّ التي جعلت العائلة بنصفيها ( الرجل والمرأة ) يقعان فريسة فضول وتطفّل الآخرين ، وبالتالي منعت العائلة من تجريب أيّ تغيير خارج نطاق ثقافة العيب والحرام .

المرأة الذكورية
-----------------------------------------

يجب أن ننتبه ايضا الى الكمّ الهائل من النساء اللواتي يؤمنّ تماما بالمنظومة الذكورية كطريقة حياة ، فنحن هنا نقف أمام إشكالية أنّك تسعى لتحرير كائن بشري لا يرغب فعلا بالتحرّر .

وهذا يتطلّب منا بحثا متّصلا ( ميدانيا وليس مكتبيا ) عن الأسباب التي تقف وراء عدم رغبة الكثير من النساء بعملية التغيير .

في البرلمان الأردني مثلا عارضت النساء إصدار قرار يدين جرائم غسل العار ، لأنّ العقلية الرافضة - كانت ولا تزال - منضوية تحت مفهوم ( الشرف الذكوري ) !!

إذن ، قبل أن ندين الرجل علينا أن ننتبه للمرأة التي اقتنعت تماما بالصورة التي رُسمت لها ، بل بلغ الحدّ بها أن تعتبرها الصورة المثالية ، بل أنّها تقدّس الإطار كهويّة لذاتها ، بحيث أنّها تقف بعدوانية ضد كلّ ما من شأنه أن يزعزع هذه الصورة وهذا الإطار .

لا يمكن أن أنسى ردّ تلك المرأة الأورفلية في بغداد على كتابي ( تحطيم الأصنام - 2000 ) والذي كان تحريضيا نحو تحرّر المرأة ، عندما كتبت لي تدعو الله أن يحميها " من شرّ الأشرار وطوارق الليل والنهار " .

أقول : إنّ هذا يتطلّب منّا ، إن كنّا جادين في المضي على طريق التغيير ، أن نفتح باب الحوار مع نموذج ( المرأة الذكورية ) ، شرط أن نتحرّر أولا من التباس القصد حول الكثير من المقولات والمفاهيم ، أقول وأكرّر : علينا أن نتحصّن بوضوح المقولات والمفاهيم .

أقول ( نحن ) وأقصد كلّ من يسعى الى التغيير بحثا عن حياة أكثر عدالة اجتماعية ، وأكثر انفتاحا .

تحديد المفاهيم
-----------------------------------------

إنّ التشدّق بالمفاهيم دون فهمها الفهم الصحيح يخلق عماء في الرؤية والرؤيا ، وبالتالي يقود الى سلوكيات وممارسات تسيء للمفاهيم ذاتها ، وفي نفس الوقت تسيء لدعاتها الحقيقيين .

ينبغي التزام الشفافية في الطرح والقراءة ، كما يجب الحرص على الوضوح سواء أكان تنظيرا أم ممارسة ، لأنّ الانفتاح لا يعني الفوضى ، والحرية لا تعني انتهاك حقوق الآخرين .

مفهوم الحرية الشخصية
-----------------------------------------

كيف يمكن أن تمارس المرأة حريتها دون أن تسيء هذه الممارسة الى المرأة ذاتها ؟ ودون أن تعرضها الى النبذ الاجتماعي ، أو القتل أصلا ؟

ينبغي تحطيم المقولة الداعية الى كون " المرأة ناقصة عقل " ، وأنّها لذلك لا يمكن منحها حريتها ، أقول ينبغي تحطيم هذه المقولة لأنّ بعض النساء لهن عقل ألف رجل ( على حدّ تعبير ابن حزم الأندلسي ) .

وبالتأكيد فإنّ الثقل الأكبر يقع على المرأة ذاتها من أجل إزالة أو كنس هذه المقولة التي ساهمت في انحجاب المرأة طيلة الزمن الماضي . وعلينا أيضا أن نبادر الى تأثيث المقولة الضد سواء عند المرأة أو عند الرجل .

إنّ الحريّة الشخصيّة ليست دعوة للإباحية ، على العكس تماما إنّها دعوة الى تأسيس ( ذات ) تمتلك القدرة على ردع كلّ ما من شأنه أن يختزل المرأة في جسد وغرائز .

والقول بالحريّة الشخصيّة لا يعني أنّ على كلّ امرأة أن تمارس هذا الفعل ، أو ذاك الذي تمارسه الأخريات ، لأنّه في النهاية جزء من اختيارها الشخصي .

ينبغي أن نعي أنّ لكلّ كائن بشري خصوصيته ( قلت كائن بشري لأنّ الأمر يشمل المرأة والرجل معا ) ومن حقّ كلّ فرد أن يمارس خصوصيته ، دون أن نقوم - أو يقوم - بتعميم هذه الخصوصية ، إلا إذا امتلكت هذه الخصوصية سلطة التأثير لا الفرض ، لأنّها في النهاية تجربة ذاتية لا يمكن بلوغها عبر الكلام فقط ، بل عبر سلوك خاص ناتج عن حياة خاصة جدا .

الجنس كحريّة شخصيّة
-----------------------------------------

إنّ تقنين الجنس لا يمكن أن يتمّ بطريقة صحيحة إلا داخل إطار فهم الحريّة الشخصيّة ، إضافة الى فهم الذات لحريتها ( سواء أكانت الذات رجلا ، أو امرأة ) .

أي أنّ الجنس مسألة شخصيّة جدا ، ولا سلطة لأحد غير ( أنا الرجل / أنا المرأة ) على تحديدها وتقنينها .

وهذا يعني أنّنا مطالبون بدءا بانتشال الصورة السيئة داخل الفهم القبلي لمفهوم الجنس ، رفعه من كونه مسألة تخصّ ( الجماعة / العائلة / العشيرة ) الى كونه مسألة شخصية جدا .

لقد رأيت المرأة التي قطّعوها أوصالا ، ورموها في حاوية قمامة ، ولا ، ولن أنسى أبدا تلك المرأة التي قطّعوا أوصالها ، ورموها في طريق خارجي تدهسها السيارات طيلة الليل ، كما لو أنّها كلب .

إنتباه حاد رجاء
-----------------------------------------

ينبغي أن ننتبه الى أنّ كثيرا من جرائم القتل ارتكبت ، وترتكب بحقّ المرأة ، تمّ ، ويتمّ تغطيتها بمفهوم غسل العار ، رغم أنّ الكثير من النساء الضحايا بعيدات جدا عن هذا الفعل ، وهذا السلوك ، إلا أنّها وسيلة لحماية ( الرجل / القاتل ) .

ينبغي التصريح بقوّة أنّ المنظومة الذكورية وفّرت للرجل تبرير قتل المرأة ، وبالتالي أصبحت التهمة جاهزة دائما .

لا يعالج الوباء بوباء
---------------------------------------------

ينبغي كبداية - سواء أكان الحوار مع الكاهن ، أو مع المرأة الذكورية - أن نسلّط الضوء على ( وباء العنوسة ) الذي استفحل داخل جسد المجتمع ، باعتباره الصورة الخفية للطاعون الأسود ، وأن نركّز أيضا على أضراره النفسية والمادية على المرأة أولا ، وعلى الرجل أيضا ( من خلال تحوّل العانس الى عالة مستديمة ، وقلق مزمن يصعّد إحساس الرجل من كونه حارسا ، بل كما لو أنّ زواج المرأة استبدال حارس بحارس ، حتى تبدو حياة الرجل في النهاية امتدادا سخيفا لخفارات عسكرية لا تنتهي ) .

العنوسة نتاج القانون الغيبي تحديدا ، لأنّها المنطقة العمياء في منظومته المعرفية . وهي كمفهوم تعني إقصاء المرأة عن حاجتها الطبيعية للجنس ، أي أنّ العنوسة تعطيل لقانون خلقته الطبيعة ، أو خلقه الله ، وفي الحالتين هناك تجاوز لعدالة القانون .

ينبغي أن ننتبه هنا أنّ بقاء الرجل أعزبا هو موقف اختياري ، بينما عنوسة المرأة ليست موقفا شخصيا ، بل هي إجبار اجتماعي وليس اختيارا .

ينبغي التذكّر أيضا ، أنّ العزوبية لا تعني عدم ممارسة الجنس في المنظار الذكوري ( لأنّ الرجل يحقّ له في النهاية أن يشبع حاجته من الجنس دون أن يتعرض للمساءلة كالمرأة لأنّه رجل ) ، إلا أنّ العنوسة هيّ الإقصاء التام للممارسة .

وبالتأكيد أنا لا أطالب بمعاقبة الرجل الأعزب الذي يشبع حاجته الطبيعية من الجنس ، لكنّني ، أكشف هذا المزج ما بين الطرحين الذين يغلّفان المنظومة الذكورية ( العرف والغيب ) ، وكلاهما يشهر السيف على رقبة المرأة إن تجرأت على هذا الفعل .

أما ما تقوم به العانس في الخفاء ، فليس لي إلا ان أتذكّر قول صديقتي السعودية الجميلة التي ظهرت لي بلا حجاب على شاشة الانترنيت : غبي من يحافظ على القيود في غياب الرقيب .

وعلى فرض أنّ العانس تشبع حاجتها من الجنس في الخفاء ، على رغم أنف الحرّاس ، والشرطة ، والمراقبين ، فإنّنا مطالبون بالإجهار : أنّ الحياة أكثر سهولة ، وأكثر جمالا ، ومن الغباء أن نمارسها كعادة سرّية ، وأنّنا نستطيع أن نحرّر الحياة ، وأن نطهّرها من الأمراض الاجتماعية ، التي هي نتاج مراحل زمنية تجاوزها الوعي البشري .

ينبغي الخروج من الخفاء الى العلن ، ينبغي أن نمتلك جرأة البوح والتصريح ، وإلا فإنّ عجلات الوقت ستعبرنا الى ما لا نهاية .

لا علاقة للزوم المرأة دار أهلها ، أو خروجها الى العمل بمفهوم العنوسة ، رغم أنّ الأخير سبب مهم لها في حال تحرّر المرأة وبقاء الرجل عبدا لعقليته الذكورية ، لأنّ العنوسة مفهوم غيبي يسيّج حياة المرأة ، ويعيق تنفّسها .

إنّ علاج ( وباء العنوسة ) لا يتمّ بوباء الترويج لتعدّد الزوجات .
إنّ دفع الميسورين الى المبادرة بالزواج مثنى ، وثلاثا ، ورباع كما يجري الآن في السعودية العربية لتجاوز ( إشكالية ) نصف مليون عانس ، يمثّل الحلّ الإقطاعي للمشكلة ( يواصل الإقطاع طبيعته الاستئثارية الذكورية في الوقت الذي يطلب من الفقراء أن يكونوا إيثاريين ، وهو بهذا يبرهن النظام الذكوري مرّة أخرى أنّه نظام غير معني بالطبقات المسحوقة ، لكنّه يحمي ويساهم في إدامة حياة الذين يعيدون إنتاجه ) .

كما أنّ الدعوة لمفهوم ( تعدّد الزوجات ) ليست حلا أصلا ، لإنّها إشباع للشبق الجنسي لدى الأثرياء قائم على سلب الفقراء لا من المال فحسب ، بل على سرقة حاجتهم الطبيعية للجنس أيضا ، لأنّنا بالمقابل نرى ارتفاع نسبة عزوف الشباب عن الزواج بسبب التضخم الاقتصادي ، وبدلا من أن تبادر المنظومة الذكورية الغيبية بتحفيز الشباب على الزواج من خلال منحهم الضمان الاجتماعي ، وتسهيل فرص الحياة والزواج ، نراها تدفعهم الى حياة التقشّف والصوم ، في اللحظة التي تفتح الباب على مصراعيها للطفيليات التي تمتص دم الحياة .

إنّ فرض الوصاية الذكورية على المرأة هو الذي يجعلها تتحوّل سلعة للبيع ، وما المهور الباهضة إلا متاجرة بها ، وعقبة يساهم فيها الأغنياء ( لأنّ الإنسان الذكوري مجبول على التقليد ) .

ينبغي التصريح هنا ، أنّ الدعوة الى مفهوم ( تعدّد الزوجات ) ينبغي أن تصاحبها تماما الدعوة الى مفهوم ( تعدّد الأزواج ) ، هكذا فقط يتمّ ( تصعيد الغباء ) الى أقصاه ، لأنّ الأسباب الفقهية الدافعة الى زواج الرجل على امرأته :

1- كون الزوجة عاقرا .
2- كونها مصابة بمرض خبيث .
3- كونها لا تشبع حاجة الرجل الجنسية ، رغم ان الحكمة العربية تقول : " ثلاثة لا تشبع من ثلاثة ، عين من نظر ، وأذن من خبر ، وأنثى من ذكر " فالرجل هو الذي لا يشبع المرأة حاجتها الجنسية .

أقول : إنّ هذه الأسباب يمكن توفرها في الرجل أيضا ، وبالتالي من حقّ المرأة أن تطالب بالزواج مرّة أخرى وأخرى ، لا أن نجبرها على أن تطلب الطلاق ، وبالتالي يتمّ اعتبارها امرأة من الدرجة الثانية داخل المنظومة الذكورية ، إضافة الى الصورة النمطية السيئة التي تغلّف المرأة المطلقة بدءا داخل الذهنية الذكورية .

في المجتمع العراقي القديم ، وكعرف اجتماعي وقانوني أيضا ، وكحل لموضوعة عقم الرجل ، يحقّ للرجل العقيم أن يسمح لأحد أقربائه أن يمارس الجنس مع زوجته ، فإذا حملت منه يسمى الإبن باسم الأب المربي العقيم ( لقد كان هذا حلا اجتماعيا ولا عار على الرجل والمرأة معا إن قاما به ) .

ثمّ أنّ طرح مفهوم ( تعدد الأزواج ) ليس غريبا على العرف العربي ، فقد كان هناك ( زواج الرهط ) الذي يقابل ( تعدد الزوجات ) ، وكانت الموازنة قائمة ، وكان هناك حلّ اجتماعي لمفهوم النسب ، ولم يكن هناك شعور بالخزي إذا نسب الإبن باسم أمه ، لقد كان ( عمرو بن هند ) لا شاعر قبيلته فقط ، بل كبيرها أيضا .

بل كان من حق المرأة التي لا زوج لها أن تقيم علاقة حب أو صداقة مع رجل تختاره ، والحب والصداقة يتضمنان الخلوة دون المساس بالجسد ، وكانوا يقولون للصديق ما فوق السرّة وللزوج ما تحتها ( أقصد من هذا الطرح أنّ الرجل العربي كان أكثر استيعابا لحاجات الجسد سواء للرجل أو للمرأة ، لذا كان يتحرّك ضمن هذا الاستيعاب دون الشعور بالعيب أو العار ) .

ولم يرد في كتب التأريخ العربي كلّها أنّ امرأة عربية بقيت عانسا قبل هيمنة ( القانون الغيبي ) بفرض القوّة لا التأثير .

أكرّر ينبغي تصعيد الموقف الى هذا الحدّ ، لأنّ المنظومة الذكورية الغيبية التي تتجاهل المشكلة - منذ زمن الخرافة الى الآن - لا يمكن لها أن تنتبه لما فيها من ممارسات ظالمة وجائرة إلا إذا تمّ سحبها الى مناطقها العمياء ، وهذا لا يتم إلا إذا جعلناها - كمؤسسة - تنزل الى الشارع ، الى الحياة اليومية ، إلا إذا جعلناها تقف أمام مرآة الواقع الحي وليس ما وراء المرآة .

إلا أنّ الحل الحقيقي للمشكلة لا يتم إلا إذا رفعنا الوصاية الذكورية عن المرأة والرجل معا ، وتوصلنا الى أن لا أحد يحق له تقنين الجنس سوى الفرد نفسه داخل مفهوم الحريّة الشخصيّة .

ينبغي أن تصوغ الحياة المدنية قوانينها ، لكن قبل كلّ ذلك على الشارع أن يتمسّك بحياته ، وأن لا يتنازل عنها .

أعتقد أنّ تفجير ( وباء العنوسة ) كفيل بنسف المنظومة الذكورية الغيبية كلّها داخل المجتمع ، لعجزها التام عن إيجاد حلول حقيقية لها ، لسبب بسيط هو أنّ الحلول تتجاوز حدود أنفها .

إنّ المرأة بكلّ صورها وتمثّلاتها ، سواء أكانت المرأة العانس ، أو المرأة المطلّقة ، أو المرأة الأرملة ، وحدها القادرة على تقنين الجنس مرّة أخرى - الآن تحديدا -لأنّها تمثّل النسبة الكبرى في المجتمع .

مفهوم حرية المرأة
----------------------------------------------

ينبغي على النساء إذن أن يخرجن ، لا من ثيابهن ، فهذا خروج شكلي ( قشري ) لا يمثّل الذات بشكل كلّي - رغم أنّني لا أعترض على أيّ خروج يمكن أن يساهم في بلورة وتعميق الذات ، ويلغي انحجابها ( أدعو هنا الى استبدال كلمة الحجاب بالإنحجاب لأنّه يمثّل التجسيد الحقيقي لانحجاب المرأة داخل الذهنية الذكورية ) - ينبغي الخروج على العقلية المنغلقة ، ينبغي الخروج على الأفكار التي تعلّب المرأة ، وتختزل حياتها في مفردات قليلة ( إختزال في الحركة ، إختزال في الرؤية تطال المضمون والشكل معا ، وتتدخّل في الذائقة ، وفي طريقة الإحساس بالأشياء والعالم ) .

خروج المرأة الى العمل خطوة في اتجاه استقلاليتها ، ثمّ أنّ عمل المرأة يلغي مفهوم ( قيمومة الرجل ) عليها ، من هنا ينبغي التركيز على عمل المرأة ، والإسهام في توفير الفرص لها ، أما في حالة بقائها ربّة للبيت فينبغي عدّها ضمن العاطلين عن العمل ، وأن نطالب لها بحقّها من الضمان الاجتماعي ، ينبغي المساهمة في قتل الشعور الداخلي للمرأة من كونها عالة على الرجل ، وأنّها لا تستطيع أن تمارس حياتها دون الاعتماد عليه ، وينبغي أن نبثّ لديها وعيا جديدا يقوم على خلاصة دقيقة تنص : أنّ تحرّر المرأة اقتصاديا هو نافذة لتحرّرها الثقافي والاجتماعي .

ومن ضمن تحرّرها الاقتصادي مساواتها للرجل في حقّ الإرث ، فإذا كان العرب قبل الحنيفية قد سلبوا حقّ المرأة كلّه ، فإنّ الحنيفية قد وهبتها نصف الحقّ لأن المجتمع الذكوري وقتذاك كان لا يحتمل أكثر من ذلك ، وقد صرّح النبي أيضا : أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم . وهيّ إشارة الى أنّ القوانين ليست جامدة ، بل متحرّكة مع تحرّك العقلية البشرية .

ينبغي التصريح أنّ الرجل في المجتمع الذكوري يعيش الحياة بالنيابة عن المرأة ، إنّها امرأة ، لكنّها تعيش داخل ذهنية رجل .

وأعتقد أنّ المطالبة بالحريّة الشخصيّة هي مطالبة بالتحرّر من انفصام المرأة الأزلي .

ينبغي الخروج بأفكار أخرى نحاول من خلال الممارسة تحويلها الى ذائقة ، أعرف أنّ الأمر ليس بهذه السهولة ، إلا أنّ الحياة تستحق احترامها ، واعتقد أنّنا لم نمنحها حقها من الاحترام أبدا .

ثمّ ، إنّ الخروج - من الذهنية الضيّقة التي تغلّف الحياة اليومية - لا يبتعد كثيرا عن مصلحة الرجل أساسا ، لأنّه في النهاية يجعل الحياة أكثر انفتاحا ، وبالتالي أكثر تجدّدا ، لأنّه الخروج يعني أنّ غدا لن يكون كاليوم ، وأنّ اليوم ليس كالأمس ، هكذا يكون لكلّ يوم هويته الخاصة أيضا ، وبالتالي قيمته ( محاولة في استعادة القيمة ) .

ينبغي عدم الخوف من الحرية الشخصية ، وهذا لا يتمّ إلا إذا ما انتبهنا الى منابع تأجيج الخوف من الحرية الشخصية ، ولا أقصد إلا المؤسسات القائمة على مفهومي ( العرف والغيب ) .

في البدء سيكون الخروج صعبا - رغم دخولنا في القرن الواحد والعشرين - فالمجتمع الذكوري يؤطّر النافذة ، ولا يسمح بالخروج على أطر تناقلتها الجينات الذوقية عبر طبقات الزمن المترسبة ، بل يعدّ الخروج انتهاكا وجرما ، ولا أريد أن أقول بالتكفير ، فهذه أوطأ مستويات القراءة ، رغم أنّه أكثرها اندلاقا على الأرصفة ، وفي الحجرات .

ينبغي استبدال الحياة بحياة أخرى ، حياة لا ينتصب الموت فيها بدل أعمدة الكهرباء ، حياة تقوم على الاحترام المتبادل ، وتقوم أيضا على غسل العقول من الأفكار الضيّقة .

أنا على يقين من أنّ النهر يجري الى حياة أخرى ، إن لم تكن الى البحر فإلى الغيوم ، ليس ثمّة شكل واحد للحياة ، والطبيعة أبلغ معلّم لمن يريد التعلّم .









الفهرست
----------------------------------------------

1- تمهيد
2- ينبغي تحرير الرجل
3- المرأة الذكورية
4- تحديد المفاهيم
5- مفهوم الحرية الشخصية
6- الجنس كحرية شخصية
7- انتباه حاد رجاء
8- لا يعالج الوباء بوباء
9- مفهوم حرية المرأة
10- الفهرست










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثورة 30 يونيو.. تمكين المرأة المصرية فى كل القطاعات.. البرلم


.. مهرانج البلوش على مدار 70 عاماً يشهد شعب البلوش أكبر المآسي




.. تصريحات الأسرى الإسرائيليين الذين تمت استعادتهم تشغل الشارع


.. ثعبان عملاق يبتلع امرأة في إندونيسيا




.. نائبة حركة الشبيبة الثورية بإقليم شمال وشرق سوريا روناهي حسي