الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل الدين عن الدولة

ابراهيم الحيدري

2014 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




فصل الدين عن الدولة من القضايا التي تثير اليوم جدلا ونقاشا واسعا. ففي الوقت الذي اصبحت فيه من المسلمات الاساسية في المجتمعات الديمقراطية الحديثة، تحولت في المجتمعات العربية اليوم الى اشكالية مثيرة للصراع الاجتماعي والسياسي، وخاصة بعد صعود الاسلاميين الى السلطة. ولذلك يصبح من الضروري توضح سوء الفهم والالتباس بين هذه المفاهيم وطرحها للبحث والمناقشة وذلك لحداثتها وحساسيتها وعدم استيعابها من قبل البعض وكذلك ما يحيط بها من احكام مسبقة وتأويلات غير موضوعية. وإذا رجعنا الى أصول فكرة فصل الدين عن الدولة وخلفيتها التاريخية، نجد ان الأصل هو فصل الكنيسة عن الدولة. وهذا الفصل هو في الحقيقة وليد عصر النهضة والتنوير والحداثة في اوربا التي عرفت الفصل بين الزمني والروحي، أي بين الحياة الدنيوية والحياة الدينية، لان لكل منهما فضاءه الخاص به.
بعد تفكك وانهيار علاقات الانتاج الاقطاعية التي دعمت سلطة الكنيسة والصراع العنيف بين الدول القومية الجديدة والكنيسة تفجرت حركات الاصلاح الديني التي اطاحت بسلطة الكنيسة والكهانة مدعومة من قبل الدول القومية الجديدة. وكانت في مقدمة تلك الحركات الدينية الاصلاحية الحركة البروتستانتية بقيادة مارتن لوثر 1483-1546 التي تفجرت في وسط اوربا والحركة الطهرية التي قامت في بريطانيا والاراضي المنخفضة.
وكانت الكنيسة الكاثوليكية دولة داخل دولة تحتكر المعنى الديني وتكفر كل من يخالفها مثلما تحتكر المعنى الاجتماعي والسياسي والثقافي، اضافة الى احتكارها المعنى الاخلاقي. كما فرضت الكنيسة سيطرتها وأبوتها على جميع الناس بسبب ما فرضته عليهم من ضرائب مالية عالية وواجبات كثيرة وما ادخلته الى الدين المسيحي الاصلي من بدع ومفاسد كصكوك الغفران وغيرها.
من ذلك التاريخ رفع الشعار الذي ورد في الانجيل المقدس: " اعطي ما لقيصر لقيصر واعطي ما لله لله ".
ان منظومة القيم التي دعي اليها مارتن لوثر غيرت مجرى التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في اوربا وقامت الى جانب الايمان بالإرادة الالهية، على السيطرة على الذات وانضباط النفس والتحكم بها، لان السلوك الديني والاخلاقي الرشيد ينبغي ان يلتزم بطهارة النفس التي بموجبها يمكن للانسان ان يقترب من الله. وهكذا افرز الصراع مع الكنيسة حركة تحرر وانعتاق من سلطتها وافكارها الكهنوتية، وتحقق ولأول مرة في التاريخ، فصل الدين عن الدولة او ما يطلق عليه في واربا بمفهوم "العلمانية".
والعلمانية، بفتح العين، مشتقة من كلمة العالم، بفتح العين. وهي مفهوم ليبرالي يشير الى فصل الدين عن الدولة والمجتمع المدني عن المجتمع السياسي، بمعنى ان لا تمارس الدولة أية سلطة دينية، وان لا تمارس الكنيسة والجامع والمعبد أية سلطة سياسية ايضا.
هذا التعريف مشتق ايضا من المقولة الشهيرة التي صاغها محمد عبده:" لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" وكذلك مقولة سعد زغلول الشهيرة ايضا: "الدين لله والوطن للجميع".
ومن هنا يصبح لدينا نوعان من الدول، واحدة علمانية واخرى دينية. والدولة العلمانية الحديثة هي السائدة في العالم اليوم التي لا تتدخل في الشؤون الدينية ولا تسمح لرجال الدين بالتدخل في الشؤون السياسية ولا تطبق سوى القانون الوضعي.
الدولة الدينية هي التي تضع السلطة والقوة بيد الله، بمعنى الحاكمية لله وحده، وهي النواة الاساسية التي يقوم عليها المشروع الاسلاموي، أي الدولة الدينية التي تطبق الشريعة على الارض وليس القانون الوضعي الذي يضعة العقل البشري.
الدين لله والوطن للجميع
يعني فصل الدين عن الدولة أولا عدم اخضاع الفعاليات السياسية والاقتصادية لاحتكار أية سلطة دينية مستقلة عن المجتمع. ومعنى السلطة هنا هو احتكار فئة متميزة بذاتها تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة بشؤون الدولة وفعالياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وثانيا لا يعني فصل الدين عن الدولة، فصل الدين عن المجتمع، وانما عدم السماح لرجال الدين ووعاظه استغلال المبادئ والقيم الدينية النبيلة لإشباع حاجاتهم ومصالحهم الخاصة وتوظيفها في المجال السياسي والاقتصادي وغيرهما، انطلاقا من حقيقة انسانية عامة وشاملة هي ان " الدين لله والوطن للجميع".
فصل الدين عن الدولة يعني ان يكون التشريع نابع من استقلالية مجلس التشريع القائم على الدستور. والدستور هو تشريع وضعي ينظم دولة المواطنة، بمعنى ان الجميع متساوون امام القانون بصرف النظر عن الدين والمذهب واللون والجنس والأصل او العرق، فكل الناس متساوون امام القانون في الحقوق والواجبات.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو: هل يعني فصل الدين عن الدولة تنحية الدين عن الحياة الاجتماعية؟ بالطبع لا، لان الدين، تاريخيا واجتماعيا هو من أهم المكونات الهامة للقيم والشعائر والطقوس التي تنظم شؤون الحياة الاجتماعية والدينية. ان فصل الدين عن الدولة والسياسة يعني احترام الدين وقيمه الروحية وهو يعني ايضا حماية الدين والعقيدة من العابثين بهما وعدم السماح باستغلال الدين والشعائر والطقوس من اجل اشباع المصالح الخاصة، وبصورة خاصة من وعاظ السلاطين الذين يستغلون الدين من اجل تحقيق اهداف المستبدين والمتسلطين على رقاب الناس عن طريق رفع شعارات "دينية" لاستغلال عواطف الجمهور. وبالتالي الحيلولة دون التحول الى دولة دينية لا تعترف بالاديان الاخرى ولا تعطيها حقوقها كاملة. كما ان اقحام الدين في السياسة يهدف دوما الى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية والى اقصاء الاخر عن الساحة.
الدين يعني قبل كل شيء علاقة روحية بين الانسان وربه دون أية وساطة من أحد، فهو ليس نظاما سياسيا وانما هو نظام اجتماعي جاء لتنظيم حياة الانسان الروحية.
الدولة المدنية الحديثة
الدولة المدنية لا تعني ابدا منع المواطنين من ان يكونوا مؤمنين ومتدينين ويقيمون الشعائر والطقوس الدينية. فهي تعطي المواطنين الحرية الكاملة في العقيدة وممارسة الشعائر والطقوس الدينية.
والدولة المدنية هي دولة القانون والمجتمع المدني، هي الدولة الحديثة التي تقوم على اساس مفهوم المواطنة. ففي ظل دولة القانون والمجتمع المدني لا يكون هناك تمييز او اقصاء لأي فرد. لأنها تقوم على احترام حقوق الانسان وعلى التعدد والتنوع والاختلاف، فلا تفرق بين المواطنين ولا تسمح لاية سلطة بالتدخل في شؤونهم.
الدولة الحديثة هي جهاز اداري وسياسي وقانوني ينظم الحياة داخل المجتمع، أي ان دور الدولة ووظيفتها هما تنظيم سير الحياة في المجتمع، وعليها ان تكون محايدة وان لا تتبنى دينا او عقيدة معينة. وحتى تكون محايدة، خصوصا في دولة تتعدد فيها الاديان والثقافات، يجب عليها فصل الدين عن الدولة، لانه إذا كان للدولة دين معين، فسوف تلغي بالضرورة حقوق اصحاب الديانات الاخرى، الذين لا ينتمون الى هذا الدين او هذه العقيدة، بل ومن الممكن ان تضطهد اصحاب الديانات الاخرى او تهمشهم.
ولهذا يصبح فصل الدين عن الدولة خطوة هامة لكي تضمن الدولة حرية واحترام حقوق الانسان وكذلك احترام دياناتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ ابراهيم الحيدري المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2014 / 3 / 12 - 10:14 )
تحية و سلام و محبة و احترام
تحية و سلام و محبة و احترام
هل العلمانية بفتح العين ام كسرها
بفتحها تقول من العالم...ما علاقة العلم بالموضوع؟ أليس الاقرب هو بكسر العين لتكون من العلم؟
تقول :
الدين، تاريخيا واجتماعيا هو من أهم المكونات الهامة للقيم والشعائر والطقوس التي تنظم شؤون الحياة الاجتماعية والدينية
الدولة الحديثة هي جهاز اداري وسياسي وقانوني ينظم الحياة داخل المجتمع، أي ان دور الدولة ووظيفتها هما تنظيم سير الحياة في المجتمع،
فصل الدين عن الدولة
لو نستعيض عن الدين بما ورد اعلاه :
(الدين، تاريخيا واجتماعيا هو من أهم المكونات الهامة للقيم والشعائر والطقوس التي تنظم شؤون الحياة الاجتماعية والدينية) انتهى
و عن الدولة ب : (تنظيم سير الحياة و المجتمع) انتهى
نحصل على التالي :
فصل (( اهم المكونات الهامة للقيم و الشعائر و الطقوس التي تنظم شؤون الحياة الاجتماعية و الدينية) عن (تنظيم سير الحياة و المجتمع)
ماذا سينتج؟
يتبع لطفاً


2 - الاستاذ ابراهيم الحيدري المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2014 / 3 / 12 - 10:16 )
اكرر التحية
اعتقد ان هناك بعض اللبس في ( فصل الدين عن الدولة) و الربط بين الدين و الدولة
الدين يعتنقة اهم مكون من مكونات الدولة هو الشعب فكيف نفصل ذلك عنها
الفصل قد يعني القسر و القسر قد يدفع الى الرد بالقسر لينتج قسر
تقول :( من ذلك التاريخ رفع الشعار الذي ورد في الانجيل المقدس: - اعطي ما لقيصر لقيصر واعطي ما لله لله -.) انتهى السؤال هنا : من يقرر ما لقيصر و ما لله...ان كان قيصر سوف لن يعدل و ان كان الله سنعيد للأديان تأثيرها و حكمها.
اعتقد الافضل هو اعتبار الدين سلطة و يتم التعامل معه بفصل السلطات لتكون لنا خمسة سلطات يتعهدها قانون منبثق من شرعة حقوق الانسان و هي السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية و الصحافية و الدينية
في هذا تتساوى الصحف والاحزاب و الاديان و الطوائف و القوميات و تستضل بظل القانون المتفق عليه و بذلك تكون الدولة شامله للكل
دمتم بتمام العافية

اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر