الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما يتخثر الشعر ، يرتجف اليومي.... نزول سقراط الشعر في قاع المدينة قراءة في ديوان الشاعر حسين علي يونس ( أمل يمر)*

حيدر علي سلامة

2014 / 3 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعد إشكالية "اليومي وثقافته" في خطابنا الفلسفي والثقافي الراهن، واحدة من الإشكالات الفلسفية والابستمولوجية المنسية، التي لم تأخذ حقها بعد، من حيث البحث والكتابة والاستذكار والتنظير الفلسفي. وهذا يعود في احد أسبابه الكبرى، الى سيطرة الفلسفات النَسقية/والايديولوجية، التي طالما عملت على تهميش واستبعاد "لسانيات الوجود" ولغته اليومية الممتزجة بصخب الضجيج السائد ودخان التفجير الدامي. لذا، نلحظ ان الفلسفة ظلت منشغلة في إنتاج "انويتها المتضخمة" منذ نشأتها والى يومنا هذا، ولم تفكر يوما في أن تتجاوز تلك "الأنوية الاستعلائية/المتغطرسة" الى حد التعالي الميتافيزيقي.
وفي حضرة ذلك الإفلاس الفلسفي، يظهر الشعر من بعيد، من قبل أناس طالما همشتّهم ماكينة "المد الايديولوجي والنخبوي" على مدار الحِقب وتحولاتها الثقافية والسوسيو-سياسية، أناس، طالما التزموا الصمت في زمن "الضجيج الحزبوي والانتماء الاعتباطي". ليهبط الشعر في قاع المدينة لإعادة استئناف سؤال "اليومي/السياسي" بعدما غاب من أدبيات الفلسفة والنقد الأدبي السائد.
في ديوانه الأخير (امل يمر) يحاول الشاعر "حسين علي يونس" إعادة اللحمة بين الفلسفة/واليومي**، والشعر/واليومي، بعد ذلك التاريخ الطويل من العداء الافلاطوني للشعر والشعراء، أولئك الذين استبعدهم أفلاطون من جمهوريته، لان بلاغة الشعر هي الأقرب الى هموم العامة وعصب المدينة، والخارجة عن أسوار "الميتافيزيقا المتعالية" المؤسِسة لجمهوريته. حيث وقف أفلاطون بالضد من بلاغة الحجاج اليومي بعد إعدام فيلسوف المدينة سقراط، ظنا منه، ان تلك البلاغة هي التي كانت تقف خلف إعدام سقراط. الأمر الذي جعله يشن هجمة شعواء على "الفلسفة السفسطائية" وفلاسفتها الحجاجيين، لُيعيد بذلك الأمن والسلام الى تلك المدينة بعدما انتشرت عدوى حمى الحجاج وجدل الحوار بين جمهرة العامة المستبعدين من فضاء التواصل. وبذلك يكون افلاطون قد عمل على تدجين المدينة من جديد، وإعادة الأمن إليها، لكن هذه المرة ليس من خلال "بلاغة الحجاج الفلسفي/السقراطي/السفسطائي"، بل من خلال اداة "العنف الرمزي الميتافيزيقي" الذي يُوحد الجميع تحت قبته المتعالية، حيث ثبات الحقائق والخلائق واللغة وأشكال التواصل الأخرى، التي تنتهي جميعها بنظرية الأشكال الصورية المفارقِة للعالم الحسي/اليومي. هكذا يصبح العالم قرية إيديولوجية واحدة...!!!
شكلّت لغة الشاعر "حسين علي يونس" قطيعة ابستمولوجية مع موروث الكتابة الشعرية السابق عليه من جهة، وموروث الفلسفة القار والسائد من جهة أخرى. فهو يستعمل لغة شعرية جديدة، هي "لغة التجوال والترحال" لغة بلا وطن لكنها تسكن في قاع الوطن؛ لغة بلا انتماء لكنها تأسس لتاريخ الانتماء؛ لغة بلا لغة، لكنها تصرخ بلغات المارة والمنسيين على قارعات الطرق والكادحين تحت أنين الوجود وثقله الجاثم على صدورهم منذ الأزل :
على الجسر يلمع درهم
تحته
تكدح الحياة.

هكذا، تأخذنا لغة الشاعر، رويدا رويدا، لتشخص لنا مشهد اليومي والسائد والمبتذل، الذي اصبح يشكل قاع الحياة وانطولوجيا المدينة التي تستحم بنفاياتها :

في شوارع بغداد تتكدس النفايات
مثل قرون
في كبد الكون.

لم يكن الشاعر معني بتاريخ الشعر وتاريخ صنعته وبلاغته الأيديولوجية، بقدر انشغاله بإعادة اكتشاف "لغة العصر الجديدة" – باعتبار أن الشاعر ابن عصره- وشاهد حي وصادق لتاريخ تحولات زمنه وانحلال ثقافته الآسنة والآخذة بالتمأسس بكل ماهو تراجيدي يعج بالوجع والقحط الأزلي :

أردت أن اكتب مرثية عن الحياة، لكني كنت مخطئا،
هكذا أضحت نبرتي حزينة وتسرب
أحزانها الثقيلة.
لقد تحررنا
لكن قلبك أيتها الحياة الذي حملته العاصفة
جر زمنا هائلا
من القحط.

فما بين زمن القحط، وتراجيديا الوجود، يعيد الشاعر استذكار الأرض، لكن عن أي ارض تحدث الشاعر ؟ وكيف هي الأرض ؟ :

برسيم في غمرة يأسه
يجر وجه الأرض.

هكذا تتشكل لغة وعلامات الشاعر، إنها لغة تصرخ باليومي وعذاباته الماضية والراحلة والقادمة، إنها لغة لا تتحدث عن "بنيتها الداخلية ونظامها الخاص" وذلك لأنها تكتشف آخريتها من خلال تراجيديا الذات،التي هي صيرورة عذابات لامتناهية :

من اجل تقليل وسائل عذابه يجر الإنسان سلال سهده.
والملاحظ ايضا على "لغة الشاعر" إنها تتحرك بعفوية علاماتية، حيث تَعاصُر "لغة الأزمنة" هو اهم ما ميز مجموعته (امل يمر). بل ان العنوان المقترح،هو في حد ذاته يمثل "لحظة زمنية" ينتظر الشاعر قدومها، فالأمل يمر/والوجود قد يحل؛ او قد يعبر، او قد يتحول الى ماضي/الماضي :
كنت اتأمل رقدتك على الأرض
أيها الماضي
عندما كانت النجوم تتجمع
تحت غيمة دموعنا
وبين طيات أرواحنا
أيها الماضي
عندما كنا نتأمل،
حقول حياتنا
التي تتطاير
طوال حياتنا ايها الماضي.

هنا، نلاحظ كيف ان لغة الشاعر جمعت بين كل من : سيمياء التأمل/ولغة الحياة اليومية ومراراتها المتكررة وتاريخ أوجاعها الراقد في بنية وقاع الأرض. بعد ذلك، ينتقل بنا الشاعر الى وصف "سوسيولوجيا لغة الوجود اليومي"*** حيث نظام علامات هذا الوجود القابلة للتشظي والتبعثر في اي لحظة، ليتحول الى ذكرى موجِعة ومؤلمة :

عمال المساطر
يتجمعون
كالذكرى.

الهوامش
(*)حسين علي يونس : ديوان ( امل يمر )، دار مخطوطات-هولندا، الطبعة الاولى، 2014
(**)للمزيد يُنظر :
E. Levinas : Langage quotidien et rhétorique sans éloquence, un essai dans studia philosophica (Le quotidien et la philosophie), Vol.40 /1981,Verlag paul haupt bern und stuttgart-Switzerland,pp 165-171

(***)للمزيد يُنظر :
Henri Lefebvre : Le Langage et La Société, Gallimard-Paris, 1966








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن