الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله وجلال الدين الرومي (1/2)

شيماء ملا يوسف

2014 / 3 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الله في القرآن يصف نفسه بالعادل، الحي، القادر على كل شيئ، الرحمان، ونحن نعرفه من صفاته وأسمائه، ولكن ما هو الله؟ هذا ما وراء ادراكنا.
ومن هنا، نُفرّق بين ذات الله من جهة وبين أسمائه وصفاته من جهة ثانية. والفرق بينهما ليس بسبب اختلاف وجودي، بقدر ما هو اختلاف في المفهوم. فالذات الإلهية واحدة، لكن الصفات كثيرة وهي كلها تتطابق مع الذات وتدل عليها، حتى الصفات التي تجمع الضدين. فأحيانا نتساءل كيف يكون هو الأول ويكون هو الآخر؟ وكيف يكون غفورا ويكون منتقما؟.
بهذا، نحن لا نعرف الذات الإلهية، ولكننا نعرف أسماءه وصفاته، ومعرفتنا به لن تكون من خارج العالم، بل من خلال العالم والموجودات سواء بظهورها بصورها أو بمعانيها الباطنة، لأنها الوسيلة الممكنة المتاحة بالنسبة لنا.
(في الحديث القدسي: كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق فبي عرفوني). عندما أحب الله-تعالى- أن يرى نفسه، وأن يُعرف، خلق العالم فتجلى به ليرى نفسه من خلاله، واختار منه الإنسان ليكون على صورته-تعالى- . (هو يقول " كنتُ كنزا مخفيا" هل سمعت؟ اجعل من نفسك من مظاهر "تجليه") . / مثنوي 4

أصبح الإنسان في هذا العالم، كالروح بالنسبة للجسد، إذ العالم مرآة، والإنسان به مجلى الحقيقة الإلهية، بما فيه من استعداد خاص للفهم والادراك. أَوَليس هو الجُرم الصغير الذي فيه انطوى العالم الأكبر كما قال الإمام علي؟ أَوَليس هو الذي خلقه الله على صورته كما قال النبي محمد؟ مع الاعتبار أن الصورة ليست المادية، لكن من ناحية اجتماع الأسماء الإلهية فيه.
(اعلم، أن الخَلْق كالماء الصافي النقي، من خلالهم تنعكس الصفات الإلهية وبهم تشرق-الصفات-.
علومهم، عدالتهم، لطفهم، كلها كواكب في الأفلاك انعكست على الماء الجاري.
العدالة هي العدالة، ولكن معرفة الناس بها هل التي تتغير.
أقوام تأتي وأقوام ترحل، و"لكنه" أزلي وأبدي.
الماء الجاري يتغير مرات ومرات، ولكن انعكاس القمر والأفلاك يبقى..
كل الصور تنعكس في الماء، ولكن عندما تُفرك عينيك، فلن ترى إلا "هو"). /مثنوي6
لقد (نهانا النبي محمد عن البحث في ذات الله،
ذلك أن البحث عنه ، بحث في عقل المُفَكّر وليس في "عقله" المُفكّر به) . /مثنوي 4
لكن (لأن ليس لديك القدرة على تحمل ذاته، ادرعينيك نحو الصفات.
وإن لم تكن ترى الاتجاه، انظر للنور في الجهات). / ديوان

وإن كنا لا نعرف الذات، ولكن يمكننا الوصال(وأن إلى ربك المنتهى) 42:53، وفي الوصال لن تحتاج أن تعرفه بأدلة وآيات، فالمعرفة قلبية.
(إنك تنظر في الجهات، أما أنا فقد تحررت من الاتجاه.
وهل في الوصال مكان للآيات والبينات؟
فحينما يكون الواصلون غارقون في الذات، فكيف يتجهون بأنظارهم نحو الصفات؟
إذا ما أصبح رأسك في قاع النهر، فلِم تكترث بلون الماء؟
وإن عدتَ من قاع النهر إلى النظر للون الماء؛ كنت كمن أخذ ثوبًا خشنًا لقاء فراء ناعم). /مثنوي 2
ف (لا أحد غيره يعلم ذاته ولكن نعلمها من خلال آثاره.
فالطفل لا يعلم جوهر الجماع، إلا إن قلت له: إنه شئ يشبه الحلوى.
لكنك أيُّها العاقل، تدري أن لذة الجماع لا تشبه لذة الحلوى). / مثنوي3

الله خلق الخلق ليُظهر الكنز المخفي، ونحن نرى أن كل ما في الكون يرتبط بعلاقات تجعل الكنز يظهر من خلال آثاره، فإن كنا لا نعرف الذات ونراها، لا يعني هذا عدم وجودها، كما أننا نشعر بحرارة المكان دون رؤية مصدر الطاقة به، أو عندما نتنفس، فنحن لا نرى الهواء الذي نتنفسه، لكن لا يعني عدم وجود هواء، وكذلك عندما نفكر وننطق بما فكرّنا به، فصار الكلام هو الأثر لنتيجة أفكارنا، وإن كنا لا نرى أفكارنا ولا نعرف مصدر الفكر.
(كل عمل تعلمه يكون عقلك معك عند عمله ويشرع في ذلك العمل، وبرغم ذلك لا يمكنك رؤية العمل، ولكن ترى أثره. فإنك لا تستطيع رؤية ذاته، ولكنك ترى آثاره. ذهب شخص إلى الحمام فأحس بالحرارة. أينما دار في الحمام يحس بالحرارة. لكنه؛ لا يرى النار، وعندما يخرج ويرى النار عيانًا يدرك أنه أحس بالحرارة بسبب النار، يعرف أن حرارة الحمام أيضا إنما كانت من النار). /فيه مافيه
وكذلك (هذا النفس الذي منك في عملية الزفير، يكون مرئيا في الشتاء، أما في الصيف فلا يكون مرئيا. وليس هذا لأن النفس ينقطع في الصيف، ولا يكون ثمة في النفس). /فيه مافيه
(واعلم أن الصورة تقفز من المعنى كالصوت والكلام من الفكر.
فهذا الكلام وهذا الصوت انبعثا من الفكر، وأنت لا تعلم أين بحر الفكر.
ولما تدافع من المعرفة موج الفكر، جعلت له صورة من الكلام والأصوات.
الصورة قد ولدت من الكلام ثم ماتت، فعاد الموج من جديد إلى البحر.
إن الصورة قد خرجت من اللاصورة، ثم عادت إلى من نحن إليه راجعون). / مثنوي 1
أنت لا تراه ولكن ترى (تمايل السفينة يخبرك عن سطح البحر.
كما أن حركة الناس تخبر الرجل الاعمى أنه في منتصف النهار). /ديوان

السؤال حول وجود الله أو رؤيته ب"أين الله؟" سؤال خاطئ. فالأين تكون لما له وجود مادي متعين بالزمان والمكان، ولكن الله خارجهما، فكيف نسأل: أين "هو" ؟ ذلك أن الله في التصور الشعبي يتم الكلام عنه وكأنه شخص يشعر ويحس ويفكر ويقرر ويريد ويحب ويضع تصميم لهذا العالم كما يضع المهندس تصميم المنزل، وهذه الحالات كلها تشبه حالات ذهن الإنسان الواقع في إطار الزمان. عندما تتغير مشاعري و تتبدل من الغضب إلى الحب، من التفكير إلى الفعل هذه حالات تخضع لمرور الزمن، فكيف تكون لمن هو خارج الزمن -جل وعلا -؟!
(قال أحدهم: إن ذلك المنجّم يقول: إنك تدعي أن هناك شيئا غير الأفلاك وغير هذه الكرة الترابية التي أراها، شيئا خارج هذه الأشياء. وليس أمامي شيئ غير ذلك. وإن كان هناك شيئ، فبيّن لي أين هو".
فقال مولانا: إن ذلك السؤال فاسد منذ البدء. لأنك تقول: "بيّن لي أين هو"، وليس لذلك مكان. وبعد ذلك ، تعال قل لي، من أين اعتراضك وفي أي مكان؟
ليس في اللسان وليس في الفم وليس في الصدر. فتش هذه جميعا، قطّعها جزءً جزءً وذرة ذرة، وتبين أنك لن تظفر بهذا الاعتراض وهذه الفكر في هذه جميعا. وهكذا نستيقن أن فكرك ليس له مكان. وإذا كنت لا تعرف مكان فكرك، فكيف تعرف مكان خالق فكرك؟). / فيه ما فيه

*شيماء ملا يوسف كاتبة وباحثة كويتية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذة الكاتبة المحترمة
امال طعمه ( 2014 / 3 / 12 - 09:35 )
اعتقد ان الانسان دائما يسأل الاسئلة الخاطئة ويبحث عن الاجابة المقنعة والسؤال نفسه خاطئ

ننتظر الجزء الثاني من المقال

مع احترامي وتقديري


2 - كيف خلق نفسه؟
{Hamid Sayadi{Kirkuki ( 2014 / 3 / 12 - 10:54 )
هل ممكن أن خلق نفسه بنفسه؟ لماذا لا ع ؟لأنه ❊-;- لا إلا الله❊-;- إن الله فكرة الوهم والكذبة المستحيلة للجواب لها ! أنها فقط بدعة وخدعة الطبقات الحاكمة لإستثمار القطيع ! وثم ماذا إذا إن لم يكن دين و وهم إلاه خالق؟
أعتقد سوف نعيش أرقى وأحسن من السعود والأفغان! بل سوف نعيش أمثال الإنسانيون في السويد والنرويج،،، مع إحتراماتي لكم ولمولانا جلال الدين الرومي البلخي النائم في قونية السلجوقية التركية !!!!


3 - رب جوهرة في مزبلة
عبد الله اغونان ( 2014 / 3 / 12 - 11:43 )

وماقدروا الله حق قدره
يجادلون في الله بغير علم

شكرا على هذا المقال

جعله الله في ميزان حسناتك

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين


4 - لنقارن هذا المقال بمقال القبانجي
عبد الله اغونان ( 2014 / 3 / 12 - 23:19 )

لو أجريتم مقارنة بين مقال الكاتبة شيماء ملا يوسف
الله وجلال الدين الرومي

ومقال الكاتب أحمد القبانجي
أين اختفى الله؟

فماذا تلاحظون؟

لعل ماخطر ببالي قد يخطر ببالكم


5 - عبدالله أغونان كيف الله خلق نفسه ؟؟؟؟؟
حميد كركوكي ( 2014 / 3 / 14 - 07:54 )
جاوبني بكلمة واحدة من دون لف و دوران؟؟؟؟ كيف خلق نفسه كيف كيف كيف ؟؟؟؟؟
لا تراوغ ولا تلف لفة الثعبان يا أغونان.
لا أحتاج إلى الله مادام هنالك طفل أفريقي يموت جوعا!لو شاهدت إلاهك لتفلت على وجهه أو وجهها وقلت له لماذا لم تعطي عبدالله إدراك منطقي؟
كذلك الأخت شيماء لو كنت في جوع مريع لخسرت إلاهك ! إن الله متعة الفارهين والساجدين على الپترول وقسما ببلاد الكفر لا نحتاج إلى الله إنه زيادة ودوخة راس، زرت مولانا في تركيا 3 مرات وكل مرة قلت لي إحترامي لأفكاره الغيبية لكنه أنسان ذكي يراوغ أفكاره في كشكول فلسفي مغطات باالعباء الإسلامي حيث قرأتها بلغة الأم الپارسية …وكذلك لغة والدي التركية.و

اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟