الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنتك يا مصر!

إكرام يوسف

2014 / 3 / 13
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


فقدت مصر ابنة من أغلى بناتها وأكثرهن انتماء ووطنية! ذهبت إلى بارئها نادية شحاتة هارون المحامية، والمناضلة من أجل حياة أفضل لكل المصريين، ابنة المناضل اليساري العظيم شحاتة هارون..نادية، لمن لا يعلم، نائبة رئيسة الطائفة اليهودية المصرية، ظلت تعمل مع أختها ماجدة "رئيسة الطائفة" على حماية التراث المصري اليهودي، والوقوف في وجه المحاولات الصهيونية لنهبه، تنفيذا لوصية والدهما وتمسكا بمبادئ رباهما عليها مناضل العظيم، رفض أن يترك مصر لعلاج شقيقتهما الكبرى "منى" ، عندما كانت السلطة تشترط ألا يعود اليهودي الذي يغادر الوطن إليه ثانية ـ رغم أن معظم اليهود المصريين كانوا ينتمون إلى طائفة ترفض دولة إسرائيل من منظور ديني أيضا، وليس من منظور وطني، فقط ـ وتوفيت فلذة الكبد تاركة جرحا لم يندمل.
ومثلما حدث في وفاة الوالد العظيم ـ الذي عاش حياته مدافعا عن الفقراء ومناضلا ضد الاستبداد والاستعمار والصهيونية، حتى أن صحيفة إسرائيلية كتبت يوم وفاته "مات عدو إسرائيل"! ـ رفضت الأسرة مجرد التفكير في أن ترسل السفارة الصهيونية حاخاما للصلاة على الجثمان المصري الطاهر، واستدعت حاخام اليهود المصريين في فرنسا.
وقف الحاخام الفرنسي يلقي موعظته بالفرنسية، ولأنني لا أفهمها، سرحت بخيالي إلى جيل العم شحاتة هارون ورفاقه، آباءنا مناضلي الأربعينات والخمسينيات، الذين لم يتخل أي منهم عن حلم بناء دولة العدل والكرامة الإنسانية، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر ـ أطال الله في عمره ـ مواصلا مسيرة تحقيق الحلم الذي أورثونا إياه، وعلمونا كيف يكون للحياة معنى، عندما نمضيها نضالا من أجل قضية تستحق! وأهمية أن يرعى المرء غرس السابقين، حتى لو لم يعطه العمر فسحة لجني الثمار وتذوقها بنفسه! ورغم ماعانوه من اعتقال وتعذيب ومطاردة في الرزق وتضحيات، لم نسمع أيا منهم يشكو، أو يعلن كفره بالثورة أو بالشعب ـ حتى من لم يسعفهم القدر، ورحلوا قبل أن يشهدوا بداية تحقيق حلم الثورة؛ عندما أطاح المصريون للمرة الأولى في التاريخ بثورة شعبية أطاحت بحاكمين ووضعهتما في السجن ـ وظلت راية النضال مرفوعة بإيديهم، لم تسقط، وعلمونا كيف نسلمها لأبنائنا مرفوعة!
وقفت ماجدة هارون تؤبن اختها فقالت" في مارس 54، ماتت منى، وفي أكتوبر54 اتولدت نادية عشان تخفف شوية حرقة قلب بابا وماما..وعشنا انا وهي حاسين اننا مختلفين، لكن اللي حوالينا(من الأصدقاء) ما حسسوناش اننا مختلفين.. لكن لما ماتت نادية اترجيت رجال دين في أوروبا وفي امريكا عشا ييجوا يصلوا عليها، خافوا! عشان صورتنا في الخارج بقت وحشة..صورتنا بقت اننا بنكره الآخر.. أرجوكم.. كفاية كره بقى.. كفاية كره بقى!! اللي خالقنا واحد، ولو كان عايزنا نبقى حاجة واحدة كان خلقنا حاجة واحدة"! وأضافت "عشنا أنا ونادية عشان نحافظ على تراثكم.. ودلوقت نادية راحت.. وأنا مش قادرة.. أرجوكم حافظوا عل تراثكم.. ده تراثك يا فاطمة! ده تراثك يا محمد! ده تراثك يا مينا"!
نظرت حولي فوجدت صلاح وصفاء ومحمد أبناء العم زكي مراد رفيق العم شحاتة، جاءوا لتوديع ابنة عمهم الراحلة، وكذلك حضر العم أحمد القصير ـ من جيل الآباء العظام ـ لتوديع ابنة أخيه ورفيقه، وأيضا صديقة العمر شهرت العالم، وابنة استاذنا وعمنا محمود أمين العالم، والمخرج خيري بشارة وزوجته، وأستاذتنا الصحفية الكبيرة أمينة شفيق، والمخرج الأستاذ داوود عبد السيد وزوجته الصحفية كريمة كمال، والمخرج يسري نصر الله، وشقيقته مصممة الأزياء ناهد نصر الله، والفنانة حياة الشيمي والقنانة نهى العمروسي، وعشرات غيرهم من أبناء جيلنا، اخوة وأخوات نادية وماجدة، وأبناء رفاق العم شحاتة.. مصريات ومصريون حقيقيون، يؤمنون ـ بحق ـ أن مصر لكل المصريين، ويحلمون باليوم الذي يعيش فيه شعبها حياة أفضل.. غير أنني لم أشهد وجها رسميا واحدا، يمثل الدولة، أو شيخ الأزهر أو رؤساء الكنائس المصرية!! كذبت توقعي، وقلت لنفسي، ربما لن يحضروا صلاة الجنازة والدفن، لكنهم بالقطع سوف يحضرون العزاء مساء.. فالراحلة نائبة رئيس طائفة مصرية لا تقل أهمية ـ رسميا ـ عن أي من رموز أي دين يعتنقه مصريون!
رافقنا الراحلة في رحلتها الأخيرة إلى المقابر في البساتين..كان العدد كبيرا، يليق بأخت مناضلة ومصرية عظيمة. هناك، وقف الحاخام الفرنسي يلقي موعظته، وأجهش الجميع بالبكاء وهم يودعونها التراب. قرأت لها الفاتحة وسط دموعي، وأنا أدعو لها بالرحمة هي وأبيها ورفاقه العظماء، ورفاق جيلنا الذين سبقونا بعد أن حملوا الأمانة وظلوا على العهد حتى لحقوا بهم، وأبناءنا شهداء الثورة الأبراء، الذين واصلوا مسيرة الأجداد والآباء.. وطلبت منها ـ وأنا أشعر بالخجل من نفسي ـ أن تسامحنا! يا الله! كيف سمحنا بكل ذلك؟ وكيف صمتنا على اضطهاد طائفة من أبناء هذا الوطن، ودفعهم إما للرحيل عن موطن الآباء والأجداد أو الموت كمدا؛ وسط مشاعر عنصرية بغيضة، واستفزازات من الجهلة والمتعصبين ومن حكومات جاهلة، لم تستطع التمييز بين أباء الوطن الذين يدينون باليهودية، وبين الصهاينة.. بل أنها سعت إلى صداقة الصهاينة والتصالح معهم ـ منذ صديقي بيجن وحتى صديقي العظيم بيريز ـ بينما واصلت اضطهاد من اختاروا ان يعبدوا الإله الواحد في المعبد اليهودي!!
وفي المساء، ذهبت إلى العزاء، نفس الوجوه التي حضرت الجناز صباحا، وربما زادوا قليلا!! ولكن ليس بينهم وجها رسميا؛ لا مندوبا عن رئيس الجمهورية، ولا عن رئيس مجلس الوزراء، ولا عن شيخ الأزهر أو أي من كنائس المصريين. وعندما اتصلت بالأسرة للتأكد من هذه المعلومة، خشية أن يكون أحدهم قام بالواجب دون أن ألحظ، قالت لي ماجدة هارون" عندما توليت رئاسة الطائفة قمت ببادرة تقارب، وقمت بنفسي بزيارة الكنيسة الأرثوذكسية للتهنئة بعيد القيامة المجيد، كما هنأت مشيخة الأزهر بعيد الأضحى، وكان أملي أن يرد أي منهم على هذه الخطوة كبادرة لمواجهة الاحتقان والتعصب".. فهل نسي هؤلاء أن طائفة من أبناء الوطن تدين باليهودية؟ هل يجهل هؤلاء أن مسلكهم هذا يعيبنا جميعا، ويدحض أي ادعاء بأننا نهدف لبناء دولة مدنية؟ هل يعلم هؤلاء كيف قاوم هؤلاء اليهود المصريون، بصلابة وإخلاص، محاولات الكيان الصهيوني لاستمالتهم واجتذابهم؟ هل يعلمون كيف وقف شحاته هارون وابنتاه وبقية أبناء الطائفة يصدون أطماع الصهاينة في الاستيلاء على التراث اليهودي المصري، ويذودون عنه؟ هل علم هؤلاء ان التراث اليهودي المصري لا يقل أهمية عن التراث المسيحي المصري أو التراث الإسلامي المصري؟ هل يدرك هؤلاء مدى حرص الصهاينة على سرقة تراث مصر اليهودي؟
وداعا نادية.. بنت مصر البارة.. قمت بواجبك.. وأديت رسالتك كاملة.. وبقي أن نثبت جدارتنا كمصريين بموروثاتنا الحضارية في كل العهود، وأن تشكل لجنة شعبية للدفاع عن تراث مصر ـ فلا يبدو أن الرسميين مهمومون بهذا الأمر! ـ تؤمن ان لمصر تراثا ـ تكمن عظمته في تنوعه ـ ينبغي الحفاظ عليه وحمايته..آن الأوان كي تستريحي في أحضان والدك العظيم.. فالمناضلون لا يموتون، ولكن أرض الوطن تفتح لهم بطنها كي يستريحوا، وينبتوا فروعًا جديدة، في شجرة العطاء الوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ولاعزاء للشهيدات
عبد الله اغونان ( 2014 / 3 / 12 - 22:59 )

يتمسحون بجثث من ماتوا
خاصة اذا كانت جثثهم تجد صدى دوليا
ولايستحيون من الشماتة بمن استشهدوا ويستشهدون ومن استشهدن و يستشهدن وكأنهن لسن بنات مصر

فيه مثل عندنا يقول

خلات رجلها ممدود ومشات تعزي ف محمود

ومعناه

تركت زوجها يحتضر وذهبت لتقديم التعازي في محمود الغريب عنها



2 - تحية!!
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2014 / 3 / 13 - 04:53 )
تحية لكل مواطن غيور يدافع عن وطنه بغض النظ عن دينه وعرقه ولونه والى هذه المواطنة نهدي الف تحية ونتقدم باحر التعازي لاهلها وذويها سائلين الله رب البشرية جمعا ان يلهمهم الصبر والسلوان وانا الى الله وانا اليه راجعون.الخزي والعار لكل ارهابي ايا كان موطنه ودينه وفي مقدمتهم الصهيونية العالمية والقاعدة وجبهة التصرة وانصار الصحابة ومن ينتمي اليهم باي سبب سوى كان الانتماء فكريا اوتاييدا او تمويلا.
الرحمة واالرضوان لمحبي السلام والعيش السعيد لكل الانام.


3 - الاستاذة اكرام المحترمة
امال طعمه ( 2014 / 3 / 13 - 07:56 )
تعازي الحارة لكم
الطائفية في بلداننا منغرسة الكل يصرخ هو مظلوم وينسى انه نوعا ما ظلم الاخر
اي خطوة يقوم بها مسؤول لو من باب الاتيكيت فقط يحاسب عليها شر حساب
وللعلم الفن في مصر مسؤول عن هذا الحقد الطائفي فكم من المسلسلات المصرية التي عالجت فترة بداية ظهور اسرائيل كانت تصور اليهود على انهم متأمرين
والادب ايضا تعودنا على رؤية جانب واحد ودائما لدينا نظرية المؤامرات جاهزة لنلبسها لكل شخص يعاكس اتجاهاتنا


مجرد النظر الى التعليق الاول يوضح مدى تفهمنا للوطن والمواطنة والشراكة
تحياتي لك


4 - إلى الأستاذة إكرام يوسف
نضال الربضي ( 2014 / 3 / 13 - 08:50 )
سيدتي الكريمة أرجو ان تقبلي تعازي القلبية في ابنة مصر الفقيدة.

هذه الأوطان يا سيدتي مُبتلاة بكراهية الآخر الناتجة عن كراهية النفس المُتجذرة في عقدتي الطهارة-النجاسة، لا معنى فيها لكلمات المواطنة و المساواة الإنسانية الحقيقية.

لهذا يهجرها أبناؤها، و يتركها مثقفوها و يذهبون ليبحثوا عن الإنسان في ديار ٍ أخرى.

إن عار التجرد من الحب، و عار التجرد من الإنسانية، و عار الفوقية و الاستعلاء و الكراهية يطارد كل من يؤمن بهم، و كل من يُبقي على عينية غشاوات الأيدولوجية المُفرِّقة.

العار كل العار لمن يتقوقع على نفسه بينما أخوه أو أخته في الوطن يُسلب منه حتى حق وجوده، و الثابت من قرآتنا لمجريات الأحداث أن الربيع العربي سئ الذكر قتل َ من الأغلبية ما لم يقتله من الأقلية، على الرغم من كل تعصب قيادات الأكثرية، فتضررت الأكثرية و مُسحت الأقلية، و لا عزاء للأوطان التي تأكل أبناءها.

معا ً نحو الحب، كل البشر، مع كل البشر، من أجل كل البشر، معا ً نحو الإنسان!

مع التحية و المودة.


5 - مجرد اضافة
امال طعمه ( 2014 / 3 / 13 - 09:39 )
في تعليقي السابق كتبت عن الرؤية الموجودة في الدراما المصرية حول اليهود وقصدت المصريين اليهود بالذات


مع احترامي


6 - آن الآوان
سامح عبدالله ( 2014 / 3 / 13 - 15:03 )
نطلب الرحمة لابنة مصر البارة وتعازي السماء لاسرتها ولشخصك الطيب النبيل، واعتقد انه آن الآوان لنسف بند الديانة من كافة الاوراق الرسمية، فهل توافقين؟

اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف


.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا




.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟


.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر




.. آراء بعض المتظاهرين ضد اليمين المتطرف في باريس