الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الشك الديكارتي

رعد اطياف

2014 / 3 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المقدمة
تركت التحولات الكبرى التي حدثت في أوربا بعد انهيار علاقات الإنتاج الإقطاعية ، والصراع العنيف بين الدولة والكنيسة ، أثراً ملحوظ في أنماط التفكير الفلسفي ، والنقد الاجتماعي والسياسي . فظلاً عن إطاحتها بسلطة الكنيسة ونظام الكهنوت ، بقيادة قطب الحركة البروتستا نتية ، مارتن لوثر(3841- 6451)، والتي قامت في وسط أوربا .. وقد كان لحركة الازدهار الاقتصادي والتجاري ، وتطور وسائل الإنتاج ، ووسائل النقل البرية والبحرية ، وازدياد التخصص وتقسيم العمل ، دوراً فعّالاً في بدايات النظام الرأسمالي . وقد أعقبت حركة لوثر الإصلاحية حركة كالفن( 1509- 1564) التي شكلت إضافة إلى آراء لوثر الإصلاحية ، عبر مساهمته في الدعوة للمساهمة في الحياة الاقتصادية وإباحة مبدأ الربا على الأموال والقروض .. مادفع رجال الأعمال إلى مزيد من النشاط الاقتصادي النشط وتراكم الثروات ، ما أدى إلى أرتفاع مستوى الإنتاج ، فازدادت النقود وتوسعت المشاريع. وعلى المستوى الفكري والثقافي ظهر التحرر بوضوح عبر النقد المباشر للمنطق الأرسطي ، بعد أن كان المخالف للمنطق الأرسطي ملحداً وزنديقاً . وبدأ تحكيم العقل والنظرة الواقعية والعلمية الدقيقة لقياس صحة المعلومات وموضوعيتها . وعلى صعيد الفنون والآداب بدأت تنمو النظرة التفاؤلية التي ركزت على الجوانب الفكرية والفلسفية ، التي ركزت على النزعة الأنثروبولوجية التي أكدت أن الإنسان معيار كل شيء ، وإن الطبيعة البشرية هي مصدر القيم . ومن الناحية العلمية فقد عززت ثورة كوبرنيكوس وما تلاها من اكتشافات علمية ، تمثلت في اكتشافه ، إن الأرض كوكب يدور حول الشمس ... لقد أخذ المفكرون يستعيدون أراء الفلاسفة الإغريق ، من أفلاطون وأرسطو ، ويحدّثونها ، وهم بهذا قد وضعوا أول لبنات الفكر الجديد ، الذي فتح الجدل على مصارعيه بين الدولة القومية الفتية والكنيسة ، وأسهم في تطوير مذاهب فكرية وفلسفية واقتصادية جديدة ، مهدت الطريق لتطور العلوم الطبيعية (1)
_______________
1- النقد بين الحداثة ومابعد الحداثة ،إبراهيم الحيدري، دار الساقي ، ط الأولى 2012 ،ص 51 – 57.
وقد أحدثت آراء رينيه ديكارت أول ثورة في الفلسفة الحديثة ، وتمخض من آراءه الفلسفية رؤية ذاتية متطورة للعالم وأخذ الإنسان يدرك ذاته باستقلالية ويراها في مرآة صافية فيتمثل من خلالها العالم ، ويميز نفسه عن الطبيعة. وقد أعتبر ديكارت مؤسس الحداثة الفلسفية من خلال مقولته المشهورة " أنا أفكر إذاً أنا موجود" وبناءاً على هذه المقولة يغدو الإنسان مركز الكون ومنبع الحقيقة وأس اليقين. (2)
سُمي ديكارت ـ أحياناً ـ بالأب الحقيقي للفلسفة الحديثة ، وعلى الرغم ممن سبقه من الفلاسفة المحدثين ، لكنهم لم يكونوا أنداداً له بما يكفي . فمنذ ظهور ديكارت اتخذت الدراسات الفلسفية بعداً أخر يتسم بالدقة والاتساق ، وتوضحت وظيفة الفلسفة كمهمة عقلية صرفة ، ماأدى إلى فوائدها المثمرة أكثر من السابق ، كما إن ديكارت أثّر بالغ الأثر في فلاسفة عصر النهضة ، بعد انسلاخه التام من الفلسفة المدرسية ، وتجنبه الاتجاه الصوفي الذي يحتضن المعتقدات دون أي مسوغات عقلية تستدعي النقد والتمحيص ، كما تجنب المذهب الوضعي الذي كان يعارض الوقائع المجردة. ولقد أثبت ديكارت إن المذهب العقلي يتمتع بالنظام ويتميز بالبحث ، وفي المقابل لا يعني استخدامه للحدس والبرهان هو المنهج الوحيد في الفلسفة ، بقدر ماهو منهج مهم أثبت نجاحه مقارنة بالمناهج الأخرى . وبعد وفات ديكارت تبينت معالم المذهب الديكارتي كونه يتمتع بالقدرة الكافية ليحل محل الفلسفة المدرسية ،لأن الكنيسة استحسنت الفلسفة نوعاً ما . إلا إن شعوراً بدا يلوح في الأفق من أخطار الفلسفة الديكارتية التي تعتبر الوضوح والتميز أمرين لابد منهما لقبول الحقيقة ، وتعتمد الشك في كل شيء. وفي عام 1633 وضعت أعماله في قائمة الكتب الممنوعة في روما . وهاجم مذهبه رجال الدين في هولندا وتم استبعاد مؤيديه من المناصب الجامعية ومن الوزارة .(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة ، ص 57.(مصدر سابق)
3- تاريخ الفلسفة الحديثة ، وليم كلي رايت ،دار التنوير ،ط الأولى 2010 (ت) محمود سيد أحمد ، مراجعة :
أما م عبد الفتاح أمام ، ص 106- 107.
" ولد ديكارت في 31 مارس سنة 1595 بمدينة لاهيه وهي مدينة صغيرة في إقليم ا التورين غربي فرنسا . وكان أبوه جواشيم ديكارت مستشاراً في برلمان رن (عاصمة إقليم بريتاني في شمال غربي فرنسا). وفي سنة 1606 دخل مدرسة لافلش الملكية التي كان يديرها اليسوعيون . وهو يروي لنا في القسم الأول من كتابه " مقال في المنهج" ذكرياته الدراسية عن تلك الفترة ، وكيف بدأ يفكر في أيجاد معرفة يقينية تشابه المعرفة التي تقدمها العلوم الرياضية . وفي سنة 1614 ترك مدرسة لافلش هذه ."(4)
" أنا أفكر ، إذاً أنا موجود "
هل يمكن بناء صرح فلسفي متين على مقولة " أنا أفكر ، إذاً أنا موجود" ونبقى على اطمئنان من حيازة الحقيقة ؟ هل يمكن القول إن هذه المقولة يمكنها أن تكون اللبنة الأولى في بناء العالم الإنساني . كان ديكارت مقتنعا تمام الاقتناع بهذه المقولة . وقد اتجه به هذا اليقين للبحث من خلال التفكير في طبيعة الإنسان ، فاستنتج إن هذا الكائن الإنساني لديه جسد ، مايجعله مرتبطاً بالحيوانات وبقية الطبيعة ، إلّا إن هذا الكائن نظراً لما يملكه من ثنائية (روح /جسد) يشكل طبيعة مزدوجة ،تجعله مفكراً في نفس الوقت . إن ماهية هذا الكائن تكمن في تفكيره ، التي تقوده الأنا ، ويراه ديكارت من هذه الناحية مطابقاً للروح ، أي إن هذه الفعالية (التفكير) هي الخاصية الجوهرية الحقة للإنسان . وبهذا التعريف للإنسان ، كعقل ، وروح ، ووعي ، لايختلف ديكارت عن باقي غالبية فلاسفة العصور الوسطى والقديمة. (5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- موسوعة الفلسفة ، د. عبد الرحمان بدوي ، ج الأول، دار ذوي القربى ، ط الثانية1981 ، ص 488.
5- في صحبة الفلاسفة ، روبرت تسيمر ، دار الحكمة – لندن ، (ت) عبد الله محمد أبو هشّة ، ط الأولى 2011، ص 87 .
يقول ديكارت " مضت عدة سنوات منذ أن لاحظت إن كثيراً من الأشياء الباطلة كنت اعتقد أبان شبابي إنها صحيحة ، ولاحظت إن الشك يعتور كل ما أقمته على أساس هذه الأمور الباطلة ، وانه لابد أن تأتي لحظة في حياتي أشعر فيها بأن كل شيء يجب أن يقلب رأساً على عقب تماماً ، وأن أبدأ من أساس جديدة ، إذا شئت أن أقرر شيئاً راسخاُ وباقياً .. إني أفترض إذاً إن كل الأمور التي أشاهدها هي باطلة ، وأقنع نفسي بأنه لم يوجد شيء مما تمثله ذاكرتي المليئة بالأكاذيب ، وأتصور أنه لايوجد عندي أي حس ، وأعتقد أن الجسم والشكل والامتداد والحركة والمكان ليست إلّا تخيلات من صنع عقلي . فماذا عسى أن يعد يقينا ؟ ربما أنه لاشيء في العالم يقيني .. لكن من يدريني لعل هناك شيئاً مختلفاً عن تلك الأشياء التي حسبتها غير يقينية ، شيئاً لا يمكن أبداً الشك فيه ؟ ألا يوجد أله أو قوة أخرى تصنع في عقلي هذه الأفكار؟ لكن هذا ليس بضروري ، فلربما كنت قادراً على أنتاجها بنفسي . وأنا على الأقل ، ألست شيئاً ؟ لكنني قد سبق لي وأنكرت أن ليس لي جسماً أو حسّاً . بيد إني مع ذلك أتردد ، إذ ما الذي ينجم عن هذا ؟ هل أنا أعتمد على جسمي وحواسي إلى درجة إنني لايمكن أن أكون شيئاً بدونهما ؟ لكنني أقنعت نفسي بأنه لايوجد شيء حقيقي في العالم ، وأنه لاتوجد سماء ولا أرض ولا عقول ولا أجسام . ألم أقتنع بأنني لست شيئاً ؟ هيهات ، هيهات لقد كنت شيئاً من غير شك ، مادمت قد اقتنعت أو فكرت فقط في شيء ما . لكن يوجد خداع ولا أدري من هو ، خدّاع قوي جداً وماكر جداً يستخدم كل ما أوتي من حيلة ابتغاء خداعي دائماً . لا شك إذاً في إنني موجود ، مادام يخدعني . فليخدعني إذاً ماطاب له خداعي فإنه لن يستطيع إنه يجعل أنني لست بشيء طالما كنت أفكر إنني شيء . وهكذا بعد أن فكرت في الأمر جيداً وفحصت بعناية كل الأمور ، يجب علي أن أستنتج وأتيقن أن هذه القضية :" أنا كائن ، أنا موجود" هي قضية صحيحة بالضرورة في كل مرة أنطق بها أو أتصورها في عقلي ".(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6- موسوعة الفلسفة ، ص 493، ( سبق ذكره ).
في هذا النص يدعونا ديكارت – أولاً- إلى " التخلص من سلطان الحواس " لكون المعرفة الناتجة من الحواس ، مهما تكن عميقة الجذور فينا ، هي عبارة عن معرفة زائفة مشبعة بالأحكام السابقة التي تفرض سلطانها في كل محاولة علمية للمعرفة . وفي المقابل يجب أن لا يفهم من هذا أن ديكارت ينكر المعرفة الحسية إنكاراً مطلق ، ف " .. على الرغم من أن الحواس تخدعنا أحياناً فيما يتعلق بالأمور الصغيرة جداً ، والبعيدة جداً ، فأن هناك أموراً أخرى يستحيل أن ينالها الشك على الرغم من أنها أن مستمدة من الحواس ، مثال ذلك :إنني ها هنا بالقرب من موقد النار ومتدثّر بعباءة شتوية ، وأمسك بيدي هذه الورقة ، وما شابه ذلك . وإلّا فبأي حق يمكن الشك في وجود هاتين اليدين وهذا البدن ؟!" (7) . وسرعان مايبدي ديكارت اعتراضه على الشيء الذي بدا يقيني ، وذلك بحجتين : الأولى حجة الجنون ، والثانية حجة الحلم . الأولى تقول : إن بعض الناس يتصور إن أذنه من فخار ، أو يتصور نفسه قرعة أو إنه مصنوع من زجاج كن هذا ليس سبباً مقنعاً للشك ، لأن هؤلاء الناس مجانين " وسأكون مجنوناً مثلهم لو شبهت حالي بحالهم "(8) . والحجة الثانية ، وتسمى حجة الحلم ، وفيها يقول : " مراراً عديدة أثناء الرقاد في الليل كنت أقتنع بهذه الأمور ، ألا وهي إنني ها هنا ، متدثرا بعباءة ، جالساً بالقرب من نار المدفأة ، فبينما كنت في الحقيقة راقداً بدون ثياب بين اللحافات . لكن هكذا بالتأكيد أشاهد الآن هذه الورقة بعينين يقظتين ، ورأسي الذي أحركه ليس غافياً . وأمد يدي وأشاهدها بعناية وأعلم أن الأمور لا تظهر بهذا التمييز أبّان النوم . لكن لم أتذكر إني خدعت في مناسبات أخرى أبّان النوم . فإني حين أفكر في الأمر على نحو أدق ، فإني أرى بوضوح بالغ أنه ليس من الممكن أبداً التمييز بين النوم واليقظة بواسطة علامات معينة ، إلى درجة أني أدهش ، وهذه الدهشة تكاد تؤكد لي (صحة) افتراض النوم " أي إن عدم التمييز بين النوم واليقظة يدعو إلى الشك حتى في الأمور العادية المدركة بالحس ، والتي وضحها بالأمثلة المذكورة آنفاً : من كوني جالساً بالقرب من نار المدفأة ، ومعي ورقة .. الخ "(9)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7- نفس المصدر ، ص 394 .
8 – نفس المصدر والصفحة .
9- نفس المصدر والصفحة .
لكنه سرعان مايرفض هذا الافتراض ويقول :" لو افترضنا أذن إننا نائمون ، وإن هذه الأمور الجزئية ليست صحيحة ، وإننا نفتح أعيننا ، ونحرك رأسنا ونمد يدينا ، وبل وحتى إننا لا نملك هاتين اليدين ولا هذا البدن كله ـ فإنه يجب مع ذلك أن نقرّ على الأقل بان الأشياء المشاهدة في النوم إنما تشبه نوعاً من الصورة المرسومة التي لا يمكن تشكيلها إلّا بالتشابه مع أشياء واقعية حقيقية ، وتبعاً لذلك فإن هذه الأشياء العامة : العينان ، الرأس، اليدان وكل البدن ليست أشياء خيالية بل هي أشياء موجودة حقا ". (10)
لكن ، إذا كانت الأمور الجسمية يكتنفها الشك ، فالأمور الرياضية خلاف ذلك تماماً ، فدون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عنها في الطبيعة حول وجودها من عدمه ، فإنها تحتوي على يقين لا شك فيه " فسواء كنت يقظاً ، أو نائماً ، فإن أثنين أو ثلاثة ، إذا جمعت معاً كونت خمسة ، والمربع لن يكون له غير أربعة أضلاع ، ولا يبدو من الممكن إن حقائق بهذا الوضوح والظهور يمكن أن تتسم بالبطلان وعدم اليقين " ويمتد الشك الديكارتي إلى الحقائق الرياضية نفسها ، على الرغم من خاصيتها( اليقينية) فيقول : " ومع ذلك فإن في عقلي منذ مدة بعيدة فكرة تقرر إنه يوجد أله قادر على كل شيء وهو الذي منحني وخلقني على الحال التي أنا عليها . فمن يدريني إنه لم يجعل أي أرض ولا ولا أي سماء ولا أي جسم ممتد ولا أي شكل ولا أي مقدار ولا أي مكان ، ومع ذلك ، فإن لدي شعور بكل هذه الأشياء وأن هذا كله لا يوجد على نحو آخر مختلف عمّا أشاهده عليه ؟ وأيضاً فأنني لما كنت أحكم أحياناً بان الآخرين يخطئون في الأمور التي يحسبون أنهم أعلم الناس بها فمن يدريني لعل الله قد جعلني أخطيء في كل مرة أجمع فيها أثنين وثلاثة ، أو أعد أضلاع المربع ، أو أحكم على أي شيء أسهل من هذا ؟ ولكن ربما لم يشأ الله أن أنخدع على هذا النحو لأنه يوصف بأنه خير تام . ومع ذلك فإنه إذا كان مما يتنافى خيريته أن أخطيء دائماً ، فإنه يبدو كذلك أنه مما لا يناسبه أن يأذن بأن أخطيء في بعض الأحيان ، وبالرغم من ذلك فإنني لا أملك أن أشك في أنه لايسمح بذلك . ولربما وجد ها هنا أشخاص يفضلون إنكار وجود أله قادر ـ يفضلون ذلك الإنكار على الاعتقاد بأن سائر الأشياء غير يقينية ". (11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10 – نفس المصدر والصفحة .
11- نفس المصدر والصفحة .
" وحتى لو سلمنا بأن حرية الله تمنعه من أن يجعلنا نخطيء ، وننخدع ، فمن يدرينا لعل " جيناً خبيثاً" ماكراً وخداعاً بقدر ماهو قوي ، قد استخدم كل مهارته في خداعنا ، فإني حينئذِ سأعتقد أن السماء ، والأرض ، والألوان والأشكال والأصوات وسائر الأشياء الخارجية ليست كلها إلّا أوهاماً أو أحلاماً أستخدمها لنصب الحبائل لاعتقادنا الساذج ، وسأعتبر نفسي إنني بدون يدين ولا عينين ولا لحم ولادم ، ولا ألك أي حواس ، والتي إنما أتوهم توهماً أنني أملك هذه الأشياء كلها .. ولكن كوني مخدوعاً يؤكد أنني موجود . وتلك هي البينة اليقينية الأساسية الحقيقية.. أنا موجود أذن ولكن من أنا ؟.. أنا شيء يفكر : لكن ماهو الشيء الذي يفكر ؟ أنه شيء يشك ويفهم ، ويحس . ولاشك إن هذا ليس بالأمر القليل ، وكل هذه الأمور تنتسب إلى طبيعتي " .(12)
قرر إذاً ديكارت مقولته المشهورة :" أنا أفكر ، إذاً أنا موجود " ومنذ ذلك الحين أثارت الكثير من السجالات في تفسيرها وقيمتها .(13)
الخاتمة
يتضح من خلال هذا البحث ، إن ديكارت قد حشد كل قواه العقلية ، في عملية اختراق دقيقة للنفاذ إلى عمق الوعي الإنساني ، ليكشف لنا جملة من الأغلفة ، والأسيجة التي تحول بين العقل ،وأدواته الحقة ، مبدعاً لنا مفهوما في غاية الأهمية ، شكل من بعده مادة خصبة للحقل الفلسفي . وإن كان فيلسوفنا لم يخلو من تكلف بعض الاستنتاجات ، التي لو تفحصناها ، ربما نحيلها إلى خانة الترف المعرفي ، إذ لايوجد من داعِ لدليل الحلم وما يترتب عليه من أدلة واستنتاجات ، لكونها ربما تنفع في حقل الدراسات السيكولوجية ، لكوننا متفقون إن ما نراه بين اليقظة والمنام لا يعد معيارا ًعقلانياً ، والفيلسوف – مهما كان - لا يرسخ دليله من هذا المنطلق ، أعني الشك بين اليقظة والمنام. لشكن ربما فيلسوفنا أراد الانطلاق من أبعد نقطة (عدمية) ليؤكد وجوده مرة أخرى عبر هذه الاستنتاجات . صحيح إن أكثر التمثلات التي نراها في المنام ، ماهي إلّا مصاديق موضوعية ، لكن ماهو الحد الفاصل بين هذه التصورات (الحلمية)؟، اعني كيف يتم التعامل مع الرموز التي لاتمتلك ظهوراً عيانياً ؟. وعلى مايبدو إن بعض الوجودات ظلت عصيّة على الشك الديكارتي ، أو لم يردها الدخول في هذه الرحلة العدمية المؤقتة ، ومنها : هذا ( الجني الخبيث) .. مهما يكن من أمر فان ديكارت استطاع إن يضع بصمته الخاصة في سجل الفلسفة الحديثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12- نفسه ، ص 495 . /13- نفس المصدر والصفحة .

مصادر البحث :
موسوعة الفلسفة ، د . عبد الرحمان بدوي .
النقد بين الحداثة ومابعد الحداثة ، إبراهيم الحيدري.
تاريخ الفلسفة الحديثة ، وليم كلي رايت .
في صحبة الفلاسفة ، روبرت تسيمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العقل المحرر
رائد الحواري ( 2014 / 3 / 14 - 15:02 )
ليس صدفة ان يتقدم الآخر ونبقى نحن أسرى الزمان والمكان، عندما يتحرر الفكر تحدث المعجزات، من هنا نحن نيام نجتر اقولا عفى عليها الزمن، ونخبوا حتى دون ان نحلم، للأسف

اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز