الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحويل الأطفال من كائنات ذكية إلى مرضى نفسيين

حمودة إسماعيلي

2014 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأطفال حب غير مشروط، لا يقيمون لحبهم أي حدود ولا يكرهون أحدا طالما أنه لم يتسبب لهم بالأذى، لكنهم على استعداد لتعلم الكره إذا اعتمدت تربيتهم على زرع الحقد والبغض فيهم لتوجيهه نحو المختلفين دينيا أو عرقيا أو طائفيا.

من الأطفال يبدأ كل شيء، الطفل مثل العجينة يمكن أن تشكله كيفما تريد لتأخد شخصيته الشكل الذي ترغبه : ورغم أننا لا ننفي نسبية التأثير، إلى أنه وكما يقول المثل "التعلم في الصغر كالنقش على الحجر". تندمج المفاهيم المعطاة (في الصغر) والتي ساهمت في تشكيل أنا الشخص مع المعطيات الحياتية، وغالبا ما يتجه الأفراد نحو التكيف مع "ما يجول بعقلهم" بدل محاولة تنقيحه ومسائلته أو حتى تدميره كإعادة بنية ذهنية للذات، دون الإشارة للصراع النفسي الذي يخوضه الشخص عند مساءلته وتشكيكه بتوابثه الفكرية : ما يخلق احساسا بخيانة دينية تتجلى كإعراض عن هويته وماضيه (اللذان يرسمان شخصيته) ـ بمعنى أن مفاهيمه تقولبت كمعطيات دينية مقدسة ـ فما هو الدين إن لم يكن مراجع اكتسبت قوتها نتيجة الأقدمية (كرمزية خلود) ؟ أما القداسة فتتغدى على النقص المعرفي.

إن رفض الآخر نتيجة اختلافه السطحي والمظهري، وتلقين ذلك للأطفال كتأطير اجتماعي أُسري قَبَلي للفكر : إنما يكشف عن شعور بالتهديد الناتج عن اضطهاد خيالي، تتم معالجته بالاستعانة بالرؤى الطوطمية التي تميز مجموعة قَبَلية "أعلى" عن مجموعة قبلية "أدنى" عبر الوشم أو القرط أو أي رمز سطحي. فيتم إعادة إحياء هذه الرؤى الما قبل تاريخية لتعزيز الإحساس بالتفوق الفكري والفيزيولوجي : عبر الإله المختار للجماعة المختارة ـ خرافتي أفضل من خرافتك، وعضلات جسدي أوضح من عضلات جسدك، وأرضي تعلو على أرضك ـ وكلما توسع الإيمان بهذه المقتطفات كلما تعزز الإحساس بالذات كنفي نسبي ومؤقت للشعور بالاضطهاد الكوني : ليحل محله "مركزية (أهمية) كونية" للجماعة.

إن وهم القضاء على العنصرية والطائفية باعتماد مناهج تعليمية أو تباشير دينية وماسواه من لغو لا يخجل من ترديد الغير مفيد : لن يفيد ! . لأن هذه المكتسبات تجذرت عبر لعبة التاريخ في نفسية الأفراد والجماعة. فكما قلنا فالأطفال يتلقنون الكراهية من هذا النوع و"لا يقتنونها من رحم الأم"، وبالتالي فإنهم يجدونها خلال سنوات النضج تخدم معالجة المشاكل النفسية عبر إسقاط الصراعات الذاتية على هذه المواضيع : كتعزيز لرفض الآخر وكُرهِه لأن شبحه يؤثر على المعني نفسياً، ويسبب له فشلا اقتصاديا أو عاطفيا. يتم استدعاء المختلف كسبب وتفسير للشر الوجودي ! .

العنصرية والطائفية بما فيها كره واضطهاد المخالفين دينيا أو مذهبيا : حيلة نفسية يعتمدها الدونيون كقيمة لإعلاء الأنا، وتخفيض الآخر عبر التهويل من الاختلافات البسيطة وتكبيرها لتغطية الأمور المشتركة، تبريرا للعنف والإقصاء وإيجاد منفذ للسيطرة على الآخر : "المختلف" مايعني أنه من غير المتوقع ما يمكن أن يسبب من أضرار ـ لأنه لا يشبهنا، ومن لا يشبهنا فهو ضدنا ـ ومنه فإن زرع النزعات المذكورة هنا : ليس حفاظا على التقاليد والإرث الثقافي الحامي لهوية الأطفال، بل مساهمة في صناعة الاضطراب الجماعي ـ تأسيس بؤس اجتماعي عبر تحويل الأطفال من كائنات ذكية إلى مرضى نفسيين : قابلين للتوجيه والخدمة العدوانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا