الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لليهود تاريخ في شبه جزيرة القرم واوكراينا

سيلوس العراقي

2014 / 3 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في كثير من الأحيان تعمل الأحداث العالمية المعينة في بلد ما ، كحافز للاهتمام لدى المواطنين في كل أنحاء العالم، وعلى وجه الخصوص الصحفيين والكتاب للبحث في أمور عديدة سياسية واجتماعية أو اقتصادية وغيرها تخص البلاد موضوع الحدث غير العادي. وتصبح الأحداث بالرغم من مآسيها ، وسيلة للمعرفة والبحث عن معلومات باتجاهات ومستويات متعددة.
ولا تخرج الأحداث الأخيرة والمتسارعة في اوكراينا وشبه جزيرة القرم من هذا السياق. فالعديد من الصحف والمجلات في العالم وباختلاف توجهاتها واختصاصاتها بدأت حالا في ضخ ونشر الأبحاث والدراسات والمقالات حول اوكراينا. ومن ضمن المواضيع التي يهتم بها البعض تاريخ اليهود في اوكراينا وروسيا والقرم أو أوضاعهم اليوم في خضم الحدث الذي لم تتحدد بعد ملامحه الأخيرة.
وجدير بالاهتمام أن لليهود كشعب نشيط عانى الطرد من أرضه الأم وأجبر على الهجرة القسرية ، تاريخ في أغلب دول العالم إن لم يكن في أجمعها. وليست اوكراينا وشبه جزيرة القرم (وروسيا ) استثناءاً بل أهميتها واضحة وغنية في تاريخ الوجود اليهودي في الماضي والحاضر.
يعيش في اوكراينا بين 300 ألف الى 400 ألف يهودي ، وتعتبر واحدة من الجماعات اليهودية الأكثر عدداً خارج اسرائيل، حيث تأتي في مرتبة أقل عدداً بعد أميريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا.
قبل الحكم الشيوعي كانت اوكراينا مركزاً مهما دينيا وروحيا وثقافياً، وحتى بعد الحرب العالمية الأولى فان نصف عدد يهود الاتحاد السوفيتي تقريبا كانوا يقطنون في اوكراينا.
من اوكراينا خرج العديد من القادة والرجال الكبار اليهود في عالم الثقافة والأدب والسياسة :
كولدا مائير، أول رئيسة وزراء لاسرائيل هي من مواليد كييف.
بير بوروشوف مؤسس الفلسفة الاشتراكية الصهيونية من مواليد زولوتونوشا.
اسحاق بن زيفي، ثاني رئيس لدولة اسرائيل من بولتافا.
زييف فلاديمير يابوتنسكي، مؤسس الحركة الصهيونية المعدلة (ريفيزيونيست) من مواليد اوديسا.
ومن الكتاب اليهود الاوكرانيين الكبار: مندل موخير سيروفيم ، شولوم عليكم ، حاييم نعمان بياليك ، اسحق بابل ، فاسيلي كروسمن وغيرهم.
اوكراينا لها تسمية شهيرة تصفها بسلة خبز اوربا.
ان اوكراينا تدهش من يزورها ، بزهورها المتفتحة بألوانها الزاهية مثلما يصفها نيكولاي جوجول، لروعتها وجمال طبيعتها ووفرة وتنوع أنواع الحيوانات فيها.
في اوكراينا ولدت الحركة الروحية اليهودية التي تسمى بجماعة الحسيديم التي أسسها بيشت : اسرائيل بعل شيم طوف.
وبالرغم من ذلك ، لاوكراينا تاريخ في مأساة اليهود ومعاناتهم فيها ، حيث ارتبط اسم اوكراينا أيضاً بآلام اليهود، باعتبارها أرض البوكروم . وتذكر بعض الاحصائيات العدد الأكبر لعمليات تعذيب وقتل لليهود كان في اوكراينا الأعلى رقما . فخلال 300 سنة قبل ثورة اوكتوبر 1917م قُتل مئات الآلاف من اليهود فيها . وبين عام 1919 ـ 1920 خلال الحرب الأهلية الروسية تم تعداد أكثر من 1200 بوكروم ، وأكثر من 150 ألف ضحية وقتيل يهودي بحسب اورلاندو فيجس.
كان الموسقوفيون يدعون أنفسهم بـ (الروس الكبار أو العظماء) وأطلقوا على الاوكرانيين لقب (الروس الصغار) دليلا على تعاطفهم معهم . لكن منذ عام 1991 أصبحت اوكراينا دولة مستقلة.
نشر على الموقع الالكتروني، تابليت ماج دوت كوم، قبل أيام مقالا حول يهود شبه جزيرة القرم أحب أن أنقل بعض ماجاء فيه.
"في الطريق الى سيفاستوبول ، ليس بعيدا من سيمفيروبول"
ان هذه العبارة هي مقطع من بداية أغنية بلغة اليديش، ربما تكون الأشهر بين أغاني اليديش في اوكراينا وشبه جزيرة القرم، والاتحاد السوفيتي أيضاً.
عنوان الأغنية هو " هيي تجانكوي "، وتجانكوي هي مدينة اوكرانية بالقرب منها مجمع زراعي لليهود، حيث سكانها ومزارعيها كانوا مبتهجين بالانتصارات السوفيتية الزراعية للفترة من 1920 لغاية 1930، ودائما بحسب الاغنية الشعبية اليهودية هذه ، التي يتحول فيها اليهودي من تاجر الى مزارع بكلماتها المغناة :
" من قال أن اليهودي يمكنه أن يتاجر فقط ؟ ".
وتجيب كلمات الأغنية على هذا التساؤل في مقطعها الأخير:
"إلقِ نظرة على تجان".
والمقصود من تجان مختصراً لاسم المدينة تجانكوي وحقولها ومزارعيها اليهود.
ان اليهود عاشوا في شبه جزيرة القرم منذ زمن بعيد وكانوا منقسمين دينيا الى جماعتين :
كريمكاس التي تتبع اليهودية الرابينية ، والقرائيية التي تتبع التوراة المكتوبة فقط.
وحين تم احتلال شبه الجزيرة في زمن الملكة الروسية كاترينا العظمى من العثمانيين في عام 1783م ، قامت بفتحها لتوطين اليهود فيها ، (ليس حبا بهم بل) لتجعل منهم حصنا أو درعاً بوجه الاتراك.
وبالرغم من منع اليهود من السكن في المدن الكبرى في روسيا القيصرية ، شرعت شبه جزيرة القرم أبوابها لهم للعيش والعمل بحرية . وبلغ سكانها من اليهود في القرن اللاحق ـ التاسع عشر ـ بضع عشرات الآلاف وأغلبهم من الشباب. وأصبح لشبه الجزيرة أهمية خاصة في تاريخ اليهود في روسيا.
في أواخر القرن التاسع عشر شهدت شبه الجزيرة حضوراً لنشاط الحركة الصهيونية ، حيث أصبحت موقعا وأرضية لتجارب رواد الصهيونية تمت فيها عمليات التدريب والتمرس على التكنولوجيا والآلات الزراعية من قبل اليهود الراغبين بالانتقال الى الأرض المقدسة ـ فلسطين .
في بداية العشرينات من القرن العشرين أعارت الحكومة السوفيتية الفتية انتباهها واهتمامها بشبه الجزيرة ، خاصة وأن بعض الاثنيات التي كانت تعيش فيها كانت معادية للشيوعية مثل الاثنيات التتارية والاوكرانية والالمانية . وحاولت مصادر القرار في موسكو شراء ولاءهم لها ببعض الوعود بخصوص مستقبل واعد وزاهر من خلال دعم الزراعة فيها.
في هذا الحين أعلن الناشط والمهندس الزراعي الاميريكي يوسف. أي. روزين مقترحه بدعم مالي من خلال لجنة التوزيع المشتركة لاعادة توطين اليهود الذين في البوكرومات ، في شبه الجزيرة ، وكانت فرصة انتهزها الكرملين الذي وافق على المقترح في عام 1923م لانشاء مقاطعة لليهود في الجزيرة تتمتع بالحكم الذاتي . لكنه تراجع عنها بعد عدة أشهر.
وبالرغم من ذلك ، فمنذ 1924م لغاية 1938 فان لجنة التوزيع المشتركة ، ومن خلال المساعدة المقدمة من قبل يهود أميريكا للمزارعين ومساعدة بعض المساهمين في الأعمال الخيرية مثل يوليوس روزنولد ، تم مساندة المجمعات الزراعية في القرم . مما ساعد في ازدهارها ونمو حالة المزارعين اليهود لبضع سنوات.
وكان هناك حلم يراود اليهود بانشاء جمهورية لهم في شبه جزيرة القرم ، قضى النازيون على هذا الحلم باحتلالهم شبه الجزيرة في حزيران 1941م . وعلى أثر الغزو النازي هذا هرب اليهود من شبه الجزيرة باتجاه الشرق على شكل قوافل، ووصل البعض منهم للنجاة من الموت المحتم على يد النازيين الى كازاخستان واوزبكستان أيضا . ابتداوا من جديد بانشاء مستوطناتهم الزراعية حيث حلوا، والبعض منهم الحق بالجيش الأحمر لمحاربة النازيين.
وخلال نجاحات الحرب السوفيتية ضد القوات النازية الألمانية في الأراضي السوفيتية ، قام ستالين بارسال ممثلين اثنين من لجنة اليهود السوفيت المعادين للفاشستية ، وهما الممثل اليهودي سولومون ميخويلس والشاعر اليهودي اتزيك فيفر، الى الولايات المتحدة الاميريكية ودول أخرى من دول الحلفاء ، لجمع المساعدات والاسناد من يهود الغرب للجهود الحربية السوفيتية.
والتقى الممثلان المبعوثان في نيويورك بلجنة التوزيع المشتركة الذين جددوا دعمهم أيضاً للمستوطنات اليهودية في شبه جزيرة القرم بعد تحررها من السيطرة النازية.
وفي عام 1944 م دحر الجيش الأحمر النازيين الألمان في شبه الجزيرة. وأمر ستالين بترحيل 180 ألف من تتار القرم وابعادهم وذلك لقيامهم بمساعدة المحتل العدو النازي .
وفي هذه الفترة عاد عشرات الآلاف من اليهود الى شبه جزيرة القرم، بعد أن كانوا قد تركوها هرباً من النازيين الغزاة. وفي هذه الفترة أيضاً التقى كل من ميخويلس وفيفر بوزير خارجية الاتحاد السوفيتي مولوتوف وناقشا خلال هذا اللقاء فكرة انشاء دولة لليهود في شبه جزيرة القرم. وكان يبدو على مولوتوف قناعته وتعاطفه مع هذه الفكرة. وكان ستالين قد عينه في مايو آيار 1939 م ليحلّ محل مكسيم ليتفينوف ، ( جذوره اليهودية التي جعلته في موقف حرج ليقود المباحثات مع المانيا النازية ، ثلاثة أشهر بعدها ، بعد أن وقّع مولوتوف على وثيقة عدم الاعتداء الذي سمح لالمانيا النازية من احتلال بولونيا في بداية الحرب العالمية الثانية). مولوتوف لم يكن معاديا لليهود حيث زوجته بولينا كانت يهودية من عائلة يهودية من جنوب اوكراينا وأختها كانت قد هاجرت الى فلسطين.
غادر ميخويلس وفيفر بعد لقائهما مولوتوف مقتنعين بأنه سيدعم الخطة. وسيقوم بطرح الفكرة ـ المقترح، على ستالين.
لكن بدلاً من ذلك ، قام ستالين باستخدام المقترح كذريعة لشن هجومه الكبير على يهود الاتحاد السوفيتي .
وفي عام 1947م قامت الأمم المتحدة بالتصويت على قرار تأسيس دولة اسرائيل ، وهذا القرار جعل من المقترح أعلاه حول القرم لا قيمة له من بعد ، لكنه عزز من شكوك ستالين حول التطلعات الوطنية اليهودية.
في ليلة 12 كانون الثاني 1948 م ، تم قتل ميخويلس بداية وتعزيزا لحملة ستالين ضد اليهود. وخلال الأشهر اللاحقة لتلك الليلة تم القاء القبض على فيفر، زيمكوجينا (نفي الى كازاخستان) وعدد كبير من أعضاء اللجنة اليهودية المعادية للفاشستية.
في 12 آب 1952م ، الشهير بتسميته " ليلة قتل الشعراء "، تم قتل 13 من الشعراء والأدباء اليهود (المتهمين !) من ضمنهم فيفر، والكاتب الشهير بيرغلسون، دوفيد هوفشتين ، ليبو كفيتكو، بيريز ماركيش ، بنيامين كوزكين ، الذين تم اعدامهم في سجن لوبيانكا في موسكو.
وبعد ذلك بعامين سيقوم الكرملين بتحديد مصير شبه جزيرة القرم بنقل ملكيتها الى السلطة الادارية لجمهورية اوكراينا الاشتراكية السوفيتية. التي ربما ، أو قل من الممكن أن تعود الى الأصل الروسي خلال أيامنا هذه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاضطهاد
عبد المطلب العلمي ( 2014 / 3 / 14 - 16:09 )
و كأننا نعود سنوات الى الخلف .ذكر السيد الكاتب عن احداث البغروم ابان الحكم القيصري و الحرب الاهليه التي حدثت في اوكرايينا واصفا اياها بالاكثر دمويه ،و رغم عدم انسانيه التفضيل هنا ،لكن معلوماتي تشير الى ان اشرس المذابح حدثت في مولدوفا جاره اوكرانيا.لا علينا،ما اردت الاشاره له هي عوده روح اللاساميه للظهور ،مساء امس تم التعرض بالضرب لرابي كييف(غاليل كوهين)مما اسفر عن كسر يده و اصابته بجروح و رضوض،هذا عدى عن سيل من الشتائم و العبارات المعاديه للساميه،كذلك و قبل ايام تم حرق مقام احد الرابيين الحسيديين بمدينه شيغيرين و ذلك بقذفه بقنابل المولوتوف.
ملاحظه على الهامش،اسماء الاعلام لا تترجم .لذلك فالكتاب هم شالوم اليخيم و يتسحاق بيبل.
اما سؤالي للكاتب فهو،لماذا رغم ان شيم توف الزعيم الروحي مؤسس المذهب الحسيدي ولد و دفن في اوكرانيا ،لكن الحجاج يتوافدون على ضريح حفيده الرابي ناحمان في روشهشاناه بعشرات الالوف.هذا السؤال حيرني،و استفسرت من اصدقائي لكنهم قالوا انهم ليسوا حسيديين لذلك لا يعرفوا.


2 - الى السيد العلمي
سيلوس العراقي ( 2014 / 3 / 14 - 22:47 )
تحية
للاسف فان هناك ظهور (جديد ) لبعض الفاشية والنازية والعنصرية في كل بلدان اوربا شرقا وغربا
باشكال وممارسات مختلفة ودرجات مختلفة وليس فقط في اوكراينا
اتفق معك بأنه لا تتم ترجمة اسماء الاعلام حين تتم الترجمة من اللغة الام، لكن المشكلة لا يمكن تجنبها بسهولة حين الترجمة بأمانة من الانكليزية ـ التي ترجمت منها ـ الى العربية
وفي كل الأحوال ففي الترجمة هناك خيانة لا مفر منها أحيانا كثيرة
في الايطالية يقولون
tradurre è tra-dir-e
الترجمة هي خيانة

بصراحة ليس لدي جواب حول سؤالك لتوافد الزوار لضريح نحمان باعداد تفوق التي لـبشت : بعل شيم طوف
شكرا للملاحظات ولاهتمامك
وهل لديك علم بكون النازيين الجدد (والعنصريين ) الاوكرانيين يشكل الكاثوليك أم الارثودكس الاوكرانيين غالبيتهم ؟ انا أخمن (ربما أكون على خطأ) أن يكون غالبيتهم من كاثوليك اوكراينا
تحياتي


3 - الكاثوليك و الارثذوكس
عبد المطلب العلمي ( 2014 / 3 / 15 - 16:19 )
ان التربه التي نمت و ترعررعت عليها النازيه في منتصف القرن الماضي،و النازيه الجديده كانت اراضي غرب اوكرايينا تحديدا .حتى ان ستيبان بينديرا المشرقي المولد و المحيط ،لم يصبح من منظري و القائد الاوحد للنازيين،الا بعد انتقاله الى غرب اوكرايينا.
اغلبيه سكان غرب اوكرايينا هم من الكاثوليك اما الارثذوكس منهم فهم من اتباع الكنيسه الاوكرايينيه(المستقله)اي التي لا تعترف بسلطه المجلس المسكوني العالمي.
لذلك فالقول ان اغلبيه النازيين الجددهم كاثوليك ،اي ربط كاثوليكيتهم بنازيتهم،اخمن انه امر خاطئ.البيئه المعيشيه و ليس الدينيه حسب اعتقادي هي سبب تطرفهم.


4 - النازية الجديدة
سيلوس العراقي ( 2014 / 3 / 15 - 20:40 )
شكرا لك
ان من النازيين الجدد ، مثلما ذكر لي صديق ايطالي لديه معرفة باوكرايينا عاش فيها وتزوج من اوكرانية ، بأن عددا لا بأس به منهم اوكرانيين ينحدرون من الاثنية أو العرق البولوني
الذين لديهم نظرة سلبية وعنصرية نحو الروس
!!

مع الأسف ان العنصرية لا تقبل أن تموت فهي كما قال عنها اسحاق سنجر في موضوع حول العنصرية قمت بترجمة مقاطع من افكاره هنا في احدى المقالات في هذا الموقع حيث ، يقول حولها

العنصرية والتمييز العنصري : انها واحدة من الاشياء التي من المستحيل تدميرها أو القضاء
عليها

أقوم ببحث في بعض الكتب حول سؤالك عن الاهتمام الشعبي الكبير بالمعلم نحمان البريسلوفي والحج السنوي الكبير لضريحه مقارنة لذلك الذي لمؤسس الحسيديم: بعل شيم طوف

تحية

اخر الافلام

.. روسيا تكثف هجماتها على أوكرانيا قبيل حصولها على حزمة مساعدات


.. موسكو تصعد هجماتها بعد مؤتمر سويسرا للسلام




.. طفلة باغتها القصف قبل أن تهنأ بحذاء العيد


.. لا ماء ولا طعام.. في ثاني أيام عيد الأضحى بشمال غزة يشتد الج




.. مشاهد تظهر حريقا ضخما غرب لوس أنجلوس التهم 15 ألف فدان وتم إ