الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل ذلك الشيوعي المختلف

محمد سيد رصاص

2005 / 7 / 5
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


تثير الشخصيات السياسية القوية عواطف عنيفة في وسط المسيسين,تتوزع بين الحب والكراهية, فيما لاتثير الشخصيات الضعيفة, أوالوسطية, شيئا من ذلك , حيث ترى الفئات المتصارعة في الحلبة السياسية العامة للبلد( أو في اطار حزب متنازع الاجنحة) في الشخصيات الأخيرة إما كحلٍّ وسط لايساهم في خرق توازن هش قائم بينها , أويرون فيها وسيلة لاعاقة تقدم مرشح قوي عبر اعطاء الأصوات إليها , أو للتأثير عليه معنوياً عندما يرى أصواتاً تنالها شخصية ضعيفة, أو وسطية, تفوق ما يناله .
كان المرحوم خالد بكداش خبيراً بأوزان الرجال : من هنا يجب فهم عملية تركيز سهامه على جورج حاوي منذ المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني المنعقد في شهر تموزمن عام 1968 / بتوجهاته المخالفة لسياسات بكداش والتي بدأت تواجه رياحا مماثلة في صفوف الحزب الشيوعي السوري بعد عام من مؤتمر اللبنانيين/ وليس على الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني نقولا الشاوي , الذي كان تاريخياً طوع يدّي خالد بكداش في أزمات عديدة مر بها الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان ( انفصل إلى حزبين في عام 1964 , ضد إرادة خالد بكداش , الذي ظلت له إمتدادات في الحزب اللبناني عبر شخصيات عارضت التوجهات الجديدة للحزب , مثل نخلة المطران وحسن قريطم ) كما حصل في أزمة صيف 1956 في منطقيتي دير الزور واللاذقية , لمّا ذهب نقولا الشاوي إلى تلك المنطقيتين المتمردتين , بقيادة ياسين الحافظ والياس مرقص , لكي يعيد الأوضاع إلى ما تريده القيادة . بدون ذلك لا يمكننا تفسير حرمان الحزب اللبناني من التمثيل في مؤتمر الأحزاب الشيوعية العالمية المنعقد بموسكو (حزيران1969 ) لصالح شخص مفصول من الحزب هو حسن قريطم الذي ألقى " كلمة الشيوعيين اللبنانيين " , ولا منع السوفييت ( بتأثير خالد بكداش ) لجورج حاوي , الذاهب إلى موسكو لتمثيل الحزب اللبناني في المؤتمر الرابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ( نيسان 1971 ) , من الدخول لقاعة المؤتمر وترؤس الوفد اللبناني .
قاد جورج حاوي ( تولى الأمانة العامة للحزب بين 1979 و 1993 ) الشيوعيين اللبنانيين إلى دور كبير في الحياة السياسية اللبنانية , في فترة 1973 – 1975 , وفي فترة الحرب الأهلية ( نيسان 75 – حزيران 82 ) , وعندما كان في المشهدية السياسية , التي كانت تضمه مع شخصيات سياسية كبرى مثل كمال جنبلاط وياسر عرفات , فإن شخصه لم يكن ظلاً لتلك الأسماء التي كانت معلماً من معالم السياسة العربية في القرن العشرين .
لم ينكسر أمام التوازنات المتغيرة , كما غيره من السياسيين الذين يبدّلون جلدهم بعدها أو ينكفئون من صدمتها : عبر ذلك يمكن إدراك دلالات إطلاقه للمقاومة اللبنانية ضد المحتل الاسرائيلي , في ذلك اليوم الأسود ( 16 أيلول 82 ) عندما اجتاحت دبابات تل أبيب بيروت , وبدأت مجزرة صبرا وشاتيلا . أيضاً , عبر ذلك بالذات يمكن فهم لماذا لم تهتز القناعات الفكرية – الايديولوجية عند جورج حاوي بالماركسية والشيوعية , بعد سقوط موسكو , فيما اهتزت عند الكثيرين من الذين كان يؤمهم (( الإمام الموسكوفي )) , وأيضاً عند العديدين من الذين كانوا مختلفين مع السوفييت , والذين يبدو أنهم كانوا في وضعية الحنين للعودة إلى أحضان الأب أو أن خلافهم مع السوفييت كان في وضعية مشابهة لمخالفة المؤمن الكاثوليكي لبابا الفاتيكان والذي – أي هذا المخالف - يظل يماهي بين الكاثوليكية والبابا , مماجعل خلافهم مع السوفييت بعد سقوط موسكو طريقاً إلى محطة أيديولوجية أخرى , وليس إلى ماركسية مخالفة لتلك التي كانت في الكرملين .
عند جورج حاوي كان هذا التصلب الفكري – الايديولوجي , أو الثبات , ممزوجاً مع مرونة سياسية فائقة , بخلاف وصف السياسي العراقي كامل الجادرجي لسكرتير الحزب الشيوعي العراقي ( سلام عادل ) ,’ بأنه كان متصلباً في مواقفه السياسية (( ولم يكن ينظر ذات اليمين أو ذات اليسار )) , وفقاً لما نقل عنه حنا بطاطو في كتابه عن العراق , وأيضاً بخلاف الكثير من الشيوعيين السابقين الذين يتصورون بأن التحول السياسي يستتبع تحولاً ايديولوجياً , الشيء الذي لانراه إلا عندهم ] ألا يدعو ما أدرجه لوكاتش من قول في كتابه (( تحطيم العقل )) , إلى التأمل والتفكير : (( إن الشيوعي – السابق لايستطيع أبداً أن يصير من جديد شخصية منسجمة متسقة )) ... ؟ [ فيما كل الآخرون , وفي مواقعهم الايديولوجية المختلفة , يمارسون السياسة وتحولاتها عبر موقعهم الفكري – الايديلوجي ويُدخلون تلوينات سياسية وفكرية عليها ولكن عبر ذلك المنظار .
ربما كان هذا , بالذات , هو ماجعل جورج حاوي ظاهرة غير مفهومة في السنوات الخمس الأخيرة من الحياة السياسية اللبنانية , عندما أطلق مبادرة للحوار الوطني , وانفتح على أعداء الأمس إلى حدود لم يتجرأ عليها مبادرون سياسيون كبار يصلون الى حدود المغامرة مثل الزعيم وليد جنبلاط ،الذي ضغط كثيرا على مكابح نزعاته تلك بعد(7 آب 2001) حتى يوم التمديد للرئيس اللبناني في 3 أيلول 2004 0
ظن الكثيرون أن ذالك طموحا الى مقعد نيابي ،أو الى استعادة دور بعد أستقالته من الأمانة العامة للحزب ، وأن هذا " الطموح " أو " الاستعادة " لا يلويان على شيء ، من مبادئ أو ثوابت سياسية :في فترة ما بعد (14 شباط 2005) ثبت أن ذلك ليس صحيحا ، وأن الرجل يريد أن يكون جسرا بين اللبنانيين ، لإدراكه بأن ( الطائف ) إذا كان قد أقام سلماً بينهم فهو لم يقم مصالحة ، بعد، تجعل الحياة السياسية اللبنانية ، بوصفها إنعكاسا ومرآة للمجتمع ، تصل إلى مستقر مثلما حصل في فترة ما بعد أحداث 1958حتى نيسان 1969 عندما بدأ الخلاف اللبناني الأهلي على الوجود الفلسطيني 0
لماذا يواجه السياسي العربي المختلف كل هذا القدر من الإلتباس وسوء الفهم ، عند محازبيه وخصومه على السواء , فيما لانرى ذلك في الدول الغربية المتقدمة , عندما يشار إلى السياسي المختلف , عن نماذج وأفكار أقرانه , بكثير من الإحترام والإعجاب الصريحين ( والخفيين لدى الخصوم ولكن رغم ذلك يمكن لمسهما ) , وهو مانراه في إسرائيل أيضاً , لدى حزب الليكود تجاه شخصية شيمون بيريز, مثلاً ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحالف اليسار يفوز بالانتخابات ويضع ماكرون في ورطة تشكيل الحك


.. بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الفرنسية.. هل تجنح أوروبا يس




.. اليسار الفرنسي تغلّب على اليمين المتطرف.. فهل يتغلب على خلاف


.. شرطة لندن توقف متظاهرين داعمين لفلسطين




.. ردود فعل الدول المغاربية على فوز اليسار الفرنسي في الانتخابا