الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس: الميزانية الاشتراكية البديلة في ميزان الشخصية الوطنية

محمد الحمّار

2014 / 3 / 16
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


بالرغم من التزامنا بالاستقلالية عن كل انتماء حزبي إلا أننا لا نرى بُدّا من تثمين مقترح مشروع الميزانية البديل للجبهة الشعبية حيث إننا نقدّر أنه يقع على الطريق إلى إرساء العدالة الاجتماعية واستتباب العدل بصفته قيمة كونية ناهيك أنها قيمة مركزية في الإسلام.

لكن إذا نحن كنا أدركنا ما ينبغي إدراكه بشأن أهمية المشروع فمطلقو هذا الأخير لم يدركوا ما ينبغي إدراكه من جهتهم. أعني أنّ هنالك عامل مغيب في طرحهم لمشروع الميزانية. وينقسم هذا العامل إلى جزأين اثنين: أولا، ضرورة التفاف الفئات الشعبية العريضة حول هذا البديل كشرط لمروره، وهو ما لم يحصل بعد. ثانيا، ضرورة تحرير القدرة _ المعنوية والمادية_ لهذه الفئات على تمثل هذا المشروع لكي يتمكنوا من الالتفاف حوله ومن ثم الإسهام في تنفيذه، وهو ما لم تسعَ الجبهة الشعبية إلى التدقيق بشأنه وإلى توفيره إذا تأكد فقدانه.

فنحن ممن يؤمنون بأنّ المواطن التونسي _ مثل كل مواطن يعيش في ظل دولة عصرية_ كائن أخلاقي قبل أن يكون كائنا ماديا مستهلكا لشعار مثل "شغل، حرية، كرامة وطنية" الذي يقتصر السياسيون في تونس على رفعه وكأنه مادة مجردة من المعنى والحال أنّ الكرامة ليست قيمة مادية ومصدرها هو الرصيد الرمزي للمواطن من دين ولغة وتاريخ وجغرافيا وغيرها.

فيا حبذا لو عملت الجبهة الشعبية على أن يكون مشروع الميزانية المقترح "ترجمة عملية" لهذا الشعار كما أكده السيد حمة الهمامي ناطقها الرسمي. ويا حبذا لو كانت كل الأطياف السياسية مستبطنة لهذا الشعار على الطريقة التي يفهمها الشعب والتي تتناسب مع مقومات شخصيته.

إنّ هذا الأخير لن يطبق شيئا من ذلك الشعار ولن ينجح مشروع الميزانية البديل ولا أيّ مشروع تنموي آخر إذا لم يُسمح للشعب بأن يسهم في تطبيقه حسب السنن والنواميس للعقل المجتمعي الذي نمى لديه على امتداد قرون. مع العلم أنه عقل مجتمعي مطبوع بثقافة الإسلام. أي أنه عقل شبيه بالسمكة، إذا تم إخراجه من ماء ثقافة الإسلام سوف يفتقر إلى الأكسجين ويموت، ولا ينفعه الأكسجين البري الذي يحاول السياسيون تزويده به عنوة.

ومن دون غوص هذا العقل في مائه من جديد، كيف سيتسنى للمجتمع أن يحقق " المعادلة بين الثروة والاعتماد على القدرات الذاتية في تحقيق التوازن الاقتصادي فالاجتماعي والسياسي" (المشروع الجبهوي) أو التصدي إلى "سوء التصرف وإهدار المال العام ومزيد تفشي الفساد" أو مناهضة "اعتماد المنوال الليبرالي الذي تتخلّى فيه الدولة تدريجيا عن مسؤوليتها الاقتصادية والاجتماعية" و "اعتماد الجرأة في توخي أسلوب جديد يضمن استقرار البلاد اقتصاديا واجتماعيا ويحمي الفئات الضعيفة والمتوسطة ويعتمد على المديونية الداخلية وليس الخارجية لتحقيق الثروة وتشغيل المعطلين وتنمية الجهات"؟

إذن ما لم يفهمه اليسار التونسي بكل أطيافه (وما يتعاطى معه اليمين بالنفاق تارة وبالجهل طورا وبالغلو تارة أخرى) هو أنّ الواقع الموضوعي والمتمثل في كون المواطنين التونسيين _وغالبيتهم من المسلمين_ عقلهم في دينهم وليسوا مثل الروس أو الأمريكان أو الفرنسيين _ وغالبيتهم من المسيحيين_ والذين اختاروا أن يكون دينهم في عقلهم ( نظرا للفروقات الأصلية بين الإسلام والمسيحية وبالتالي لاختلاف التكوين العقلي بين المسلم والمسيحي).

كما أنّ ما لم يفهمه هؤلاء هو أنّ ما هو موضوعي فهو مادي. لذا نعجب لتعمد اليسار _ الاشتراكي والشيوعي على الأخص_ استنكاره لهذا الواقع المادي الذي يخلطونه جزافا مع تلك الظاهرة الطوبوية التي تريد أن يكون الإسلام هو نفسه الواقع (الإسلام السياسي) و الذي يستبعدونه بسبب هذا الخلط. فكيف يقولون بالتحليل الاجتماعي المادي ولا يقبلون بمسلمة أن إسلام التونسيين إنما هو واقعٌ مجتمعي مادي.

وننتهي إلى التنويه بأنّ ما قد يجهله اليسار هو أنّ ثمة حلول لإدماج الفئات العريضة من الشعب في المسار التنموي الأصيل _ الذي يتطلب تحيين العقل المجتمعي المسلم_ وذلك دون أن يتم المساس بحرية الاعتقاد عند كل فرد. ونرى أنّه قبل استنكارهم لـ" إتباع نفس الوسائل والأساليب والمنهجيات والعناصر التي قادت إلى الأزمة الراهنة من خلال الاعتماد على المديونية الخارجية" يتوجب عليهم بدورهم أن يراجعوا إتباعهم لنفس الوسائل والأساليب والمنهجيات التي نشأت عند الروس والألمان والأمريكان والفرنسيين وغيرهم والتي استنسخوها هُم تعنتا وجزافا حتى قاد ذلك إلى قراءة مجانبة للحقيقة بخصوص الواقع التونسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو