الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إريك فروم، الدين والتحليل النفسي

جوزف أيوب

2014 / 3 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


انه اريك فروم (1900-1980)، عالم النفس الإجتماعي والفيلسوف الإنساني، ولد في أذار 23، 1900 في فرانكفورت، المانيا لعائلة يهودية محافظة. بدأ دراسته الجامعية عام 1918 في جامعة فرانكفورت ومن ثم التحق بجامعة هايدلبرغ حيث درس علم الاجتماع بإشراف الفرد ويبر ونال درجة الدكتوراة عام 1922. إلا أنه في بحر عام 1920 تدرّب ليصبح معالج نفسي حيث بدأ معالجة مرضاه منذ عام 1927. هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1934 حيث استقر فيها. نال عدة مناصب في حياته المهنية، منها برفسور لتعليم علم النفس في جامعة ميشيغن من عام 1957 وحتى عام 1961. توفي في أذار 18، 1980 أي قبل خمسة أيام من بلوغه الثمانين.
كما يمكننا القول أن فروم كان من الكتّاب المثيرين اهتمامًا من حيث اهتمامه في تحليل العمق البشري، ومن أهم كتبه: "الهروب من الحرية" (1941)، "الإنسان من أجل ذاته" (1947)، "اللغة المنسية" (1951)، "المجتمع السوي" (1955)، "ستكونان مثل إلهين" (1966) و "تشريح التدميرية البشرية" (1973).
يعدّ فروم من أبرز المحللين النفسيين المجددين حيث حاول دراسة السلوك الإنساني على التوفيق بين المنهج الفرويدي، والذي يهتم بدراسة الفرد وبنيته النفسية الثلاث، من جهة، والمنهج الماركسي القائم على دراسة المعطيات الإقتصادية والتي تتحكم بالفرد، من جهة أخرى. فيرى فروم أن جمع هذين المنهجين يؤدي إلى إدراك التطور والسلوك الإنساني، هذا الإنسان المتأثر ليس فقط بالتكوين الداخلي، بل بالظروف المحيطة به أيضًا.
إلّا أن كتاب "الدين والتحليل النفسي" والذي سنتناوله في مقالتنا يتميز ببساطة المفاهيم المطروحة لفهم الظاهرة الدينية. فأراد فروم من خلال هذا الكتاب أن يثبت كيف المحلل النفسي يستطيع دراسة الواقع الإنساني خلف الدين والأنظمة الرمزية له. ورأى فروم أنه برغم ما أنجزه الإنسان على صعيد الابتكارات والاكتشافات العلمية والتقنية، يبقى الإنسان هو الأبعد عن ذاته ولم يقترب قيد أنملة في تحقيق حلمه - تحقيق كمال الإنسان- أي محبة الإنسان لأخيه الإنسان. بل أكثر من ذلك يبدو أننا أخفقنا في تكبّد العناء بما حقّقناه في سبيل هذا النمط الإنساني الهستيري، حيث نصبح أكثر اقترابًا من الفصام الذي ينفقد فيه الاتصال بالواقع الداخلي وينفلق فيه الفكر عن العاطفة. يؤكد فروم أن العودة إلى الدين عند البعض هو الحل لا بوصفه فعل ايمان محض بقدر ما هو هروب من شك لا يطاق. حيث يجيب فروم أنه لطالما كان الكهنة المصريين أطباء الروح كذلك كان دور الفلاسفة اليونانيّون الذين تناولوا الفلسفة والنظام الأخلاقي بحجة العقل – فكان لهذا، الدور في نشوء علم النفس.
وبحسب فروم، يرى فرويد (1856-1939) أن ضعف الإنسان – أي فشل العقل – في مواجهة قوى الطبيعة خارجه والقوى الغريزية داخله، يعمل إلى التغلب عليها في استخدام "العواطف المضادة" وهو ما يؤدي إلى الوهم. وأن الدين عصاب جماعي قائم على رغبات الإنسان.
أما بحسب يونغ (1875-1961) فيقدم الدين على أساس سيكولوجي بعكس فرويد الذي قدّمه على أساس فلسفي، وأن الدين حقيقة سيكولوجية لأنها موجودة. وباختصار إن جوهر الخبرة الدينية هو الخضوع لقدرات أعلى من أنفسنا، فهو يستولي ويسيطر على الذات البشرية التي هي بالأحرى ضحيته دائمًا وليست خالقته.
من هنا نرى مما تقدّم وبحسب فروم أن فرويد ويونغ لم يختلفا في نظرتهما للدين من الحيث المضمون، ففرويد يتفق مع الدين من حيث الجوهر الأخلاقي ويرفض السمات التأليهية الفائقة للطبيعة فهذه المفهومات كانت ضرورية برحلة التطور البشري ولم تعد ضرورية في واقعنا. أما يونغ في موقفه الاستسلامي للقدرة العليا "الله أم اللاشعور" فواجب الانسان في البحث عن الحقيقة مبدأ أساسي متكامل في الأديان.
 -;-
بامتلاك الإنسان للعقل والتخيّل أي وعيه بذاته أصبح -الانسان- الحيوان الوحيد الذي يمتلك (شعوريًا) السأم والسخط من طرده الجنّة، وعليه فقد أضاع وحدته مع الطبيعة. مع هذا الضياع أصبح بحاجة إلى فهم وجوده وإعادة توازنه مع الطبيعة فخلق صور ذهنية كانت بمثابة اطار للإجابة عما يجب أن يفعله.
وكما أشرنا إلى رؤية فروم لفرويد ويونغ وموقفهما من الدين حيث أشار إلى انه -فرويد- "عصاب جماعي قائم على رغبات الإنسان" أما مع -يونغ- فهو "الخضوع لقدرات أعلى من أنفسنا، فهو يستولي ويسيطر على الذات البشرية التي هي بالأحرى ضحيته دائمًا وليست خالقته". إلا أنه اختلف معهما في تعريف الدين وأشار إلى أنه: أي مذهب للفكر والعمل تشترك به جماعة ما، ويعطي للفرد اطارًا للتوجيه وموضوعًا للعبادة. وقد قام بتقديم نوعين من الدين: الدين التسلطي (authoritarian)، والدين الإنساني (humanistic).
يرى فروم في الدين التسلطي الاستسلام لقوة تعلو على الإنسان على أن تكون الطاعة هي الفضيلة الأساسية والعصيان هو الخطيئة الكبرى. فهذا الاله قادر، عالم بكل شيء - بالمقابل يجد في الإنسان العجز والضعف أي فقدان الإنسان لما كان يملكه أصلا وهنا يعني فروم "العقل والحب" اللذين تم سلبهم. وبهذا يكون الإنسان في اغتراب عن ذاته.
وبهذا فهو يختلف مع فرويد الذي يركز على الحاجات الغريزية (جنسية وعدوانية) ويرى حاجة الدين تكمن في مفهوهما الإجتماعي العام. فهذا الإنسان إن لم يستطع توجيه ما امكن من طاقة إلى ذات عليا تكون ذاته أي إن لم يملك الصورة الحقيقية لذاته عندها يضطر إلى تشكيل صورة وهمية تلبي حاجاته ويتمسك بها إلى أن يعتقد أنها حقيقة قادرة على إجابة كافة التساؤلات. وبهذا تكون عملية إسقاطية ميكانيكية حيث أعطت هذا الاله صفة الحكمة، العدالة، والحب. فتتحول علاقاته مع الاله إلى علاقة ذات طابع خانع مشوبة بالمازوشية، فيقول فروم "إذ يصبح الإنسان بلا ثقة في أخوانه البشر، وفي نفسه، بلا تجربة لحبه الخاص، وقوة عقله الخاصة". أما الدين التسلطي العلماني فيصبح الزعيم، الفوهرر، أبو الشعب، وما إلى هنالك من تسميات موضوعًا للعبادة. وأيضًا تصبح حياة الإنسان تافهة فارغة من مضمونها.
أما في الدين الإنساني، يقصد فروم ما يأتي به أشخاص مثل بوذا، الذي يصفه "بالمستنير" الذي أدرك حقيقة الوجود الانساني وتحدث باسم العقل وليس باسم قوة فائقة على الطبيعة. فيكون هدف الأنسان تحقيق أكبر قدرة من القوة لا العجز، الذات لا الطاعة. ويتفق فروم مع فرويد من حيث الاسقاط فيقول: ففي حين ان الاله في الدين الانساني صورة لذات الانسان العليا، ورمز على ما يمكن ان يكون عليه الانسان او ما ينبغي أن يئول اليه، نرى أن الاله قد أصبح في الدين التسلطي المالك الوحيد لما كان يملكه الانسان أصلا: أعني العقل والحب. وكلما كان الاله أكمل ، كان الانسان أنقص. انه "يسقط" أفضل ما عنده على الاله، ومن ثم يفقد نفسه.
وفي الختام يؤكِّد إريك فروم أنّ ما يهدد الدين ليس العلم، بقدر ما هي الممارسات السّائدة في الحياة اليومية، فعلى مرّ التاريخ لم تكن المواقف المناهضة للدين في ظاهرها ضدّ الدين بحد ذاته، إنما ضد ما تزعمه المؤسسات الدينية من أنّ أقوالها ينبغي أن تؤخذ مأخذ الإيمان المطلق؛إذ تميل هذه المؤسسات إلى تقديس مؤسساتها وبذلك تدفعهم للاعتقاد والوقوع في الأوهام، وتحريم التفكير النقدي الحرّ مما يؤدي إلى عطالة العقل، وكبت التفكير النقدي من شأنه إيقاف القدرات العقلية في مجالات أخرى، والدين عندما يقدّس مؤسسات أو سلطات بعينها، يجعلها خارج دائرة النّقد.. مسيّجا إيّاها بالكثير من القُدسيّة ، مخوّنًا كل من يحاول نقدها.
"بامتلاك الإنسان للعقل والتخيّل أي وعيه بذاته أصبح -الانسان- الحيوان الوحيد الذي يمتلك (شعوريًا) السأم والسخط من طرده الجنّة، وعليه فقد أضاع وحدته مع الطبيعة. مع هذا الضياع أصبح بحاجة إلى فهم وجوده وإعادة توازنه مع الطبيعة فخلق صور ذهنية كانت بمثابة اطار للإجابة عما يجب أن يفعله."
رؤية فروم لفرويد ويونغ وموقفهما من الدين حيث أشار إلى انه -بحسب فرويد- "عصاب جماعي قائم على رغبات الإنسان" أما مع -يونغ- فهو "الخضوع لقدرات أعلى من أنفسنا، فهو يستولي ويسيطر على الذات البشرية التي هي بالأحرى ضحيته دائمًا وليست خالقته". إلا أنه اختلف معهما في تعريف الدين وأشار إلى أنه: أي مذهب للفكر والعمل تشترك به جماعة ما، ويعطي للفرد اطارًا للتوجيه وموضوعًا للعبادة. وقد قام بتقديم نوعين من الدين: الدين التسلطي (authoritarian)، والدين الإنساني (humanistic).
يرى فروم في الدين التسلطي الاستسلام لقوة تعلو على الإنسان على أن تكون الطاعة هي الفضيلة الأساسية والعصيان هو الخطيئة الكبرى. فهذا الاله قادر، عالم بكل شيء - بالمقابل يجد في الإنسان العجز والضعف أي فقدان الإنسان لما كان يملكه أصلا وهنا يعني فروم "العقل والحب" اللذين تم سلبهم. وبهذا يكون الإنسان في اغتراب عن ذاته.
وبهذا فهو يختلف مع فرويد الذي يركز على الحاجات الغريزية (جنسية وعدوانية) ويرى حاجة الدين تكمن في مفهوهما الإجتماعي العام. فهذا الإنسان إن لم يستطع توجيه ما امكن من طاقة إلى ذات عليا تكون ذاته أي إن لم يملك الصورة الحقيقية لذاته عندها يضطر إلى تشكيل صورة وهمية تلبي حاجاته ويتمسك بها إلى أن يعتقد أنها حقيقة قادرة على إجابة كافة التساؤلات. وبهذا تكون عملية إسقاطية ميكانيكية حيث أعطت هذا الاله صفة الحكمة، العدالة، والحب. فتتحول علاقاته مع الاله إلى علاقة ذات طابع خانع مشوبة بالمازوشية، فيقول فروم "إذ يصبح الإنسان بلا ثقة في أخوانه البشر، وفي نفسه، بلا تجربة لحبه الخاص، وقوة عقله الخاصة". أما الدين التسلطي العلماني فيصبح الزعيم، الفوهرر، أبو الشعب، وما إلى هنالك من تسميات موضوعًا للعبادة. وأيضًا تصبح حياة الإنسان تافهة فارغة من مضمونها.
أما في الدين الإنساني، يقصد فروم ما يأتي به أشخاص مثل بوذا، الذي يصفه "بالمستنير" الذي أدرك حقيقة الوجود الانساني وتحدث باسم العقل وليس باسم قوة فائقة على الطبيعة. فيكون هدف الأنسان تحقيق أكبر قدرة من القوة لا العجز، الذات لا الطاعة. ويتفق فروم مع فرويد من حيث الاسقاط فيقول: ففي حين ان الاله في الدين الانساني صورة لذات الانسان العليا، ورمز على ما يمكن ان يكون عليه الانسان او ما ينبغي أن يئول اليه، نرى أن الاله قد أصبح في الدين التسلطي المالك الوحيد لما كان يملكه الانسان أصلا: أعني العقل والحب. وكلما كان الاله أكمل، كان الانسان أنقص. انه "يسقط" أفضل ما عنده على الاله، ومن ثم يفقد نفسه.
وفي الختام يؤكد إريك فروم أن ما يهدد الدين ليس العلم، بقدر ما هي الممارسات السّائدة في الحياة اليومية، فعلى مرّ التاريخ لم تكن المواقف المناهضة للدين في ظاهرها ضدّ الدين بحد ذاته، إنما ضد ما تزعمه المؤسسات الدينية من أنّ أقوالها ينبغي أن تؤخذ مأخذ الإيمان المطلق؛ إذ تميل هذه المؤسسات إلى تقديس مؤسساتها وبذلك تدفعهم للاعتقاد والوقوع في الأوهام، وتحريم التفكير النقدي الحرّ مما يؤدي إلى عطالة العقل، وكبت التفكير النقدي من شأنه إيقاف القدرات العقلية في مجالات أخرى، والدين عندما يقدّس مؤسسات أو سلطات بعينها، يجعلها خارج دائرة النّقد.. مسيّجا إيّاها بالكثير من القُدسيّة ، مخوّنًا كل من يحاول نقدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 18 - 08:33 )
- الدين هو : الإنسان , هو : الوعي , هو : الأخلاق , هو : الضمير .
البشرية كلها عبر الزمان وعبر المكان لم توجد بها قرية ولا نجع بغير إيمان بالله ولا يُعرف تاريخ الانسان الا في إطار الدين والإيمان بوجود الله ولم توضع فلسفات العالم ومحارات عقول العالم إلا من أجل التأسيس للدين .
والمنطق منذ أرسطو إلى يومنا هذا ؛ يدور في إطار وجود الله كقضية بديهية , يقول المؤرخ الإغريقي (بلوتارك) : (لقد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد لا يوجد دليل واحد على أن التدين تأخر على نشأة الإنسان بل هم قرينان منذ القدم) .... الدين ص76 .
هل تعلم أن إنسان (النياندرتال) كان مُتديناً؟ .


يتبع


2 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 18 - 08:34 )
- الإلحاد المادي : الملحد المادي ليس إنسان وإنما يأتي في قمة المملكة الحيوانية على أحسن تقدير , حدود الطبيعة المادية هي حدوده , لا يُعقل أن يتمرد على تلك الحدود المادية أو قوانين الطبيعة أو يلفظها أو حتى يفهم معنى التمرد عليها , هل الذرة تتمرد على خط سيرها المُقدر لها سلفا؟ .
إذن هو في أحسن حالاته تقوده المادية الحتمية والبيولوجية الداروينية والبقاء للأقوى والإنتخاب الطبيعي للأصلح .
الملحد لا يستطيع أن يخرج بدليل على تفرد الإنسان أو مركزيته أو قيمة الاخلاق , الملحد لن يستطيع ان يبرهن على أي شيء جيد في هذا العالم ولا أن ينتقد أي شيء سيء في هذا العالم! .

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah