الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيّدي الرئيس/ جلالة الملك

طوني سماحة

2014 / 3 / 18
المجتمع المدني


سيّدي الرئيس، جلالة الملك،
يرتجف القلم في يدي و أنا أخاطبكم. فرهبة المنصب الذي تشغلونه يجعلني أطارد الكلمات كيما أتوجه إليكم بالاحترام اللائق بكم.
سيّدي، لست أعرف من أين أبتدأ الكلام. فأنا مجرد إنسان صغير تمتد جذوره في هذه الأرض المباركة منذ مئات أو ربما آلاف السنين. لكنني مثل الكثيرين غيري، حملت جذوري و غرستها في أرض بعيدة. لماذا؟ يعزّ علي سيّدي أن أقول لكم أن أرضي المباركة تلوثت و ماءها العذب نبض و أشجارها يبست و جذورها ماتت.
من مكتبي الصغير في أرضي البعيدة، أحمل قلمي و بعض الذكريات الحلوة لأكتب إليكم. فلا يستطيع القلم أن يخط سوى كلمة "لماذا".
لماذا، سيّدي، يُقتلُ الأطفال في بلادي؟ أليست الطفولة مرآة المستقبل؟ أو ليس قتل الطفولة نحرٌ للمستقبل في رحم الحاضر؟
لماذا تعنّفُ المرأة و ليس من يصرخ في وجه الظلم؟ أو ليست الهمجية عنوانا عريضا للمجتمعات التي لا تحترم نساءها؟
لماذا يفتخر الرجل في بلدي بسيفه؟ أما عاد للكتاب من مكان في مجمتع يدّعي الحضارة؟
لماذا تستثمر شعوب العالم في محو الأمية فيما ثلث شعوبكم لا يقرأون و يكتبون و يرتفع هذا العدد ليصل الى النصف بين النساء ؟
لماذا شعوبكم ممزقة إثنيا و ثقافيا و دينيا و عرقيا و لا يستطيع واحدكم قبول الآخر؟
لماذا ترتفع نسبة العنصرية في بلادكم أكثر من سواها في بلاد الآخرين؟
لماذا ينعدم الأمن في بلادكم؟ أليس الأمن ضرورة حتمية للاستقرار و الرفاه؟
لماذا ليس للكتاب من مكان في مجتمعاتكم سوى على رفوف المكتبات التي علاها الغبار؟ أو ليس الكتاب رمز الحضارة و التقدم؟
لماذا يكره شعوبكم واحدها الآخر و يسيطر التطرف الديني و الطائفي على مجتمعاتكم؟
لماذا يُفتي رجال الدين بالقتل على الشاشات و المنابر؟ ألا تتسبب هذه الفتاوى بزعزة الامن؟
لماذا نستورد و لا نصدر؟
لماذا ليس لدينا جامعات و مراكز ابحاث تضاهي أكسفورد و هارفرد؟ أحل رجال الدين في مجتمعاتنا بفتاويهم المضحكة المبكية محل العلماء و الباحثين؟
لماذا تُهجرُ الأقليات و هم سكان الأرض الأصليين في الكثير من بلادكم و تفرضون الجزية على بعض رعاياكم؟ أليس في ذلك عيب عليكم؟
لماذا تستفحل الرشوة في دوائركم؟ أو ليست الرشوة دليل فساد و انحطاط؟
لماذا تتضاعف نسب التحرش الجنسي في بلادكم و أنتم تفتخرون بأنكم أمما محافظة؟ فكم بالأحرى لو لم تكونوا محافظين؟
لماذا تنعدم برامج التوعية الأخلاقية و الثقافية و التربوية في مجتمعاتكم و مدارسكم؟
لماذا غرقت البرامج التعليمية في مدارسكم في رمال القرن الماضي، فصار أطفالكم يقرأون و لا يفهمون و يحفظون غيبا و لا يدركون ما يرددون؟
لماذا تمتلكون أعلى نسب الموارد الطبيعية بين سكان الأرض و شعوبكم من أفقر شعوب المسكونة؟
لماذا أنتم أكثر شعوب الأرض تديّنا و أقلها رحمة؟
لماذا تتنصلون من كل مسؤولياتكم في حل المشاكل التي تعانونها و ترمون السبب دائما على الآخرين؟ ألم تكونوا السبب و لو لمرة واحدة في افتعال مشاكلكم؟
لماذا تكثر جرائم الشرف في بلادي و من ثم يُخفّف الجرم و يخرج المجرم من سجنه مرفوع الرأس مفتول الشاربين؟ تبّ شرف تغسله الأيادي الملطخة بالدماء. أو ليس من حق نساءكم أن يغسلن شرفهن بدمائكم إن أنتم زنيتم و خنتموهن؟
لماذا تتكسر السفن التي تحمل المهاجرين من بلادكم على شواطئ البلاد الاوروبية و الامريكية و الاسترالية؟ ألم تعد أرضكم تستطيع حمل شعوبها؟
لماذا يموت الإنسان في بلادي و ترمى جثته على الطريق و ليس من يسأل؟ أما عاد من قيمة للإنسان في بلدي؟
لماذا تتنقل الحروب في بلدي من مكان لآخر و منطقة لأخرى فيما الكثير من شعوب الارض تحيا في أمان؟ أترانا نحمل في جيناتنا إرث أب اللهب و أب الجماجم؟
لماذا أتانا الربيع العربي، و إذ بنا للمرة الاولى في تاريخ العالم نرى معجزة سقوط الثلوج الباردة و القاتلة في الربيع؟

سيدي الرئيس،
لماذا أنتم فوق المساءلة؟ نسمع دائما عن الفضائح الجنسية و المالية التي يرتكبها الحكّام في الدول الأخرى، فيما أنتم فوق الشبهات؟ هل أنتم جميعا من صنف الملائكة؟
لماذا يقف رؤساء الدول الأخرى أمام القضاء للمحاكمة، فيما القضاة في بلادي يخشون النظر الى وجوهكم؟
لماذا ثروات الكثيرين منكم تضعكم على لائحة أكثر الرؤساء ثروة في العالم و أنتم حكام بلاد فقيرة؟
لماذا تتوارثون السلطة أبا عن جد؟ أخلت أرضكم من النوابغ أم أن السلطة أحبتكم دون سواكم حتى صارت تجري إليكم من تلقاء ذاتها و باتت تسري في دمائكم؟
لماذا ترتفع تماثيلكم و صوركم على مفارق الطرقات و على سطوح البنايات، فيما تخلو شوارع البلاد الاكثر تقدما من صور رؤسائها؟ لماذا تنشغل أجهزة التلفاز في بلادكم بكم، فيغني لكم المغنون و يكتب الشعراء عنكم و تزغرد النسوة لكم؟ ترى ماذا أنجزتم أكثر من سواكم؟
لماذا تسبق الالقاب الرنانة أسماءكم. يخاطب العالم رؤساءه بكلمة "سيدي الرئيس" فيما أنتم أصحاب السيادة و الفخامة و الجلالة و المعالي و السعادة و دولة الرئيس؟
لماذا يطغى الطاغي من المحيطين بكم و يظلم الظالم و يسرق السارق و يقتل القاتل و ما من يحاسب حتى صح بكم المثل القائل "كلب المير مير" و ما معناه في الفصحى "كلب الأمير أمير".
سيّدي الرئيس، جلالة الملك،
لقد نبض الحبر من قلمي فابتدأت أكتب بدمعي و دمي. فليكن معلوما لديكم ان التاريخ يستطيع أن يزور صفحات الكتب و محو الحبر عن صفحاتها، لكنه لن يستطيع أن يمحو ما كُتبَ بدمع العين و دم القلب. لقد صرنا أضحوكة الشعوب و مسخرة الامم و انتم تبصرون و لا ترون و تسمعون و لا تعون ما يقال.
أعتذر سيدي الرئيس إن كان بعض كلامي جارحا، أقر أني حاولت جاهدا حبس الكلمات في قلبي، لكنها كسرت قيود السجن و فتحت أبوابه و مضت إليكم حرة طليقة رافضة أن تقيد و تسجن. أنا أعترف، سيدي الرئيس أنكم لستم المسؤول الوحيد عما آلت إليه الامور في بلدي، بل إن الشعب الذي يغني لكم و ينشد القصائد لكم ليس اقل ذنبا منكم.
"من له أذنان للسمع فليسمع"
ط. س.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق




.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟


.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع




.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد