الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما معنى قول المسيحي للمسلم أن التوراة والإنجيل وحي الله؟

إبراهيم عرفات

2014 / 3 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القرآن نَزَل من السماء، نزل نزولاً، والنزول هبوط من علو إلى أسفل، والوحي القرآني تنزيل، وهناك أسباب النزول، نزول القرآن من اللوح المحفوظ، من السماء العليا إلى السماء الدنيا، بواسطة جبريل، وكل آية من أيات القرآن لها أسباب استدعت نزولها، وهذا في عقيدة المسلمين كافة. أغلب أيات القرآن، باستثناء قصص الأنبياء مثلاً، نزلت في مناسبة معنية أو عندما سأل الناس النبيَّ أسئلة معينة. لنأخذ مثلاً حادثة حفصة عندما وجدت النبي مع مارية القبطية في فراشها وخرج النبي يتصبب عرقًا وأقسم لها أنه سيحرم على نفسه مارية القبطية وطلب من حفصة أن لا تخبر أحد بشيء مما حد. ولكن حفصة لم تستطع كتمان الخبر بحسب المتوقع وأخبرت عائشة بما حدث. فلما علم النبي بذلك ثارت ثائرته واعتزل نساءه فأنزل الله الأيات "يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك؟" (سورة التحريم 66 والأيات من 3-4). هذه واقعة شخصية تخص محمدًا وزوجاته فقط وليس لبقية المسلمين دخل بما حدث بين محمد وزوجاته، فما الداعي الذي يضطر الله يا ترى هنا لأن ينزل الأيات بسببها؟! إنْ كان القرآن مكتوبًا منذ الأزل في اللوح المحفوظ وعلم الله أن محمدًا سوف يضاجع مارية القبطية وعلى فراش حفصة، أما كان من الممكن تفادي هذه الحادثة قبل حدوثها؟ آية 4 تقول إن الله متحالف مع محمد وضد عائشة وحفصة وينذرهما بالتوبة وإن لم يتوبا ويتراجعا عما هنّ فيه فسوف يكون الله وجبريل والملائكة وصالح المسلمين عونًا للنبي وضدهما. هناك أيضًا موقف حادثة الإفك ومفهوم الناس والمنسوخ في الإسلام وكل هذا يؤكد على ظرفية النزول وارتباطه بالموقف، والغاية تبرر الوسيلة.

يختلف مفهوم الوحي في المسيحية عما هو في الإسلام كل الاختلاف إذ لا نزول ولا لوح محفوظ في المسيحية والله في المسيحية يوحي بذاته عن ذاته مستخدمًا تعبيرات الإنسان وأفكاره وشخصيته وثقافته وبيئته للتعبير عن هذا الوحي. الوحي المسيحي وحي تاريخي أي يقوم على أسس تاريخية وينطلق من التاريخ ويرتبط بأحداث التاريخ ويتفاعل معها في مرونة وينقله شهود شفاهيًا وكتابةً وكثيرًا ما يكون شفاهيًا في البداية والكتابة تأتي فيما بعد في مرحلة لاحقة. الوحي القرآني وحي "مُنزَل" من فوق، من اللوح المحفوظ (85/ 22)، وقد "نزل جملة واحدة" من الأفق الأعلى ولكن محمدًا لم يتلقاه إلا مُنجَّمًا، يعني آية آية، أو كل خمس أيات معًا، أو عشر أيات، أو أكثر أو أقل (جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص 73).

والوحي القرآني نزل كله من عند الله، بمبناه ومعناه، وليس لمحمد يد فيه، لا يعطيه من تلقاء نفسه ولا ينطق به على هواه والنبي لا يصوغه بلفظه ولا يلقيه بكلامه ولا يملك حتى حق استخدام ذاكرته في حفظ القرآن، بل الله يتكفل بتحفيظه إياه. إنه وحي ينزل على محمد، حين يشاء رب محمد، ويفتر إذا شاء له رب محمد الانقطاع. غير أن النزول في القرآن دليل على أنه يخضع لأحداث تاريخية كثيرة مختلفة ومتنوعة، ولأساليب اللغة والبشر، ولأساليب اللغة والبشر. يأتي القرآن لهم بلغتهم وكما قال بعضهم "مُحدَث" أي خاضع لأحداث التاريخ وتقلباته.

الوحي المسيحي لا يمكن حصره في تعليم مؤسسٍ واحد بعينه بل ينمو نموًا مطردًا خلال خمسة أو عشرين قرنًا قبل أن يصل إلى ملئه في ظهور المسيح الذي هو صاحب الوحي الأساسي، ومن خلال مسيرة النمو المطّرد عبر القرون يحمل الوحي معه حضارات تلك الأمم التي ظهر فيها وتقاليدهم وثقافات شعوبهم، ولبس أشكالاً وأجناسًا من الفنون الأدبية المختلفة، ولذلك يجدر بنا أن نتزود في البداية بعلم التفسير الكتابي وبعلوم تاريخ الحضارات والحوادث حتى نفهم بوعي. في هذا الوحي المسيحي يكلم الله البشر بلغتهم وأساليبهم وبالتالي فهو لا يلغي شخصيتهم ولا موروثاتهم الثقافية. كلام الله تعبر عنه ألسنة بشرية بطرقها المتنوعة الخاصة بهم فصار شبيهًا بكلام البشر. لذلك الله في المسيحية لا يريد تعجيز الناس بسحر البيان أو عسير الكلام بل الوحي في متناول الجميع ويأتيهم بشتى أنواع الفنون الأدبية من نثرٍ وشعر، أخبار وقصص، أمثال وحكم وأناشيد، ومزامير ورؤى ورسائل وأعمال، وهذا التنوع العجيب يدفعنا إلى القول بأن هذا الوحي المسيحي لا يمكن أن نفهمه بمعزلٍ عن مراحل نموه وأطره الحضارية كلها. في هذا النمو المطرد استخدم الله كتبة عديدين ومتنوعين، منهم الرواة والمخبرين، المؤرخين والقضاة والمشترعين، الحكماء والملوك، الأنبياء والرسل والمبشرين والرائين وكل هذا. جاء في كتاب التعليم المسيحي، عدد 106: إن الله اختار أناسًا، استعان بهم، وهم في ملء عمل قواهم ووسائلهم فعمل هو نفسه فيهم وبهم".

وحي القرآن عكس ذلك إذ هو وحي حصري قصري محصور في شخص محمد وبيئته الضيقة وفيه الله يشهد للنبي والنبي يشهد لله وبكتاب واحد هو القرآن وبلغة واحدة هي العربية وبفترة زمنية محدودة ما بين 610 و 623، وبمجتمع متجانس الثقافة وهو مجتمع مكة والمدينة. قضى محمد حياته يدافع عن نفسه بأنه إنسان يُوحى إليه فراح يجد التبرير تلو التبرير لعله يقنع سامعيه بأن ما يُنزل عليه هو "تنزيل رب العالمين" و"أنه "مُصدِّق لما في التوراة والإنجيل" وأنه أنزله جبريل الروح الأمين… ويطول الدفاع بالنبي عن نفسه فيروح إلى تحدي الإنس والجن بأن يأتوا بسورة مثل سور القرآن أو حتى آية من آياته… وكم اتهمه المتّهمون بأنه "مجنون" و"ساحر" و"شاعر" وأما النبي فكان يرفض ويدافع ويتحدى: "يقولون شاعر مجنون" (27/ 36؛ 21/ 5)؛ فيجيبهم مدافعًا: "وما هو بقول شاعر" (69/ 41)؛ ويقولون إنّه لمجنون" (68/ 2)، ويجيبهم "وما صاحبكم بمجنون" (68/ 51؛ 34/46).

في الوحي المسيحي هناك تنوع وتعدد وتطور لأنه مرتبط بحياة البشر وأما الوحي الإسلامي محصور ضيق، بلون واحد، لا تنوع فيه ولا تطور. الوحي القرآني مُنزَل من فوق ويخاطب الناس خطاب فوقي ويتعامل مع محمد ومحمد وحده، ما يريده محمد في ظروفه الخاصة وبحسب أميال قلبه ولذلك قالت له عائشه: ما أرى ربك إلا يسرع لك في هواك. الوحي المسيحي متدرج منفتح يربط بين عهدين: القديم والجديد، ويؤمن صلته بشعوب الأرض من خلال "جماعة" المؤمنين الحية الفاعلة التي نسميها "الكنيسة". يكفينا القول بأن وحي القرآن "نزل دفعة واحدة"، وهذا عكس النمو المطرد والتطور والمرونة في الوحي المسيحي. كان الهدف من تدبير العهد القديم هو تهيئة مجيء مسيح مخلّص الكل فيملك ملكًا ماسويًا بما أنه المسيا المنتظر (دستور عقائدي في الوحي الإلهي، عدد 15). وهنا العهد الجديد محتجب في القديم والعهد القديم نكتشفه في الجديد وننظر ونقرأ بعين المسيح مثلما فعل عندما فتح عيني تلميذي عمواس فكانت لهما رؤيته وفكره ونظره في القراءة.

في الوحي المسيحي عهد الله هو عهد روح وليس عهد حرف حيث الحرف يقتل ويحكم علينا بالإدانة وأما الروح فيأتي بنا لحيز نعمته ويعطينا حياة. نحن الآن في نظام الروح الجديد (رومية/ 6). الشريعة الجديدة ليست كتب ودفاتر بل هي منقوشة في قلوب الشعب الجديد (إرميا 31/ 31-34). هنا نعبد الله عبادة باطنية وشريعته أي نهجه أي دربه ينقشه في قلوبنا فتكون طرقه وطرق بيته في قلوبنا ويتشكل قلبنا البشري بموجب هذا الناموس الإلهي وروح الله في كل هذا يواصل العمل والتشكيل فيصبح قلبنا جميلاً ويزداد جمالاً على جمال كلما تقدمت بنا الشركة الحميمة مع إلهنا الذي نستريح في أبوته ونحيا في ملء روحه (حزقيال 36/ 26-27). لا نقرأ الكتاب كنصوص ولوائح ولا كتاب الله كلمة جامد خرساء ولكن فكر الله يوهب لنا وفي ضوء مشيئته نسلك بالروح فنرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت مع أن الكتاب المقدس هو هو وقد قرأناه لسنين وسنين ولكن في كل مرة نأخذ شيء جديد من الله. وعليه فأهل الكتاب هم المسلمون لا المسيحيون لأن المسيحيين يتبعون شخصًا حيًا هو أساسهم وركيزتهم لأن كلمة الله صار بشر وبهذا البشر نقرأ ونحس ونتأمل كتاب الله المقدس وبدونه لا نقرأ أو نفهم الكتاب المقدس. لابد للمسيح، كلمة الله الحي الأزلي، الكلمة الأزلية هو، من أن يفتح بالروح القدس أذهاننا على فهم المكتوب في الكتاب المقدس. في شخص المسيح، "كلمة الله" و"روحه" المرسل من لدنه أصبح الوحي المسيحي، بمفهومه المسيحي، كاملاً منسجمًا، قولاً وعملاً، "في المسيح الذي هو وسيط الوحي بكامله، وملؤه في آن واحد" (دستور عقائدي في الوحي الإلهي، عدد 2). في الإسلام "الكتاب" وحده يكفي وعندها يبقى الله صمدًا مدى الدهر، وكأن لا حياة فيه ولا حركة؛ بينما في المسيحية هو "تجسد" وحياة وحركة.

يسوع المسيح، في شخصه، هو كمال الوحي وتمامه وغايته ونهايته. لا بعده وحي يخرج عنه ولا قبله لا يتجه إليه بل هو غاية كل الأسفار المقدسة المكتوبة من قبل مجيئه ومشتهى الأجيال. به تم كل شيء، وبه كان "ملء الزمان" (غلاطية 4/ 4). ما تم به سلّمه إلى رسله و"تسلّم" رسله ما سلمهم إياه، وهم بدورهم قاموا بتبليغ الناس عن طريق الكنيسة كل ما تسلموه وذلك بهدي الروح القدس ومواهبه. المسيح هو كمال الوحي والوحي في المسيحية ليس كتابًا بل هو في حقيقته شخص. المسيح هو الشخص الذي إن رآه أحد فقد رأى الآب. حياة المسيح وشخصه وأعماله وأقواله هي الإنجيل. هذا الإنجيل نطالعه في صورة مدوّنة مكتوبة ونحن على ركبنا جاثين بالروح أمام الله فنقرأ بالروح لا بالحرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابراهيم عرفات
عراقيون ( 2014 / 3 / 18 - 22:59 )
مقدمة مقالتك تكفى لكى تعطى انطباعا كافيا عن مضمونها. لم توضح لنا كيف انه تم تنزيل القران من العلو، من انزله وماهى الواسطة المنزلة ومن هم الشهود واين مذكور اسمائهم، هل ان الله يخطئ وماذا تقول انت شخصيا عن كل هذا الكم الهائل من هذا التاليف الذى لو قام مؤلف حديث لما وقع بهذه الاشكاليات التى فى الكتاب المنزل
هل الله يمارس الارهاب والقتل؟ هل الله لايعرف قواعد لغة ما؟ كيف ان القران منزل بالعربية وفيه كلمات مسروقة من الارامية والفارسية والحبشية واليهودية ؟ ماهو رايك يا ابراهيم
نحن قلنا مرارا وتكرارا ان الانجيل لم ينزل ولاحد يقول ان الانجيل منزل من السماء وانما شهود كتبوا احداثه ومن كانوا مرافقين للسيد المسيح من شهدوا على اعماله، فكان الموضوع المطروح الكتابة فى حدث قام به السيد المسيح فكتب مائة طالب حاضر الحادثة وراح كل واحد يكتب حسب اسلوبه ومشهداته وبلا شك سيبرز فى الكتابة البارعون والاحسن والافضل.. هذا هو الانجيل وكتابه دونوا كل حياة السيد المسيح وهم تكلموا بلغات الشعوب بروح القدس واوصلوا كلمة المسيح بلغات تلك الشعوب من الاوروبية والهندية وغيرها
الواقعية مطلوبة فى البحث لان الناس واعية


2 - WAW
nasha ( 2014 / 3 / 18 - 23:42 )
انت بارع يا استاذ ابراهيم ، اسلوب سلس وواضح في الكتابة.
توصل الفكرة بسهولة بدون لف ودوران تحياتي


3 - عراقيون
nasha ( 2014 / 3 / 18 - 23:47 )
ارجوك اقرأ المقال ثانية ، حكمك كان سريعاً في المرة الاولى ، اعتقد انك قرأت الفقرة الاولى فقط. اسف اذا ازعجتك
تحياتي


4 - ناشا الرائعة
إبراهيم عرفات ( 2014 / 3 / 19 - 13:14 )
أشكرك جدًا على تعليقك وتشجيعك لي يا ناشا. ممنون لحضورك ومرورك.

والأخ اللي يكتب بإسم عراقيون.. كلامك صح ولكنه لا يمت بصلة لموضوع كتابتي هنا :)

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ