الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضى حياته من اجل مبادئه د. إميل توما المؤرخ الشيوعي

اسكندر عمل

2005 / 7 / 5
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في مقال لي قبل حوالي الشهر تحت عنوان "اميل توما ليس حكرا للشيوعيين ولكنه شيوعي اولا". شددت على ان اية محاولة لطمس او لاخفاء الوج? الشيوعي الاممي لاميل توما وهو الوجه الحقيقي، الذي قضى حياته من اجل مبادئه وافكاره، وكتب كتاباته التاريخية والاجتماعية والادبية من منطلقه الطبقي،متخذا المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية الجدلية نهجا علميا، لم يحد عنه يوما، ان اية محاولة كهذه تعتبر تشويها لتاريخ هذا المفكر الشيوعي.
لن استطيع في هذه المداخلة، الخوض في كل ما كتبه اميل توما، وهو بحر واسع، ولكنني ساحاول وضع بعض النقاط التي ميزت الكتابة التاريخية لاميل توما، من خلال كتابين من مؤلفاته وهما "جذور القضية الفلسطينية" و "الحركات الاجتماعية في الاسلام" مشددا على امرين هامين: اولهما، شرح التطورات التاريخية وتحليل اميل توما لها على اساس الماديتين الجدلية والتاريخية، والآخر تعرية اميل توما للامبريالية ودورها من خلال استخدام مصادر ووثائق من الارشيف البريطاني والصهيوني وكشف التناقضات الموجودة في هذه المصادر، التي تؤكد توافق المصالح الامبريالية البريطانية مع المصلحة الصهيونية في التآمر على الحركة القومية العربية الفلسطينية.
في كتابه جذور القضية الفلسطينية يوضح د. اميل توما ارتباط رغبة بريطانيا لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بتطور الفكر الاستعماري البريطاني. فقد وصلت بريطانيا الرأسمالية الى اعلى مراحل تطورها، أي مرحلة الامبريالية، واحتدم الصراع الاحتكاري وازدادت حدة الصراعات الاجتماعية، واصبح الصراع بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية الصراع الجوهري، خاصة بعد تجربة كومونة باريس 1871، التي هزت الرأسمالية وايقظتها على خطورة الطبقة العاملة التي اتسعت صفوفها بفضل التطور الصناعي، وتعمقت نضاليتها الثورية نتيجة ظروفها القاسية، وهنا لجأت الرأسمالية الى مختلف الاساليب لوقف المد الثوري بطرق مختلفة كالقمع والعنف واللجوء الى الاستيطان واللاسامية وبذلك حاولت صرف الصراع الاقتصادي الاجتماعي الطبقي عن مساره.
ويرى اميل توما، ان الصهيونية التي نشأت في اواخر القرن التاسع عشر، استغلت اللاسامية لجذب طبقة البروليتاريا اليهودية بعيدا عن العملية الثورية والترويج ان اللاسامية هي ظاهرة ابدية بين كل الشعوب، محاولة طمس حقيقة كونها ناتجة عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية واحتدام الصراع الطبقي.
بهذا النهج الجدلي يظهر اميل توما توافق المصالح البريطانية الامبريالية مع الحركة الصهيونية في المراحل الاولى لقيامها وحتى قبل قيامها (لو لم تكن الصهيونية موجودة لاوجدناها).
في تحليله لاسباب اعطاء وعد بلفور، يشدد د. اميل توما على الصراع الامبريالي بين بريطانيا وفرنسا رغم كونهما في حلف واحد عشية الحرب العالمية الاولى، لكنه يشدد على الصراع الامبريالي بين بريطانيا والمانيا واستغلال الحركة الصهيونية لرغبة الحركة الامبريالية في توظيفها من اجل مصالحها. وهنا يأتي د. توما بالكثير من الاثباتات من مصادر بريطانية وصهيونية، التي تؤكد الرغبة المشتركة والمصالح المتوافقة للحركة الصهيونية وللامبريالية البريطانية وسأعطي هنا مثالين:
نص من صحيفة ساندي كرونيكل البريطانية بعنوان سياسة بريطانيا في فلسطين ضرورة عبرية بريطانية، "لا يوجد جنس آخر في العالم كله يستطيع ان يقوم بهذه الخدمات لنا غير اليهود، ولدينا في الحركة الصهيونية القوة المحركة التي ستجعل امتداد الامبراطورية البريطانية الى فلسطين مصدر كبرياء وركن قوة".
وفي خطاب لماكس نوردو من زعماء الحركة الصهيونية امام اثنين من كبار الامبرياليين لويد جورج وجيمس بلفور يقول: "نعرف ما تتوقعونه منا، تريدون ان نكون حرس قناة السويس، علينا ان نكون حراس طريقكم الى الهند عبر الشرق الادنى، نحن على استعداد لان نقوم بهذه المهمة العسكرية، ولكن من الضروري تمكيننا من ان نصبح قوة حتى نقدر على القيام بهذه المهمة".
اما في تحليله للصراع في فترة الانتداب البريطاني، فهو يرفض التحليل العنصري للاحداث ويؤكد ان العداء للامبريالية البريطانية ولحليفتها الصهيونية لم يكن على اساس عنصري كما يحاولون تصويره، وانما هو امتداد للكفاح ضد الامبريالية الذي قامت به الحركة القومية العربية الموحدة في سوريا الطبيعية ضد الاحتلال البريطاني ووعد بلفور، ولا يمكن فصل الاصطدامات التي حدثت بعد اعلان الانتداب البريطاني على فلسطين عن صراع الحركات القومية العربية في العالم العربي، التي امتازت بتشديد الكفاح ضد الامبريالية، كثورة 1919 في مصر والثورة العراقية الشاملة في العراق 1920، والنضال المسلح الذي بدأ في سوريا ضد الانتداب الفرنسي قبل دخوله او بعده.
خلال فترة الانتداب يأتي د. اميل توما بامثلة عديدة تؤكد استمرار الصراع بين الحركة القومية العربية الفلسطينية من جهة والامبريالية البريطانية وحليفتها الصهيونية من جهة اخرى وسأعطي مثالين فقط:
في احداث موسم النبي موسى 1920، يظهر د. اميل توما من خلال نص صهيوني حميمية هذا التحالف، فهو يستشهد باقوال جابوتنسكي الواردة في كتاب جوزيف شختمان في كتابه "متمرد وسياسي": "قبل ايام من العيد الاسلامي، عيد النبي موسى، قامت فرقة الدفاع عن النفس بمناورات عسكرية واستعرض الضباط البريطانيون حركتنا بمناظيرهم، ولم يكن الموقف الرسمي تجاه منظمة الدفاع الذاتي غير سلبي، بل كان يبدو ابويا الى حد".
وفي حوادث البراق 1929 يظهر اميل توما الموقف المعادي للعرب والمؤيد للحركة الصهيونية الذي انتهجته الامبريالية البريطانية ويأتي بنص خطاب المندوب السامي البريطاني في فلسطين الذي لم يكن في فلسطين اثناء الاحداث وتحدث فور عودته من لندن وقبل التحقيق في الاحداث. "عدت من المملكة المتحدة وقد راعني ما علمته من الاعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الاشرار، سفاكي الدماء، عديمي الرأفة، واعمال القتل الوحشية التي ارتكبت في افراد من الشعب اليهودي، خلوا من وسائل الدفاع، بغض النظر عن عمرهم، وعما اذا كانوا ذكورا او اناثا.
فواجبي ان اعيد النظام وان اوقع القصاص الصارم باولئك الذين يثبت انهم ارتكبوا "اعمال عنف" وفعلا حكم على 22 عربيا بالاعدام..!!
وفي مجال تحليله لتفوق الصهيونية على الحركة القومية العربية الفلسطينية، اضافة للدعم اللامحدود للامبريالية البريطانية لها، فانها، اي الحركة الصهيونية، كانت برجوازية عصرية تستند الى امبريالية قوية، اما قيادة الحركة القومية العربية الفلسطينية فكانت اقطاعية، لم تعكس القوى الاجتماعية المتضررة من سياسة الامبريالية البريطانية والصهيونية. من هنا يمكن تفسير مهادنة عائلتي النشاشيبي والحسيني للانتداب البريطاني، اذ كانت الطبقة البرجوازية العربية الفلسطينية جنينية في هذه المرحلة، بسبب غمر الاسواق المحلية بالبضائع الاجنبية، وطبقة العمال كانت لا تزال قليلة العدد. أي ان الطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة لم تنجح في الوصول الى قيادة الحركة القومية العربية.
اما في كتابه الحركات الاجتماعية في الاسلام:
يعتمد مؤرخنا في تحليله للحركات الاجتماعية في الاسلام على المادية الدياليكتيكية والمادية التاريخية ويشير الى ان الانسان اهتم بضرورياته الاقتصادية قبل أي شيء آخر ثم يذكر التغييرات في علاقات الانتاج من مرحلة الى مرحلة ويوضح ان الكيان الاجتماعي للناس هو الذي يقرر وعيهم وليس العكس أي التأكيد على العنصر الاقتصادي والاجتماعي كعنصر مقرر في التغييرات التاريخية. وحسب ابحاث ماركس وانجلز فان الصراع في العالم بعد الاشتراكية المشاعية كان صراعا طبقيا وهذا الصراع هو محصول العلاقات الاقتصادية في تلك الفترة. الصراع بين الحر والعبد ثم الاقطاعي والقن ثم الرأسمالي والعامل الى ان نصل الى الاشتراكية وهي المرحلة الاولى من الشيوعية ويحلل المؤرخ اميل توما المراحل التاريخية على ضوء الفلسفة الماركسية كثورات الزط والقرامطة من منطلق طبقي صراع وكفاح لطبقة الكادحين لكن هذا الصراع لم ينجح ويؤكد ان فهم التاريخ الجوهري يكمن في فهم ديالكتيك التطور وادراك التناقضات.
ومن خلال قراءتنا للبحث نرى ان د. اميل توما يحلل الصراع في مكة قبل الاسلام بانه صراع طبقي بين ارستقراطية مكة التجارية وبين الفقراء والمعدمين وان الصراع بين معاوية وعلي هو صراع حزب الفقراء ضد الاغنياء، صراع بين اليسار واليمين. فهو يرى في سيطرة اقارب عثمان سيطرة الاغنياء على الفقراء ولذلك قام التمرد على عثمان ويقرن عدم مبايعة طلحة والزبير ومعاوية لعلي باسباب طبقية خالصة.
وفي فصله عن الاسماعيلية ترى التأكيد على قضية ابطال الملكية الفردية وتوزيع الارض على الفلاحين المحتاجين مجانا ويرى ان الكثير من الثورات كثورة القرامطة والزنج بمنظار ماركسي أي صراع طبقات مستغلة ضد طبقات مستغِلة.
كذلك يحلل تقدمية او رجعية القيادات والاحزاب الاسلامية المختلفة وموقفها المؤيد او المعادي للسلطة بناء على عقيدتها. فيرى ان الجبرية التي رأات الانسان خاضعا للقضاء والقدر كانت موالية للسلطة وموقفها استسلامي. اما القدرية التي ترى ان مصير الانسان بين يديه فهي تستطيع التمرد على السلطة ان ظلمت لذا كانت عنصرا معاديا للسلطة. المعتزلة كانت حركة تحرر عقلي وفكري لكنها تحولت الى ايديولوجية الطبقة الحاكمة بعد ان اتبعت طريقة الاكراه مع من يعارضها والاشعرية حركة بررت اعمال السلطة مهما كانت لانها خدمت السلطة واحتمت بها اما الاسماعيلية فهي حركة ثورية تمردت على السلطة واقامت انظمة اشتراكية كدولة القرامطة مثلا.
ان هذا الفكر الذي تركه لنا اميل توما يجب ان يعمم خاصة في مدارسنا العربية حيث شوه قسم المناهج في وزارة المعارف الحقائق التاريخية وطمس الكثير منها. وقد بذلت جهودا في هذا المجال خلال اكثر من عشرين سنة في جريدة "الاتحاد" لكن ذلك لا يعطي الثمار المرجوة اذا لم يكن لنا تأثير من خلال الشبيبة الشيوعية في مدارسنا لاثارة وجهة النظر الفلسطينية في حصص التاريخ وحث المعلمين على مناقشة مادة الكتب الدراسية وقد اعددت مقالا كنت قد نشرته في "الاتحاد" في آب 1994 عن احد كتب التدريس الذي لا يزال مقررا في مدارسنا العربية ومدى التشويه والضرر الذي يحدثه في عقول طلابنا والذي يؤثر سلبا على بلورة هوية الطالب القومية ومعرفته للحقيقة التاريخية لانها تصله من وجهة نظر صهيونية.
واعتقادي ان هذا الامر يجب ان يكون مثار نقاش للوصول الى آليات للعمل على تعميم هذا الفكر التاريخي الملتزم.

(نص المحاضرة التي القاها المربي اسكندر عمل في الندوة الفكرية التي دعا اليها الحزب الشيوعي الاسرائيلي في ذكرى 20 عاما على رحيل القائد الشيوعي د. إميل توما).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي