الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراحل الانتقال الكبرى في التاريخ الحضاري

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 3 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتفق الفلاسفة عامة والمتخصصون منهم في التاريخ الحضاري على وجه التحديد على ان البشرية لابد ان مرت بمراحل فكرية في تاريخها الطويل , ولهؤلاء يعود الفضل الاكبر في بلورة هذا الموضوع حتى اصبح محورا اساسيا في فكر عدد منهم . ومراعاة للضوابط الفنية سوف نقتصر على معالجات عدد من هؤلاء المفكرين المحدثين مشيرين لأفكارهم في هذا الموضوع لكننا سنتوقف قليلا عند اوغست كونت بوصفه الفيلسوف الابرز الذي عالج هذا الموضوع بعمق وروية . والملاحظ ان معالجات الفلاسفة المحدثين لتلك المراحل طالما اقترنت برفض المرحلة اللاهوتية بوصفها مرحلة قد تم تجاوزها او من المفروض تجاوزها لاسيما وان الغالبية من هؤلاء الفلاسفة آمن بما يسمى بقانون المراحل الثلاثة الذي بلوره فيما بعد اوغست كونت . ويمكن أن نجد لقانون الحالات الثلاث قبل كونت إرهاصات عند أستاذه سان سيمون وعند بوردان في كتابه (النسق الصناعي) الذي اكد فيه على ان بين مرحلة الأفكار الدينية اللاهوتية والأفكار الوضعية ثمة حالة فكرية (وسيطة) وقد تحدث تورجو في تمهيد كتابه (خطاب حول تقدم الوعي الإنساني) عن وجود ثلاث حالات يمر عبرها تطور الوعي البشري في سياق تأسيسه للعلوم الطبيعية . وقد عاصر كونت الفيلسوف المادي فيورباخ القائل بأن الإله مصنوع إنساني متجاوز وقد صدر كتابه (ماهية المسيحية). وينتهي فيورباخ في تحليله لأصل الدين إلى نفس الموقف وهو القول بأن فكرة الألوهية صناعة بشرية وأن الإنسان ينبغي أن يستبدل بالديانة اللاهوتية عبادة النوع الإنسان وكأن فيورباخ يطالب اوربا أن تعبد إلها جديدا هو النوع الإنساني وهناك ايضا كوندرسيه الواثق من صيرورة العقل باعتبارها تسير دوما في اتجاه متقدم، ورينان الذي كان يعتقد بأن العلم قادر على كشف كل ألغاز الوجود . اما ماركس فقد قال بأن البشرية قد مرت بمراحل عدة : المشاعية الاولى , والاقطاعية , والرأسمالية , والاشتراكية التي لابد ان تنهي بما اسماه الاشتراكية العلمية او المتقدمة . وقد اكد ماركس في اكثر من كتاب على ان المرحلة اللاهوتية ملازمة للمرحلة الاقطاعية كسلاح تستخدمه الطبقة المتنفذة لتخدير الطبقات الفقيرة من الشعب واقناعهم بما يكتبه لهم قدرهم في الغيب من اجل اسكاتهم عن المطالبة بحقوقهم او منعهم من الثورة على اوضاعهم . وبذلك فأن فكرة تجاوز الدين اللاهوتي لم تكن مجرد أفكار، بل كانت هاجسا لدى العقل الأوربي في القرن التاسع عشر ويدل ايضا على هيمنة المعرفة العلمانية. كل ذلك تبلورعند اوغست كونت وكان يقصد به المراحل التاريخية الثلاث (اللاهوتية، والميتافيزيقية، والوضعية) وقد وصف كونت قانونه قائلا : أعتقد أنني اكتشفت قانونا عظيما ورئيسا، تخضع له معارفنا على نحو حتمي. وقد ظل كونت مواظبا على ترسيخ هذا القانون في كتبه الى نهاية حياته من خلال ايمانه بالفكرة القائلة : ان الدين يعد نتاج نمط في التفكير وأن تطور الوعي سيؤدي إلى تجاوز أسلوب التفكير الديني اللاهوتي بوصفه لحظة متجاوزة وحالة عقلية ينبغي تخطيها إلى المرحلة العلمية الوضعية التي لا يليق بها إلا ديانة الإنسانية . في المرحلة أو الحالة اللاهوتية كان الوعي البشري -حسب كونت- لا يزال في لحظة طفولته وضعف إمكاناته المنهجية، ونقص تراكم المعرفة والخبرة . لكن بفعل صيرورة التاريخ ينتقل الوعي حتميا إلى المرحلة الميتافيزيقية الفلسفية ، وفيها لن تفسر الطبيعة بعوامل غيبية بل بعناصر محايثة هي الماهيات والجواهر. وهي أيضا لحظة واطئة في سلم التطور الثقافي الإنساني حيث ستنتقل البشرية إلى اللحظة الثالثة : المرحلة الوضعية، التي يصل فيها الوعي البشري إلى لحظة نضوجه وفيها يفسر العقل الطبيعة وظواهرها تفسيرا علميا يتأسس على ملاحظة العلاقات الناظمة بين الظواهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين في غارات جوية إسرائيلية على


.. رويترز: مقتدى الصدر يمهد لعودة كبيرة من باب الانتخابات البرل




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وسلوفينيا| #عاجل


.. انطلاق فعاليات تمرين الأسد المتأهب في الأردن بمشاركة 33 دولة




.. اليوم التالي للحرب في غزة.. خطة إسرائيلية وانتقادات لنتنياهو