الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار لاهوتي - الصلب

لطفي حداد

2005 / 7 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حوار لاهوتي بين المسيحية والإسلام
الصلب

لا يمكن أن يلتقي المسلمون والمسيحيون أمام الصليب، لأن هناك تناقضاً بين النص المسيحي (الإنجيل) والنص الإسلامي (القرآن الكريم) في هذا الخصوص. أعتقد أن جوهر التناقض هو في الحقيقة لغوي، لكن الأهم من ذلك إيجاد ساحة لقاء بين أبناء إبراهيم.
عندما أتأمل النص المسيحي بخصوص آلام عيسى الذي من الناصرة تستوقفني جمل قوية:
"في الإصحاح الرابع عشر من إنجيل مرقس جاء:
32 وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني فقال لتلاميذه اجلسوا ههنا حتى أصلّي.
33 ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يرتاع ويكتئب.
34 فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت. امكثوا هنا واسهروا.
35 ثم تقدم قليلاً وخرّ على الأرض وكان يصلّي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن.
36 وقال يا أبتي الآب، كل شيء مستطاع لك، فأجزْ عني هذه الكأس، لكن ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت.
37 ثم جاء ووجدهم نياماً فقال لبطرس، يا سمعان أنت نائم! أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة.
38 اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة. الروح نشيط أما الجسد فضعيف."

يسوع (عيسى) هنا يعيش تجربة الخوف من الموت، ويطلب أن يزيح الله عنه هذا العبء وهذه الساعة الثقيلة لكنه يتغلب على الضعف البشري، ويستسلم لمشيئة الله. يُعرف المكان الذي صلّى فيه عيسى قبيل موته باسم بستان الزيتون، وهنا أرى ساحة لقاء إيماني على مستوى جوهر الروح الديني لكل من المسلمين والمسيحيين، حيث يقدّم النبيّ عيسى نفسه للقدرة الإلهية لتفعل به ما تشاء، وهذا هو صلب الإيمان الإسلامي حيث الاستسلام لله تعالى بثقة الأبناء. هذا الاستسلام التام لإرادة الله هو أعمق مفهوم في ظاهرة الصلب وقصة الآلام.

إذن بستان الزيتون هو مكان صلب الإرادة التام، أي المكان الذي يصير فيه عيسى الذي من ناصرة الجليل مستسلماً تماماً لمشيئة المحبة الأزلية، أي يصبح بذلك مسلماً خالصاً لا شائبة في إيمانه. وهكذا يصير الكلمة (حسب التعبير اليوحناوي المسيحي، والقرآن الكريم) واحداً مع مشيئة الله. لذلك يرى المسيحيون في صليب عيسى قمة الاتحاد المستسلم بالمشيئة الإلهية الأزلية، وإذا كان ما حدث فيزيائياً على الصليب فوق قمة الجلجلة مثار جدل بين أبناء إبراهيم فإنني أتوجه بتفكيري إلى بستان الزيتون حيث تم فعل الصلب الحقيقي للإرادة وحيث صار الاستسلام لما يريد الله أقوى مما يريد الإنسان. نقرأ في سورة آل عمران عن إبراهيم: " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" ، أي أن إبراهيم أبا الإيمان كان مثالاً للمسلم الحقيقي لأنه كان مطيعاً لإرادة الله.

رأى المسيحيون في آلام يسوع تحقيقاً لكثير من مقولات ونبوءات العهد القديم لذلك تقبلوا فكرة أن يُصلب يسوع وفي الوقت نفسه آمنوا ببعده المسيحانيّ. من الأمثلة المعروفة عن كتابات العهد القديم التي تعتبر نبوءات عن موت المسيح أذكر هنا سفر إشعياء، الإصحاح 53: 1-12 :
"مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يابِسَة، لا صُورَةَ لَهُ وَلا جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْه، وَلا مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِه. لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَها وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْن حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ الله وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْل مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِه، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِه. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْن. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاء وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْت نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ".

إن عقيدة الفداء، أي موت المسيح على الصليب من أجل خلاص الجنس البشري، هي عقيدة أساسية تاريخياً في علم لاهوت المسيح. لكنني أسجل عدة ملاحظات هنا:
أولاً: ابتدأ هذا التفكير بناء على نبوءات وكتابات من العهد القديم كالآيات السابقة وقد كرّس هذه المفاهيم الرسول بولس في العقدين السادس والسابع للقرن المسيحي الأول. والخلاصة الفكرية في هذه العقيدة هي أن الخطيئة الأصلية قد دخلت إلى العالم عن طريق عصيان آدم، وازداد الشر حتى لزم تقديم فدية بحجم الآثام البشرية فكان دم عيسى المهراق على جلجلة أورشليم. "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (الرسالة إلى العبرانيين 9: 22).
ثانياً: تطوّر هذا المفهوم مع الزمن إلا أن جوهر عقيدة الفداء، أي تقديم المسيح نفسه لغفران آثام الإنسانية، ظل ثابتاً.
ثالثاً: في مرحلة لاحقة بدأ رفض اللاهوتيين لهذا المفهوم القاسي لإلهٍ لا يرتوي عطشه إلا بسفك الدماء ولا يهدأ غضبه إلا بموت عزيز، وخرج من التفكير اللاهوتي موضوع الفدية لإله منتقم لا يرحم.
رابعاً: ظهر مبدأ المجانية، أي أن تقديم المسيح نفسه فدية يحرّر الإنسان من خوفه تجاه إلهٍٍ قاسٍٍ ويحوّل علاقته بالله إلى علاقة صادقة عميقة لا خوف فيها بل تدفق محبة. ونستطيع أن نفهم بسهولة ما أقصد هنا إذا تذكرنا صلاة رابعة العدوية: : ربي.. إن توسلت إليك خوفاً من الجحيم فزجني في نارها، وإن ابتهلت إليك طمعاً في الجنة فأغلق دوني بابها..
ولكن إن دعوتك حباُ بك فلا تحرمني بهاءك الأبدي.. يا الله، بدون ذكراك لا أستطيع أن أحيا في العالم، وكيف يمكنني الصمود إزاء المستقبل بدون رؤياك.. يا رب تنهّدي ليس بشيء أمامك إذ أنا غريبة في بلادك ووحيدة وسط عبادك.

ينكر المسلمون أن المسيح قد صُلب أو مات موتاً طبيعياً، أي لا يقبلون فكرة الفداء، وهنا أجد بعض التناقض اللغوي أكثر من الجوهري أو الإيماني.
نقرأ في القرآن الكريم في سورة النساء 4: 157:
"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً".
وفي آية 158:
"بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً".
وفي سورة آل عمران 3: 55 نقرأ:
"إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"
إن مفهوم الموت وتوفي الله للنفس مشترك بين الأنبياء في القرآن الكريم: "أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ" (سورة البقرة 2: 87).
"وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" (سورة آل عمران 3: 181).
"الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (سورة آل عمران 3: 183).
"فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ" (سورة النساء 4: 155).
وفي القرآن الكريم إشارات واضحة إلى موت المسيح:
"إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" (سورة آل عمران 3: 55).
"وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ" (سورة المائدة 5: 117).
ويقول عيسى في معرض كلامه عن نفسه:
"وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً" (سورة مريم 19: 33).
وهي نفس العبارة التي يقولها القرآن الكريم عن يحيى (يوحنا المعمدان):
"وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً" (سورة مريم 19: 15).
(إن جميع المفسرين المسلمين يُجمعون على أن يحيى قد مات وإن هذه المماثلة بين الآيتين تستدعي التأمل!)

في الوقت نفسه نرى فكرة الفداء موجودة في القرآن الكريم مثلاً سورة الصافات 37: 107 في الحديث عن قصة تقديم إبراهيم ابنه ذبيحة: "وَفَدَيْنَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ". وهذه الآية تستعيد تلقائياً عند المسيحي آية من إنجيل يوحنا:"هُوَذَا حَمَلُ اللّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يوحنا 1: 29).

إن أربعة عشرة قرناً من الاختلاف العقائدي لا يمكن تبسيطها هنا، لكنني أسجل بعض الملاحظات:
- في الآيتين اللتين تشيران إلى موت المسيح لا يظهر المعنى المجازي في كلمة "متوفيك"، أي أن المقصود هنا هو الموت التام سواء كان صلباً أو بطريقة أخرى.
- وردت لفظة "متوفيك" ومشتقاتها خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم وكلها بمعنى الموت وقبض الروح (البقرة 2: 234 و240، آل عمران 3: 55، النساء 4: 50، المائدة 5: 117، الأنعام 6: 61، الأعراف 7: 37 و125، الأنفال 8: 50، يونس 10: 46 و104، يوسف 12: 101، الرعد 13: 40، النحل 16: 28 و32 و70، الحج 22: 5، السجدة 32: 11، غافر 40: 67 و77، محمد 47: 27) وفي موضعين فقط دلت القرينة فيهما على المعنى المجازي (معنى النوم): "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ" (سورة الأنعام 6: 60)، و "اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا" (سورة الزمر 39: 42).
- إن الآية الكريمة: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً" هي عميقة ومثيرة للجدل وتدعو للتأمل.
إن هناك اختلافاً بين العلماء المسلمين بخصوص موت المسيح، فمنهم من يرفضه ومنهم من يعتقد أنه مات لمدة ثلاث ساعات ثم رفعه الله ومنهم من يقول بمدة ست ساعات وفريق آخر يقترب من القصة المسيحية للآلام كما نقرأ في رسائل إخوان الصفاء من العصر العباسي:
" ولما أراد الله تعالى أن يتوفاه (المسيح) ويرفعه إليه، اجتمع معه حواريوه في بيت المقدس، في غرفة واحدة مع أصحابه وقال: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم. وأنا أوصيكم بوصية قبل مفارقة لاهوتي. وآخذ عليكم عهداً وميثاقاً. فمن قبل وصيتي وأوفى بعهدي كان معي غداً ومن لم يقبل وصيتي فلست منه في شيء ولا هو مني في شيء.
... وخرج من الغد وظهر للناس، وجعل يدعوهم ويذكرهم ويعظهم، حتى أُخذ وحمل إلى ملك بني إسرائيل، فأمر بصلبه. فصُلب ناسوته، وسُمِّرت يداه على خشبتي الصليب، وبقي مصلوباً من صحوة النهار إلى العصر. وطلب الماء فسقي الخل، وطُعن بالحربة، ثم دُفن مكان الخشبة. ووُكِّل بالقبر أربعون نفراً. وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه " .
تاريخياً نجد أصداء فكرة الشبه في القرون الستة الأولى للميلاد (جماعة البازيليديسيين الغنوسية كانت تدّعي أن سمعان القيرواني الذي حمل الصليب عن المسيح عندما وقع على الأرض لشدة تعبه، رضي أن يُصلب عوضاً عن المسيح، فألقى الله عليه شبهه، فصار يشبه المسيح وصُلب عوضاً عنه). أما الدوسيتيون (أتباع الدوسيتية أي الظاهرية) فيقولون إن عيسى لم يُصلب مطلقاً إنما تراءى لليهود أنهم صلبوه أو أنه ظهر كذلك لكنه لم يكن يشعر أو يتألم.
السؤال المفتوح هنا.. لماذا يقول القرآن الكريم "..شبّه لهم.." بمعنى خُيّل إليهم، وليس "..شبّهَ له.." أي صُلب شبيه له!! وهل تكون قيامةُ المسيح الإحباطَ الحقيقي لمؤامرات اليهود وخططهم، أم صلبُ إنسان شبيه؟، وهل يقبل المسلمون الحقيقيون، عامتهم وعلماؤهم، بهذا الشرح.

- إن عبارة توفَّيتني... تحمل معنى الموت العادي، وليس المقصود هنا تأويل "الموت" بوقوعه بعد عودة المسيح من السماء كما يعتقد بعض المسلمين، لأن الآية تتكلم عن علاقة عيسى بناسه وزمانه وليس بعلاقته المستقبلية حين يعود.

- في حديث نبوي متفق عليه جاء:
.. عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كأني أنظر إلى رسول الله... يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
يتذكر المسيحي هنا تلقائياً كلمات يسوع الأخيرة على الصليب:
"يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لوقا 23: 34).

ختاماً أقول.. يبقى بستان الزيتون ساحة لقاء حيث يَصلب عيسى إرادته ويسلم نفسه للمشيئة الإلهية ويتماهى مع إرادة الذات الإلهية فتبتدئ المسيحية ويُعلَن الإسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟