الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستحالة الإله الخالق

مايكل سامي

2014 / 3 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعريف آخر يمكن إستخلاصه من التراث و الدعاوي الدينية يتم وصف الله به, و هو أنه الخالق أو خالق الكون من عدم. و و هذا التعريف أيضا يتبناه الربوبيون, بل هم يرفضون مسمى "الله" أو "الإله" و يتمسكون بهذة الصفة تحديدا و هي أنه خالق الكون او خالق العالم أو خالق الوجود من العدم ! و تعريف الله بأنه خالق من عدم يستدعي فورا الفيزياء و تحديدا قوانين الديناميكا الحرارية للإختصاص. فمفهوم "الخلق من عدم" يختلف تماما عن مفهوم "الصناعة" لأن الصناعة لا تكون من عدم بل من مواد أولية. الصناعة هي عملية تحويل مواد معينة موجودة فعلا إلي مواد جديدة من خلال تقنيات علمية لجعلها أكثر نفعا و فائدة, إنما لا شئ يتم إخراجه من العدم إلي الوجود. بينما الخلق بالتعريف لا يكون إلا من العدم لأنه لو كان من مواد أولية لكان إسمه "صناعة" و ليس خلقا.

علميا و منطقيا الصناعة ممكنة إنما الخلق مستحيل, فحسب القانون الأول للديناميكا الحرارية :
المادة و الطاقة لا يفنيان ولا يتم خلقهما من عدم بل يتحولان من صورة إلي أخرى فقط, من مادة إلي مادة, و من مادة إلي طاقة, و من طاقة إلي مادة, و من طاقة إلي طاقة.

لذلك فإعتمادا على هذا القانون الفيزيائي, يستحيل ان يتم خلق أي شئ من عدم و بالتالي يستحيل أن يكون هناك خالق من عدم. لو الكلام عن صانع أي شئ من مواد أولية وفقا لتقنيات علمية طبيعية, فهذا المنطق يمكن مناقشته و البحث عن أدلة تثبته .. إنما خلق من عدم لا يعبر إلا عن سحر و إعجاز و أعمال خارقة للطبيعة و خارقة للعقل, يعني غير منطقية و غير علمية بالتعريف.

القوانين الفيزيائية اوضح من وضوح الشمس لمن يجهد نفسه كفاية بإستذكارها طبعا, إنما بالرغم من هذا الوضوح يتبجح بعض المتدينين من مدعي العلم أن القانون الثاني للديناميكا الحرارية يتعارض أو ينفي القانون الأول ! يريدون أن يطفئوا نور العلم بأفواههم, و العلم غالب على أمره و متم نوره مهما كره المؤمنون بالجهل الديني المقدس (الكافرون بالعلم المادي التجريبي). قوانين الديناميكا الحرارية هم أربع قوانين, الصفري و الأول و الثاني و الثالث. و ينص القانون الأول للديناميكا الحرارية على أن: "المادة/الطاقة لا تفنى ولا يتم خلقها من عدم ولكن تتحول من شكل إلى آخر", بينما ينص القانون الثاني على أن: "إنتروبيا أي نظام معزول تتزايد مع مرور الوقت ، وتميل الانتروبيا لكي تصل إلى نهاية عظمى سواء في النظام المعزول أو في الكون". و المقصود أن أي نظام مغلق في الكون تتراكم فيه المشاكل و تقل كفاءته (هذا ما يعنيه إزدياد الانتروبي) بمرور الوقت حتى يتوقف عن العمل تماما عند حد معين.

و المؤمنين يدعون أن هذا القانون يعني أن الكون يجب أن يكون حادث على أساس أنه لو لم يكن كذلك لكان قد قلت كفاءته ثم توقف منذ ملايين السنين. و غباء هذة المحاولة البائسة أن القانون الثاني مهما كان لن ينفي القانون الاول, لان العلم متسق منطقيا مع ذاته .. فهو ليس دينا غرائبيا عجائبيا ولا يحتوي على تناقضات منطقية أو على ناسخ و منسوخ مثلا (حاشا للعلم). طبعا الكون الذي نعيش مستحدث و له بداية فعلا و هي منذ 13.8 مليار سنة حسب حقيقة "الإنفجار الكبير Big Bang", لكن كوننا ليس هو كل العالم .. فهو جزء من عالم متعدد الأكوان. يعني الكون صحيح له بداية و له نهاية لكن العالم الطبيعي المادي الموضوعي أكبر و أعظم, ثم لأنه نظام مفتوح فهو خاضع للتأثيرات من الخارج.

النقطة المهمة هنا هي أنه سواء كان هذا العالم متعدد الأكوان, أو مجرد كون واحد فقط لكنه يتوسع و ينكمش بشكل دوري, أو أيا كانت النظريات العلمية التي يتم صياغتها و البحث فيها لتفسير نشوء الكون و حدوث الإنفجار الكبير .. فهناك حقيقة واحدة لا جدال فيها علميا و منطقيا : و هي أن الكون لم ينشأ من عدم بطريقة سحرية إلهية خارقة للطبيعة. بل نشأ كنتاج لتفاعل فيزيائي يسعى العلماء لكشفه و التاكد منه بشتى الطريق, و قد حققوا نجاحا ملحوظا من خلال نظرية الأوتار الفائقة و مفهوم الأكوان المتعددة. فالكون الذي نعيش فيه و نحن جزء منه, ليس إلا ظاهرة طبيعية عادية جدا .. و القاعدة العلمية تقول أن كل ظاهرة طبيعية قابلة للتكرار و تتكرر بشكل إعتيادي (سواء كانت هذة الظاهرة هي الكون أو الحياة أو الذكاء أو أيا كان). يعني الكون ليس خارقا ولا معجزيا ولا يستدعي سببية خارقة للسببية أو طبيعة خارقة للطبيعة او منطق خارق للمنطق من أجل تفسير حدوثه. و الخلاصة هي أنه يستحيل إستنتاج وجود ما يسمى بالإله أو الخالق من عدم من القانون الثاني للديناميكا الحرارية, بالكاد يمكن للمرء أن يجد أي رابط أصلا.

بين العدم و الفراغ
---------------

تكتيك آخر يمارسه عبيد الخرافة الإلهية للطعن في القانون الأول للديناميكا الحرارية و هو الخلط الفج في المعنى (سئ النية) بين العدم الفلسفي المطلق و العدم العلمي النسبي. إنما العدم الفلسفي ليس هو الفراغ الفيزيائي, العدم الفلسفي هو عدم مطلق مثالي تام محض لا يأتي منه أي وجود ولا من بعده .. إنما الفراغ الفيزيائي هو مساحة من الفضاء لا تحتوي على كل الأشكال المعروفة من المادة أو الطاقة .. و بالتالي قد يكون هناك (بل دائما ما يحدث) أشكال أخرى من المادة و الطاقة لم يتم رصدها بعد و بالتالي تنفي الإطلاق عن الفراغ النسبي. إنما المادة/الطاقة لا يفنيان و يستحيل فناءهما و يستحيل أن يتم خلقهما من عدم على الإطلاق .. لأن هذا ببساطة سحر, عمل مستحيل نظريا و منطقيا و علميا و عمليا.

ثم إن مشكلة العدم ليست مشكلة مع الفيزياء و الديناميكا الحرارية فقط, ولا مشكلة "تحول العدم إلي وجود" فقط .. بل هي مشكلة فلسفية منطقية أيضا من حيث تحول العدم إلي وجود و من حيث إمكانية تحقق العدم نفسه واقعيا. لأن العدم بالتعريف هو فراغ كامل مثالي مطلق يستحيل أن يتحول إلي وجود كما يستحيل أن يتحول الوجود إليه, فهو عدم دائم و غير متحول. تماما مثل مفهوم الإله المطلق المثالي الدام الغير متحول, لانه ببساطة مطلق .. و بالتالي فتحول العدم إلي وجود يستحيل منطقيا و بالتعريف حتى ! ثم إن تحقق العدم واقعيا مستحيل أيضا بالمنطق الفلسفي نفسه (دعك من العلم الآن), لأن القول بأن "العدم موجود" أو أن "العدم واقع" هو قول متناقض منطقيا .. كأن نقول أن "الأبيض أسود" أو "أن الحق باطل" و هكذا.

و بالتالي لو كان الوجود الطبيعي مستحدث من عدم (سواء كون واحد أو عالم متعدد الأكوان) فما كان يسبق هذا الوجود كان عدما, أي أن العدم كان موجودا قبل خلق العالم من العدم ! العدم كان موجود ! ثم إن الله سابق في الزمن او في التتابع السببي على الوجود المادي الطبيعي, فهل هذا يعني أن الله او الخالق المزعوم كان عدما ؟! لان إذا كان الوجود مستحدث فهذا يعني أن الخالق كان عدما في وقت من الأوقات, و إن قيل أن الله المزعوم يفوق الوجود فهذا يعني انه عدم. هو منطق حتمي صارم يستحيل الطعن فيه أو الإفلات منه, لأن ببساطة الكلام هنا عن مفاهيم مطلقة و ليس عن مفاهيم نسبية. و بالتالي يمكن تلخيص هذا التحليل في عدة نقاط واضحة حتمية لا تفاوض فيها ولا جدال ..

(1) العدم الفلسفي هو إمتناع عن الوجود (لا يمكن أن يكون واقعا) بالتعريف الفلسفي.
(2) العدم الفلسفي ممتنع عن التحول إلي وجود (على أساس إنه غير موجود) بالتعريف الفلسفي.
(3) الوجود هو إمتناع عن العدم بالتعريف الفلسفي و بالتالي فهو منطقيا لا أول له (زمنيا) ولا آخر (أزلي أبدي) لانه حالة دائمة.
(4) الوجود هو العامل المشترك للحالات المتغيرة من المادة و الطاقة, و هو علميا لا أول له (زمنيا) ولا آخر (أزلي أبدي).
(5) العدم الفلسفي ممتنع عن التحول إلي وجود (مادة/طاقة) بحسب الفيزياء (الديناميكا الحرارية).
(6) الخلق (الفعل) من عدم مستحيل بالمنطق الفلسفي و بالادلة و التجارب العلمية على حد السواء.
(7) الخالق (الفاعل) من عدم مستحيل بالمنطق الفلسفي و بالادلة و التجارب العلمية على حد السواء.

و بالتالي فالله أو يهوة أو الرب أو أي إسم يتم تعريفه بأنه "خالق من عدم" يستحيل وجوده بالمنطق و العلم. و عليه فلا معنى ولا داعي لهذا اللفظ السوقي البذئ "خلق" أو "خالق" لأن الخلق يكون من عدم بينما الصناعة تكون من مادة أولية كما نعلم في الفيزياء و الكيمياء و غيرها من العلوم. يعني نقول نشوء الكون (و ليس خلق الكون), و نقول نشأة الحياة على الأرض (و ليس خلق الحياة), و نقول تطور الإنسان كقرد بشري (و ليس خلق), و نقول كائنات حية أو كائنات بيوكيميائية (و ليس مخلوقات). فلأن الله المزعوم يتم تعريفه كخالق من عدم, إذن فهو باطل و مستحيل منطقيا و علميا بناءا على هذا التعريف. الله يعتمد في وجوده بالكلية على مفهوم "العدم الفلسفي المطلق" هذا, و بالتالي فنفي هذا المفهوم هو نفي لله المزعوم هذا نفسه .. و بهذة البساطة. و إعتمادا على القانون الأول في الديناميكا الحرارية يحق للملحد بكل سهولة أن يؤكد أن الإلحاد ليس إلا منطق رياضي يقيني و معلومة علمية فيزيائية مؤكدة, مثله مثل التطور الحيوي أو الإنفجار الكوني الكبير أو كروية الأرض و دورانها حول الشمس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من افواههم وادلتهم المزعومة ندينهم
السهروردي ( 2014 / 3 / 19 - 22:01 )
فلأن الله المزعوم يتم تعريفه كخالق من عدم.إذن فهو باطل و مستحيل منطقيا و علميا بناءا على هذا التعريف. الله يعتمد في وجوده بالكلية على مفهوم العدم الفلسفي المطلق هذا و بالتالي فنفي هذا المفهوم هو نفي لله المزعوم هذا نفسه .خلاصة ولا اروع اعتبرها ايقونة في علم الالحاد


2 - المادة الأولية مامصدرها؟
عبد الله اغونان ( 2014 / 3 / 20 - 02:28 )
من أين أتت المادة الأولى وكيف أتت ومن أتى بها هل المادة كائن عاقل له قصد وغاية
هل المادة سرمدية أم تتاكل وتفنى؟

أسئلة لايجيب عنها الملحد ولاالعالم ولاالفيلسوف

أجاب عنها الدين ولحد الان جوابه هو الأكثر اقناعا

مظاهر الخلق كثيرة رائعة معقدة يستحيل الاقتناع بالصدفة أو تجاوز السؤال

من الخالق المبدع؟

الحمد لله منشئ الخلق من عدم --- ثم الصلاة على المختار في القدم


3 - إستحالة تعلم الكلب للفيزياء
مايكل سامي ( 2014 / 3 / 20 - 11:22 )
من أصعب المهن على مستوى العالم هي مهنة المعلم أو المدرس, لان فيه كائنات بشرية تشرح لهم على اد ما تشرح .. و تفهمهم على اد ما تفهم .. و تبسط لهم زي ما تبسط و برضو الدماغ الجزمة زي ما هي لا هتتعلم حاجة ولا هتفهم أي حاجة. و دا لأن المشكلة مش دايما بتبقى في المدرس أو في طريقة الشرح .. إنما فيه كائنات بشرية مولودة من بطن امها كده غبية و دماغها لا تملك السعة او الطاقة على إستيعاب أي قوانين علمية أو فيزيائية.

و القرود البشرية ديه قدرتها على إستيعاب العلوم لا تتجاوز قدرة أي كلب أو حمار على إستيعاب الفيزياء .. ببساطة مش ذنبهم, جيناتهم كده و قدراتهم الطبيعية الفطرية كده : هما مش هيفهمو حاجة حتى لو قعدت تشرح لهم الدرس من هنا و إلي يوم مماتك. و عشان كده ماينفعش حد يهتم بوصول المعلومة لكل فرد لأن فيه ناس بتفهم من مجرد تلميح .. و فيه ناس يستحيل تفهم أبدا و لازم يتسابو براحتهم يشوفو لهم حاجة تانية يعملوها.

و اللي مايقدرش يستوعب قوانين الفيزياء .. الدين لسه موجود و شغال. حاجة سهلة خالص كله قصص كارتونية و خرافات طفولية مسلية : و لانك تتعب دماغك أبدا.

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا