الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو أن كل رجل أصبح إنسانا

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 3 / 21
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


ترمقنى عيناها بلون الرماد بعد الحطام، بعينى أمى الميتة فى ريعان الشباب، وصديقة طفولتى وغيرها المقتولات والنساء اللاجئات الى عيادات الأطباء والطبيبات، وكانت تخفى يديها فى جيوبها، أخرجت يدا لأجس نبضها، يدها مجعدة تقرحت بكدمات وجروح، وكادت تجهش بالبكاء حين لمستها.
طلب زوجها تفرغها للأمومة، تركت عملا تقبض منه أجرا، تفرغت لخدمة الأسرة دون أجر، تقرحت يداها من الغسيل والتنظيف ستة وثلاثين عاما، أصبح لزوجها دخل محترم، يداه نظيفتان ناعمتان ليس فيهما جرح، يداعب بهما الصغيرة النهدين الناعمة اليدين، ولم تجد الأم، فى الستين من عمرها، عملا يحفظ رمقها، بعد استلامها ورقة الطلاق ويقولون إن "طبيعة الرجل" تبرر عدم المساواة الأخلاقية وأن واجب الأبوة الإنفاق والنفقة، أى المسئولية الاقتصادية فقط.
هكذا تنتهك "العدالة" تحت اسم "الطبيعة"، وهى فكرة موروثة من العبودية، ثبت خطؤها، فقد تطورت القوانين فى أغلب بلاد العالم، وأصبح قانون الأسرة يفرض على الرجل والمرأة المسئولية الأخلاقية نفسها، الا فى بعض البلاد منها بلادنا.
ويستمر الصراع بين "الطبيعة والثقافة" أيهما يغلب؟ يميل رجال الطبقات الحاكمة تغليب البيولوجيا للحفاظ على مصالحهم الطبقية الأبوية تحت اسم الحفاظ على الدين.
وتنتصر العدالة والأخلاق (رغم النكسات) على النظم السياسية القمعية، وتتطور الجينات البيولوجية داخل خلية المخ لتنتج الجينات المفكرة
(الميمات)، التى أبدعت العلوم والفنون والقيم الإنسانية "العدالة الحرية المساواة الكرامة" وهى أهداف الثورات ضد العبودية والإقطاع، وأهداف الثورات الحديثة ضد رأسمالية القرن الحادى والعشرين يقاوم الإنسان القوة الباطشة بالخضوع والنفاق، لكننا فى الثورات الشعبية الجماعية نتصرف بصدق وشجاعة وكرامة، وقد نضحى بحياتنا من أجل الوطن أو الإنسانية جمعاء لكن قوة السلاح وسطوة الإعلام قادرة على إجهاض الثورات، وتفريق صفوف الشعوب تحت شعارات براقة مثل الهوية الدينية أو الجنسية أو القومية أو الطبقية وتلتهم الدولة الأقوى الدولة الأضعف كما يلتهم الضبع الفريسة.
الجنين داخل الرحم يستحق الحياة فى نظر القسس الأمريكيين أكثر من شعوب العراق وليبيا وسوريا ولبنان ومصر والسودان وأفغانستان تدعم القوى العسكرية نفسها بقوى التيارات الدينية السلفية، لضرب العقول المبدعة. تصاعدت قوة التيارات الدينية وأحزابها السلفية فى هذا القرن مع تصاعد الرأسمالية وتزايد الفروق الطبقية الأبوية.
أصبحت القوى العظمى (علميا وتكنولوجيا) فى يد اليمين الليبرالى الحديث الذى يسعى لتغييب العقول تحت اسم قانون الطبيعة أو القانون الإلهي، وإشاعة أن الرأسمالية هى القانون الصحيح الوحيد، لكن العقول المبدعة قادرة دائما على تغيير البيولوجيا والطبيعة فما بال السياسية والاقتصاد؟.
نشأت الحياة على الأرض وتطور الإنسان بطريقة مبدعة بسيطة، لكنه البسيط المعقد أو السهل الممتنع فى ظل الاستبداد والظلم تتحول البساطة الى تعقيد، لا يفهمه الا الرجال العلماء أو الكهنة رجال الدين قطعة الماس شديدة الجمال والبساطة، تتكون من ذرات تتجمع فى جزئيات ثاتبة وتكرر نفسها بغير نهاية، مثل الحياة، والهيموجلوبين فى دم الإنسان، وهو جزيء بروتيني، يتكون من جزئيات أصغر هى الأحماض الأمينية، يحتوى كل منها على ذرات منتظمة بشكل شجرة شديدة الدقة، تكرر نفسها بنسخ متطابقة ستة آلاف مليون مليون مليون مرة فى جسم الإنسان.
الماء وثانى أوكسيد الكربون والميثان والنشادر، مركبات بسيطة أنتجت الحياة على سطح الأرض والكواكب الأخرى فى مجموعتنا الشمسية، مفرد الجينات "الجينة" جزيء الحمض النووي، القادر على التضاعف ليصنع نسخا متكررة متطورة عبر مئات الملايين من السنين، لينتج الرجل البدائى الذى كان يأكل أولاده ويغتصب بناته، لكنه بالثقافة والتهذيب أصبح متحضرا يعرف الأبوة، الا أنها أبوة قاصرة، تقوم على الإنفاق، أى دفع المال، ولم تتطور الى المسئولية الأخلاقية.
سوف ترتقى الأبوة بحكم التطور والإبداع، وترتفع الى مستوى الأمومة فى عطائها وإخلاصها للزوج والأسرة، ولو أن كل رجل أصبح إنسانا، لما شرد أسرته من أجل نزوة، وانحنى أمام رفيقة عمره يقبل يدها وإن تجعدت وتغضنت بالكدمات والجروح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كوباني تحتضن مهرجان زيلان الثالث


.. -الشهيدة زيلان رمز للمرأة الكردية المناضلة-




.. لمناهضة قتل النساء منظمة سارا تطلق حملة توعوية


.. مسرحية غربة




.. دعاء عبد الرحمن طالبة بكلية الصيدلة بجامعة أم درمان