الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا عدالة الجريمة والعقاب

مصطفى الصوفي

2014 / 3 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أيّ قناعة بطبيعة الحال تتكون بتأثير البيئة الثقافية التي ننشأ بها مع تشذيب التجربة خلال مراحل الحياة. قناعات وعي الأفراد تجتمع لِتُكون النظام الاجتماعي بكل فُروعه الاقتصادية والسياسية والفكرية و القانونية, لكي نبحث عن منشأ مفهوم معين في قناعة الفرد, سنرجع الى الأسس الأولى التي يربى عليها الإنسان.

مفهوم الفعل الخاطئ و عقوبة الفعل الخاطئ (كالقصاص)هي بطبيعة الحال (في الشرق الأوسط)عقوبات قائمة على الأذى الجسدي والنفسي بالأساس. هل كانت تلك العقوبات تشكل وسيلة إصلاحية بالنسبة لنا حين نسيء أو نقصر في واجباتنا, هل توفر معنى ومبدأ يُشذب سُلوكِياتنا أمّ سيكون رادع يسبب الخوف من ممارسة الفعل ؟, هل تُعالج العقوبات السبب الحقيقي للخطيئة؟.

ضرب التلاميذ في المدارس- رغم عدم قانونية هذه العقوبة ومخالفتها لحقوق الانسان - لكنه كان ولايزال يُعتبر قانونياً حتى في بعض الولايات الأمريكية والدول الأوربية التي تبيح استخدام الضرب كوسيلة للتربية والتعليم!. قبل أيام كُنت أناقش أحد المُدرسين بإعتِباره أبن جيل يؤمن بأن الضرب هو وسيلة للتعليم والإصلاح . كان يصف لي العقوبات سابقاً - أقل ما يمكن وصفها بالسادية - بيقين على كون هذا الأسلوب هو الأنجح في صناعة فرد صالح .

هذا النقاش شغلني لما يُقارب أسبوعين وكان منطلقاً لإنشاء الكثير من الحوارات مع الأصدقاء وأفراد العائلة, كنت أحاول البحث وإيجاد رؤية أكثر عقلانية ومنطقية لمبدأ الفعل والعقاب - بغض النظر عن نوع الفعل – كنظام وقانون طبيعي عالمي, فحتى الحكومات تمارس هذا المبدأ تجاه شعوبها و الدول في ما بينها.
العقوبة بصورة عامة هي فعل سلبي, مؤذي, متسلط, يجد المبرر الأخلاقي (لدى من يفرضهُ على الأقل) كقصاص- من صاحب فعل معين- يمارس على الإنسان أو الحيوان أو كيان أو فئة معينة من قبل جهة معينة, و رغم إمكانياتنا التكنلوجية العظيمة و وقوفنا على حدود استيطان المريخ وفك شفرات الجينوم البشري لكن وعينا البشري الإجتماعي لايزال غير متوافق مع قيمنا الأخلاقية الفلسفية مع تجاهل تام للحلول العلمية .

مثلا : نحن كبشر نعتقد بأخلاقيات وقيم تبين أن إنهاء حياة الآخرين هو خطأ فادح , المفارقة هنا أن في حالة قيام كائن بشري بممارسة هذا الخطأ لنجد مبرر أخلاقي لممارسة ما صنفناه كخطأ عليه بحجة العدالة. قد يصعب تقبل هذا للكثيرين, لانهم لم يعتادوا إلاّ على تلك الأنظمة التي نمتلكها منذ فجر الحضارة البشرية – قانون أورنمو , قانون بلالاما ملك اشنونا - .

الثقافة الإجتماعية العامة تعتقد إن إرتكاب الجريمة هي خيار فردي يقرره أحدهم ببساطة ليمارس الإنحراف الإجتماعي وإفتعال الضرر لذلك من المنصف والعادل" معاقبة" المُدان والقصاص منه كبديهيه لقانون طبيعي لا يمكن الشك به أو عرضه للتحقيق. بإعتقادي أن تدمير حياة إنسان بسبب تدميره لحياة إنسان ليس إصلاحاً للمجتمع أو حتى للفرد نفسه، صناعة الخوف لم ولن تشكل أيّ وسيلة إصلاحية, فالسجن لن يصلحك إذا كنت سارقاً, لان السجن ليس مدرسة أخلاقية أو مدرسة سلوكية, إنما هو تعذيب للإنسان بمنعه من الاستمتاع بملذات الحياة مثل الحرية , كقصاص .

إن سجون العالم هي مقر لصناعة المجرمين أصلا, لأنك حينما تدخل ضمن مجموعة يكون أفرادها ناقمين على المجتمع المدني خارج أسوار السجن فبالتأكيد سَيتكون لديك الحقد أكثر من الإصلاح , الخطر الذي أتحدث عنه هو في صناعة الكراهية وليس معالجة المشكلة التي تسببت بالجريمة لكون غالبية المجتمعات لا تبحث عن مسبب الجريمة ثم تعالجها كقصاص, إنما تبحث عن مُرتكبها لإنزال العقاب بهِ كإنتقام للجريمة!. إحدى وصايا الفلسفة البوذية تقول " الجميع يخشى العقاب؛ الجميع يخشى الموت، مثلك تمامًا. لذا، لا تقتل أو تتسبب في قتل أحد. الجميع يخشى العقاب، والجميع يحب الحياة، مثلك تمامًا. لذا، لا تقتل أو تتسبب في مقتل أحد ". الضرب, قطع الأطراف, الحبس في السجون, إنهاء حياة الإنسان ,إعلان العدوان العسكري, التجويع, الحصار, العقوبات بكل أشكالها اللاإنسانية سواء كانت بين الأفراد, الشعوب, الدول, لن تُشكل "طريقة" وسيلة للسيطرة على الجريمة و مخالفة القانون لأنها لا تعالج المشكلة إطلاقاً .

لن تنخفض الجريمة بتطبيق التشدد القاسي في العقاب , أبسط دليل هو أن الدول التي تمتلك أشد الأنظمة قسوة لاتزال تمتلك أعلى نسب جريمة ومخالفة للقانون على عكس الدول التي تمتلك أقل نسبة جريمة و أقسى عقوبة لها لا تتجاوز دخول السجن ل(21) سنة.
أما الحل فهو مطروح لدى المؤسسة العلمية و المؤسسة الفلسفية المعاصرة وهو لم جرب لحد الآن بسبب الوعي الجمعي الذي يرفض الخروج عن الموروث باعتباره قوانين الكون المطلقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟